أنشطة الجمعيةالمجموعات المحليةالمكتبةصور وفيديو

ندوة أطاك المغرب مجموعة طنجة حول التعليم : نص الأرضية وتسجيل مداخلتي منير الحجوجي وعبد القادر المرجاني

أرضية ندوة أطاك المغرب – مجموعة طنجة

تفكيك التعليم، الخلفية والأهداف على ضوء الرؤية الاستراتيجية

يسرع الحاكمون هجومهم لتدمير التعليم العمومي كحق من الحقوق الأساسية للشعب المغربي. لا يتعلق الأمر فقط بالتخلي التدريجي عن مبدأ المجانية ، بعد ضرب مبدأ الوحدة من قبل، بل كذلك بربط مضمون التعليم بروح الطاحونة الرأسمالية وقيمها.

ما تتعرض له المدرسة والجامعة المغربية عدوان واع من القائمين على الامر في هذا البلد. لا يتعلق الامر بفشل اصلاح التعليم كما يتم الترويج له بشكل واسع، بل الأمر يعتبر نجاحا ناجزا لمخطط وضع التعليم العمومي على حافة الافلاس. لم يبدأ الامر حتما مع ميثاق 1999، بل قبل ذلك بكثير، حيث كانت المدرسة والجامعة موضوع عدوان متواصل، بلغ ذروته بالتأكيد حين توافقت التعبيرات السياسية للطبقات السائدة بالمغرب، والتي طالما تصارعت من قبل حول تفاصيل معينة من سياسة التعليم، على وثيقة الميثاق الليبرالي والذي يمثل تكثيفا لرؤية للمدرسة، تدمج وظيفة اضطهادية عنوانها تربية على الخنوع وقبول الاستبداد، ووظيفة إعادة انتاج موسعة للواقع الطبقي السائد، ووظيفة جعل المدرسة مشتلا لعمال طيعين، ومستهلكين مستلبين، ووظيفة اعتبار التعليم والتكوين  مجالا اخرا للاستثمار وجني الارباح، كل ذلك تحت عناوين براقة وخادعة.

لم يكن الميثاق الا رجع صدى لتوجيهات من يحكم البلد فعلا. إن السياسات العامة في بلدنا يوجهها بشكل رئيسي الثالوث الدولي المتمثل في البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. فمنذ سنة 1995، أصدر البنك العالمي تقريره الشهير حول قطاع التعليم بالمغرب الذي يؤكد على ضرورة تقليص اعتمادات الدولة المرصودة للتعليم على مستوى التسيير والاستثمار العمومي، وفتح القطاع للاستثمارات الرأسمالية الخاصة وتحفيزها. ومنذ عام 1995 أيضا، التزم المغرب بمقتضيات الاتفاق العام حول تجارة الخدمات الذي تبنته منظمة التجارة العالمية والذي يطالب بإخضاع التعليم لمنطق السوق، ويمنع منح امتيازات لنظام التعليم العمومي على حساب القطاع الخاص.

لم يكن تبني برامج جديدة في التعليم الا انعكاس لتطور ميزان القوى الموجود بالبلد في اتجاه يخدم مصلحة من هم فوق، كلما تقدم الحاكمون في تفكيك التعليم، كلما زادت حاجتهم لمزيد من تفكيكه، هكذا  ولتسريع تنفيذ جوهر ما يطالب به الثالوث الدولي في مجال التعليم تم تبني البرنامج الاستعجالي، والتدابير ذات الأولوية، وصدرت الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم  2015-2030 التي تسعى أساسا إلى توسيع خصخصة التعليم وتقليص نفقات الدولة، والتركيز على جلب استثمارات خارجية لتمويل منظومة التعليم، واستقطاب مؤسسات أجنبية لفتح مؤسسات التعليم، وجعل المقاولة في صلب التكوين. وكبداية لأجرأة هذه الرؤية الاستراتيجية، صدر المرسوم القاضي بفصل التكوين عن التوظيف بالنسبة للأساتذة المتدربين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. وقررت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني « توظيف » 11000 إطار بموجب عقود محددة المدة مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، بناء على مرسوم التشغيل بالعقود محددة الآجال في الإدارات العمومية. ودعا المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في دورته العاشرة بتاريخ 21 و22 نونبر 2016 إلى وضع آجال وآليات لتفعيل مقتضيات الإصلاحات الجوهرية كتلك التي سبق لميثاق التربية والتكوين أن نص عليها والمتعلقة بإقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي وكذا في التعليم الثانوي.

يرتبط جوهر هذا الهجوم على الطابع العمومي للتعليم، أولا، بضرورات تسديد الديون العمومية، حيث أن نفقات الدين العمومي لسنة 2015 بلغت 157 مليار درهم، في حين لم يخصص لميزانية التربية الوطنية سوى 46 مليار درهم، و13 مليار درهم لميزانية الصحة. وثانيا، بمتطلبات الرأسمال العالمي والمحلي لتيسير الاستحواذ على قطاع التعليم (والصحة أيضا) من خلال تعديل القوانين وتطوير أشكال الدعم والتحفيز. وتتحمل الطبقات الشعبية الواسعة التي تعاني من ضعف الدخل والهشاشة والفقر نفقات هذا التدمير.

يتدثر الهجوم بشعارات ومفاهيم تبدو للعقل الغير النقدي براقة وأهدافا نبيلة يعيق الفساد المعمم وسوء التسيير الوصول إليها. لكن حقيقة الامر أن تلك المفاهيم هي التي يجب ان تتم مساءلتها، فهي حوامل الهجوم ووعائه، وهي عناوين التدمير السائر الان. لا تمثل مفاهيم الانصاف وتكافؤ الفرص والحكامة الجيدة والتدبير الحديث…، رغم حمولتها اللغوية الإيجابية، إلا رافعات لوضع التربية بشكل نهائي تحت رحمة رأس المال ومصالح المقاولة الرأسمالية. اننا بحاجة الى تقديم مفاهيم مضادة، بعد تفكيك وشرح حمولة المفاهيم القائمة.

عملت أطاك المغرب منذ تأسيسها على التحسيس بهذا الخطر، ونظمت في منتصف العقد الماضي حملة ضد خوصصة التعليم، وحاولت بقواها المتواضعة المساهمة في تشكيل جبهة وطنية للتصدي لمخططات الحاكمين في التعليم. وفي تحليلاتنا ومواقفنا نربط الأمر بجوهر الهجوم الشامل الذي يتعرض له من هم في الاسفل، انه هجوم متعدد الابعاد لن يترك مجالا الا وسيحاول الوصول اليه، بدء بالخدمة الاجتماعية وحقوق الاجراء وصولا الى شكل تنظيم المجتمع، ان جوهر الهجوم في نظرنا هو سعي رأس المال الى ارساء ديكتاتورية شمولية جديدة، تستهدف شكل وجود الانسان. وموقع المدرسة يوجد في قلب هذا الهجوم، انهم يريدون جعلها المكان الاول لتدمير الانسان.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى