شكلت المسيرة الرائعة التي نظمت يوم الثلاثاء 27 يناير تحت تهاطل كثيف للأمطار بمثابة الافتتاح الرسمي للدورة الثامنة من المنتدى الاجتماعي العالمي في بيليم في البرازيل. و قد بلغ عدد المشاركين حسب السلطات البرازيلية 000 70.
جاب المشاركون في المسيرة ومن ضمنهم مناضلو أطاك العالمية و شبكة لجنة إلغاء ديون العالم الثالث أكبر شوارع مدينة بيليم في قلب الأمازون مرددين شعارات مناهضة لليبرالية والرأسمالية والحرب البربرية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين حيت زينت أعلام فلسطينية من أحجام مختلفة مواكب العديد من المنظمات خاصة منظمات اليسار الراديكالي البرازيلي كما أن المشاركون من البرازيلين لم يترددوا في ترديد بعض الشعارات التي تنتقد سياسات الليبرالية الجديدة التي ينتهجها الرئيس البرازيلي لولا.
امتدت أشغال المنتدى على مدى 5 أيام و اختتمت في 1 فبراير 2009 بمشاركة أكثر من 130 ألف ممثل عن 150 دولة و 4000 من الحركات ومنظمات المجتمع المدني. 80 ألف من سكان ولاية بارا الأمازونية (بيليم وهي العاصمة)، 30 ألف من البرازيل و الباقي أي 20 ألف من باقي بلدان العالم و 3000 صحافي من كل أنحاء العالم حضروا لتغطية الحدث
انعقد المنتدى في جامعتين، الجامعة الفيدرالية الريفية للأمازون (UFRA) والجامعة الفيدرالية للبارا (UFPA) بتنظيم حوالي 2000 نشاط مابين ورشات عمل وحلقات دراسية وندوات جمعت ناشطين ومثقفين وفنانين من مختلف أنحاء العالم يبحثون في أزمة الرأسمالية، والعواقب الوخيمة المترتبة على العمال، وعلى والسكان الأصليين والسكان المهمشين. وقد طبعت الأزمات العالمية المتتالية (أزمة غدائية بيئية ومالية) على النقاشات والسجالات داخل المنتدى وعملت في اعتقادنا على تجدر la radicalisation في مواقف العديد من المنظمات
ثاني أبرز حدث في المنتدى بعد مسيرة الافتتاح شكلته الندوة التي دعت إليها حركة الفلاحون بدون أرض MST و دعت إليها رؤساء أربعة دول من أمريكا اللاتينية –هوجو شافيز (فنزويلا)، رافائيل كوريا
(الإكوادور)، إيفو موراليس (بوليفيا ) و فرناندو لوغو (باراغواي)– وقد وجهت لهم دعوات خاصة في حين لم يستدعى الرئيس لولا وهو ما يشكل إشارة قوية نظرا لسياساته الليبرالية. وقد عرفت هذه الندوة مداخلات للرؤساء في حين استغل زعيم الحركة بدون أرض – MST Joao Pedro Stedile الفرصة من أجل انتقاد
ولو بطريقة لبقة سياسات الزعماء الحاضرين واصفا إياها بالغير الكافية في مواجهة الليبرالية الجديدة في بلدانهم كما انتقد السياسة الخارجية للبرازيل وطالبها بمعالجة الأضرار التي تسببت فيها البرازيل للأرغواي. في حين أكد تشافيز على أنهم يحضرون ليس كرؤساء و لكن كمناضلين لكي يقدموا كشف حساب لرفاقهم حول ما قاموا به . وإذا اختار هؤلاء الرؤساء الاستجابة لمطالب شعوبهم الذين انتخبوهم ومقاطعة منتدى الباطرونة العالمية والمشاركة في منتدى الشعوب فإن حكومتنا التي لا تمثل إلا نفسها وحفنة من الطفيليين المستفيدين من الوضع الحالي ببلادنا فضلت المشاركة بوفد رسمي “هام” على رأسه الوزير الأول عباس الفاسي صاحب فضيحة النجاة في منتدى أسياد العالم الجدد في منتجع دافوس !!
وقد عرفت معظم الأنشطة مسائلة حادة للنظام الرأسمالي في ظل الأزمات المركبة التي يعيشها العالم مع التأكيد على نقطتين هامتين: الأزمة المالية وتغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، بعض الأنشطة حول القصف الإسرائيلي لقطاع غزة حيت شهدت بعضها إقبالا كبيرا.
… في نقط قوة المنتدى
شكل المنتدى العالمي ببيليم 2009 قفزة نوعية بالمقارنة مع نكسة نايروبي بحيت ارتفع عدد المشاركين إلى
130 ألف عوض 57 ألف في كينيا. كما أن ظرفية الأزمة الحادة التي يعيشها النظام الرأسمالي العالمي حاليا فرضت نفسها على نقاشات ودفعت المناضلين من أجل عولمة بديلة إلى تبني أسلوب أكثر هجومية، بحيث دافع الكثير منهم على ضرورة استغلال الأزمة كفرصة تاريخية للقطع النهائي مع نظام الاستغلال الفقر والتهميش من جهة والاستهلاك والتبذير من جهة ثانية الذي يشكله النظام الحالي. كما أكدوا على أن الهدف ليس هو إصلاح النظام وإنقاذه ومساعدة حفنة من المقامرين كما يحاول فعله أسياد العالم الجدد في دافوس وإنما الهدف هو انقاد الإنسانية والطبيعة وتحسين جودة حياة الملايير من البشر ولو كلف ذلك التخلص من النظام الرأسمالي.
تنظيم المنتدى بغابة الأمازون، وهي رئة الكرة الأرضية، والمشاركة المكثفة للسكان الأصليين في المنتدى جعل النقاش حول التغيرات المناخية وإعادة تملك الشعوب خاصة الأصلية لثرواتها (أرض، ماء، غابات، معادن…) في صلب اهتمامات المنتدى الاجتماعي العالمي.
… في نقط ضعف المنتدى
- ضعف التنسيق والتقارب حيث تكررت مجموعة من المواضيع عشرات المرات وهو مايعني ضياعا للطاقات والوقت وقد وجد المشاركون نفسهم حائرين بين الورشات والندوات والحلقات التي كان بعضها يحمل نفس العنوان.
- مشكل الترجمة وغياب المترجمين حيث اضطرت العديد من المنظمات للبحت عن مترجمين داخل الورشات وهو ماساهم كذلك في انخراط أكبر للمشاركين في النقاش وتسيير الورشات.
- ضعف على مستوى التنظيم اللوجستيكي خاصة غياب الأجهزة والآليات المساعدة كالمكروفونات والداتاشاو خاصة في الورشات.
- كلفة الدخول، ورغم الانتقادات الكبيرة لدورة نايروبي والتي تبنيناها إلى جانب رفاقنا في لجنة إلغاء ديون العالم الثالث، فإنها ظلت باهظة خاصة بالنسبة للمحللين وسكان بيليم الفقراء و بلغت 30 ريال و هو مايعادل 10 وجبات طعام. وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن تجاوز هذا الاشكال إدا توفرت الإرادة كما تم ذلك فعلا في المنتدى اللاممركز في كراكاس عام 2006.
- تواجد كبير للشرطة العسكرية بالمدينة خاصة الأحياء الفقيرة التي تحيط بجامعتي الأوفبا والأوفرا وهو ما اعتبره السكان استفزازا.
- حضور ضعيف لممثلين عن مناطق شاسعة من الكرة الأرضية (إفريقيا، المنطقة العربية، الصين والهند …) بالمقارنة مع أوربا والأمريكيتين وهو ماقد يشكل عائقا خاصة وأن هذه المناطق تشهد ضعفا كبيرا في الحركات من أجل عولمة بديلة إضافة إلى أن غيابها يجعل مواضيع ذات أهمية قصوى كالتطرف الديني والحرب المزعومة على الإرهاب لاتحضى بالأهمية المناسبة داخل المنتدى.
