الاتفاقات الاستعمارية

قراءة في كتاب: الاقتراضات المغربية 1902-1904

  1. تقديم عام:

لم يهتم الباحثون المغاربة اهتماما واسعا بالتاريخ المالي والنقدي للبلد، الذي ظلت جوانبه في حكم المستور، ولا نعلم ما إن كان ذلك مانعا أو تقصيرا منهم فحسب، بالرغم مما جاء في بعض الدراسات من إشارات مبعثرة هنا وهناك، غير أنها لم تعالج الموضوع في شموليتيه وكشف جوانبه الرقمية والاحصائية.

إن دوافع اختيارنا لهذا الكتاب «الاقتراضات المغربية 1902-1904»  ضمن وحدة البنيات الاقتصادية بماستر التاريخ الجهوي المقارن ليست اعتباطية، وإنما فرضتها مكانة الموضوع في حقل التاريخ الاقتصادي لفهم حركية الاقتصاد والمجتمع، فحسب مارك بلوك[1] : «فالاقتصاد دائما في تناغم بطيء مع المجتمع» وبالتالي فتتبع طبيعة البنيات الاقتصادية المغربية قبل الاستعمار ومقارناتها بجيرانها في حوض البحر المتوسط تؤدي بنا بلا شك  إلى مسألة التجاوز[2].

  1. التعريف بالكتاب:

الكتاب موسوم بعنوان :“الاقتراضات المغربية 1902–1904”، وهو من تأليف المؤرخ الفرنسي بيير كيلين (Pierre Guillen)، ومن تعريب الأستاذ الراحل المصطفى برنوسي، وقام بمراجعته الأستاذ إبراهيم بوطالب، الطبعة الأولى 2007، عدد صفحاته 245، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، وهو من منشورات الجمعية المغربية للتأليف والنشر.

  1. التعريف بصاحب المؤلف والمترجم والمراجع:
  • صاحب الكتاب وبعض اسهاماته:
بيير كيلين (Pierre Guillen) من مواليد 31 دجنبر 1929م بباريس، وهو مؤرخ فرنسي متخصص في التاريخ المعاصر والعلاقات الدولية، اشتغل أستاذا للتاريخ في جامعة كرونوبل (Grenoble) توفي فاتح يناير 2019 عن عمر يناهز 89 سنة، له عدة إسهامات تهم جوانب من تاريخ المغرب خلال العقود السابقة لموعد إبرام الحماية الفرنسية على البلاد. للمؤرخ مجموعة من المساهمات العلمية من كتب التي تهم التاريخ المعاصر، هذا فضلا عن مجموعة من المقالات والدراسات المشتركة مع مؤلفين أخرين نشرت في عدة مجلات دولية، و  نورد أبرزها فيما يلي:

1.     «الاقتراضات المغربية 1902-1904»

2.     أطروحة بعنوان «ألمانيا والمغرب ما بين 1870-1905».

3.     « التوسع:1881-1898 السياسة الخارجية الفرنسية »

4.     «المسألة الألمانية من 1945 الى الان »

قراءة في غلاف الكتاب:

يرمز الغلاف إلى ما هو تقليدي فالرسوم المتواجدة في خلفية الغلاف هي نفس الزخرفة التي نجدها عند  بعض الحرفيين التقليديين يستعملونها سواء في النقش على الجبص أو الخشب، كما نجدها كذلك في بعض المسكوكات المغربية، ما يعني أن الجوانب  الاقتصادية والمالية المغربية تقليدية وعتيقة .

فالمترجم الفقيد المصطفى البرنوسي سئل بالمكتبة الوطنية سنة 2007 أثناء تقديم كتابه رفقة أستاذه إبراهيم بوطالب حول شكل الكتاب واختياره للخط المغربي الثلثي وللزخرفة المغربية، قال بأنه استشار مع  صاحب الكتاب بيير كلين  الذي وافقه في فكرته التي هي اضفاء الخصوصية الثقافية  المغربية على الغلاف لإعطاء مغزى تقريبي للكتاب.

أما العنوان فهو مكتوب بخط ممزوج بين الخط الثلثي المغربي والديواني والكوفي، هذا المزيج بين الخط المغربي والخط الشرقي في اعتقادنا يحيلنا مباشرة الى التقليد والمحافظة، وبالتالي هذا ما سيحاول الكتاب كشف جوانبه المتناقضة في البنية الاقتصادية والمالية للمخزن المغربي.

  • المترجم:

مصطفى برنوسي هو أستاذ وباحث متخصص في التاريخ الاقتصادي، مهتم بالترجمة ويعود له الفضل في ترجمة كتاب “الاقتراضات المغربية 1902-1904” الذي نحن بصدد تقديم قراءة فيه. وقد اشتغل أستاذا للتعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، له أطروحة بعنوان: «جوانب من الأزمة المالية بالمغرب على عهد الحماية، الميزانيات 1912-1925»، تحت إشراف عبد العزيز التمسماني خلوق، بكلية الآداب، الرباط، 2004-2005[3]. هذا فضلا عن مشاركاته في عدة لقاءات علمية أبرزها اللقاء العلمي المنظم يومي 18-19 دجنبر 2013 برحاب كلية الآداب بالجديدة في موضوع: «التاريخ والسيسيولوجيا والجغرافيا…اسهامات العلوم الإنسانية في دراسة المجال والمجتمع بالمغرب» تكريما للعميد محمد المهناوي، إذ ساهم بورقة حول موضوع: “الميزانية والتحولات المجالية في مغرب الحماية”.

توفي في دجنبر 2017م بعد صراع مع مرض عضال.

  • المراجع:
قام بمراجعة الكتاب الأستاذ إبراهيم بوطالب، وهو من مواليد مدينة فاس 31دجنبر 1937، حيث اشتغل أستاذا للتاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط، كما أنه كان مديرا سابق للمدرسة العليا للأساتذة وعميدا سابق لكلية الآداب بالرباط، حاليا رئيس لجمعية الترجمة والنشر “موسوعة المغرب”، له عدة اسهامات علمية غنية نذكر أبرزها:

·        تاريخ المغرب.

·        بين القومية العربية و الجامعة الإسلامية.

·        تاريخ العصر الوسيط.

·        سبتة و مليلية: تاريخ ووقائع.

·        تاريخ المغرب الحديث والمعاصر

·        البادية المغربية عبر التاريخ

 

 

قراءة في العنوان:

لقد إختار المؤلف للكتاب عنوان:” الاقتراضات المغربية 1902-1904″، ويمكن تقسيم العنوان على الشكل التالي:

  • الموضوع المدروس هو الاقتراضات، بمعنى الأزمة النقدية والمالية التي عاشها المغرب منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين.
  • المجال الجغرافي المدروس المغرب .
  • الفترة الزمنية 1902- 1904 فترة تدويل المسألة المغربية.

المصادر والمراجع التي اعتمدها المؤلِف:

استند المؤرخ بيير كيلين على وثائق مهمة في بناء مضمون هذا الكتاب[4]، وتتضمن هذه الوثائق الجانب الأرشيفي الذي يعد واحد من الأجناس المهمة في الكتابة التاريخية المغربية اليوم، ويتعلق الأمر هنا أرشيف الكبانية المغربية؛ أرشيف وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية؛ أرشيف وزارة الخارجية الألمانية؛ أرشيف مركز الوثائق الألمانية بوتسدام؛ أرشيف وزارة الشؤون الخارجية البلجيكية؛ وثائق فيينا. هذا فضلا عن ثلاث موسوعات ومجلة لجنة افريقيا الفرنسية، ولسد بعض الثغرات التجأ إلى المراجع المكتوبة بلغ عددها 50  مرجعا، منها 37 باللغة الفرنسية وستة بالإنجليزية وستة بالألمانية وواحد بالإسبانية.

أما فيما يخص المراجع التي استند عليها الأستاذ مصطفى برنوسي في الإضافات عند ترجمته للكتاب فيمكن حصرها في أربعة مراجع وهي على الشكل التي:

  • التوفيق (أحمد) ، المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (اينولتان 1850 – 1912)، الطبعة الثانية، 1983.
  • برادة (ثريا)، الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر مساهمة في دراسة الإصلاحات العسكرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، كلية الآداب، الرباط.
  • عياش (جرمان)، دراسات في تاريخ المغرب، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 1986.
  • Khalouk temsamani Abdelaziz, Les « coups » de Raissouni. 1895 -1907’’ revue dar Al-niaba, N° 19 /20, Eté / automme 1988.

مقدمة الكتاب :

صار للعوامل المالية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دور فعال في عملية التوسع الأوروبي، فلم تعد تقتصر الآلة الاستعمارية على الاعتماد على القوة العسكرية فقط، لما تخلفه هاته العملية من خسائر مادية وبشرية مثلما وقع مثلا عند تدخل فرنسا في الجزائر، بل تعداه إلى استعمال وسائل ضغط وإضعاف مثل الوسائل المالية.[5]

ولم يخرج المغرب عن هذا القانون، فبسط الحماية السياسية كان مسبوقا بإقرار تدريجي لحماية مالية تمت بتعاون وثيق بين البنوك الباريسية والكي دورسي، إن تحليل التاريخ المغربي في السنوات الأولى من القرن العشرين يبين بأن إقرار الحماية الفرنسية كان بالتأكيد نتيجة لازدواجية جهود الرأسمالية والسياسة.

وتبقى هاته العلاقة بين الدبلوماسية والمالية أكثر تعقيدا مما يبدو وتطرح تساؤلا هاما هو: هل خضعت الحكومة لضغوط المجموعات المالية ذات المصالح أم أن الحكومات هي التي استعملتها لبلوغ أهدافها السياسية بشكل مضمون؟

الفصل الأول: الأزمات المالية والنقدية في المغرب:

يرى صاحب الكتاب أن الخزينة الشريفة[6] تتغدى على مداخيل الضرائب المباشرة التقليدية المتمثلة في: الزكاة ونسبتها %2.5 من الرأسمال؛ والعشور أي عشر المحاصيل الزراعية؛ والهدايا المقدمة للسلطان بمناسبة الأعياد الدينية الكبرى[7] والتي باتت إجبارية. ثم من الضرائب غير المباشرة المتمثلة أساسا في مداخيل احتكار بيع الكيف والتبغ والكبريت؛ وحقوق الأبواب: وهي رسوم ثابتة تجبى بأبواب المدن على كل حمولة جمل أو بغل أو حمار؛.حقوق الأسواق: فكل صفقة تعقد داخل سوق من الأسواق تخضع لضريبة نسبتها % 5 يؤدي نصفها المشتري والنصف الآخر البائع. ومن موارد الخزينة أيضا، نجد الجبايات الاستثنائية المفروضة على القبائل زجرا لها، كذلك تركة من لا وارث له، والأداءات العينية لدار المخزن والجيش. كان مردود جل هاته الضرائب هزيلا لا تفئ بالغرض اللازم وذلك  أولا بسبب نظام الجباية الذي عرف فوضى، وكذا قلة المادة القابلة للضريبة خلال هذه الفترة.[8]

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من قلة المداخيل، فإن الخزينة الشريفة لم تكن تعاني لمدة طويلة من صعوبة مالية خطيرة وذلك لأن النفقات كانت هي كذلك متواضعة.[9]

غير أن النصف الثاني من القرن التاسع عشر جاء التدخل الأوروبي ليخل بهذا التوازن الهش بين المداخيل والمصاريف. واقترن هذا التدخل بنمو المبادلات البحرية مما كان يفرض نموا في مداخيل الديوانة، لكن التجار الأجانب المدعومين بهيأتهم الدبلوماسية ضغطوا على المخزن للتخلي عن جباية مستحقات الديوانة من الأجانب. كما أصبح لانتشار الحماية القنصلية خطورة على مالية المخزن، هذا مع أن نفقات المخزن ظلت تتفاقم بسبب تكاليف الإصلاحات، كما زاد الوضع المالي استفحالا بعد وفاة الحسن الأول بسبب الاضطرابات التي صاحبت أزمة ولاية العهد وتمرد القبائل. كما عرف عهد باحماد[10] ”1894 – 1900” أزمة اقتصادية خطيرة ضربت المغرب من سنة 1895 إلى سنة 1898 جراء مواسم زراعية سيئة. كل هاته العوامل جعلت الخزينة الشريفة تمر بضائقة مالية.

