من أعد ميزانية 2016…الحكومة أم صندوق النقد الدولي؟
تبين قراءة مشروع قانون المالية 2016 بالملموس افتقار الحكومة الحالية لأي رؤية في تحسين ظروف عيش المغاربة، ورفع جودة الخدمات العمومية من صحة وتعليم خصوصا. ارتهن المشروع الحالي لثلاث هواجس أساسية:
1. الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية (تقليص عجز الميزانية والإنفاق العمومي وعدد المناصب المالية وسداد الديون العمومية)
2. تعزيز مكانيزمات الاستبداد السياسي من خلال تحويل ما تم تقليصه من صندوق المقاصة لصناديق التنمية البشرية وصندوق التنمية الفلاحية (50 مليار درهم) والصحراء (70 مليار درهم).
3. إرضاء الباطرونا من خلال الهدايا الضريبية المتعددة (33 مليار درهم) وتطبيق إصلاح جبائي يعزز مصالح الطبقة الحاكمة سياسيا واقتصاديا وتحويل جزء مما تم تقليصه من موارد صندوق المقاصة للرأسمال المحلي والدولي في إطار مخطط التسريع الصناعي (5 مليار درهم سنويا). الحكم التالي ليس مبينا على فراغ فيمكن التأكد منه من خلال طريقة إعداد مشروع المالية ثم من خلال قراءة النص في حد ذاته.
عندما نقول في أطاك أن المغرب رهينة لصندوق النقد فليس لغاية تعبوية بل هو صميم الواقع. فقانون المالية يتم إعداده ابتداء من شهر غشت كل سنة. يزور صندوق النقد المغرب في هذه الفترة منذ ثلاث سنوات من أجل “التأكد من مدى احترام المغرب لالتزاماته مع الصندوق في إطار “خط السيولة والوقاية” . على إثر ذلك يصدر الصندوق “نصائحه للحكومة التي تشرع في إعداد القانون المالي. في 24 يوليوز 2015 أصدر فريق الصندوق بيانا على إثر زيارته للمغرب يدعو فيها الحكومة لما يلي: “سيساعد تحقيق مزيد من التقدم في الاصلاحات الهيكلية، بما في ذلك تحسين مناخ الاعمال والحوكمة والشفافية وسوق الشغل، على تعزيز التنافسية والنمو” . سنة قبل ذلك أوضح الصندوق ماهية تلك الإصلاحات: ” سيكون من الضروري مراقبة النفقات وكذلك المضي قدما في الاجراءات الرئيسية، بما فيها اصلاح نظم الدعم ومعاشات التقاعد والضرائب” . إنها توجيهات يتم التأكيد عليها من طرف بنك المغرب الذي يصدر تقريره السنوي في نفس الفترة، حيث يؤكد دائما ما يذهب إليه الصندوق . ثم بعد ذلك يعود صندوق النقد في شهر نونبر من أجل تقييم الوضع المالي للبلد وإعطاء وجهة نظر في قانون المالية. أصدر في 4 نونبر الصندوق بيانا جديدا بعد أن التقى بالحكومة ووالي بنك المغرب (البنك المركزي) والنقابات (نعم) و”المجتمع المدني”. نقرأ في هذا التصريح احتفاء كبيرا بالحكومة من طرف هاته المؤسسة: ” هناك جهود تستحق الترحيب لتقوية المالية العامة حسب ما ورد في مشروع الميزانية العامة”. ويضيف الصندوق: “تم تحقيق تقدم يستحق الثناء في إصلاح نظام الدعم وتقوية إطار المالية العامة. ومن أولويات الفترة القادمة رفع كفاءة النظام الضريبي وجعله أكثر عدالة. كذلك يمثل إصلاح نظام معاشات التقاعد مطلبا ملحا لتأمين قدرته على الاستثمار”. قبل تصويت البرلمان على مشروع الميزانية ها هي الحكومة تتلقى النقط الحسنة من صندوق النقد الدولي. إضافة لهذا التأطير من البداية حتى النهاية، يستفيد أطر وزارة المالية من تكوينات من طرف صندوق النقد الدولي منذ عقود من أجل تكييف فكر الإدارة المغربية مع فكر مؤسسة بروتن وودز.
