الهجرة

وفاء “لشهداء الحدود”، لنناهض الشراكة المغربية-الأوروبية في مجال الهجرة

قضى أكثر من 23 شاب أفريقي على الحدود الأوروبية يوم 24 يونيو الأخير في مأساة جديدة للهجرة. رغم هول المأساة لم يتوان الفاعلون الرسميون (اسبانيا، المغرب والمفوضية الأوروبية) في التأكيد على ” صلابة” شراكتهم في مجال الهجرة وتعهدوا على “تقويتها وتجديدها”. في محاكات “لاستراتيجية الصدمة” تعددت الإعلانات الرسمية من أجل التأكيد على “ضرورة المواصلة” في نفس المنوال، الذي أصبح له أثر دموي على الحدود الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. خطابات تنم على احتقار كبير للضحايا واستمرار لنهج جوهره استعماري يمارس من طرف دول طبيعتها استبدادية حيث تغيب المحاسبة ويسود الإفلات من العقاب.

شراكات دموية

أحد مظاهر هذه العجرفة الأوروبية هي الخطابات السائدة اليوم التي تدعو الى ” شراكات هجرة مستدامة ومفيدة للطرفين في جنوب البحر الأبيض المتوسط” و” إلى التفكير في شراكات الهجرة بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط”. المستفيد الأول هو الاتحاد الأوروبي المدفوعة من طرف رأي عام أوروبي يناهض الأجانب، خاصة السود والمسلمين. والمستفيد الثاني هي الأنظمة التي وجدت في الهجرة موضوعا دسما لمقايضة التدبير الأمني المطلوب منها مقابل أي مسائلة بخصوص ملفات حقوق الانسان. المفوضية الأوروبية اليوم مهووسة بمراقبة الحدود وابعاد المهاجرين بأي كلفة ولو تم ذلك على حساب حياة المهاجرين أو التعاون الوثيق مع مليشيات خارجة عن القانون كما هو الحال في ليبيا اليوم.
أحد مظاهر هذا الهوس الأمني بالحدود هو الخطوط العريضة لميثاق الهجرة واللجوء الذي في طور التفاوض داخل الاتحاد الأوروبي. الميثاق الجديد يتضمن بند خصص لما سمي “شراكات في الهجرة”. هذه الشراكات لها نطاق عمل واسع للغاية وتهتم أساسا بخمس مجالات:

  • “ضمان حماية السكان النازحين ودعم البلدان المضيفة (1)
  • العمل على زيادة الفرص الاقتصادية في بلدان المنشأ (2)
  • تعزيز قدرات الدولة في إدارة الهجرة (3)
  • تحسين التعاون بشأن العودة وإعادة القبول (4)
  • إنشاء قنوات الهجرة النظامية (5)”
    انطلاقا من التقييم الموضوعي الذي يقوم به الباحثين وكذا الحركات النضالية في مجالات الهجرة، تركز الشراكات على المجالي 3 و4، اللذان يتميزان بطابعهما الأمني البحت.
    مأساة مليلية-الناظور تؤكد مرة أخرى على فشل هذه الشراكة وتفضليها الجانب الأمني على حماية حقوق المهاجرين. ولعل أكبر شاهد وضحية لهذه الشراكة هم المهاجرون واللاجئون. سنسرد تجربة شاب سوداني ضحية مأساة 24 يونيو وكيف حولت الشراكة الأوروبية-المتوسطية في مجال الهجرة حياته لجحيم. هو الهارب من السودان، وجد نفسه في سجون لبيبا الممولة بطريقة غير مباشرة من طرف الاتحاد الأوروبي. ثم بعد ذلك قطع المئات من الكيلومترات ليصل للمغرب، ليجد أمامه أحد التجارب الأكثر عنفا في التدبير والمناولة للحدود الأوروبية انطلاقا من دول الجنوب. لنستمع للتجربة المريرة لهذا الشاب، ضحية الشراكة الأوروبية-المغربية

شهادة لأحد ضحايا الشراكات الأورو-متوسطية

” انا اسمي جلال. أتيت من قرية تسمى تندلتي في السودان ، بالقرب من الحدود مع ولاية شمال كردفان”
وصلت إلى المغرب في غشت 2021. عبرت ليبيا والجزائر للوصول إلى المغرب. عشت أسابيع مروعة في سجون في ليبيا ، تحت سيطرة الميليشيات”. عند وصولنا إلى المغرب ، اعتقدنا أنه يمكننا العثور على ملجأ أكثر أمانا.
دخلت إلى المغرب من الحدود الجنوبية الشرقية ، بالقرب من فجيج. الطريق محفوف بالمخاطر، على الطريق، نواجه عصابات مسلحة ، بعضهم كان يرتدي زيا عسكريا ، ولم نكن نعرف ما إذا كانوا أعضاء في الجيش النظامي أو مرتزقة. طلبوا منا المال. لقد جردونا من كل أموالنا وممتلكاتن كنا محظوظين لأن العبور الى المغرب كان بالمجان. في يوم الأحداث كنا عدة مجموعات. بين 1000 إلى 1200 لاجئ. ذهبنا إلى السياج. ولم يكن لدينا أسلحة. كانت لدينا حجارة لحماية أنفسنا من اعتداءات قوات الأمن الإسبانية والمغربية.
عند السياج كانت المشاهد مروعة. الغاز المسيل للدموع والقنابل المطوّقة أطلقت بكثافة، كانت المقذوفات الصوتية صعبة التحمل. سقط الكثير من القتلى في تلك اللحظة في السياج ، أصيب العديد منا بالاختناق بعد الاستخدام المكثف للغاز المسيل للدموع ، وآخر شيء أتذكره هو أن أحد أفراد قوات الأمن المغربية سحبني من قدمي. تلقيت ضربات على وجهي بهراوة ، ويدوسني آخر بحذائه. ثم أغمي علي. أنا رجل محظوظ لأنني ما زلت على قيد الحياة. شخص كان معي في الخيمة بالغابة فقد حياته. عندما نقلتنا سيارة الإسعاف ، فقد شخص حياته بمجرد وصوله إلى المستشفى. تلقيت بعض العلاج وتم تصويرنا بالأشعة السينية ورغم الإصابات في الرأس تم نقلي في مجموعات من 25 شخصًا في حافلات إلى عدة مدن.
انتقلنا إلى شيشاوة (وسط المغرب). ولا يزال آخرون في مدن أخرى لأنهم لا يملكون الوسائل أو لأنهم في حالة صحية صعبة.
لم يكن لدينا أسلحة ولا منظمة. كانت لدينا نفس النية مثل المجموعات الأخرى التي جربت حظها في كل مرة. نحن في بلد أجنبي ، ولن نفكر أبدًا في خلق ضرر. نريد فقط تجاوز الحواجز والوصول إلى أوروبا. لماذا المغرب؟ المغرب بلد آمن مقارنة بليبيا. لكن منذ 24يونيو تغيرت فكرتي عن البلد إنها ليست تجربة. إنها مأساة. كنت أرغب في البقاء في بلدي. هذه ليست هجرة. إنها حرب”

من أجل أفق فكري مغاير حول الهجرات

اليوم الشراكة الأورو-متوسطية في مجال الهجرة هي انتاج لحرب ممنهجة ضد المهاجرين، كانوا من شمال افريقيا أو من أفريقيا جنوب الصحراء. هذه الشراكة تمتد على عدد كبير من البلدان من المغرب حتى تركيا. هذه الشراكة هي أحد أوجه التعاون غير المتكافئ بين القارتين وتتداخل فيها عدد كبير من الملفات (التبادل الحر، الاتفاقيات التجارية في مجالي الفلاحة والصيد البحري والاتفاقيات المالية) بالإضافة للمديونية التي تستعمل كسلاح اضافي لإخضاع عدد من البلدان الافريقية.

بعد مأساة 24 يونيو الأخير، لابد للحركات النضالية في مجال الهجرة، مدعومة من الطرف الباحثين المستقلين والصحفيين والمثقفين في المضي قدما من أجل مناهضة الشراكات الأورو-متوسطية. مناهضة تنطلق من خلال النظر في اتجاه أخر غير الاتجاه الذي تريد الأنظمة ان نفكر فيه وبه. في هذه المرحلة، لابد أن نفتح أفق تفكير جديد ونقدي وجذري لمواضيع الهجرات والتنقلات البشرية والحدود، والتنوع الثقافي، ومناهضة العنصرية، والتمييز. بعيدا كل البعد عن منطق الشراكات الدموية.

هذا النداء يتوجه أولا وأساسا لكل الفاعلين المستقلين والذي يحاولون التأسيس لفعل فكري ونضالي مستقل في كل أبعاده. سيكون ذلك وفاء لروح شهداء الحدود. أفق سيكون استمرار للعمل الذي قامت به جمعية أطاك، مع أصدقائها، منذ سنوات على موضوع الهجرة.

صلاح الدين لمعيزي، صحفي ومناضل

زر الذهاب إلى الأعلى