ويعلق الباحث بيير كليين على ازمة خزينة المخزن بقوله:” بينما وكانت الدولة الشريفة مهددة من كل جهة ،كان السلطان يتزيا  بزي الأوروبيين ويلعب البليارد وكرة المضرب مع الأجانب ويركب الدرجات ويقود السيارات ويكثر من الحفلات ويرمي بالشهاب الاصطناعية مما صار ينزعج له اعيان المخزن فيخضون الطرف. واختلط التأفف لديهم بالامتعاض من ابعادهم عن الحكم من قبل المنبهي المغامر الوضيع .والتفت كل العناصر المتشبثة بالتقاليد لتشن حملة تشهير بالسلطان عبر البلاد وجاءت قوتهم بالأساس من مساندة الطوائف الدينية التي اتهمت عبد العزيز بالكفر اذ اصبح في نظرها غير مؤهل للممارسة امارة المومنيين ومنذ ذلك الحين فقد السلطان كل جاه وكل سلطة باعتبار ان وظيفته الدينية كقائد للامة الإسلامية هي بالذات أساس سلطته .” [11]

وإلى جانب هاته الصعوبات المالية عرف المغرب انهيارا للعملة وهذا راجع:

  • إلى أن المغرب كان يعتمد معيار نقد مرتبط بالفضة في حين أن أغلب البلدان الأوروبية تعتمد المعيار الذهبي، وقد عرفت الفضة انهيارا شديدا مقابل الذهب ابتداء من سنة 1880.
  • زيادة على كون العملة المغربية ارتبطت بالدورو الإسباني الذي ما فتئت قيمته تنهار مقارنة مع باقي العملات الأوروبية بسبب متاعب إسبانية السياسية والمالية المزمنة.[12]
  • وعبثا قام الحسن الأول بسك قطع جديدة سنة 1891 غير أنها شحت في السوق بسبب المضاربين، كما قام أباحماد بسك حوالي 32 ألف كيلوغرام من الفضة إلا أن هاته القطع المسكوكة سوف تختفي هي أيضا بسبب المضاربين. ومن أسباب إنهيار العملة أيضا متاعب المخزن المالية جراء الغرامات المدفوعة للدول، وفوق كل ذلك جراء عجز الميزان التجاري الذي أدى إلى نزيف للعملة.

المصدر: عمل شخصي من خلال معطيات في الكتاب.[13]

المصدر: من خلال معطيات في الكتاب بعد تحويل الجدول الى مبيان.[14]

كما أن المشكل الذي رافق سن ضريبة الترتيب والذي أثار سخط وغضب الفئات التي كانت معفية من الضرائب وضغط الأجانب لكي لا يخضعوا لهاته الضريبة مما نتج عنه توقف جباية الضرائب ما بين 1901 و1903 فصارت وضعية الخزينة المغربية جد متأزمة[15].

الفصل الثاني: مشاريع أوساط الأعمال وموقف الحكومات الأوروبية:

أصبحت الصعوبات المالية والنقدية تتعقد بشكل مطرد خصوصا بعد وفاة باحماد، كما أن عبد العزيز أظهر رغبته في الإصلاح وأعلن عن نيته في تحديث أجهزة دولت، لكن تبين بأن هذه السياسة لا يمكن إنجازها دون مساعدة الأوروبيين المالية والتقنية. فدقت بذلك ساعة كانت منتظرة من طرف البنوك الكبرى التي تجني أرباحا ضخمة من إصدار القروض لحساب الحكومات الأجنبية، وهي فرصة للمجموعات الصناعية الكبرى الباحثة عن مجال لتصريف إنتاجها من العتاد الحربي ووسائل النقل والآلات الصناعية والبحث عن مناهل معدنية لذلك فإن من شأن إصدار قروض للمغرب أن يسمح لها بـإنجاز صفقات الأشغال العمومية الكبرى.

وفي خضم هذا التهافت على المغرب تصدرت المجموعات المالية والصناعية الفرنسية المناورات، مستفيدة من الظروف المواتية للتفوق على منافسيها. فالمجموعات الإسبانية لم يكن لها وزن مالي لأن بنوكها كانت تحت مراقبة البنوك الفرنسية  الانجليزية و الألمانية. أما المجموعات الألمانية، فقد اهتزت ماليا بسبب أزمة 1900-1902 الاقتصادية وما ترتب عنها من افلاس مجموعة من مؤسسات القرض، فصارت مفتقرة إلى الوسائل المالية، ومن جهة أخرى انشغلت البنوك الألمانية الكبرى بعملية سكة حديد برلين-بغداد عبر تركيا وهي مقاولة تجاوزت إمكاناتها وجعلتها تبحت عن مساعدة الأموال الفرنسية فلم يكن بإمكانها أن تفكر في منافستها بالإمبراطورية الشريفة.

أما سوق الأموال الإنجليزية فقد تضررت هي الأخرى بأزمة 1900-1902، اضافة إلى تكاليف الحرب في جنوب أفريقيا فأصبحت الحكومة البريطانية تقترض من السوق الداخلية مما نتج عنه نضوب احتياط الإذخار ووجدت إنجلترا نفسها غير قادرة مؤقتا على استثمار مبالغ ضخمة فيما وراء البحار.[16]

أما عن المجموعات الفرنسية المتواجدة على الساحة المغربية:

  • نجد بنك “الكريدي ليوني” الممثل في طنجة ببنك “ناحون”[17].
  • “الكونتوار ديسكونت” الذي اهتم مبكرا بالمغرب وكان له فرع في طنجة سنة 1896م وسرعان ما فتح وكالات فرعية في العرائش الرباط الدار البيضاء آسفي الصويرة فاس مكناس ومراكش.
  • بنك باريس والأراضي المنخفضة كان يتوفر على وكلاء غير رسميين بطنجة وكان يحرك اللعبة المالية من خلف الستار وذلك لعدم وقوف الكي دورسي إلى جانبه في الأول.

مجموعة شنيدر وهي بالأساس مجموعة صناعية ومنجمية وليست مالية. وقد كان لهاته المجموعة أطماع في صفقات الأشغال العمومية الكبرى، لكن لإنجاز هذه المقاولات كان يفترض توفر المغرب على أموال طائلة لذلك انكبت “شنيدر” على قضية القروض المغربية. ومن هنا فقد قامت مجموعة “شنيدر” بشراء دار كوتش بطنجة لتسهيل عمليات “شنيدر” بالمغرب وعملت “كوتش” على تقوية مواقعها في فاس استعدادا لوقت المقاولات الكبرى فصارت تثبت شيئا فشيئا كمزود رسمي للسلطان.

وتأسيسا على ما سبق يمكن القول أن الصراع حول القروض المغربية، سوف يعرف منافسة مجموعتين فرنسيتين: هما مجموعة المالية الباريسية العليا التي يسيرها بنك باريس والأراضي المنخفضة؛ مجموعة الصناعة الكبرى الملتفة حول “شنيدر”. هاتان المجموعتان كانتا القادرتان على استغلال الوضع الناجم عن أزمة المغرب المالية والنقدية، فهما قائمتان من قبل في عين المكان من خلال وكلائهما. كما لعبت الظرفية المالية في أوروبا لفائدتهما – لتعثر الأسواق اللندنية والبرلينية- إضافة إلى مزية أخرى وهي موقف الحكومات الإيجابي المساند لهما. فبينما كان بوسع رجال الأعمال الفرنسيين الاعتماد على مساندة الكي دورسي[18] كان مزاحموهم الإنجليز والألمان لا يجدون في “الفورين أوفس”[19] و”الأسفرتكس أمت Auswartiges Amt” مثل هذا الدعم.[20]

الفصل الثالث: اقتراض سنة 1902:

بحث المخزن سنة 1902 بعد فراغ الخزينة خصوصا مع صعوبة تطبيق ضريبة الترتيب عن قرض تجاري صرف بواسطة إحدى دور طنجة ففاتح في ذلك تباعا كلا من بنك “برينتي Parienté” وداري “هيسنرHaessener ” و”كوتش cautche “. غير أن بنك برينتي لم يجد دعما من “الستي city” والحكومة البريطانية وكذلك دار هينسر لم تفلح هي كذلك في إقناع البنوك الألمانية بمنح المغرب قرضا تجاريا فلم يبق غير دار كوتش الفرنسية التي أبلغت “شنيدرSchneider ” بعرض المخزن المغربي، غير أنه ورغم دعم الكي دورسي لهاته المجموعة فهي تبقى مجموعة صناعية وليست مالية وكان لابد لها من إيجاد سيولة وذلك بالتوجه إلى البنوك لكنها فوجئت بتحالف البنوك في إطار كونسورسيوم تزعمه بنك باريس والأراضي المنخفضة.[21]

فكان شرط المجموعة المالية لإعطاء القرض للمغرب هو إبعاد مجموعة شنيدر عن الصفقة وجعل بنك باريس والأراضي المنخفضة هو الطرف الموقع على العقد مع المخزن فما كان من الكي دورسي إلا أن وافق على تفويت القرض من شنيدر إلى بنك باريس والأراضي المنخفضة وقد وقع العقد بين المخزن المغربي وبنك باريس والأراضي المنخفضة بقيمة سبعة ونصف مليون فرنك، ليلة 31 دجنبر 1902.

