النساء

الصويرة : نساء سيدي بولعلام حياة مضطهدة ونهاية مأساوية

الصويرة : نساء سيدي بولعلام حياة مضطهدة ونهاية مأساوية

 

شهدت جماعة سيدي بولعلام التابعة  لإقليم الصويرة ( تبعد ب 70 كلم ) مقتل 15 إمرأة و إصابات عديدة في صفوف نساء أخرين و أطفال صغار على إثر تدافع حدث خلال توزيع لمساعدات غذائية ( عبارة عن قفة مكونة من شاي و سكر و زيت و دقيق)، دأبت على تنظيمه سنويا إحدى الجمعيات المحلية. لقد وقعت الكارثة صباح  يوم الأحد 19 نونبر 2017 أمام مقر الجمعية .

سيدي بولعلام  الجماعة

عدد سكان جماعة سيدي بولعلام حوالي 8142 نسمة، قرية تنعدم فيها شروط العيش، من حيث التجهيزات الضرورية لحياة كريمة ( غياب بنية تحتية و سكن لا يليق و جفاف مهول )، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأمية  إلى 56 %  ، علاوة على البطالة المنتشرة في صفوف السكان.

الفقر يضرب أطنابه بجماعة سيدي بولعلام حيث تصل نسبته 0.514 و هو مؤشر مهول مقارنة بمناطق أخرى في المغرب، حيث أن المعدل الوطني المتوسط هو (0.700)، ويفوق  المعدل العام لإقليم الصويرة (0.595)، حسب المرصد الوطني للتنمية البشرية .

 سيدي بولعلام : شجرة تخفي غابة الفقر

توافد على الجماعة  القروية لسيدي بولعلام، النساء اللواتي يعشن الضيق و العوز، من جماعات ترابية محاذية و حتى البعيدة التي تقع على بعد كيلومترات ، حيث دأبن على الحضور سنويا للحصول على حصتهن من تلك المعونة ( لافتة خاصة بالنشاط  تشير إلى أنها المرة الخامسة). حسب أبناء المنطقة فقد حضرت نساء كثيرات منذ مساء السبت 18 نونبر2017 و قضين الليل في العراء ليكن في مقدمة المستفيدات.

جل المواقع الإليكترونية، قدرت عدد النساء بـ 800، لكن العدد يتجاوز الألف بكثير، بناء على حجم الكارثة و عدد المصابين. أكيد أن خلفيات توزيع المساعدات واضحة، ويقع على رأسها أهدافا انتخابية.  لكن يطرح السؤال: إذا كانت النساء تتوفرن على شغل و تعشن في مستوى اجتماعي يحفظ كرامتهن و حاصلات على حقوقهن كاملة، هل ستتدافعن في تلك الطوابير الطويلة ؟ إن المسؤول على ما وقع هو السياسة الاقتصادية و الاجتماعية التي تنهجها الدولة منذ عقود.  فلتنظم  النساء أنفسهن في جماعات مناضلة، ويشكلن لجانهن الذاتية، للمطالبة بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، أمام مقرات الدولة المتعددة ليس في الصويرة وحدها بل في كل أرجاء البلاد.

 

لكل زوار الصويرة و نواحيها : هناك أوجه عديدة للصويرة زوروها و تمعنوا فيها !

يحيلنا موت النساء الفقيرات و الإصابات العديدة في صفوف أخريات على واقع الفقر بإقليم الصويرة . إن موكادور الوجهة السياحية ، مدينة موسيقى كناوة و تلاقي الحضارات و شجر الأركان و العرعار و البحر الجميل و المعروفة برياضاتها البحرية. محج السياح المغاربة بالإضافة إلى الأجانب، يحقق الصويريون بها مداخيل بفعل ما يبيعون من منتوجات و ما يقدمون من خدمات. لكن يا ترى أين تذهب عائدات السياحة تلك ؟ أكيد في جيوب المالكين والمستثمرين الكبار في غابة شجرة أركان  ومشتقاته و خشب العرعار و  رجال الأعمال مالكوا الفنادق و المشاريع السياحية .

غريب أن ترى و تسمع عن السياحة في الصويرة، وبالمدينة أحياء شعبية، يستحيل العيش بها ( أبسط الشروط غير متوفرة )، و هناك، جماعات ترابية  بالإقليم لا يجد سكانها حتى الماء الصالح للشرب. وإليكم نموذج سكان جماعة إمي نتليت حيث ينتظرون صبيب الماء الضعيف ساعة في اليوم و في بعض الأحيان يمر اليوم دون أن يأتي الماء .

نواحي الصويرة و جماعاتها الترابية الكثيرة هي التي تمد المدينة باليد العاملة من بحارة و عمال الفنادق و عمال ما يرتبط بالسياحة عموما، في حين يعود شقائهم اليومي و تعبهم  بلا أي حصيلة، بل يزداد الشقاء مع ارتقاع الأسعار و الفقر و المخدرات و الدعارة و بطالة أبنائهم .

الدولة لا توفر لسكان الصويرة و جماعتها شيئا، فالنساء الكادحات الحوامل يلجئن للمستشفى الإقليمي في الصويرة، لأن الجماعات الترابية لا تتوفر على قابلات ممرضات ولا  حتى على طبيب بالمراكز الصحية البئيسة. صورة قاتمة فجرت مأساة بولعلام أحد أوجهها.

الفقر يُذهب العقل و يقتل

انتشر  خطاب مغلوط كالنار في الهشيم ، بين المواطنين و بعض أنصاف “المثقفين” بإقليم الصويرة على إثر سماع خبر الكارثة مفاده : رغم الفقر المدقع الذي يعيشه المغاربة ، “ما كان على النساء التدافع من أجل قفة”، ” أين ذهب عقلهن؟ “، ” أصبح الإنسان همجيا ، أين كان عقلهن ؟”.

الجواب هو أن الجوع وشظف العيش يُذهب العقل و يقتل. إنها نتائج عادية لنظام رأسمالي يقضي على عقل الإنسان بفعل الاستغلال و الاستيلاب علاوة على ترويج خطاب مضلل، تقصف به عقول الملايين يوميا، بمن فيهم أشباه “المثقفين” .

فكما تدفع البطالة الشباب المعطل لركوب البحر للهجرة، فسيدفع الفقر و الجوع الفئات  المحتاجة لدوس على أجساد فئات محتاجة أخرى، ترى فيها منافسا لها… لقد رسخت الرأسمالية، هذه التطاحنات بين البشر، عبر سنوات من التفاوت الطبقي، ولا تزال تغذيها…

لقد قضت الرأسمالية على العقل و التضامن البشري، وغرست قيمها المتعطشة للربح و المثخنة بالجهل والحروب و الاستهلاك… لقد غابت القيم الإنسانية وحل محلها الخراب. بئسا لهذا النظام.

و لنطرح السؤال على أشباه” المثقفين ” القابعين في ابراجهم العاجية: ماذا يقول عقلكم  عن دولة الأقلية الحاكمة التي لا تحقق أمانينا و رغباتنا و توفر حقوقنا وتكرم إنسانيتنا ؟ ألا تستحق دولة من هذا الطراز أن ندفعها بعيدا ! أجيبوا من فضلكم.

إن الحل ليس هو انتظار ما يمنح منة، من الحسنات و الصدقات و التبرعات، بل الصواب أن تنتزع الحقوق انتزاعا، وهذا رهين  بتنظيم فقراء المواطنين من خلال فئاتهم ( عاطلين و عمال و نساء و قرويين فقراء..) في تنظيماتهم الخاصة بهم، و يقاوموا مضطهديهم، موجهين اندفاعهم نحو مسبب جحيم العوز والضيق  أي أقلية حكام الدولة الأغنياء و أصحاب القرارات العليا بالبلد.

و.ع

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى