المؤسسات المالية الدولية

لقاء إذاعي للكاتب العام لاطاك المغرب حول الاستعدادات للقمة المضادة: إلغاء الديون خطوة ضرورية نحو تحقيق سيادتنا الشعبية والغذائية وفك الارتباط بالمؤسسات المالية الدولية

الاستعدادات لقمة الحركات الاجتماعية العالمية المضادة للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمراكش في أكتوبر 2023

إلغاء الديون خطوة ضرورية نحو تحقيق سيادتنا الشعبية والغذائية وفك الارتباط بالمؤسسات المالية الدولية

ان صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يمثلان في سياستهما مصالح الرأسمالية العالمية. وقد مارست هاتان المؤسستان سياستهما في عدة دول في امريكا الجنوبية واسيا وافريقيا وغيرها. للحديث عن هاتين المؤسستين وقمتهما المزمع عقدها في المغرب وعن مؤتمر القمة المضادة الذي سيعقد في مراكش المغرب في ذات الوقت اجرت اذاعة المساواة (برنامج حوارات) لقاءً مع عمر أزيكي عمر:

كاتب عام جمعية أطاك المغرب، عضو الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية.

عضو بالتنسيق الوطني (المغرب) للقمة المضادة لاجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمراكش أكتوبر 2023.

المساواة: في البدء الى أي مدى يمثل صندوق النقد والبنك الدوليين السياسية الاقتصادية للدول الكبرى حول العالم وما هي مساهمات هذه الدول في رأس مال هاتين المؤسستين؟

عمر أزيكي: صندوق النقد الدولي والبنك العالمي هما مؤسستان في خدمة مصالح الدول الرأسمالية الكبرى وشركاتها متعددة الجنسيات. أنشأت القوى الرأسمالية الغربية هاتين المؤسستين سنة 1944 كأداتين قويتين لضمان هيمنتها.

كانت هذه القوى ترغب في تفادي حدوث انهيار مالي كالذي وقع سنة 1929، وفي تأمين الاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي. أوكلت الى صندوق النقد الدولي مهمة الاشراف على استقرار العملات من خلال إنشاء “معيار الذهب” يكون فيه الدولار الأمريكي عملة محورية، حيث تعلن كل دولة موقعة على ميثاق تأسيس الصندوق عن معادلة عملتها بالذهب أو بالدولار. يتعين على الصندوق أيضاً التحكم في حركات الرساميل على المستوى العالمي.

تأسس البنك العالمي بهدف مساعدة أوروبا الغربية على إعادة الاعمار بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك سيكرس نفسه لتمويل تنمية البلدان النامية. هكذا أنشأت المؤسسة الدولية للتنمية سنة 1960 لتقديم قروض بشروط ميسرة للبلدان النامية.

يشمل مصطلح البنك العالمي البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية. تضاف اليهما ثلاث مؤسسات أخرى لتشكل مجموع البنك العالمي:

1. مؤسسة التمويل الدولية التي أنشأت عام 1956 كمؤسسة إنمائية عالمية تركز عملها على القطاع الخاص في البلدان النامية.

2. المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار: تأسس سنة 1966 كمحكمة لتسوية المنازعات بين المستثمرين والدول في معظم معاهدات الاستثمار الدولية.

3. الوكالة الدولية لضمان الاستثمار: أنشأت سنة 1988 لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات الناشئة.  

لكي تصبح دولة عضواً في البنك الدولي للإنشاء والتعمير، يجب أن تكون أولا عضواً في صندوق النقد الدولي. يختلف توزيع حقوق التصويت حسب المؤسسات الخمس داخل مجموعة البنك العالمي. يدير البنك الدولي للإنشاء والتعمير مجلس إداري مؤلف من 25 عضوا. تعد البلدان الثمانية التالية من كبار المساهمين بالبنك وتتمتع بامتياز القدرة على تعيين مسؤول: الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والصين وروسيا. ويجري تعيين السبعة عشر الآخرين من قبل مجموعات بلدان أخرى. ينتخب مجلس الإدارة، رئيسًا لمدة خمس سنوات يختاره رئيس الولايات المتحدة وفق قاعدة غير معلنة. بفعل نظام التصويت المعتمد، لا يمكن اتخاذ أي قرار دون موافقة الولايات المتحدة التي تتمتع بحوالي 16 % من حقوق التصويت على كل قرار يتخذه البنك الدولي للإنشاء والتعمير. تتبعها اليابان والمانيا ثم فرنسا والمملكة المتحدة. ثم هناك 9 مجموعات أخرى بنسب أقل. مثلا المجموعة التي تترأسها الكويت تمثل 2,21 % من حقوق التصويت وتتضمن كلا من البحرين ومصر والعراق والأردن ولبنان وجزر المالديف وعمان وقطر والامارات العربية المتحدة واليمن. نرى أن الدول النامية لا قوة لها أمام القوى الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض قراراتها وتوجه البنك الدولي لخدمة مصالحها.

