الخوصصةملفات دراسية

التدبير المفوض بالدار البيضاء نموذج لنهب المال العام

التدبير المفوض بالدار البيضاء نموذج لنهب المال العام

صلاح الدين المعيزي،  مناضل أطاك المغرب

مداخلة في ندوة “حماية المال العام: مسؤولية مجتمعية” منظمة من طرف الجمعية المغربية لحماية المال العام يوم 6 يونيو 2015

شكرا للرفيقات والرفاق على دعوتهم جمعية أطاك المغرب للمساهمة في أول نشاط للفرع الجهوي للجمعية المغربية للحماية المال العام. المداخلة التالية ستتطرق لنوع خاص من نهب المال العام، انه التدبير المفوض. هذا النمط من تدبير الخدمات العمومية هو نهب مقنن عن طريق أنظمة ومساطر تسهل استحواذ القطاع الخاص على المنشئات العمومية و مالية الجماعات الحضرية. هذا العرض يتكون من 8 نقط ويتضمن مثال صارخا على نهب المال العام بالبيضاء وهو نموذج شركة ليدك.

ملاحظة أولية لا بد منها: الفساد أصله استبداد

الخطاب الاستهلاكي حول “الحكامة الجيدة”، “الشفافية”، ” ربط المسؤولية بالمحاسبة” والتي تروج له الدولة ومعها العديد من جمعيات المجتمع المدني مدعومة من طرف المؤسسات المالية العالمية، على الخصوص البنك الدولي[1] لا يجب أن ينسينا أن النضال من أجل حماية المال العام هو معركة نضالية شعبية أولا وأخيرا. فلا يمكن أن ننتظر من مؤسسات يسيطر عليها الفساد أن تكون مدافعة عن المال العام.

إلى جانب عملية الخوصصة والتحرير التي عرفها الاقتصاد المغربي منذ بداية الثمانيات، قامت الدولة بإرساء مؤسسات لمراقبة المالية العمومية (مفتشيات الوزارات وعلى الأخص المفتشيات العامة للداخلية والمالية) وأسست المجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية وأصدرت العديد من القوانين في سياق “الشفافية” وطمأنة المستثمرين الأجانب بخصوص الأمن القانوني بالمغرب. ثلاث عقود من الإصلاحات لم تحد من نهب المال العام والذي ازداد انتشارا بالمغرب.

عامل أخر يجب أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن المال العام بالمغرب هو عدم الفصل بينه وبين “المال الخاص”. غياب الفصل بين مال رئيس الدولة (الملك) الشخصي والمال العام والتداخل بينهما يعيق حماية المال العام. الايجابي أن الحركة الحقوقية والاجتماعية جعلت من محاربة الفساد معركة مهمة ولعل شعار حركة 20 فبراير كان محطة مهمة للتأكيد على النضال ضد الفساد وربطه بالاستبداد. فالقضيتان مترابطتان ومثال التدبير المفوض يوضح ذلك بجلاء.

أولا: اختيار سياسي

 التدبير المفوض ليس اختيارا تقنيا بل هو اختيار سياسي، يأتي نتيجة انسحاب الدولة من تدبير الخدمات العمومية مع بداية الثمانينات. نمط تم فرضه من طرف السلطة السياسية خارج القانون. حيث تم إصدار قانون التدبير المفوض في 2006، إي تسع سنوات بعد أول تجربة للتدبير بالبيضاء (ليدك). القانون جاء على مقاس شركات التدبير المفوض وهذا هو الفساد بعينه. هذا النمط من التدبير يعتمد على بعد الأساطير المؤسسة:

القطاع الخاص يسمح بالتنافسية وتخفيض التكلفة- العولمة تحتم الانفتاح الاقتصادي القطاع العمومي مكلف
القطاع الخاص فعال الموظف العمومي غير منتج
القطاع الخاص يجلب الاستثمارات الدولة لا تتوفر على الميزانية

 

ثانيا: الأزمة العالمية للخوصصة

 بخلاف بداية الألفية الثالثة، التدبير المفوض يعيش أزمة عالمية ولم يعد هذا النمط يستهوي المدن بالعالم التي تفكر في طرق أخرى لتدبير خدماتها ومنها التأميم. في سنة 2000 كان عدد الدول التي اختارت الرجوع إلى التدبير العمومي لا يتجاوز 3 مدن. في 2014، وصل عدد المدن التي فضلت التدبير العمومي إلى 180 مدينة في العالم.

ثالثا: التدبير حتى الموت

اتسعت رقعة خوصصة الخدمات العمومية لقطاعات جديدة ومتنوعة بالمغرب. في المدن، شملت حركة التدبير المفوض كل القطاعات: الصحة، التعليم، إنتاج و توزيع الطاقة، النظافة، المطارح البلدية، التطهير السائل، الإنارة العمومية، تدبير المجازر، النقل الحضري (حافلات، الطرامواي)، المحطات الطرقية، الباركينغ، الحدائق العمومية وحتى المقابر. إذن المغربي منذ ازدياده حتى وفاته محكوم عليه بالعيش تحت وطأة التدبير المفوض.

رابعا: الفاعلون والأرباح

حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بالتدبير المفوض الصادر في 2014 تتوزع استثمارات شركات هذا القطاع على الشكل التالي:

توزيع الاستثمارات بالتدبير المفوض %:

  • تدبير النفايات المنزلية : 10%
  • النقل : 18%
  • تدبير الماء والكهرباء : 77%

 المصدر: المجلس الأعلى للحسابات

  تدبير الماء والكهرباء متواجد بمدن الدار البيضاء، الرباط، طنجة وتطوان.

النقل العمومي مدبر عن طريق الخواص في 260 جماعة حضرية بالمغرب بواسطة 40 عقد و 17 منها فقط أنجزت بعد2006. الجماعة الحضرية الكبرى الوحيدة بالمغرب التي لم يشملها التدبير المفوض للنقل هي أسفي التي لم تستطع تسريح عمال الوكالة الحضرية كما تطالب به الشركات التي تريد الاستفادة من هذه الصفقة. أخر مدينة تم تفويت بها تدبير النقل للخواص هي فاس والتي خاض بها عمال الوكالة الحضرية نضالا مريرا من أجل الدفاع عن مكاسبهم. القطاع الخاص يعرف تواجد اسبان، فرنسيين ومغاربة .

تدبير النفايات المنزلية عن طريق التدبير المفوض أصبح يهم 147 جماعة بواسطة 101 عقد، 33 منها تم توقيعه بعد 2006. هذا القطاع تسيطر عليه شركات فرنسية، ايطالية، ألمانية، لبنانية ومغربية.

66 جماعة فوضت تدبير مطارحها العمومية عن طريق 15 عقد، استفادت منها 12 شركة.

أرباح هذا القطاع بمختلف أصنافه في ارتفاع دائم. بعد 9,2 مليار في 2008، ارتفع رقم المعاملات إلى 11,2 مليار درهم في 2012. الأرباح في ارتفاع صاروخي ب28 في المائة وصافي الأرباح وصل ل23 في المائة. مؤشرات تفوق بكثير قطاعات جد مربحة كالأبناك مما يدل على أن القطاع مربح وأرباحه لا تستثمر في تحسين الخدمات بل توزع على مساهمين في الشركات.

خامسا: ما أسباب هذا الوضع؟    

عوامل خارجية:

– دور المؤسسات المالية العالمية والتي تربط المديونية بفتح القطاعات الاجتماعية على الخوصصة

– اتفاقيات التبادل الحر واتفاق العام للتجارة والخدمات الذي يجبر المغرب على فتح جميع قطاعات للاستثمار بما فيها القطاعات الحيوية.

عوامل داخلية:

+ استبداد أقلية بالقرار السياسي والاقتصادي

+ تقاطع مصالح الأقلية مع مصالح الشركات العالمية والرأسمال المحلي

+ الكسل وانعدام الكفاءة أحيانا من أجل ابتكار طرق تدبير وتمويل خدماتنا العمومية

+ عدم دفاع المجتمع ومختلف هيئاته(أحزاب، نقابات وجمعيات) عن الخدمة العمومية وهي تفكك.

 

سادسا: حالة ليدك

ليدك هي رمز للفساد والاستبداد بالبيضاء. فرغم ملفها الأسود تستمر في جني الأرباح وتهريبها خارج المغرب. بعض الإشارات السريعة عن فشل ليدك:

  • 250 مليون درهم من الاستثمارات لم تنجز (مشاريع البنية التحتية) مما نتج عنه فيضانات 2010 .
  • تأخر انجاز مشاريع أساسية كمكافحة التلوث بشرق الدار البيضاء.
  • في الشق الخاص بالربط الاجتماعي: من أصل 9000 عائلة، قامت ليدك بالربط للنصف فقط.

في المقابل قامت الشركة بتوزيع560 مليون درهم من الأرباح بطريقة مناقضة لمقتضيات عقد التدبير المفوض. أضف إلى ذلك تهريب 833 مليون درهم تحت يافطة المساعدة التقنية. رغم كل هذا قام مجلس المدينة بمراجعة العقد في 2009 وتجديده ب30 سنة إضافية. اليوم تستعد ليدك لتسلم 7 جماعات إضافية في محيط الدار البيضاء بدون أن تدفع درهما واحدا.

حصيلة 18 سنة من حضور شركة ليدك بالمغرب في نظرنا داخل أطاك المغرب حصيلة سلبية بكل المقاييس. ماليا، كلفت الشركة ميزانية ضخمة بفعالية متوسطة، ولم تخلق الشركة مناصب شغل بل اعتمدت على شركات المناولة وشركات تابعة لها ساهمت أيضا في تهريب أرباحها خارج المغرب. من الناحية التقنية والخدماتية، لم تساهم ليدك في تحويل التكنولوجيا للمغاربة بل اعتمدت على الخبرة الأجنبية المدفوعة من مال الشعب. اجتماعيا، لم تحترم الشركة الفرنسية التزاماتها بخصوص الربط الاجتماعي على الرغم من دعم الدولة عن طريق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. أخيرا، اختيارات ليدك الايكولوجية بئيسة، فمشروع محاربة التلوث عرف تأخرا ب15 سنة ولم ينجز إلا بعد ضغط ومشاورات طويلة مع الشركة ولمصلحة مشروع مدينة زناتة الجديدة.

 

سابعا: الحذر من مخطط جديد

بعد تقارير عن مدن محددة وشركات بعينها، خصص المجلس تقريرا فريدا عن التدبير المفوض. من جانب، هذا اعتراف ضمني بطرح مناهضي التدبير المفوض ولكن من جانب آخر، تعد هاته التقارير الرأي العام لمرحلة جديدة يتم تجريبها بالرباط حيث يتم تحميل الجماعات الاستثمارات والمخاطرة التجارية و يبقى دور الخواص هو استغلال المرفق العمومي. هذا مخطط الجديد من خوصصة الأرباح وتأميم الخسائر.

 

ثامنا: بدائلنا

أطاك تدعو كل الفاعلين المدنيين والسياسيين للمساهمة في دحض أكاذيب دعاة التدبير المفوض وخوصصة الخدمات العمومية. من مهامنا:

-خوض صراع مفاهيمي وفضح المخططات حتى نوقف نزيف الخوصصة

– تحديد المسؤولين عن الخروقات ومتابعتهم قضائيا

– طرح خيارات ذات مضمون تقدمي وايكو اجتماعي

– النضال من أجل خدمات اجتماعية تحت رقابة شعبية، تضم مجالس التدبير حضور العمال والمستعملين.

– الاستفادة من أفضل التجارب العالمية التي تطرح بدائل شعبية في تدبير المرفق العام.

– إعادة الثقة للمواطنين ومحاربة القدرية ورد الاعتبار للقيم الجماعية وللخدمة العمومية .

ص. لمعيزي

 

 

 

 

 

 

[1]برنامج “الحكامة” داخل النظام التعليمي ممول من طرف البنك الدولي بالمغرب http://www.tanmia.ma/event/promotion-de-la-redevabilite-sociale-dans-le-systeme-educatif-marocain/

زر الذهاب إلى الأعلى