الهجرةملفات دراسية

الهجرة في زمن النيوليبرالية: الضحية يحتمي بالجاني

الهجرة في زمن النيوليبرالية: الضحية يحتمي بالجاني

في العالم الثالث ارض الخيرات المنهوبة، وعقود النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، الارض التي دمر الغزو الاستعماري، قديمه وجديده، ماءها وهواءها وترابها، ومسخ لونها الاخضر، الارض التي اثقلت الامبريالية اقتصادها بديون سيزيفية السداد، ارض الانواع الثلاث:

نوع يقتات من قهر الغالبية ونوع مشرد فيها ونوع يبحث عن تحسين شروط التشرد على أرض الناهبين.

هؤلاء الهاربون-ات من شرور الظلم الاجتماعي، الأمية والمرض والمجاعات والبطالة وأزيز الرصاص. تستقر جثتهم-هن في البحر المتوسط، او تمر بارض الناهبين لتعيش ظلما يبدو أجمل قليلا. في العالم الثالث هؤلاء الهاربون-ات الى ارض الناهبين، لم يهربوا-ن بغرض انتزاع  خيراتهم-ن  بل “ليتسولوا” فتاتها مرغمين-ات.

من الرأسمالية الى النيوليبرالية، هكذا بدأت واستمرت الهجرة:

الهجرة من موطن الولادة الى بلد آخر، لم تكن ظاهرة قديمة العهد، حتى التنقلات كانت تنطوي على جماعات صغيرة جدا. خلال النظام الاقطاعي كان الأقنان يعيشون متعلقين بأراضيهم من الولادة حتى الوفاة، ولكن مع بداية ظهور الرأسمالية، تغير الوضع جذريا.

فرضت الرأسمالية وجودها على كل الكوكب عبر سنوات من الاستعمار والعنف والتقتيل والنهب الممنهج للمستعمرات، وكانت اولى حركات التنقل آنذاك هي التي دفعت بصغار الفلاحين الى الهجرة الى المدن ليحولهم الرأسالمال الى عمال مأجورين.

مع بداية صعود الرأسمالية، لم تكن كل هذه القيود، التي نراها في وقتنا الحالي، على الهجرة، حتى الازمات الاقتصادية الدورية لم تكن انذاك عائقا، تطور الانتاج كان يتماشى وكم الباحثين عن عمل، وازدهارها أيضا كان بحاجة الى المزيد من العمال المهاجرين، ملايين العمال كان بإمكانهم الهجرة دون قيود، بين سنوات 1820 و1914 هاجر نحو 25.5مليون شخص من اوروبا الى أمريكا[1]، لكن أرقام الهجرة الاقتصادية قد تغيرت بعد الحرب، وبعدما طال امد الازمة الاقتصادية، صارت الهجرة اكثر صعوبة و انتقائية، ومقيدة في حالات الهجرة  المسماة “غير الشرعية”.

في زمننا الراهن حين أخذت الرأسمالية شكلها النيوليبرالي، صارت شريعتها أوضح في تناولها لقضايا التنقل، فكل ما يخدم غاية الربح يمكنه أن يتنقل بحرية ولو على حساب تدمير البيئة ومستقبل الوجود الإنساني، يمكن للسلع و الأموال ان تتنقل تحت مسمى”اتفاقيات التبادل الحر”، لكن تنقل الأشخاص محكوم بشروط لا ينبغي ان تتعارض ومصلحة هذا النظام، حتى انها صارت تستخدم حكومات هذه  البلدان “حرسا” على أمنها ، أوروبا على سبيل المثال  جعلت من بعض  الدول المغاربية “شرطة” حدود لها ، مهمتها منع مرور المهاجرين اليها، حتى أنه قد تركزت على شواطئها مراكز عسكرية لاحتجاز المهاجرين الذين ينوون الهجرة الى البلدان الأوروبية.

من ماذا يهربون-ن؟

اكثر المناطق تصديرا للمهاجرين-ات، افريقيا  وآسيا والامريكيتين الوسطى والجنوبية، بلدان هذه المناطق عرفت عقودا من النهب لثرواتها ومواردها الطبيعية، بلدان تقودها حكومات مخلصة لإملاءات النيوليبرالية، القاتل اليومي لها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بلدان تعرف تردي خدماتها الاجتماعية، بسبب سرقة اموالها من طرف المؤسسات الدولية باسم المديونية، وهي أيضا محكومة بتدخل الشركات متعددة الجنسية، باسم اتفاقيات التبادل الحر، لتستفيد من ثرواتها البترولية و المعدنية، وتنوع مواردها الطبيعية.

تسم بعض هذه البلدان أيضا ( خصوصا في  افريقيا) المجاعات و الفقر المدقع و تفشي الأوبئة رغم ما تتوفر عليها من خيرات. كل هذا يدفع بالكثيرين-ات الى قطع مسافات طويلة مشيا على الاقدام وسط الغابات و الصحارى في ظروف غير إنسانية، باحثين عن فرصة العبور الى أرض الناهبين.

هذه الحروب والنزاعات المسلحة، ليست قدرهم-ن، بل هي أيضا من صنع الرأسمالية، لتصريف انتاجها من الأسلحة، وانعاش اقتصاد الحروب, ومن جانب آخر لتسهيل عملية نهب الثروات و المواد الأولية و الموارد الطبيعية.

ماذا ينتظرهم؟

حتى يغتالوا الحلم قبل بلوغه، اعتمدت العديد من بلدان اوروبا منذ أكثر من عقد من الزمن، سياسات تحول دون مرور المهاجرين-ات الى أراضيها، فصعَبت امر اصدار  الحصول على التأشيرات ، وشيدت الجدران والأسوار، وفرضت سيطرتها العسكرية على الحدود البرية والبحرية و الجوية أيضا من قبل وكالة “فرونتكس[2]، بل ولا تتردد في إعادة المهاجرين/ات  قسرا الى بلدانهم-ن الأصلية حتى لو كان الهلاك هو منتظرهم-ن، فالوكالة تخلي مسؤوليتها من أي سوء يلحق المهاجرين-ات بعد إعادتهم الى أوطانهم.

اذا نجح-ت المهاجرون_ات في تجاوز كل الصعوبات والعراقيل لبلوغ الجانب الآخر من العالم، يجدون-ن بانتظارهم-ن  الطامحين الى انتاج اكثر بكلفة أقل، ليوفروا لبعضهم-ن عملا في شروط سيئة، وبأجور هزيلة، فئات أخرى تعمل في قطاعات ليسوا-ن مؤهلين لها مثل البناء والمطاعم والزراعة الموسمية  والعمل بالمنازل، وآخرون يجدون أنفسهم  في بؤر للجريمة، وتجارة المخدرات، و الدعارة.

في حالة مهاجري-ات ما بعد صعود الثورة المضادة والحروب الإمبريالية، أدت الأزمة الاقتصادية في أروبا الى انتعاش اليمين المعروف بمعاداته للمهاجرين-ات، الذين يعتبرونهم-ن سارقين-ات لوظائفهم ولإعاناتهم الاجتماعية، ومافيات، وغير ذلك من الاتهامات. بل بل وصل التحريض العنصري إلى حد الدعوة لترك المهاجرين-ان يغرقون-ن  في البحر ليكونوا-ن عبرة لغيرهم. فهجوم “شارلي إيبدو”مثلا، كان فرصة لانتعاش خطاب اليمين المتطرف لأغراض انتخابية.

خاتمة:

ان المتسبب الأول في أزمات الهجرة هي أطماع النيوليبرالية وسعيها المحموم نحو الربح، ولا حل لهذه الأزمة دون التخلص من التبعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي فرضتها حكومات ومؤسسات الشمال على بلدان الجنوب عن طريق تكبيل الشعوب بالديون والاتفاقيات الاستعمارية وفرض السياسات المعادية لمصالح الكادحين .

مناضلات من أطاك المغرب

[1] – المصدر: http://en.internationalism.org/icconline/201510/13477/migrants-and-refugees-victims-capitalist-decline

[2] – “فرونتكس” : (اختصار لتعبير الحدود الخارجية « Frontières extérieures »)،هي وكالة أنشأها الاتحاد الأوروبي سنة 2004، الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون في مجال العمليات على الحدود الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مقرها وارسو، انشئت من أجل منع المهاجرين من بلوغ سواحل الاتحاد الأوروبي الممتدة 42 ألف كيلومتر.

زر الذهاب إلى الأعلى