بالنسبة لصندوق النقد الدولي، وكما هو الحال مع البنك الدولي، تحدد حصة الدولة عدد حقوق التصويت الخاصة بها في الصندوق، وتحوز الولايات المتحدة على أكثر من 16 % من حقوق التصويت، تليها اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة. ينتخب مجلس الإدارة مديراً عامًا لمدة خمس سنوات تختاره أوروبا على شاكلة القاعدة غير المعلنة السارية في البنك العالمي.

تتجلى إذن هيمنة الدول الامبريالية على إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتسخيرهما لمصالحها. وتتجلى القرارات التي اتخذتها هاتان المؤسستان اللاديمقراطيتان منذ إنشائهما في سياساتهما التي تضرب الحقوق الإنسانية وتعزز النيوليبرالية والرأسمالية، وفي دمارهما الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على المستوى العالمي.

قام البنك العالمي بتمويل قوى الاستعمار الغربي (فرنسا، هولندا، بلجيكا، إلخ) لنهب مستعمراتها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وإخضاعها. بعد استقلالها في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، فرض على شعوب بلدان هذه القارات تسديد الديون الاستعمارية. كان ذلك باتفاقات مع أنظمة استبدادية دعمها بالكامل عبر آلية الديون الكريهة وغير الشرعية التي أدت الى تعميق التبعية والتخلف.

في صيف 1971، قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بتعليق تحويل الدولار إلى ذهب بسبب التضخم والاختلالات المتزايدة في العلاقات الاقتصادية الدولية للولايات المتحدة. جرى إدخال نظام سعر الصرف العائم، وتبنته غالبية البلدان المتقدمة وأيضا البلدان الناشئة، مما أدى الى تحرير واسع النطاق لحركات الرساميل على المستوى الدولي. بدأ صندوق النقد الدولي يفقد بريقه.

ستشكل سنة 1979 نقطة تحول في بروز الليبرالية الجديدة. قام رئيس البنك المركزي للولايات المتحدة بول فولكر برفع فجائي لأسعار الفائدة الأمريكية التي كانت أساس مقايسة ديون دول العالم الثالث. شكل هذا الإجراء أحد العوامل الرئيسية لأزمة الديون التي اندلعت منذ 1982 في عديد من بلدان العالم الثالث التي كانت في وضعية تخلف عن سداد خدمة ديونها. هنا سيعود صندوق النقد الدولي إلى مركز الصدارة بتدخله لفرض خطط التكيف الهيكلي (برامج التقويم الهيكلي) التي كانت لها نتائج اجتماعية وخيمة على شعوب بلدان الجنوب. هذه الوصفات التقشفية ستطبق أيضا على شعوب بلدان الشمال بعد الأزمة الرأسمالية 2007-2008 خصوصا في القارة الأوروبية التي تعاون فيها صندوق النقد الدولي مع المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي لخنق بلدان تواجه صعوبات كاليونان، والبرتغال، وإسبانيا، إلخ.

المساواة: لماذا اختيرت افريقيا والمغرب تحديدا لتكون القمة المالية العالمية فيها؟ وما هي الرسائل التي تحاول المؤسسات المالية ومن ورائها الدول الكبرى المتحكمة ايصالها؟

عمر أزيكي: اجتماعات مجموعة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي السنوية تضم وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للدول العضو فيهما (189 دولة)، وكذا ممثلين عن القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية. تعقد هذه الاجتماعات في واشنطن، وفي دولة عضو غير الولايات المتحدة مرة كل ثلاث سنوات. منذ عام 1947، انعقدت الاجتماعات السنوية لهاتين المؤسستين مرة واحدة فقط في إفريقيا بنيروبي عاصمة كينيا سنة 1973، أي قبل 50 سنة. اختيار المغرب هذه السنة لم يكن من قبيل الصدفة. الرسالة الأولى التي تريد واشنطن وحلفاؤها إيصالها هنا هي مساندتها لهذا البلد الذي يعد تلميذًا نجيبا في تطبيق الوصفات النيوليبرالية للمؤسستين مع ضمان استقرار سياسي واجتماعي نسبي مقارنة مع أوضاع البلدان المجاورة. الرسالة الثانية هي مكافأتها المغرب على التطبيع مع العدو الصهيوني في سياق الاستراتيجية الامبريالية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. الرسالة الثالثة هي دعمها لمسعى المغرب في أن يكون منصة لتسهيل عبور الرساميل الغربية للتغلغل في القارة الافريقية في الوقت الذي يقوم فيه بدور درك الاتحاد الأوروبي لتقليص عدد المهاجرين/ات القادمين/ات من أفريقيا جنوب الصحراء.

