النساء

نساء المغرب : رهائن الليبرالية

 

“المرأة المغربية” تعبير رائج في الخطابات، وفي الجرائد، وعلى طول المؤتمرات. لكنه مصطلح غير ملائم يحجب التنوع المدهش لمسارات النساء وحياتهن في المغرب.

أولا، نظرا لوجود فوارق كبيرة لمستويات وأنماط العيش المميزة للمجتمع المغربي: فحياة المرأة القروية المعزولة في الأطلس الكبير بدون طريق، ودون ماء وكهرباء، والتي تؤمن قوت أسرتها بفضل زراعة معيشية من خلال تربية بعض الدواجن والمواشي.والتي تتحسر على موت رضيعها من شدة البرد لعدم استطاعتها تأمين مدفئة في الشتاء، لا يوجد ما يجمعها بتلك القاطنة بحي أنفا في مدينة الدار البيضاء، والتي تعيش في ظروف أكثر رفاهية بمنزل مع حوض سباحة، وعامل حديقة وثلاث خادمات، وسائق، والتي تنفق في نصف يوم ما تكسبه الأخرى، القاطنة في الأطلس الكبير، في سنة أو سنتين من الكد(العمل الشاق).  

ثم بفعل التحولات السريعة التي طرأت على  المجتمع المغربي. فلنأخذ فقط مؤشرين لهما أثر بالغ على حياة النساء: معدل الخصوبة(متوسط عدد الأطفال لكل امرأة) الذي مر من نسبة 7.2 سنة 1960 إلى 3،3 في سنة 1994  لينتقل إلى 2.15 سنة 2014، وهي بمثابة ثورة كوبرنيكية للنساء خلال جيلين. ومعدل الفتيات الصغيرات المتمدرسات  الذي تحول من 61.7 سنة 1997 إلى86.5٪ سنة 2002 ليتجاوز أكثر من 95٪ عام 2014(ولكن فقط ٪ 21.9 منهن تلتحق بالمرحلة الثانوية، مقارنة مع 30.6٪ بالنسبة للذكور).

 

وأخيرا، بفعل التأثيرات المتعددة التي تغزو المجتمع المغربي من قبيل تغلغل الرأسمالية أولا، وثم الليبرالية المعولمة التي انتصرت في ما بعد بكل مكان. لقد حطم الانتقال إلى الأسرة النووية، والتمدن السريع دون تصنيع موازي، وتدبر الأمور كيفما اتفق(البريكولاج) الذي تحول إلى نظام في بلد حيت يعيش فرد من ستة تحت عتبة الفقر، ودخول قنوات التلفزيون سواء الشرقية أو الغربية، ووصول الهواتف المحمولة والإنترنت … (حطم) كل هذا، وأشياء أخرى، القيم الراسخة التي تعد مرجعا للفرد، وجعلت هذا الأخير يعيش تأثيرات متناقضة. لذلك يخلق معظم الأفراد خليطهم الثقافي خاص بهم، وبعضهم يستسلم  لإغراءات صفارات إسلاموية بالية ومستوردة التي لها فضل وضع نظام بسيط، ولما لا تبسيطي في عالم مضطرب وغامض ويشكل جوابا سهلا أمام رفض أوروبا التي تستمر الأنظار في التطلع إليها، لكنها أصبحت مقفلة أكثر من أي وقت مضى، ومغلقة في حدودها شنغن وصارت غير قابلة للاختراق.  

 

 

سابقا، في سنوات السبعينات، خلق عالم الاجتماع المغربي بول باسكون مفهوم “المجتمع المركب” لوصف المجتمع المغربي. وقد يبين كيف ينتقل كل فرد، على مدار اليوم، باستمرار من التقليدي إلى الحداثي، ومن الإقطاع إلى الرأسمالية، ومن عصر العربة إلى العصر  الإلكتروني. مع أنهن أميات، فنساء اليوم يستطعن تسجيل الأرقام على الهاتف واستخدام جهاز التحكم عن بعد للتلفزيون. على المرأة رئيسة شركة المتعبة من إدارة الموارد البشرية، أن تتعلم العودة للخضوع في الأسرة مثل فتاة صغيرة ترتدي الحجاب قناعة لإرضاء أخيها، أو لتحصل على الأمان في الشارع، ويمكن أيضا أن يكون لها صديق، أو تستعمل حبوب منع الحمل أو تكون ناشطة نقابية. لا شيء سهلا، وإضفاء الطابع الغربي على اللباس ليس بتاتا مرادفا للحرية تماما كما ليس اللباس التقليدي عربونا تلقائيا عن الخضوع.

ولكن إذا كان هناك مجال حيث النساء يوجدن على قدم المساواة، فهو العنف الذكوري، الذي بات آفة حقيقية في مغرب اليوم. ويدل انتشار مراكز الاستماع ومراكز الإيواء على مدى انتشار هذه الظاهرة في هذا المجتمع المفكك حيث يعتبر جسد الأنثى المنفذ النهائي لكافة أشكال العنف المستبطن.

اليوم، تتقدم الليبرالية الاقتصادية مزركشة بألوان الحرية والحداثة. البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي… كل هذه المؤسسات تساهم في ذلك بلازمتها حول المساواة ونهاية التمييز بين الجنسين، منغلقة في عماها رافضة أن ترى  الأضرار الناجمة، بما في ذلك وبخاصة على النساء، نتيجة السياسيات التي تفرضها في بلد مثل المغرب.

سيكون من الخطأ أن ينسب للعولمة الرأسمالية كل شرور الاضطهاد الراسخ للنساء، ولكن في نفس الوقت ليس انفتاح الأسواق ودخول النساء العولمة ما سيكون مفتاح تحررهن.

في الواقع، يؤدي فتح الحدود على الرساميل والسلع عبر منظمة التجارة العالمية والتبادل الحر، إلى إعادة تنظيم عميق لسوق الشغل العالمي، يضع العمال في تنافس من أجل حصد أكبر الأرباح دوما. ولدلك سيتم، في  المغرب كما في بلدان أخرى عبر العالم، اللجوء على نطاق واسع إلى النساء بسبب أجورهن الزهيدة أصلا مقارنة مع الرجال. سيكون ذلك بالنسبة للعديد من النساء الحضريات فرصة للخروج من المنزل لولوج الفضاء العام.  وفي الوسط القروي بالمقابل صار من الماضي كون النساء عاملات في الحقول أو قائمات بالتوفير الشاق للماء والحطب، وتحولن حاليا غالبا إلى أجيرات زراعيات. ويترافق مع زيادة معدل نشاط النساء، خاصة في قطاع التصدير، ساعات عمل طويلة ومرنة، وأوضاع هشة، وظروف عمل شاقة، زيادة على عدم الاعتراف بالحقوق النقابية وبالتالي عدم الاعتراف بالحقوق بكل بساطة. هذا ما نلاحظه في المغرب سواء في الزراعة التصديرية أم النسيج أو مراكز النداء المرحلة بشكل كبير للمغرب. والمتروكات لمصيرهن يتوجهن صوب قطاع غير مهيكل صار أكثر فأكثر مجالا خصبا للقروض الصغرى المقدمة على أنها سياسة للتنمية.

 

ولكن تأثير النيوليبرالية على حياة النساء لا تتوقف عند هذا الحد: فتحرير الخدمات العمومية له عواقب وخيمة عليهن، وخاصة في مجالي الصحة والتعليم. سيقرن نقص العرض بخصوص المستشفيات والمدارس العمومية بإلغاء المجانية لاستبعاد الأكثر احتياجا، أي النساء والفتيات الصغيرات في المقام الأول.

لقد أعلن جورج بوش وإدارته وحلفاؤه، وخلفه راية مرصعة بالنجوم، إرادتهم تحرير المرأة العربية والمسلمة. ولقد شاهدنا كيف تم استعمال النساء الأفغانيات وبرقعهن من أجل تمرير وصفة التدخل العسكري الغربي في أفغانستان.إنهم قاموا بما ادعوه من تحرير هؤلاء النساء من خلال قصف بالقنابل على الرؤوس. واليوم من يهتم بمعرفة هل النساء لا زلن يحملن البرقع أم لا، وهل هن سعيدات أم تعيسات أكثر؟

لقد تم التلاعب كثيرا بنساء العالم العربي. كان من الضروري جدا، عند نهاية الحرب الباردة، خلق عدو جديد: الإرهاب والأصولية الإسلامية، وبالتالي سيصير العرب رمز محور الشر، المتجه نحو حقول النفط. وهذا الإرهاب والأصولية الإسلامية الذي يسمم حياة الشعوب العربية، وبخاصة النساء، الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها الغربيون هم من موله وشجعه مباشرة أو بواسطة حلفائهم السعوديين ودول الخليج. ولا يمنعهم هذا من الاستمرار في استخدام موضوع الشرط النسائي، الذي يتم تصويره كاريكاتوريا، لتبرير حق تدخل قوى محور الخير.

  

باسم الحرية والحداثة، قامت الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بمضاعفة التكوين الموجه للنخب النسائية في العالم العربي، أي النساء البرلمانيات، والصحفيات، وقيادات الجمعيات النسائية، لتهيئتهن من خلال ذلك وفق مخططاتهما الخاصة.

تأتي هبات مالية هامة من الحكومات الغربية، والهيئات الدولية والأوروبية، ومؤسسات من كل نوع، تغذي صناديق جمعيات نساء تنمو في كل ركن من أركان العالم العربي: يتم الاعتماد عليها لتوفير “بدائل” للخدمات العمومية المخربة، ولتخفيف آثار الفقر والإقصاء. لقد تحولت العديد من المنظمات النسائية، التي كانت مناضلة في السابق، إلى مجرد جمعيات لتقديم خدمات. بالتالي يتم ضرب عصفورين بحجر واحد: الظهور بمظهر محرري النساء، وإفراغ النضال النسائي من أي مضمون.

مع ذلك، هناك مقاومة تجري في العمق. مقاومات النساء اللواتي يوجدن، خلال حركات احتجاجات محلية، في طليعة الكفاح من أجل الوصول الشامل إلى الخدمات العامة(الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب، والمدرسة…).

 

وقد شاركت النساء بقوة في الحراك  الشعبي لسنة 2011. وتوجد مقاومة عمالية،  وبخاصة العاملات الزراعيات اللواتي يرفضن الخضوع لابتزاز جعل العمال في منافسة بعضهم البعض، ويطالبن بالمساواة في شروط العمل ومساواة حقيقية في الأجور.

مقاومة النساء ضحايا مؤسسات القروض الصغرى، التي أبعد من أن تساعدهن في الخروج من دوامة الفقر والتهميش، رمت بهن في دوامة استدانة لا يقدرن النفاذ منها.

 وبدأت قضية حق الإجهاض أيضا في الظهور، وفرض  نفسها في الحوار الوطني.وأيضا مقاومة نساء يجتمعن ويتنظمن من أجل محاربة كافة أشكال العنف التي تطالهن سواء في الفضاء الخاص أو في مجال العمل أو المجتمع بشكل عام. ومقاومات النساء اللواتي يرفضن أن يكن رهائن “صدام الحضارات” وأن يتم استخدامهن ذريعة للغزو الاقتصادي وللسياسة الاستعمارية الجديدة الغربية لبلدهن.

لوسيل دوماس، مارس 2015 ، ترجمة معراس خديجة

زر الذهاب إلى الأعلى