النساء

النساء في مقدمة ضحايا جائحة كورونا

“إننا نحبس المرأة في المطبخ أو في المخدع وبعد ذلك ندهش إذ نرى أفقها محدودا، ونقص جناحيها ثم نشكو من أنها لا تعرف التحليق.

سيمون دي بوفوار

تحتل النساء مقدمة ضحايا وباء كوفيد -19 المستجد، باعتبارهن الأكثر تعرضا لأهوال الأزمة كأضعف حلقة ضمن مجتمع يعاني من سياسات تقشفية شرسة، فرضت عليه منذ قرابة أربعة عقود، خضوعا لأوامر مؤسسات الرأسمال العالمي (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوربي… إلخ). ذاك الخضوع الذي حرم المغرب من سيادته الوطنية ورهن اقتصاده بما يخدم مصلحة الشركات متعددة الجنسية ووكلائها المحلين بفعل سياسة الديون والاتفاقيات الاستعمارية للتبادل الحر.

إن فداحة خسائر وباء فيروس كورونا ونتائجه الصحية ما هو الا نتاجَ نمطِ اقتصادي رأسمالي يفاقم  الأوبئة ويدمر البيئة. والذي يشكل أرباح أصحاب المال محركه الاساس، هذا المحرك  الذي لا يبالي الا بمراكمة الثروة على حساب الانسان والطبيعة. وهذا ليس بالشيء الغريب على نظامِ تاريخُ نشأته وتطوره مبني على استغلال العمال-ات وصغار المنتجين بلا رحمة وتحميل البشرية كلفة حروب وأزمات بيئية، تدفع النساء كلفتها الأكبر.

النساء في الصفوف الأمامية لمواجهة فيروس كورونا

        تشكل النساء العاملات بقطاع الرعاية الصحية نسبة 70% وتجدر الاشارة أن دخلهن أقل من زملائهن الرجال في نفس القطاع بنسبة 11% حسب بيانات منظمة الصحة العالمية نفس المعطى محليا فحسب تقرير خاص بالموارد البشرية  لمشروع قانون المالية لسنة 2019 تبلغ نسبة النساء الموظفات بوزارة الصحة 61.9% مقارنة مع38.1% بالنسبة للرجال. كما تؤكد أخصائية الأمراض المعدية وعلم الأوبئة الدكتورة “سيلين غوندر” أن الممرضات هن الاكثر عرضة “مقارنة مع الأطباء” لكونهن الأكثر تواصلا وفي علاقة مباشرة مع المرضى، هن اللواتي يسحبن الدم ويجمعن العينات… ناهيك على وضع الممرضات والطبيبات الأمهات اللواتي يعانين أكثر من العازبات بحكم المهام الأخرى التي تنتظرهن في البيت. ، خصوصا بعد قرار إغلاق المدارس ودور الحضانة والمطاعم.

لا تستطيع العاملات في قطاع الصحة أخذ إجازات، للاستراحة قليلا أو العناية بأطفالهن بفعل نقص اليد العاملة، الذي يتحمل مسؤوليته أصحاب القرار، ولكن تبعاته تقع على عاتق النساء بالدرجة الأولى اذ ان مناصب الشغل بالقطاع الصحي حسب قانون المالية 2019 لا يتعدى 4000 منصب اي ما يمثل 15.6 % في المقابل 31.7% لوزارة الداخلية و 35.2%لوزارة الدفاع.

    بقاء المصابين بالفيروس بالمنازل سيزيد أعباء النساء ويعرضهن أكثر لخطورة الإصابة لكونهن يتحملن كل أعباء العمل المنزلي. ويزداد الطابع المجاني لعملهن في ظل تراجع الدولة المهول عن توفير الحد الأدنى من الخدمات: الاعتناء بالأطفال والشيوخ، خاصة في المناطق القروية التي تعرف أكبر معدلات فقر النساء.