المساواة: طرح البنك الدولي وصندوق النقد نفسيهما كمؤسسات مساعدة للدول والشعوب وهي في حقيقتها غير ذلك، خصوصا ما بعد جائحة كورونا، اذ تحاول هذه المؤسسات ان تستغل الظروف المالية الصعبة للدول بعد الجائحة من اجل المزيد من التدخل. كيف تعلقون على ذلك؟

عمر أزيكي: أدت أزمة فيروس كورونا إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ثارت عليها غالبية شعوب بلدان الجنوب العالمي وضمنها شعوب منطقتنا في سياق تبعات الأزمة الرأسمالية العالمية لسنة 2008. تحملت الطبقة العاملة وصغار المنتجين والقطاعات الفقيرة من السكان عبء الأزمة الاقتصادية والصحية من خلال انخفاض دخلها وزيادة بطالة الشباب والنساء. انخفضت مداخيل الميزانيات العمومية بشكل حاد. ومرة أخرى، كان خيار البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والأنظمة السياسية التي تطبق وصفاتهما هو القروض لحل الأزمة المالية وتسريع الإصلاحات الهيكلية الليبرالية المصاحبة لها.

مع بداية الأزمة الصحية في مارس 2020، أثار الخوف من موجة التخلف عن السداد وانهيار نظام الديون ذعر الدائنين والحكومات والأنظمة التي تضمن مصالحهم. قام صندوق النقد الدولي والبنك العالمي الى جانب مجموعة الدول 20 الصناعية بمضاعفة المبادرات تحت ستار تخفيف عبء الديون لتحرير الموارد اللازمة للتعامل مع الأزمة الصحية والاقتصادية. ويؤكد الواقع عدم نجاعة هذه التدابير. كان تأجيل السداد للبلدان الفقيرة احدى هذه التدابير. لكن الآجال الجديدة المحددة تزامنت مع السياق الذي فتحه غزو أوكرانيا وما اتسم به من ارتفاع في الأسعار التي تعاني منها بشدة البلدان الفقيرة. ارتفعت قروض صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للبلدان منخفضة الدخل بشكل كبير منذ سنة 2020، وأصبحت شروط هذه القروض أكثر قساوة على الشعوب. تعاني حوالي 60٪ من البلدان النامية منخفضة الدخل مديونية حادة أو هي مقبلة عليها، وفق صندوق النقد الدولي نفسه. تكاثرت أيضا حالات التخلف عن سداد الديون. منذ سنة 2020، تخلفت تسع دول عن السداد: الأرجنتين، والإكوادور، ولبنان، وسورينام، وزامبيا، وبليز، وسريلانكا، وروسيا، وغانا. وتوجد حاليا عديد من البلدان الأخرى على وشك التخلف عن السداد، مثل السلفادور وبيرو وتونس ومصر وكينيا وإثيوبيا وملاوي وباكستان وتركيا.

أصبح صندوق النقد الدولي يحتل مركز الصدارة في ظل تفاقم الأزمة متعددة الأوجه التي أثرت على العالم منذ عام 2020. أبرم اتفاقيات قروض مع حوالي مئة حكومة خلال السنوات الثلاث الماضية يفرض بمقتضاها تسريع السياسات النيوليبرالية. ونرى بمنطقتنا ما قام به الصندوق في لبنان والعراق، وما يقوم به حاليا لخنق شعوب تونس ومصر على سبيل المثال. تلوح حاليا في الأفق أزمة ديون جديدة حيث تعاني 52 دولة- أي ما يعادل 40 في المائة من الدول النامية في العالم- من مشكلة دين خطيرة حسب تقرير الأمم المتحدة حول الدين العالمي في سنة 2022 الذي أكد على أن نصف البشرية يعيشون في بلدان مجبرة على الإنفاق على خدمة الدين أكثر مما تنفق على الصحة والتعليم.

المساواة: أنتم كقمة مناهضة للقمة المزمعة، ما هي البرامج التي ستعملون عليها خلال فترة المؤتمر؟ وما هو حجم التضامن الاممي معكم، خصوصاً وأنتم تدعون لمسيرة موحدا في جميع انحاء العالم؟

عمر أزيكي: تتعبأ عديد من الشبكات والمنظمات والحركات الاجتماعية وحركات المجتمع المدني في الجنوب والشمال من أجل تنظيم قمة عالمية مضادة للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي التي ستعقد في مراكش بالمغرب في أكتوبر 2023. ستنظم هذه القمة المضادة من 12 الى 15 أكتوبر القادم. وهناك نداء عالمي على موقع القمة المضادة يتضمن أسس هذه التعبئة تحت شعار “79 سنة من الاستغلال الاستعماري الجديد، كفى! لنتحد ضد استبداد الديون!”. تتصادف القمة المضادة مع اليوم العالمي للتضامن مع مقاومات الشعوب الأصلية، وذكرى اغتيال توماس سانكارا، رئيس بوركينا فاسو الثوري الذي أعدم بوقت وجيز بعد مطالبته بجبهة موحدة ضد الديون.

يمكن الاطلاع على برنامج القمة المضادة الموجود على موقعها. ستتفتح القمة المضادة بمسيرة شعبية يوم الخميس 12 أكتوبر. بناء على اقتراح من القطب الافريقي للقمة المضادة، نريد أن تكون هذه المسيرة على مستوى جميع البلدان التي تتوفر بها هذه الامكانية خاصة ان العديد من المنظمات والشبكات لا تستطيع الحضور الى مراكش. سنطلق بعد مسيرة مراكش نداء عالميا لجعل 12 أكتوبر يوما عالميا دائما للاحتجاج ضد المؤسسات المالية الدولية. هكذا سيساهم مجهودنا من اجل قمة مضادة في إطلاق دينامية عالمية مستمرة ضد البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، خصوصا وأن هناك عادة تنظيم أسبوع عالمي للتعبئة ضد المؤسسات المالية الدولية ومن أجل إلغاء الديون في أوائل شهر أكتوبر من كل سنة.

بعد المسيرة الشعبية، ستنظم ندوة عامة افتتاحية حول دور البنك العالمي وصندوق النقد الدولي مع التركيز على رؤية هاتين المؤسستين للنساء، ولبلدان الجنوب، وللبيئة والتغير المناخي.

يوم الجمعة 13 أكتوبر ستنظم ورشات حول مواضيع تهم الأزمات الرأسمالية الاجتماعية والغذائية والاقتصادية والصحية والحضارية، والعنصرية والهجرة، إلخ.

يوم السبت 14 أكتوبر، ورشات حول النظام البيئي، والعدالة المناخية، والنساء، إلخ.

ستختتم القمة المضادة يوم 15 أكتوبر بجلسات عامة حول تجارب التعبئات سواء من أجل إلغاء الديون أو ضد مجمل تبعات سياسات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي.

تحزر القمة المضادة على تضامن أممي كبير. تجري سيرورة التحضير لها على أربع مستويات: الدولي، القارة الافريقية، منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية، المغرب. تتركز التحضيرات في الموقع الرسمي للقمة المضادة باللغات الخمس (الإنكليزية والفرنسية والاسبانية والعربية والبرتغالية). تشهد كل من واحدة من هذه المستويات اجتماعات موسعة تضم أطيافا متنوعة من الحركات الاجتماعية وسطرت برامج لتوسيع المبادرة على صعيد كل جهة. في منطقتنا على سبيل المثال، تأسست تنسيقيات وطنية للقمة المضادة على صعيد تونس والعراق علاوة على المغرب، وهناك محاولات في مصر التي تعاني من قمع شديد. لدينا صفحة فيسبوك بالعربية.

المساواة: دائما في القمم المشابهة تجمع القوى اليسارية والجماهيرية والفئات والشرائح المتضررة حول العالم قواها للوقوف بوجه السياسات المالية العالمية، الى أي مدى تعتقدون ان الاستراتيجيات التي تتبعونها وكذلك الوسائل قادرة على الوقوف بوجه الرأسمال العالمي؟

عمر أزيكي: أبانت تجارب المنتدى الاجتماعي العالمي والحركة من أجل عولمة بديلة والحركات ضد التغير المناخي عن قدرات التعبئة العالمية ضد مؤسسات الرأسمال العالمي وعن غنى البدائل التي تبلورت على مدى 30 سنة الأخيرة. وشهدت السنوات الأخيرة تنامي الاحتجاجات الشعبية على المستوى العالمي ضد أزمة الرأسمالية متعددة الأبعاد.

نريد أن تكون قمتنا المضادة فرصة أخرى لتوطيد الروابط بين النضالات العمالية والشعبية والنسوية والبيئية والمناهضة للعنصرية، وبين مقاومات الشعوب الأصلية وجميع المتضررين والمتضررات من النظام الرأسمالي المدمر للبشر والمناخ.

طبعا تعترضنا صعوبات كبيرة في مواجهة غول الرأسمال العالمي بمؤسساته القوية وعلى رأسها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. إننا نعيش حصيلة أكثر من 40 سنة من النيوليبرالية التي تتجسد في احتداد الفقر والتباينات الاجتماعية داخل وبين البلدان، وتدهور شروط عيش البشر (ارتفاع البطالة، توزيع غير عادل للثروات، انخفاض مداخيل الطبقات الشعبية، توسع الهجرة، إلخ)، وتدمير البيئة (التلوث، اتلاف التربة والغابات، إلخ)، علاوة على ارتفاع نفقات التسلح وعودة الحروب العسكرية الامبريالية بقوة. تترابط الأزمات المالية مع الأزمات الاقتصادية والغذائية والبيئية والسياسية، وتتقوى الأنظمة الديكتاتورية ويتراجع أكثر فأكثر هامش الحريات. أصبح النظام الرأسمالي العالمي أكثر إرهابا وهمجية. مازالت الشعوب تقاوم وتتلمس طريق انعتاقها في سياق انهيار تجارب البدائل للرأسمالية. رغم ما آلت اليه الأوضاع من تدهور في منطقتنا بعد السيرورة الثورية التي انطلقت في تونس منذ نهاية 2010 وبداية 2011، مازالت هناك احتجاجات ضد عنف السياسات الليبرالية المطبقة. هناك نضالات شعبية أيضا في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية وافريقيا. لدينا أمل في أن تنبثق منها عناصر بدائل للرأسمالية التي فقدت عمليا كل مصداقية لضمان هيمنتها على المدى الطويل. ربما سيطول الوقت لذلك، لكن ليس أمامنا خيار أخر سوى استمرار النضال. ومن هنا أهمية هذه القمة المضادة العالمية التي يمكن أن تنبثق عنها مبادرات أخرى لتنسيق دولي جديد للمقاومات.

المساواة: دائما ما تحملون البنك الدولي وصندوق النقد المسؤولية عن التغيير المناخي والجفاف وارتفاع درجات الحرارة. في مقابل ذلك تدعي هذه المؤسسات وقوفها بالضد من المساهمين في زيادة الاحتباس الحراري؟

عمر أزيكي: خلافًا لوعوده، يواصل البنك العالمي تمويل أنواع الوقود الأحفوري على نطاق واسع. هناك معطيات لائتلافات ومنظمات بيئية غير حكومية تنشر المبالغ التي ضخها البنك في مشاريع للوقود الأحفوري منذ اعتماد اتفاق باريس للمناخ عام 2016. رغم انخفاض نسبي لتمويله المباشر لتلك المشاريع فالبنك يواصل تمويله غير المباشر عبر وسطاء مثل البنوك الخاصة. كان رئيس البنك العالمي، ديفيد مالباس الذي عيّنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أبريل 2019، معروفا بحماسته لمشروعات الوقود الأحفوري وتهكمه الدائم على نشطاء البيئة والمناخ وأنشطتهما. كثرت الانتقادات ضده وكانت من بين أسباب استقالته في يونيو 2023.

فيما يتعلق بالتغير المناخي بشكل عام، يواصل البنك العالمي فرض سياسة مرتكزة على تكثيف الإنتاجية والاستخراجية. يمول بناء السدود الكبيرة التي تسبب أضرارًا بيئية هائلة. يشجع النموذج الزراعي التجاري والصناعي على حساب الزراعة البيئية، ويدعم الاستخدام الكثيف للمبيدات السامة والأسمدة الكيماوية المسؤولة عن تدمير التنوع البيولوجي وإفقار التربة. يحفز خصخصة الأراضي لصالح كبار ملاكي الأراضي الذين ينتجون أنواع الوقود الزراعي. يدعم الصيد البحري الكبير ومحطات تحلية ماء البحر التي تدمر الثروات البحرية.

يحرص البنك العالمي على جعل الأضرار البيئية الناتجة عن سياساته مجالا جديدا للصفقات التي يمولها تحت يافطة مشاريع “التنمية الخضراء” التي تتم هندستها من قبل الشركات متعددة الجنسيات. تنجز هذه المشاريع وفق منطق الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يعني في الجوهر تشريك خسارة القطاع العمومي وتنمية الأرباح الخاصة. مما يؤدي إلى تضخم المديونية العمومية من جديد.

ينخرط معنا في القمة المضادة بمراكش التحالف العالمي لكوب 28 (الدورة 28 من مؤتمر الأطراف حول المناخ) الذي سينعقد ما بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني و12 ديسمبر/كانون الأول 2023 في دبي بالإمارات العربية المتحدة.  أدرج هذا التحالف العالمي القمة المضادة ضمن برنامجه لتوسيع الاحتجاج ضد تغير المناخ وضد المؤسسات المالية الدولية التي تواصل تمويل المشاريع التي تزيد الاحتباس الحراري، ومن أجل فرض قيود صارمة على كبار الملوثين وعلى رأسهم مقاولات الوقود الاحفوري.

هكذا سيتجسد التنسيق النضالي بين الحركات الاجتماعية العالمية لتوسيع أبعاد مقاومتها على المستويات الاجتماعية والبيئية.

المساواة: سبق لصندوق النقد الدولي أن أشار في تقرير مراقب المالية العامة الصادر في أكتوبر 2022، بعنوان “مساعدة الناس على العودة إلى الوراء”، إلى أنه بينما يجب أن تكون أولويات الحكومات القصوى هي “ضمان حصول الجميع على الغذاء ميسور التكلفة وحماية الأسر ذات الدخل المنخفض من ارتفاع التضخم”، إلا أنها لا يجب أن تتخذ خطوات نحو الحد من زيادات الأسعار من خلال التحكم في الأسعار أو الإعانات أو التخفيضات الضريبية، الأمر الذي سيكون “مكلفًا للميزانية وغير فعال في نهاية المطاف. كيف تفسرون هذا التناقض فيما يطرحه البنك الدولي؟

عمر أزيكي: أثرت تداعيات الحرب على أوكرانيا التي اندلعت في فبرايرا/شباط 2022 بشكل كبير على اقتصادات البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض وسكانها، وبشكل خاص على سكان البلدان التي تشهد حالة حرب مثل سوريا والعراق وفلسطين المحتلة واليمن وليبيا بالنسبة لمنطقتنا. تعد هذه البلدان من بين أكبر مستوردي المواد الغذائية في العالم، وتواجه بالفعل ارتفاعًا في معدلات التضخم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية (خاصة القمح والحبوب والبذور الزيتية)، ولكن أيضًا أسعار النفط والغاز. أدى ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية إلى زيادة معاناة صغار الفلاحين الذين يشكلون غالبية المزارعين في منطقتنا.