في مرحلة ثانية تدخل الباطرونا على الخط من خلال الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب. تعقد الحكومة ممثلة بمديرية الميزانية والإدارة العامة للضرائب عددا من الجلسات مع الرأسماليين المغاربة من أجل الإنصات لمطالبهم والإعداد الثنائي للإجراءات الضريبية التي سيتضمنها المشروع. تدوم المفاوضات شهرين من الاجتماعات، وتجد وجهات نظر الباطرونا دوما مكانها في نص قانون المالية. مع الحكومة الحالية، الكل يجمع على أن الباطرونا حققت مكاسب جمة. كما يود رئيس الحكومة كسب رضا المخزن، فهو يتوق شوقا لأن يظهر بصديق الباطرونا، ففي عهده تم حل مشاكل عالقة منذ سنين ( تقليص أجال الأداء عن مشتريات الإدارات العمومية، تعويض الضريبية على القيمة المضافة للمصدرين، الضريبة التصاعدية على الشركات، الخ…). القانون الحالي ماهو إلا تكملة للهدايا الضريبية التي حصلت عليها الشركات الكبرى. بالمقابل تندد النقابات بعدم إشراكها في إعداد قانون المالية (انظر بيان الاتحاد المغربي للشغل حول الموضوع).
أي تتضح بصمة صندوق النقد الدولي؟
ينطلق مشروع قانون المالية من أربع أهداف: تنزيل الدستور والجهوية، وتقليص الفوارق الاجتماعية، ودعم الاقتصاد وأخيرا الحفاظ على التوازنات المالية. مساعي تكرر كل سنة بدون جديد يذكر. لكن يتضح بجلاء أن الهدف الرابع هو حجر الأساس في المشروع ككل. فالحكومة مستمرة في البحث على كل الموارد الممكنة من جيوب المواطنين (الرفع من الضريبة على الذرة وأنواعها، تذاكر القطار، السكن الاجتماعي، الخ…). فرغم نمو ب5 في المائة في 2015 و3 في المائة في 2016، تستمر الحكومة من تحويل الثروة المنتجة من الكادحين إلى الحاكمين. تقليص العجز يتم على حساب الطبقات الهشة، فقد انخفض عجز الميزانية من 4,3 إلى 3,5 في المائة.
إن لتقليص النفقات التي يدعو له صندوق النقد ثمن تدفعه القطاعات الاجتماعية. مناصب الشغل المحدثة تراوح مكانها : في الصحة (2000 منصب)، التعليم العالي (500) والتضامن (10). عدد المناصب في التعليم (8360) عرف تحسنا طفيفا لكن لا يوازي الحاجيات المهولة خصوصا مع خروج عدد كبير من الأطر على التقاعد، نفس الحال ينطبق على الصحة و العدل.
فيما يخص ميزانية هاته القطاعات فقد عرفت إما تراجعا أو استقرار يؤشر على استمرار هاته القطاعات في وضعيتها المتردية. فميزانية التعليم ستتراجع ب2 بالمائة. نفس وضعية وزارة التضامن التي ستتراجع ب13 في المائة. أما الصحة أو التعليم العالي فستتحسن ميزانيتهما ب1 في المائة فقط. عن أي تقليص من الفوارق اجتماعية يمكن أن نتحدث في ظل هذا التقشف؟
تسديد الديون: هم الحكومة الأول
“ومن شأن هذه الإصلاحات أن تساعد على وضع الدين العام على مسار تنازلي؛ فالدين العام لا يزال بالفعل في حدود يمكن الاستمرار في تحملها ولا يزال صامدا في مواجهة الصدمات المختلفة، ولكن تخفيضه لازم لخلق حيز مالي أكبر”. توجيه آخر تضمنه بيان صندوق النقد الدولي في بيانه الأخير يهم الدين العمومي وهنا بيت القصيد.
على مستوى ميزانية الدولة يمثل سداد أصل الديون العمومية ذات الأمد المتوسط والطويل 11 في المائة، أي 41 مليار درهم. على مستوى المداخيل تشكل القروض على نفس المدة 19 في المائة من موارد الدولة، 70 مليار درهم. في بنية نفقات الميزانية العامة، النفقات المتعلقة بفوائد و عمولات الدين العمومي 10 في المائة، أي بقيمة 28 مليار درهم. الاعتمادات في ارتفاع ب 6,49 في المائة مقارنة مع السنة السابقة. إنه منحى تصاعدي يوازي مجموع دين الخزينة، حيث يستمر في الارتفاع كل سنة ليصل في نهاية يونيو 2015 الى 608 مليار درهم، أي 63,4 في المائة من الناتج الداخلي الخام. في الأخير، قانون المالية الحالي يؤكد أن مهمة الحكومة الحالية كما التي سبقتها هي تسديد الديون وخدمة الاستبداد.
بقلم: عثمان البيضاوي