   تعاني النساء العاملات في قطاعات النظافة والفلاحة والنسيج وتصبير السمك، ايضا من ويلات هذه الجائحة باعتبارهن ايضا المحاربات والمرابطات في الصفوف الامامية لمواجهة الفيروس. ويعد استمرار عملهن في هذا الظرف في العديد من القطاعات ضروريا لحياة المجتمع. لكن في قطاعات عدة، ليس من ضرورة ملحة لعملهن في ظل المخاطر الصحية الكبيرة (قطاع السيارات والطائرات ومراكز النداء مثلا ).

     اول تجلٍّ للاستهتار بحياتهن، تهرب أرباب العمل من إحداث “لجان السلامة وحفظ الصحة” بالمقاولات كما تنص على ذلك مدونة الشغل، علما أنه في ظل حرب أرباب العمل والسلطة على العمل النقابي، والنسائي منه على وجه الخصوص، تبقى قوانين الشغل حبرا على ورق.

     ما تشهده هذه القطاعات من تركز لأعداد ضخمة من العاملات في غياب لأدنى شروط السلامة الصحية وفي غياب مطاعم ومستودعات لتغيير الملابس وفضاءات صحية ملائمة، وتهرب أرباب العمال من توفير أدوات التعقيم ( مطهرات كمامات، قفزات ميزان الحرارة.. الخ) تجنبا لرفع كلفة الإنتاج، ينذر في حالة استمرار الوباء بمخاطر لا يستطيع أحد التكهن بها .

  انتشار الفيروس  في الوسط العمالي ( البيضاء، العرائش و طنجة) في ظل الحجر الصحي يبين مدى خطورة الأمر و خاصة بعد بداية العودة لتشغيل الوحدات الصناعية.  نعلم ان الارباح أهم من حياة العاملات عند أصحاب الشركات، ناهيك عن حرمان العاملات من أبسط حقوقهن المادية. فنسبة كبيرة من النساء وجدن أنفسهن غير مصرح بهن لدى الصندوق للضمان الاجتماعي. هذا الجشع الذي تشرعنه الدولة باعتبارها أداة لتحصين مصالح أرباب العمل، عبر مجموعة من الصيغ التنظيمية والاجراءات الرسمية. ففي هذا السياق صادقت لجنة اليقظة الاقتصادية في اجتماعها الأول يوم 16 مارس 2020 بالرباط على قرار يهم تعليق دفع الاشتراكات الاجتماعية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. القرار الذي ستكون وخيم العواقب  على حياة العاملات، إذ سيتضاعف حجم الكارثة ان كانت العاملة في هذه الفترة في وضعية حمل ومقبلة على الولادة، ما يعني حرمانها من تعويضات الامومة وأيضا اجبار النساء على أداء مصاريف الانجاب من جيوبهن.

فترة الحجر الصحي بالنسبة للنساء سجن

تُعد النساء الخاسر الأكبر في هذه الأزمة بفعل عبء العمل المنزلي المجاني وازدياد مخاطر تعرضهن للعنف الذكوري  (الأسري/ الزوجي/ رفيق سكن…)، إذ صرحت فدرالية رابطة حقوق النساء أن عدد الشكايات المتعلقة بمختلف أنواع العنف تضاعفت أثناء الحجر الصحي، حيث تلقت 515 اتصالا من 355 امرأة في الفترة ما بين 15 مارس و15 ماي 2020 كما سجلت حسب التصريحات ما مجموعه 1007 فعل عنف مورس على النساء. وقد صنفت الرابطة هذه الافعال كالاتي: العنف النفسي بنسبة 49%  والعنف الاقتصادي بنسبة 27.3%  والعنف الجسدي بنسبة 16.5% .

  كما يتصدر العنف الزوجي باقي أنواع العنف بنسبة 86.8% يليه العنف الاسري ب 7.6%، حالات اغتصاب، عنف الجنسي وطرد من المنزل. كل هذه المآسي نتاجُ سنواتٍ من التدجين بتنشئة اجتماعية متخلفة تؤسس على إعادة انتاج نفس العلاقات الاجتماعية القائمة على مصلحة الذكر على حساب الأنثى. ليس العنف المسلط على رقاب النساء من تحرش جنسي واعتداء جسدي وعنف معنوي وغيره، إذن، غير أحد أوجه الاضطهاد اليومي الذي تعاني منه نساء المغرب بسبب استمرار سيطرة الثقافة الذكورية، التي تعمل على إعادة إنتاجها سيطرة طبقية رأسمالية وبطريريكية.

 هناك غياب تام للنقاش المتعلق بتعنيف النساء في فترة الحجر الصحي في وسائل الاعلام الرسمية باستثناء بعض المبادرات كفيديوهات    لا تتعدى ان تكون سواء نموذج لتلك  الحملات الرسمیه الموجهة للاستهلاك الاعلامي وفقط، ولا تغیر شيئا من واقع اضطهاد النساء.، ناهيك عن الصعوبات التي تعيق ولوج النساء لوسائل التبليغ عن العنف، لأسباب تعود الى الأمية والفقر، أي استحالة استفادة كثير من النساء من هذه الامكانية واكثرهن مفتقر لأبسط الابجديات الرقمية (البريد الالكتروني، الانترنيت، الهاتف الذكي…) نظرا للأمية المتفشية في وسط النساء في الأحياء الهامشية والعالم القروي. كما تقف صعوبة التنقل بين المدن وداخلها عقبة أمام التحاق النساء ضحايا العنف بعائلاتهن، بالنظر لرفض السلطات تسليم الاذن بالتنقل ومطالبة النساء أحيانا بإحضار اذن الزوج للتنقل، في خرق سافر للقانون والحقوق الانسانية للنساء.

يغيب أيضا بروتوكول صحي يحمي النساء ضحايا العنف، حيث يفرض عليهن إثبات تعرضهن للعنف أو الادلاء بشواهد طبية، وهذا أمر صعب خلال الحجر الصحي لعدم قدرة النساء على التنقل.  كما أن ندرة مراكز ايواء متخصصة في مواجهة العنف ضد النساء، يفرض على النساء البقاء تحت رحمة المعنفين، وهو سبب إضافي لتفاقم كارثي للوضع. تنعدم كذلك الاجراءات والتدابير الكفيلة بحماية النساء ضحايا العنف ضمانا لسلامتهن الجسدية والنفسية؛ من ضمنها البحث رغم ظروف الحجر في إمكانية إبعاد المعتدين خصوصا في الحالات الخطيرة.

القانون وحده لا يكفي

    دون منظمات نسوية قوية، تشكل النساء العاملات عمودها الفقري، تدمج بين النضال في أماكن العمل وخارجها، سيضل القانون يخدم بالأساس مصالح الطبقة السائدة. وبالتالي الاعتماد عليه وحده لحماية النساء من كافة أشكال العنف، رهان خاسر.

  تعد مدونة الأسرة إحدى العقبات الرئيسة في طريق نیل الحقوق الديمقراطية للنساء. كما يعد قانون رقم 103.13، المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء برهانا ساطعا على ان حماية النساء غير مطروحة على جدول أعمال أصحاب القرار. فهذا القانون ذو آليات جد ضعيفة لحمایة النساء والتكفل بهن. فهو يعطي أولوية لمسطرة الصلح بدل المتابعة القضائية. لن تكون هذه النماذج من القوانين أبدا منصفة للنساء ومحصنة لحقوقهن وحامیة لھن من العنف الذكوري ورادعا لممارسیه.

  كما أن هذا القانون لا يعني أي تطور ملموس من ناحية بناء آلية قانونية متكاملة لمواجهة واقع العنف الیومي المسلط على النساء. فهناك جرائم عديدة تطال النساء(الاغتصاب الزوجي) يتنكر لها القانون ويأبى أن يعترف بها كجرائم، ما يسمح للجناة بالإفلات من العقاب. بالتالي، لا يمكننا السير نحو عالم تسوده مساواة بين النساء والرجال الا بالنضال من أجل تغيير جذري لمدونة الأسرة، باعتبارها إحدى ركائز السلطة الذكوریة التي تشرعن العنف اتجاه النساء، من خلال تكريس تملك أجساد النساء والمیز في المیراث وإعلاء سلطة الرجال داخل الأسرة والمجتمع وتقديس العلاقات الجنسية المبنية على الزواج مقابل تجريم العلاقات الجنسية الرضائية المجسدة لإرادة الأفراد.

على طريق مجابهة العنف ضد النساء

للعنف ضد النساء أسس اقتصادية أساس، فالاستغلال البشع الذي تمارسه الطبقة الرأسمالية على النساء، يجري دائما وضع قوانين تعيد انتاجه. إن مجابهة السياسة الاقتصادية التي تفقر النساء شرط أساس لتعديل ميزان القوى لفائدتهن. يجب مثلا رفض البدائل الرسمية للدولة مثل التمويل الصغير، الذي يكبل النساء بقيد استغلالي جديد، وتعزيز هذا الرفض بالانخراط التام في النضال اليومي ضد المخططات النيوليبرالية، وضد السيطرة الذكورية باعتبارهما السببين الرئيسين لاضطهاد النساء واستغلالهن.

 في فترة الجائحة تنال النساء النصيب الأوفر من التبعات السلبية للإجراءات المتخذة لمواجهتها (منع التنقل، غلق المدارس، إغلاق بعض الأماكن التي كانت مورد دخل لهن، إغلاق بعض مراكز التوجيه والاستماع الخ)، حيث حرمن من العمل، ومن الدعم المخصص للمتضررين/ت، والاكتفاء بإجراءات محض شكلية لاتسمن ولا تغني، كالتي صرحت بها وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، أي توفير ما أسمته بالحقيبة الصحية، وخلق منصة خاصة بالتبليغ عن العنف “كلنا معك”. إن المطلوب هو حلول جذرية لضمان مطالب تتجاوز توفير حقيبة تتضمن فوطة صحية ومعقم وميزان حرارة.

النساء اليوم في حاجة إلى:

  • الاعتراف بالطابع الاجتماعي والمنتج للعمل المنزلي الملقى على كاهل النساء، أي احتسابه في الناتج الداخلي الخام، وبالتالي ضرورة التعويض عنه وتقنينه بتخصيص ساعات عمل ملائمة .
  • سن تقاعد في 55 سنة
  • خفض ساعات العمل اليومية لمواجهة البطالة عموما، وخفض ساعات العمل بالنسبة للنساء بصورة خاصة، دون خفض الأجور، للحد من شقاء العمل المنزلي.
  • إحداث مغاسل ومطاعم ودور حضانة جماعية تمول من الضرائب التصاعدية على الثروة.
  • وضع برامج تعليمية وإعلامية خالية من الصورة النمطية لأدوار النساء، وفرض عقوبات على كل من يستغل أجساد النساء لترسيخ ثقافة الاستهلاك او لغرض تحقيرهن .
  • حد أدنى من الدخل لكل النساء المعطلات عن العمل، او غير القادرات عليه والمسنات.
  • تجريم أرباب العمل الذين لا يصرحون بالعمال والعاملات لدى صندوق الضمان الاجتماعي ومصادرة ممتلكاتهم.
  • خفض الفروق في الأجور بين الرجال والنساء، وإعمال قاعدة: نفس العمل نفس الأجر. [تحمل أعباء الأسرة يحرم النساء من الترقي المهني].
  • توفير العلاج النفسي المجاني لضحايا كل أشكال العنف وأيضا توفير المواكبة الاجتماعية لهن.

 

هذه مطالب لن تتحقق الا بنضال شعبي عمالي تكون الحركة النسائية المناضلة في صُلبه.   

 

سيمان

اطاك المغرب مجموعة طنجة

الاربعاء  27 ماي 2020

 روابط المراجع:

https://www.nytimes.com/2020/03/12/us/women-coronavirus-greater-risk.html?searchResultPosition=8

file:///C:/Users/hp/Desktop/SexGenderInfectDis.pdf

file:///C:/Users/hp/Downloads/rapport-rh-plf20-ar.pdf

http://www.maroc.ma/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%A7/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1

زر الذهاب إلى الأعلى