النساء

خنيفرة تنتفض… ونساء الهامش يفضحن زيف الشعارات

في خنيفرة، خرجت نساءٌ من أكثر الأقسام هشاشة، نساءٌ حملن على أكتافهن قسوة الجبال والفقر والتهميش لسنوات طويلة. خرجن لا ليطالبن بامتيازات ولا ليتسولن صدقات، بل ليطالبن بما يجب أن يكون متجسدا كحقوق بديهيّة: تعبيد طريق تربطهن وأسرهن بولوج خدمات أساسية على قلتها و رداءة المتوفر منها، رفع التهميش عن منطقتهن وضمان مصادر العيش، إنهن ببساطة طالبن بحقوق تعد شرطا وأساسا لتحقق الكرامة الإنسانية.

لكن كما جرت به العادة، حين يخرج الهامش ليُسمِع صوته، تنقلب لغة الدولة من “التمكين” و“المناصفة” و“حقوق النساء” إلى عنفٍ مباشرٍ وتضييقٍ مخزٍ.

تمّ دفع النساء، تهديدهن، محاصرتهن، والتعامل معهن وكأن صوتهن لا يجب أن يسمع ويتجاوز أسوار القهر والفقر التي شهدتها سياسات الدولة الاجتماعية والاقتصادية.

هكذا قوبلت المسيرة السلمية: بعنفٍ جائر، لا يليق إلا بدولة تخشى انفضاح شعاراتها الواهنة حول “مقاربة النوع الاجتماعي”.

من هنّ هؤلاء النسوة؟

هن نساء يتحملن بؤس وشقاء الحياة اليوميين ، فلاحات صغيرات، نساء في الهامش الاجتماعي والاقتصادي، نساء دفعتهن الحاجة لأن يقمن مقام الدولة نفسها في توفير كل الخدمات حفاظا على حياة أسرهن. هنّ الصورة الحقيقية لنساء المغرب المفقرات اللواتي لا يظهرن في المؤتمرات والندوات والبرامج الإعلامية الرسمية المصقولة، النساء اللواتي عندما تلم بهن الكواراث من زلازل وفيضانات، أو عندما ينتفضن ضد الظلم والحكرة ويفرضن أنفسهن على من يقمع وجودهن ويسكت صوتهن.

ما الذي دفعهن للخروج؟

سنوات من الحرمان، غياب مصادر دخل تكفل العيش الكريم، ارتفاع تكاليف الحياة، انعدام البنيات الأساسية، وتراكم سياسات تُصرّ على ترك المناطق الجبلية تعيش خارج الزمن.

ولم يبق أمامهن إلا الشارع… لأن صوتهن لا يجد طريقه لمراكز السلطة إلا حين يتجسّد في وقفات ومسيرات احتجاجية.

ماذا تكشف لنا طريقة تعامل السلطة مع هؤلاء النساء،المنتفضات؟

تقول لنا إن الدولة التي تتحدث ليل نهار عن “تمكين النساء” لا تطيق رؤية نساء يحملن مطالب حقيقية، نساء انتفضن ليمكنن أنفسهن من حقوق هضمتها الدولة ظلما.

تقول إنّ الخطاب الرسمي شيء… والواقع شيء آخر تماماً.

تقول إنّ المرأة التي تُستدعى لخدمة الديكور السياسي للدولة ليست هي المرأة التي تكافح يومياً من أجل البقاء. لكن رغم القمع… النساء صمدن، ولم يتراجعن. لم يهبن قمع وترهيب السلطة. واصلن المسيرة بخطى ثابتة، ورفعن أصواتهن عالياً، وكأنهن يقلن للدولة وللعالم:

لن تُرهبَنا قوة القمع والتهديد، ولن تُخرسَنا “هراوات” قوى القمع.

هذا الاحتجاج ليس حدثاً عادياً، بل لحظة كاشفة… كاشفة لعمق الأزمة…كاشفة لزيف سياسات النوع الرسمية، وكاشفة للفجوة المهولة بين الخطاب الرسمي وواقع الهامش التي تقبع فيه النساء.

خنيفرة لم تخرج فقط للاحتجاج…

خنيفرة خرجت لتُعرّي الحقيقة.

وواجبنا جميعاً ألّا نتضامن، بل ننخرط في دعم المقاومات الشعبية.

أن نرفع الصوت معهن، أن نفضح القمع، وأن نقول بوضوح:

حقوق النساء لا تُقاس بعدد الخطط، والبرامج، بل بعدد ما يصل نساء الهامش من حقوق تتجسد في واقعهن اليومي… آلام وعذاب نساء خنيفرة تعكس واقع نساء وكل أقسام الشعب المغربي التي تشكو الظلم والفقر والحكرة. وحده النضال سبيل نيل الحقوق والكرامة.

بقلم: اسماعيل حسيني

زر الذهاب إلى الأعلى