النساء

ما دلالة متابعة الاستاذة “صفية كجي”؟

ما دلالة متابعة الاستاذة “صفية كجي”؟

سعت الدولة منذ عقود إلى نسونة التشغيل في القطاع الخاص( حوالي 90%) بغرض تهشيشه، مستفيدة من تأنيث البطالة، والامية، والفقر، فأنتجت بذلك يد عاملة احتياطية تحت رحمة مستثمرين استفادوا بدورهم من ترسانة قانونية تسهل عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي للنساء. ونتيجة ذلك قطاعات هشة مُنسونة في: النسيج و التصبير والفلاحة و السياحة…الخ، (راجع مقال النساء في سوق الشغل في كتاب نساء المغرب في زمن العولمة اصدار جمعية أطاك المغرب).

عملت الدولة في نفس الاتجاه على تأنيث بعض القطاعات العمومية كالتعليم و التمريض. وهي نفس القطاعات التي حظيت بنصيب وافر من هجمات الدولة، بدء بمدونة الصحة و الميثاق الوطني للتربية و التكوين، وصولا إلى الرؤية الاستراتيجية للتعليم و الاستراتيجية القطاعية للصحة. كان الهدف من تهشيش قطاعي الصحة و التعليم تهيئتهما للرأسمال الخاص كي يستفيد من الجيش الاحتياطي لليد العاملة بأقل تكلفة ممكنة.

يعد التعاقد من الادوات الرأسمالية البارزة التي تهدف إلى هشاشة التشغيل في المدرسة والوظيفة العموميتين. وبما أن التعليم يشغل شريحة واسعة من النساء الأجيرات فهذا يعني أن مقاومة إضفاء طابع المرونة على الشغل عبر التعاقد بدورها ستعرف مشاركة نضالية نسائية وازنة.(رغم غياب إحصاءات توضح نسب مشاركة الأستاذات في النضال ضد التعاقد).

ولان التعليم من القطاعات التي تعرف تأنيثا ملحوظا فإن متابعة الأستاذة “صفية كجي” لم يكن محض صدفة بل مقصود، وتحكمه خلفيات نراها مختزلة في دلالتين بارزتين:

الدلالة الاولى: هي رسالة يراد من خلالها تقديم العبرة للقاعدة العريضة من موظفي/ت التعليم، حيث تمثل النساء نسبة كبيرة منهم.  فمتابعة ” صفية كجي” في اعتقاد الدولة من شأنه ان يختصر الطريق أمامها لردع الغالبية العظمى من النساء الموظفات بقطاع التعليم. ونجاحها  في ردعهن ، خطوة رئيسية نحو كسر مقاومة التعديات الليبرالية، و نجاح في امتصاص قدر كبير من غضب الشغيلة التعليمية على سياسة الاجهاز على طفيف المكاسب، علاوة على نتائج ذلك من زرع لليأس والإحباط.

الدلالة الثانية: إن مستوى الكفاحية و القتالية الذي أبانت عنهما الأستاذات – سواء كن استاذات فرض عليهن التعاقد، أو في باقي التنسيقيات-  أربك حسابات الدولة، فكان اختيارها للأساتذة ” صفية كجي”محسوبا.

شهد المغرب احتجاجات شعبية لعبت فيها النساء دورا رياديا، وكن في المقدمة ونلن نصيبهن من القمع و المحاكمات. و اليوم نتابع بشكل مباشر أو عبر وسائل الإعلام الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، حضور وازن للأستاذات يتحدين القيود التي يفرضها مجتمع يحتقر المرأة.

 فرغم أنهن لا يحظين بنفس الامتيازات التي يمنحها المجتمع لإخوانهم الذكور، إلا أنهن جسدن بالملموس، شعار :” النساء و الرجال في النضال بحال بحال”.  حزمن حقائبهن مسافرات للمعارك الجهوية و الوطنية، شأنهن شأن زملائهن، وكن في الواجهة أمام خراطيم المياه، ونلن حظهن من الركل و الرفس، عازمات على تحقيق النصر مبديات شجاعة قل نظيرها.

إن القيود التي يفرضها المجتمع على النساء أيضا لم تثن الاستاذات من تحمل المسؤوليات ولعب أدوار التنسيق و القيادة بل أتبثن أن النصر لا يتحقق إلا بمشاركتهن. ورغم أن بعضهن مكبلات بقيود الأسرة التي تراقب تحركاتهن، وكذلك منهن أمهات تقتسمن وقتهن مع أطفالهن، إلا أنهن حاضرات في جميع المحطات النضالية باستماته وصمود.

كل هذا الصمود لا يمكنه إلا أن يرعب الدولة، لتختار عنصرا نسويا فاعلا قياديا وتقدمه عبرة لباقي الاستاذات. فمتابعة الأستاذة “صفية كجي” هو متابعة ومحاكمة للروح الكفاحية التي تحلت بها نساء التعليم  وغيرهن، منذ بداية المقاومة الاجتماعية لاختيارات الدولة الرأسمالية في القطاع العمومي.

إن المتابعات الصورية و التهديدات ضد أستاذات عانوا الظلم و انتفضوا ضده، تعبر عن ارتباك وجبن مهندسي التهم و أساليب الردع. إنه بؤس التفكير الذي يعتقدون من خلاله أنهم سيخضعون جيلا من الشباب و الشابات الذي اتخذ من الحرية طريقا، عكس الجلادين الذين اختاروا أن يكونوا عبيدا لأسيادهم البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

 لعل شعار” الموت و لا المذلة “، الذي رفعه هذا الجيل من الاستاذات و الأساتذة وقبلهم سكان الريف وجرادة خير جواب على قمع الدولة وترهيبها.

بقلم ربيعة الهواري

أطاك المغرب

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى