النضالات في المغربمتابعة النضالات

الجماعة السلالية بأولاد بوبكر إقليم بني ملال : حكاية نضال من أجل أرض مغتصبة


الجماعة السلالية بأولاد بوبكر إقليم بني ملال :  حكاية نضال من أجل أرض مغتصبة

   

ظلت الجماعة السلالية لأولاد بوبكر التابعة للجماعة القروية لأولاد أكناو، قيادة أولاد أمبارك إقليم بني ملال، تستغل أراضيها الجماعية أباً عن جد تبعاً لما جرت به التقاليد  القبلية المتمثلة في التسيير الجماعي لأراضي القبيلة وتحصينها من المستعمر الذي يتربص  بها منذ وطأت أقدامه سهول تادلة الأطلس.  فقد كان سكان هذه المنطقة  يشتغلون في الرعي والزراعة بصفة دائمة وبدون أي منازع  مكافحين الاستعمار الفرنسي بكل قوة  لكي لا يبسط سيطرته  على تلك الأراضي  الخصبة. وكانت أطماع المستعمر الفرنسي خلال سنوات الثلاثينات  تتجلى في الضرورة الملحة على بسط نفوده بتلك الأراضي الشاسعة  قصد استغلالها في زراعة  الشمندر السكري (1).

إن تاريخ المنطقة يشهد بمقاومتها للإقطاعيين الكبار  (الباشوات المستبدين) الذين تم تنصيبهم من طرف المخزن. خلال الثلاثينات  من القرن الماضي، قام المخزن  بتنصيب أحد باشوات الاستعمار المدعو الباشا بوجمعة المسفيوي على منطقة بني ملال و أحوازها. وبعد أن بسط الباشا المذكور سلطته  على المنطقة بمباركة سلطات الاستعمار آنذاك، أثارت اهتمامه أراضي جموع أولاد بوبكر التي كانت من أخصب الأراضي الزراعية، إضافة إلى كونها من أقدم المناطق السقوية، إذ كانت تسقى بـ “واد داي” النابع قرب مدينة بني ملال. ونظراً لِما رأى الباشا المذكور لهذه الأراضي من مستقبل زاهر، شرع في الاستيلاء عليها شيئاً فشيئاً مستعملا جميع الوسائل من تحايل وترهيب واعتقال وتعذيب وما إلى ذلك من وسائل القهر والجبروت حتى أتى عليها بأكملها.(2)

بعد صراع مرير، لم تستطيع السلطات الاستعمارية استقطاب تلك القبائل الثائرة  فأصدرت بتاريخ 19 يوليوز 1937 بالجريدة الرسمية رقم 1299 مؤرخة في 17 شتنبر 1937 الظهير الشريف الذي منح أراضي المخزن لقبيلة آيت الربع التي تنتمي إليها قبيلة أولاد بوبكر. وإثر ذلك قررت السلطات المختصة إنجاز عملية التحديد الإداري للأراضي الممنوحة قصد ضبط وضعيتها، إلا أن الباشا بوجمعة المسفيوي، حماية منه لمصالحه وضمانا لاستمرار استغلاله للأراضي التي استولى عليها، تدخل لدى سلطات الحماية. وبتواطؤ بين الطرفين، تم إلغاء قرار التحديد هذا بالنسبة لأراضي أولاد بوبكر سنة 1939، وبذلك استثنيت أراضي أولاد بوبكر من عملية التحديد الإداري من بين كافة الجماعات السلالية المجاورة، وبالتالي تحقق للباشا المذكور مبتغاه ولأبنائه المقربين من سلطة المخزن وانتقاما لتلك القبيلة المعارضة نتيجة تعاونه مع المستعمر.(3).

 

ومع مطلع الخمسينات من القرن الماضي، حين تم بناء “سد بن الويدان” الذي يسقي اليوم المنطقة، تقرر إنجاز عملية ضم الأراضي بالمنطقة المصطلح عليها لدى المصالح الطبوغرافية بـ “Secetur Beni Mella“، هذا الضم الذي ظل غير مصادق عليه إلى يومنا هذا، ومرة أخرى، استطاع الباشا بوجمعة  المسفيوي  أن يغتنم فرصة  ضم جل أراضي جموع أولاد بوبكر باسمه الخاص ، في فترة من أكلح فترات تاريخ المغرب المعاصر، كانت فيه الجماعة السلالية لأولاد بوبكر- تعيش الويلات من فقر مدقع وحرمان،  وإقصاء ممنهج من أرضهم التي ضحوا من أجلها وحصنوها من الأطماع.

بعد وفاة الباشا بوجمعة المسفيوي تقدم ورثته من بعده بمطالب تحفيظ الأراضي الجماعية المغتصبة بناء على رسم تركة تقاسموها فيما بينهم، كما تقدم بعض أعوان الباشا الهالك كذلك بمطالبهم إضافة إلى ثلاثة معمرين فرنسيين كانوا يستغلون قطعا من الأراضي المذكورة (وحددت المساحة الإجمالية لهذه الأراضي بما يناهز 1800 هكتار)، وتظهر هذه المعلومات جليا من خلال لائحة مطالب التحفيظ المستخرجة من المحافظة العقارية ببني ملال.

وبعد  انسحاب المعمرين  الفرنسيين من سهول تادلة وبني ملال ، تقدمت الجماعة السلالية في شخص نوابها آنذاك بتعرض ضد مسطرة تحفيظ المطالب المذكورة سنة 1958، كما قام نواب الجماعة بتقديم العديد من الشكايات في هذا الصدد إلى السلطات الإقليمية والمركزية، وقاموا بزيارة بعض المصالح الإدارية وقابلوا في هذا الشأن جميع  المسؤولين على إقليم بني ملال، دون أن يتم إحقاق حقهم في الأراضي السلالية ، وابتداء من سنة 1999، قرر أبناء قبيلة أولاد بوبكر الاحتجاج ضد السلطات، معيدين طرح هذا الملف الشائك الذي يرجع إلى الفترة الاستعمارية، وتعرضوا أنداك لقوة وجبروت إدريس البصري، حيث تم منعهم من أي تحرك يروم استعادة حقهم في الأرض التي لازالت مستعمرة من طرف المعمرين الجدد اتباع “الدولة المخزنية ” .

وبعد توسع رقعة نضالات النساء السلاليات على المستوى الوطني  مند بداية  سنة 2000، نظمت النساء السلاليات بأولاد بوبكر وقفات احتجاجية أمام عمالة بني ملال، حيث اثمر هذا الضغط والصمود، قرارا من مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية بإيفاد لجنتين على التوالي إلى عين المكان، الأولى سنة 2000 والثانية سنة 2001 ، حيث تم استدعاء طرفي النزاع، وبعد التقصي تأكد أن المستغلين الحاليين وكذا طالبي التحفيظ الأصليين لا يتوفرون على الحجج القانونية التي تخول لهم استغلال الأراضي الجماعية التي بين أيدهم، هذا مع العلم أن جل طالبي التحفيظ ليسوا هم الذين يستغلون الأرض حالياً، نظراً لأن عدداً من ورثة الباشا بوجمعة قد فوتوا الأرض لخواص أجانب عن الجماعة السلالية مما ترتب عنه تفويت بعض العقارات عدة مرات من يد إلى أخرى بطرق  ملتوية  إلى دوي النفوذ.

وبطلب من الجماعة السلالية بأولاد بوبكر )*(، راسلت مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية عمالة بني ملال قصد مباشرة إنجاز عملية التحديد الإداري لأراضي جموع أولاد بوبكر كما سبق أن أنجز لفائدة جميع الجماعات السلالية المجاورة، حتى يتسنى للقضاء البث في هذه النازلة، إلا أن الولاة المتعاقبين على جهة بني ملال طبقوا سياسة أسلافهم المعمرين ضد سكان المنطقة، وتبين لممثلي الجماعة السلالية  أن معركتهم لن تتوقف عند  هذا الحد، بل تستلزم  منهم نضالا  مريرا وهذا ما جعلهم ينظمون أنفسهم في تنسيقية  الجماعة السلالية قصد  النضال والتفاوض، لأنهم منذ سنة 2010 يتعرضون للتنكيل والقمع.

 

إن ما يثير الاستغراب في هذا الملف الشائك هو كون الجماعة القروية التي تنتمي إليها الجماعة السلالية لأولاد بوبكر هي من أفقر الجماعات بإقليم بني ملال،  رغم غنى المنطقة بفلاحتها، ذلك أن الأقلية هي التي تحتكر الأرض، وتجري صفقات عقارية لأجل بيع ارض جماعة أولاد امبارك بأكملها، وتفويتها لمصاصي دماء الفقراء العزل، في حين يعيش شباب المنطقة في عطالة طويلة الأمد.

صعدت جماعة أولاد بوبكر من نضالها الميداني ونظمت أزيد من 20 وقفة احتجاجية ، كما نظموا مسيرات احتجاجية ، وتعرضوا لحصار أمني يوم السبت 8 نونبر 2014 بسبب اعتصام  الكرامة  على مشارف الطريق الوطنية بين أولاد امبارك وبني ملال، ضدا على اغتصاب و احتلال أرضيهم من طرف 22 أسرة من ذوي النفوذ، ويوم 17 عشت 2015 احتج ساكنة أولاد بوبكر من جديد ضد مافيا العقار التي اغتصبت أرضهم وحرمتهم بذلك من رغيف عيشهم، وتعرضوا من جديد لأبشع صور التعذيب في مخافر الدرك الملكي ، حيث تم اعتقال خمسة شبان من خيرة أبناء المنطقة الذين رفعوا شعار ” كرامة حرية عدالة اجتماعية .. الأرض لنا وليست لكم”   .

ورغم زوال الاستعمار القديم فإن الجماعة السلالية أولاد بوبكر لازالت تعيش في أيام استعمار الباشوات الكبار في ظل نظام القواد الجدد المستبدين. لم تتسلم القبيلة أرضها بعد، كما أنها لم تستسلم لغطرسة الدولة المستبدة التي لا تحترم حقوق مواطنيها، لقد وجدوا أنفسهم غداة الاستقلال الشكلي   المليء بالشعارات الكاذبة تحت سقف السيطرة والاستحواذ على أرض أجدادهم التي سقوها بدمائهم حين كانوا في طليعة من حارب الاستعمار.

حسن أكرويض – عضو السكرتارية الوطنية لاطاك المغرب

——————

1(تاريخ قبيلة بني ملال 1854- 1916-(جوانب من تاريخ دير الأطلس المتوسط ومنطقة تادلا) تأليف محمد بن البشير بوسلام . سنة النشر 1991

2( مصطفى عربوش ، من تاريخ منطقة إقليم تادلة وبني ملال، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،

3( نفس المرجع .

*(إن ملكية الجماعات السلالية للأراضي تتميز بكونها غير قابلة للتقادم ولا للحجز ولا للبيع (باستثناء الدولة، الجماعات المحلية، المؤسسات العمومية و الجماعات السلالية التي يمكنها اقتناء هذه الأراضي)، وتقدر المساحة الإجمالية لأراضي الجموع بالمغرب ب15 مليون هكتار تكون الأراضي الرعوية نسبة تفوق 85% تشغل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق وتوظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الفلاحي . ويتم توزيع حق الانتفاع من الأراضي الجماعية الفلاحية بين ذوي الحقوق من طرف جمعية المندوبين أو النواب طبقا للأعراف والعادات وتعليمات الوصاية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى