إجراءات الحكومة لمواجهة احتجاجات الشعب المغربي بطنجة ضد شركة أمانديس (فيوليا)
عملية تسخين لحساء فاسد
بعد الرد الشعبي الواسع و الرافض لبلاغ الولاية بطنجة ليوم 30 أكتوبر 2015، و بعد قضاء لجنة وزارية مركزية لأسبوع بالمدينة، و بعد حملة ترهيب و إنزال قمعي كثيف في محاولة للوقوف أمام السيل الشعبي العارم، حل رئيس الحكومة و وزيره في الداخلية بمدينة طنجة عشية الأحد فاتح نونبر 2015 ، حيث قام بتثمين قرار اللجنة الوزارية و أعطى دروسا للمنتخبين في كيفية تعاملهم مع مطالب المواطنين، و أن عليهم إقناع المحتجين بالاستسلام للحلول التي جاءت بها اللجنة، و ذلك بحضور مدير شركة أمانديس، فهل سيجرؤ رئيس حكومة فرنسا على تأنيب البرلمانيين و المنتخبين الفرنسيين أمام مدير شركة مغربي؟ فهل من جديد في خطاب رئيس الحكومة و حلوله؟
إن لأبناء طنجة ذاكرة
منذ أن شُرع في افتراس قطاع خدمات توزيع الماء و الكهرباء والتطهير السائل والنقل والنظافة في كبريات المدن المغربية من طرف الرأسمال الأجنبي وبشراكة مع الرأسمال المحلي، نبه العديد من المناضلين والباحثين إلى خطورة الوضع من خلال تفنيد حجج المدافعين عن الخوصصة والتدبير المفوض. كما احتج المواطنون في تطوان و الرباط و الدار البيضاء وطنجة و مرتيل والفنيدق… على تفويت قطاع التوزيع و نددوا بالغلاء الفاحش و تدني الخدمات و نهب هذه الشركات لموارد البلاد. لكن الحكومات المتعاقبة كانت تجند كل وسائل القمع لحماية هذه الشركات النهابة. فهل الاجراءات التي أقرها رئيس الحكومة و وزيره في الداخلية جديدة و تستحق الانتباه؟
لا بد من العودة إلى الوراء قليلا، لكي نكشف أن السادة المسؤولين يستخفون بذكاء المغاربة وجماهير طنجة المنتفضة ضد سرقة شركة أمانديس لجيوبهم، ففي سنة 2006 فسر مدير شركة أمانديس فرنسوا دو روشمبو – François de Rochambeau في لقاء صحفي يوم 21 نونبر 2006، غلاء الفواتير بادعائه أنه في شهر غشت يرتفع الاستهلاك، و مشكل المساكن المتعددة الأسر وكذا بخلل في قراءة العدادات. واقترح كحلول بخلق لجنة لتلقي الشكايات ومعالجتها و تقديم تسهيلات في الأداء وكذا إحداث مكنزمات رقابة للفواتير. (جريدة لكونميست عدد 2406 بتاريخ 22 نونبر 2006)، فما أشبه اليوم بالأمس، الفرق الوحيد هو ضخامة الاحتجاجات في أكتوبر 2015 و قوة أشكالها بمدينة طنجة.
لقد كانت احتجاجات سنة 2006 قوية و شملت العديد من الوكالات و كان المشاركون يرابطون أمام المقر المركزي لشركة أمانديس، وقد تشكلت تنسيقية من النقابات والأحزاب والجمعيات، لم تقبل الحوار مع الشركة، لأن المحتجين كانوا يطالبون برحيل أمانديس. في حين قبلت عشرون جمعية (عدد كبير منها تحت نفوذ السلطة أو مجرد أشباح، و لا مشكل لها مع الخوصصة عموما وخوصصة قطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل خصوصا) الجلوس على طاولة الحوار مع الشركة برعاية سلطات الولاية (يوم كان محمد حصاد وزير الداخلية الحالي واليا على جهة طنجة تطوان)، كانت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، إحداها وقد كانت جادة في متابعة الملف من منظورها القانوني الذي لا يجادل في مبدأ الخوصصة. وقد وضحت الرابطة حيثيات الحوار وما توصلت له مع الشركة و كذا ما قامت به اتجاه سلطات الولاية (الوالي محمد حصاد) وقد جاء في بيانها المنشور بجريدة “جريدة طنجة” عدد 3413 بتاريخ 3 فبراير 2007، أنها توصلت مع الشركة إلى اتفاق يقضي بعدم قطع التزود نتيجة لعدم أداء فواتير شهري غشت و شتنبر 2006 وإطلاق حملة تقنية لمراقبة العدادات والوعد بإصلاح النظام المعلوماتي، بالإضافة إلى نقط أخرى شكلية، في حين أن الشركة رفضت إلغاء الفوترة التقديرية و تشكيل لجنة مختلطة للبث في الشكايات وإدراج مقتضى الاتفاق في الصيغة النهائية عند تعديل و مراجعة الاتفاقية (المفترض في 31 دجنبر 2007) .. وقد رفعت الرابطة مذكرة للوالي محمد حصاد مطالبة إياه بالتحكيم بينها و الشركة وأرفقته بمستندات تتعلق بجرد أهم النقط المتفق عليها وورقة تقنية عن الاختلالات المرتبطة بالفوترة و ورقة تقنية حول عدم الوفاء بالالتزامات السابقة ونموذج عن التجاوزات المرتبطة بعملية قطع الايصال ونموذج لأجوبة الشركة غير المقنعة وورقة تقنية عن تواتر ظاهرة الاخطاء غير المبررة ولائحة مطلبية موجهة للسيد عمدة طنجة تنص على ضرورة تفعيل لجنة التتبع، وإخضاع الاتفاقية للمراجعة في موعدها المحدد وكذا اتخاذ بعض التدابير الكفيلة بتصحيح مسار تجربة التدبير المفوض. إن هذه المعطيات تثبت أن الوزير الحالي للداخلية حصاد محمد كان مطلع على دقائق الملف منذ سنوات عندما كان واليا على جهة طنجة تطوان، و لم يحرك ساكنا. فكيف له أن يتفاخر بإجراءات طٌلب بتفعيلها قبل ثمان سنوات و لم تُفَعَّل رغم بساطتها؟
وجهت الرابطة رسالة محمد حصاد عندما كان واليا تلتمس منه التدخل لحل المشاكل التي يتخبط فيها قطاع توزيع الماء والكهرباء، ونوهت إلى الاكتظاظ الذى تشهده وكالات الشركة. وتسجل فيها وقف عملية استخلاص الفواتير بالمنازل و نقص نقط الأداء وتفويض أمانديس لشركة أخرى القيام بعملية قطع الايصال وغيرها من الخروقات، فقد جاء في الرسالة ” ولعل الميزة الأساسية التي تطبع سلوك هذه الشركة هي الغموض في كل شيء والمراهنة على الزمن، وعدم وعي المواطنين بالمقالب والحيل وكذلك الحماية التي تحظى بها من لدن الجهات النافذة..” (الرسالة منشورة بجريدة “جريدة طنجة” عدد 3437 بتاريخ 21 يوليوز 2007).
هكذا لم يعر وزير الداخلية الحالي، عندما كان واليا على جهة طنجة – تطوان اهتماما لتوسلات الرابطة و استمرت شركة أمانديس في جرائمها.
فهل الجمعيات و النقابات و المواطنون يفترون على شركة أمانديس؟
ليس هناك أي افتراء، فقد رصد التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 المنشور في أكتوبر 2010 خروقات تتعلق أولا.بالتدبير التجاري و يتعلق الأمر بالتدبير التجاري الخاص بالمفوض إليها (ص 13) و تحصيل ديون الوكالة المستقلة الجماعية للتوزيع بطنجة (ص 18) ثانيا. التدبير المحاسبي والمالي (ص 20، ) ثالثا. تدبير مشاريع الاستثمار وخاصة، المشاريع الممولة بواسطة صندوق الأشغال (ص 25) و مشاريع الأشغال المسددة (ص 27) رابعا. تدبير الأنظمة المعلوماتية (ص 29) خامسا. تدبير الموارد البشرية (ص 33). و كل هذه الخروقات أرفقها المجلس بتوصيات للسلطات المختصة، و دائما في زمن الوالي محمد حصاد.
من الخروقات الأساسية أن السلطة لم تراجع العقد في التاريخ المحدد له أي في 31 دجنبر 2007 أي بعد مرور كل خمس سنوات (تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول التدبير المفوض ص 83 الصادر في أكتوبر 2014) علما أن المكتب الجماعي لطنجة كان قد قال في بلاغ صادر في الأسبوع الأول من شهر يونيو 2011 أنه سيواصل ” مجهودات المكتب لحل الاختلالات التي يشكو منها تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل، والتي تؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطن، و تهدد الاستقرار الاجتماعي بالمدينة” و أضاف البلاغ أنه “بعد الاجتماع الذي عقدته، مؤخرا، لجنة تتبع تنفيذ عقد التدبير المفوض الذي يربط الجماعة الحضرية لطنجة بشركة أمانديس، والذي صدرت عنه مجموعة من الخلاصات، فقد تقرر الشروع في إجراء مراجعة شمولية لهذا العقد، داخل أجل لا يتجاوز متم السنة الجارية، وذلك التزاما بما هو منصوص عليه في ذات العقد، واستحضارا لملاحظات التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات حول التدبير المفوض لهذه الخدمات الحيوية”. و هذا اعتراف صريح من طرف السلطة المفوضة على رؤوس الأشهاد. وها هي تمر أكثر من ثلاث سنوات ليقول لنا المجلس الأعلى للحسابات بأن العقد لم يراجع و لا مرة واحدة.
إن النهب الذي تمارسه شركات التدبير المفوض هو ناتج عن صمت السلطات و تعاونها مع الشركة عمليا من خلال تغاضيها و صمتها، رغم أن تأخر أو عدم تنفيذ التزامات أمانديس، فيما يخص التطهير السائل وحماية طنجة من الفيضانات مثلا، كان من بين أسباب كارثة الفيضانات التي ضربت طنجة في أكتوبر 2008 والتي أدت إلى وفيات و خسائر مادية جسيمة.
أمانديس أي حساب و أي حل؟
إن أبسط ما يجب القيام به قبل طرد أمانديس دون تعويض هو إخضاعها و أخواتها، إلى محاسبة تشمل عملها طوال مدة العقد وإرجاع ما نهبته للمواطنين و خزينة الدولة، وإلزامها بدفع تعويض عن الخسائر التي سببتها، وهذا الأمر يجب أن يشمل جميع الشركات المفوض لها. لأن وجودها بالبلاد فيه إهدار ونهب للثروة الوطنية، فقد حولت مجموع الشركات المفوض لها تحت غطاء المساعدة التقنية الأجنبية ما قدره 31 مليار 380 مليون درهم ما بين سنتي 2005 إلى 2009 (حسب التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 الجزء الأول ص 188). كما أن المجالس المنتخبة التي وقعت العقود يُجمع الكل على أنها لا تمثل إرادة المواطنين الحرة و الديمقراطية، ومعروف أن مكاتب الجماعات تشكل بشراء أصوات المنتخبين. و تجدر الاشارة إلى أن دفاتر التحملات والعقود وملحقاتها تظل بعيدة عن عيون المواطنين الذين وقعت باسمهم. فما الذي تضمه هذه الدفاتر و العقود؟ و لماذا لا تنشر على العموم؟
إن الحلول المقترحة من طرف الحكومة قد تم تجريبها مرارا و تكرارا، و لا تزيد هذه الشركات إلا عنجهية وتغولا. والبديل هو العودة للتدبير العمومي تحت تسيير مؤسسة عمومية لإنتاج وتوزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل تعمل على المستوى الوطني وتوفر حدا أدنى حيوي من الماء و الكهرباء لجميع المواطنين مهما كان دخلهم، و كذا منع قطع الربط بالشبكة للمواطنين الذين يقل استهلاكهم عن الشطر الاجتماعي والعاجزين عن الأداء (القانون الفرنسي –la loi de Brottes -يمنع قطع الماء على المسكن الرئيسي ولو في حالة عدم الأداء، منذ 15 أبريل 2013 كما يحظر قطع الكهرباء و الغاز في فصل الشتاء). فهل المواطن المغربي أقل اهمية حتى يحرم من مادة حيوية؟
علما أن المكتب الوطني للماء و الكهرباء يحظى بحصة 36 في المئة من مشتركي خدمة توزيع الماء و 61 في المئة من خدمة توزيع الكهرباء، بينما هذه النسبة عند شركات التدبير المفوض الخاصة هي 36 في المئة و 25 في المئة على التوالي، و وباقي النسبة أي 31 في المئة و14 في المئة تذهب للوكالات المستقلة (تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول التدبير المفوض ص 54 – الصادر في أكتوبر 2014). هذا التوزيع يكشف أن شركات التدبير المفوض الخاص تستحوذ على المناطق و الفئات الأكثر ربحية بينما تترك للشركات العمومية المجال الأقل ربحية. إن توحيد الانتاج والتوزيع في مؤسسة عمومية واحدة تحت رقابة شعبية وتسيير شفاف، من شأنه أن يوفر في التكلفة و الجهد من خلال الاستفادة من اقتصاد الحجم -économie d’échelle- و قطع الطريق على ما تنهبه الشركات المتعددة الجنسيات من أموال الجماهير العمالية و الشعبية.
عن المجموعة
طنجة في 6 نونبر 2015