… عن مشاركة أطاك المغرب
رغم اقتصارنا على مشركة مناضل ومناضلة من أطاك المغرب نظرا لأسباب بديهية على رأسها العامل المادي، و رغم المتاعب الكبيرة خاصة في التنقل التي واجهناها : طول مدة السفر التي وصلت 3 أيام، ضياع الأمتعة والممارسات العنصرية التي كنا ضحايا لها في مطار لشبونة حيت عوملنا إلى جانب رفاقنا من إفريقيا معاملة الكلاب وتركنا لمدة أكثر من 10 ساعات ليلا في بهو مغلق يشبه مراكزا لاعتقال المهاجرين بدون أكل و لا شرب و لا غطاء !!
رغم كل ذلك كانت مشاركتنا متميزة من خلال المساهمة الفاعلة في بعض من ورشات وأنشطة لجنة إلغاء ديون العالم الثالث حول الأزمات (المالية الغدائية والبيئية)، الدين الإكلوجي والثروات المشتركة، القضية الفلسطينة حيث دافعنا على ضرورة اتخاد موقف واضح من الكيان الصهيوني وجرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها ضد الشعب الفلسطيني وأن تحرر شعب فلسطين والتعايش السلمي لشعوب المنطقة بمختلف أديانهم ومعتقداتهم يشكل أحد سمات العالم البديل الذي نطمح لبنائه.
.
كما شكلت مشاركتنا في المنتدى العالمي فرصة مواتية لحشد الدعم الدولي مع رفاقنا المعتقلين من مجموعة سيدي إيفني وكافة المعتقلين السياسيين بالمغرب وكذا التعريف بالنضالات الاجتماعية التي يعرفها المغرب خاصة نضالات سكان سيدي إيفني من أجل مطالبهم المشروعة.
وقد عرف عرض فيلم “إفني، السبت الأسود” حول انتفاضة سيدي إيفني والقمع الذي تلاها، يوم السبت 31 يناير بجامعة الأوبرا، تعاطفا كبيرا من لدن الحاضرين رغم قلتهم ونقاشا جيدا بين رفاق من بلدان مختلفة (البرازيل، الأرجنتين، البرتغال، أمريكا، فرنسا، …) إضافة إلى مغاربة مهاجرين في أوربا.
… طريق الأمل
كم هو إحساس رائع أن تكتشف من خلال ملتقى عالمي من حجم المنتدى الاجتماعي العالمي أنك تنتمي لعائلة كبيرة تقدر بالآلاف وربما الملايين من الحالمين بعالم أفضل، عالم أكثر عدالة و مساواة، عالم تكون فيه تلبية الحاجات الأساسية والعيش الأفضل Vivre mieux بالنسبة للغالبية المحرك الأساسي لأية سياسة (اقتصادية، اجتماعية، بيئية، …) في إطار من التضامن بين الشعوب عوض منطق مراكمة أكبر قدر من الأرباح بالنسبة لحفنة من البرجوازيين الذي يشكل للأسف محرك كل السياسات في عالمنا اليوم.
مشاركتنا في عرس نضالي من هذا الحجم مع التجدر الواضح في مواقف العديد من المنظمات بفعل الأزمة يجعلنا أكثر ثقة وأملا في المستقبل ويعطينا شحنة إضافية لمواصلة النضال محليا والتفكير شموليا إلى جانب رفاقنا في إطارات أخرى مناضلة وإلى جانب شعبنا حتى تحقيق تحرره الكامل من الاستبداد السياسي والاقتصادي الذي نعاني منه اليوم.
و إذا كان رفاقنا خاصة في أمريكا اللاتينية قد قطعوا أشواطا هامة على درب التحرر الكامل حيث أنهم استطاعوا أن يفرضوا بفضل نضالاتهم و تضحياتهم حكومات شعبية (رغم الانتقادات التي يمكن أن تكون لدينا عليها) قطعت بشكل واضح مع الهيمنة الأمريكية واقتصاد السوق، فإن الطريق أمامنا في دول الجنوب مازال طويلا وشاقا للسير على دربهم وتحقيق ما حققوه.
م. جواد (عضواطاك المغرب – شبكة اللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث)
بيليم 01 فبراير 2009