ليس هذا كله سوى نتيجة لسياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي التي تفرض نموذج الزراعة التصديرية الكثيفة وفقًا لمعايير المنافسة والمردودية في السوق العالمية، وأدت إلى تهميش قطاع الزراعات المعيشية. كما اعتمدت هاتان المؤسستان سياسات فتح الحدود أمام غزو سلع مقاولات الشمال المدعمة التي زادت من التبعية الغذائية لبلدان الجنوب العالمي. فالأزمة الغذائية العالمية التي بدأت حتى قبل الحرب على أوكرانيا ليست ناجمة عن نقص عالمي في إنتاج المواد الغذائية، بل عن عمليات مضاربة في السوق العالمية تحدد فيها الأسعار حفنة من الشركات متعددة الجنسيات. في ظل هذه المعطيات البنيوية، ينم حديث صندوق النقد الدولي والحكومات والأنظمة بتوفير غذاء بأسعار منخفضة عن خوف من انتفاضات شعبية ضد الغلاء، والتي عهدناها في منطقتنا بانتفاضات الخبز منذ بدايات الثمانينات. قد تقوم الحكومات ببعض الإجراءات الترقيعية من أجل الخداع. لكن صندوق النقد الدولي يوصي في جوهر الأمر بتقليص دعم أثمان المواد الغذائية والمحروقات، وزيادة الضرائب غير المباشرة التي تتحمل الطبقات الشعبية أعباءها، في الوقت الذي يدعم فيه الرأسمال الكبير عبر تخفيضات ضريبية وإعانات عمومية. نسرد مثالين من منطقتنا: في إطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد، قدمت الحكومة التونسية في يونيو/حزيران 2022 برنامجًا للإصلاحات تضمن إصلاح نظام دعم المواد الأساسية ومواد الطاقة وتقليل العبء الضريبي على المقاولات الكبيرة. في المغرب، ألغت الدولة بالكامل دعم مواد الطاقة في دجنبر/كانون الأول 2015، مما ساهم في ارتفاع الأسعار بشكل عام.

إنه حرص دائم من قبل الصندوق على تقليص الميزانيات الاجتماعية لضمان تسديد الديون العمومية.

المساواة: دائما ما تطرح المؤسسات المالية العالمية نفسها كمساعد للدول الأكثر فقرا حول العالم من خلال تقديم الديون لهذه الدول … كيف تسمح هذه الديون بالمزيد من التحكم بمصير شعوب بأكملها؟

عمر أزيكي: أشرت في البداية الى دور هاتين المؤسستين في الديون الاستعمارية وفي الديون الكريهة في فترة الاستقلال عبر مساندتهما لأنظمة ديكتاتورية. موّل البنك العالمي عبر قروض ضخمة مشاريع كبيرة مكلفة جدا أدت الى إرساء أسس الاستعمار الجديد في البلدان النامية التي اتبعت وصفاته. أدت برامج التقويم الهيكلي التي نتجت عن أزمة الديون في بداية الثمانينات الى احتداد تبعية هذه البلدان الغذائية والاقتصادية والمالية والصناعية، والى تعميم الخصخصة وهيمنة القطاع المالي العالمي والى توسيع اتفاقيات ما يسمى بالتبادل الحر التي تشكل الى جانب الديون آلية لترحيل الثروات الى مقاولات الشمال الكبرى. هكذا سقطت غالبية البلدان النامية في كماشة الديون، وأصبحت خدمة الدين تفوق بكثير الميزانيات الاجتماعية الرئيسية وتحول دون أي تنمية اجتماعية وبشرية حقيقية. واكتسى تسديد الديون أولوية تفرض بموجبها المؤسسات المالية الدولية سياسات ليبرالية تطبقها الطبقات الحاكمة لصالح كبار الرأسماليين أجانب ومحليين. نفس الأمر ينطبق على شعوب بلدان الشمال بعد أن ساهم البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في إنقاذ البنوك الخاصة الكبرى في الدول الصناعية الكبرى إثر الأزمة العالمية للرأسمالية في 2007-2008 من خلال مديونية عمومية ضخمة مصحوبة بسياسات التقشف وتدمير المكاسب الاجتماعية. ليست الديون إذن مجرد قروض وجب استردادها، بل هي نظام استعباد وقهر وإخضاع للشعوب والتحكم بمصيرها.

المساواة: أنتم تدعون لإلغاء هذه الديون. عمليا هل هذا الطلب واقعي، وما هي وسائل القوى المناهضة للسياسات المالية من اجل إطفاء هذه الديون؟

عمر ازيكي: نطالب بإلغاء الديون العمومية حتى نتمكن من توفير موارد مالية ضرورية لتنمية مبنية على تلبية الحاجيات الأساسية للشرائح الشعبية الواسعة وسن سياسات عمومية تقوم على ضمان العيش الكريم ودعم مواد الاستهلاك الرئيسية وربط الأجور بضرورات الحياة وتوفير السكن اللائق والخدمات العمومية مجانا وصون حقوق النساء وفرض ضريبية تصاعدية على الثروات واحترام البيئة، إلخ. 

يعني إلغاء الديون بالأساس تحقيق سيادتنا الشعبية والغذائية وفك الارتباط بمراكز القرار الأجنبية من مؤسسات مالية وتجارية دولية وقوى امبريالية. يستند هذا المطلب على اعتبار هذه الديون غير شرعية وغير قانونية وكريهة وغير قابلة التحمل.

ليس هذا المطلب بعيد المنال. عرف التاريخ إلغاءات فعلية للديون. في روسيا في 1918، رفضت الحكومة الجديدة التي انبثقت من ثورة 1917 تحمل مسؤولية ديون روسيا القيصرية وألغت دون شرط جميع هذه الديون. في أمريكا اللاتينية في سنوات 1930، قامت عشرات البلدان بتعليق التسديدات. هناك تجارب إلغاء الديون ناجحة حديثا أهمها تلك التي كانت في الإكوادور في 2008.

أثارت جائحة كوفيد من جديد مسألة إلغاء الديون. كانت هناك اعلانات لرؤساء بلدان فقيرة بضرورة الغاء الديون لمواجهة الأزمة الصحية. لم يكن لها أي مستتبعات. على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كانت هناك حملات لإلغاء الديون الكريهة في مصر وتونس في 2011-2012. في الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في أكتوبر 2019 في لبنان، طالبت مجموعات من المناضلين/ات الشباب بوقف سداد الديون. أطلق ممثلو العديد من الحركات الاجتماعية في المنطقة نداء في يونيو 2020 يطالبون فيه بإلغاء الدين العمومي.

إن التعبئة الحقيقة من أجل إلغاء الديون مطروحة على الشعوب التي ستفرض على الحكومات والأنظمة اتخاذ هذا القرار من جانب أحادي. يعد تدقيق الديون خطوة ضرورية من أجل تعبئة واسعة وإعداد الشروط الذاتية لرفع مطلب إلغاء الدين العمومي انطلاقا من أسئلة بسيطة: من اقترض هذه الديون باسمنا؟ مع من استشار؟ من أقرضه؟ بأية شروط وفي أية ظروف؟ أين صرفت هذه الديون وكيف؟ ماذا استفدنا وماذا خسرنا؟ هذا ما نريد إعادة طرحه من خلال هذه القمة المضادة بمراكش والتداول في شروط التعبئة العالمية من أجل تجسيده في ظل موازين القوى العالمية الحالي.

المساواة: ما هي الألية التي تتبعونها حالياً لإعادة نسج الروابط بين النضالات الشعبية والنسوية والايكولوجية والمناهضة العنصرية مع نضالات المزارعات/ين والشعوب الاصلية وجميع المتضررات/ين من النظام الرأسمالي المدمر للمناخ؟

عمر أزيكي: بفعل عوامل عديدة، تراجعت الحركة من أجل عولمة بديلة -وضمنها المنتدى الاجتماعي العالمي- التي كانت تقوم بدور كبير في توطيد الروابط بين مختلف النضالات والمقاومات على المستوى العالمي. ولم تفلح بعض المحاولات لبناء تجارب جديدة. طبعا تواصل عديد من المنظمات والشبكات والجمعيات تنسيق تعبئاتها في محطات دولية: دفاعا عن الشعوب الأصلية، دفاعا عن السيادة الغذائية، ضد الديون، ضد الفقر، ضد العنصرية، ضد منظمة التجارة العالمية، ضد مجموعة السبع الكبار، إلخ. على سبيل المثال أيضا تنتهي اليوم (27 غشت/أغسطس 2023) أشغال الجامعة الصيفية للحركات الاجتماعية والتضامن التي بدأت قبل أربعة أيام ببوبيني بفرنسا. هي محطة تنظم كل عامين منذ عام 2018 من قبل مجموعة كبيرة من الجمعيات والنقابات وغيرها. نظمت في غرونوبل بفرنسا في 2018 بحضور أكثر من 2200 مشارك، وفي عام 2021 في نانت بفرنسا، أكثر من 1800 على الرغم من الأزمة الصحية.

من بين الحركات النضالية القوية التي برزت عالميا في السنوات الأخيرة نجد تعبئات النساء التي نزلت بالملايين الى الشوارع في عديد من بلدان العالم ضد مختلف أوجه الاضطهاد وأيضا من أجل الاضراب النسوي يوم 8 مارس. كما نجد أيضا التعبئات الواسعة عالميا ضد تغير المناخ التي انخرط فيها بالأساس شباب ونساء.  نأمل أن تشكل القمة المضادة لبنة أخرى في طريق إعادة نسج الروابط بين جميع المتضررات والمتضررين من النظام الرأسمالي المدمر للبشر والمناخ.

المساواة: هل فعلاً ستتحول ذكرى تأسيس البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في العام القادم من احتفالية الى محطة لإجبار هاتين المؤسستين على تسديد ديونهم التاريخية للشعوب؟

عمر أزيكي :80 عاماً من الجرائم ضد الشعوب والبيئة. من أجل ماذا؟ لتنمية أرباح الشركات متعددة الجنسيات والحكومات وأثرياء العالم. هذه هي حصيلة هاتين المؤسستين. آن لشعوب العالم أن تخوض معارك قوية للتبرؤ من جميع الديون الاستعمارية والبيئية والكريهة واللاشرعية. سيكون ذلك عبر قرارات سيادية تتخذها حكومات شعبية مستندة الى تعبئة حقيقية لجميع قوى المجتمع. ستؤدي هذه السيرورة الى ضرورة القطع مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي اللذان يشرفان على نظام الديون العالمي. ستطرح الحاجة الى هيكلة دولية جديدة تبنى على أسس ديمقراطية وعلى إعادة توزيع عادل للثروات وتدعم جهود الشعوب وتضامنها لتحقيق تنمية فعلية وفق حاجيات العيش والرفاهية واحترام الطبيعة. ستكون وظيفة المؤسسات المالية الدولية التي ستحل محل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي تقديم قروض بدون فائدة أو معدلات فائدة منخفضة للغاية، لتمويل برامج اقتصادية واجتماعية وبيئية لصالح الشعوب بعيدا عن منطق السوق. سيكون عليها أيضا أن تفرض رقابة صارمة على حركات الرساميل وضمان استقرار العملات ومحاربة المضاربة.

هذا هو المعنى النضالي الذي نريد أن نعطيه لهذه الذكرى 80 لتأسيس البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. هل سيتحقق ذلك؟ ذلك ما نتمناه ونصبو اليه. سنعمل على أن تكون القمة المضادة بمراكش خطوة في هذا الاتجاه.

المساواة: في ظل ازمة مالية تواجهها الرأسمالية العالمية وكذلك التفاوت الطبقي الذي تعيشه شعوب العالم واشتداد الصراعات المسلحة وخطر حصول حرب نووية بين روسيا والغرب وغيرها من التهديدات الأخرى الى اين يتجه العالم، وما هو مصير السياسات الاقتصادية المعمول بها في العالم اليوم؟

عمر أزيكي: الى أين يتجه العالم؟ هذا سؤال مقلق لنا جميعا. يتجه نحو مزيد من الهمجية، من الإرهاب، من الحروب، ومن التدمير على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. جلي أن السياسات الاقتصادية المعمول به اليوم هي السبب في كل هذا الخراب. توسعت العولمة الرأسمالية وازدادت معها ثروات حفنة من الرأسماليين بشكل هائل في الوقت الذي تآكلت فيه الأجور بشكل سريع وتقلصت فيه مداخيل الأغلبية وارتفع عدد اللواتي واللذين يعانون من الجوع. التغيرات المناخية بظواهرها القصوى من جفاف وفيضانات تعصف بالبلدان الفقيرة الغارقة في الديون والفقر والتخلف. القرارات الأساسية المصيرية تتخذها المراكز الامبريالية الكبرى ومؤسسات الرأسمال بضغط من الشركات متعددة الجنسيات التي زادت سطوتها على الدول. أخضعت جميع الأنشطة البشرية لمنطق السوق ولقانون المقاولات والربح. نرى أن حتى الديمقراطية البورجوازية التي تتغنى بحقوق الانسان يجرى تقويضها في البلدان الغربية. نشهد صعودا مهولا للقوى اليمينية وأنظمة ديكتاتورية.

الرأسمالية تعيش أزمة عميقة متعددة الأبعاد، ما يستعدي مواجهتها بتعبئات عالمية نسوية وبيئية ومناهضة للعنصرية. نستمد أملنا من المقاومات الشعبية العريضة التي تتنامى عبر العالم بأشكال مختلفة بوجه هذه العولمة الرأسمالية المدمرة. يبدو الأفق السياسي لهذه المقاومات صعبا في ظل ميزان قوى عالمي غير ملائم وفي ظل فقدان مصداقية المشروع الاشتراكي البديل للرأسمالية. لكن صف المناهضات والمناهضين للرأسمالية يتوسع ويراكم على مستوى بدائل انعتاق الشعوب وسبل التنظيم الجماعي لبلوغها.

المساواة: أخيرا ما هي رسالتكم الى كل المفقرين والمضطهدين وشعوب الأرض من اجل الوقوف بوجه سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين؟

عمر أزيكي: لم يعد لدى الشعوب ما تخسر سوى أغلالها. ليس لديها من خيار آخر سوى المقاومة. عليها استعادة الثقة في وحدتها وتضامنها في وجه مؤسسات الرأسمال العالمي. يجب التخلي عن أوهام اصلاح هذه المؤسسات او التعايش معها. لابد من قطيعة جذرية معها ومع نظامها الرأسمالي للحفاظ على وجودنا كبشر وعلى بيئة هذه الأرض حتى تستمر فيها الحياة.

برنامج حوارات من اعداد: وتقديم نور محمد

لمشاهدة الحوار على فيسبوك إذاعة مساواة:

https://www.facebook.com/watch/?v=690221575771751&extid=WA-UNK-UNK-UNK-IOS_GK0T-GK1C&mibextid=2Rb1fB&ref=sharing

زر الذهاب إلى الأعلى