ويبدوا من أول وهلة أن السياسة الفرنسية لن تستفيد من قرض تجاري لا ينطوي على أي رهن لكن القرض الأول ستترتب عليه قروض أخرى لأن الخزينة الشريفة ستعجز عن رده مما يمكن حينئذ من فرض شروط أقوى على المخزن تربطه بفرنسا إلى أمد طويل.

أما بخصوص المغرب فقد كان الانفراج الذي خلفه القرض مجرد سراب إذ تبخرت السبعة ملايين ونصف المليون فرنك في أقل من شهر واستعملت فقط في أداء ديون دور طنجة على المخزن.

الفصل الرابع: سنة 1903 لعبة الأبناك والحكومات الأوروبية:

حاول المخزن أن يأخذ قرضا آخر بعد أن تبخر القرض الأول بقيمة خمسة ملايين فرنك. كما حاول بنك باريس والأراضي المنخفضة التباحث مع مجموعة أبناك إنجليزية ومجموعة أبناك إسبانية لدفع المخزن إلى عقد اقتراض دولي كبير يقتسم بالتساوي بين هذه المجموعات الثلاثة على أن يعمل الكونسورسيوم[22] الإنجليزي الفرنسي الإسباني فور تكوينه على تحويل مجموع مداخيل الديوانة لفائدته رهنا للقرض.

لكن تدخل الكي دورسي لإفشال هذا القرض الدولي لأنه رأى فيه ضربا لمصالح فرنسا بالمغرب وفتحا لباب التدخل الإنجليزي والإسباني في الشؤون المغربية.

هنا سوف يبرز صراع بين الكي دورسي وبنك باريس والأراضي المنخفضة. وفي خضم هذا الصراع سوف يفتح المخزن طريقا نحو البنوك الإنجليزية عن طريق ماك لين. فتم الاتصال مع بنك برينتي الذي توسط لدى بنكي كاسيل وستيرن الذين منحا المغرب قرضا بقيمة سبعة ونصف المليون فرنك وذلك بتاريخ 28 مارس 1903.

ولأن هذا القرض هو الآخر لم يخلص الخزينة الشريفة من متاعبها لأن جزأه الأكبر دفع لدائني السلطان الإنجليزيين. لذلك بحث المخزن مرة أخرى عن قرض تجاري آخر، ولكي تبقى إسبانيا في حلبة الصراع حول المغرب قدمت مقترح قرض للمخزن بقيمة سبعة ونصف مليون فرنك. وبعد تردد وافق المخزن على الاقتراض من نقابة بنوك إسبانية في شهر ماي من نفس السنة[23].

الفصل الخامس: اقتراض سنة 1904:

عرفت سنة 1904 تقاربا فرنسيا إنجليزيا تكلل بالتوقيع على معاهدة 08 أبريل 1904 التي بموجبها سحبت انجلترا يدها عن المغرب فبقى بذلك مكشوفا أمام فرنسا كما أن الصراع بين الكي دورسي وبنك باريس والأراضي المنخفضة قد حل وأصبح هناك تحالف بين السياسة والمال حول المغرب.

أما الأوضاع داخل الإمبراطورية الشريفة، فقد كانت الخزينة على حافة الإفلاس، فلم يبق من القروض التي أخدت من باريس ولندن ومدريد شيء، وبدت ميزانية 1904 لا تعد بالشيء الكثير، إذ فضلا عن النفقات العادية كان على المخزن أداء ما بين ثلاثة وأربعة ملايين فرنك ثمنا للمقتنيات المأمور بها لدى مختلف دور طنجة وتسديد ديون مزوديه الأوربيين القديمة، ودفع فوائد الاقتراضات الثلاث زائد مواجهة مصاريف حملة جديدة ضد بوحمارة، فما كان للمخزن سوى البحث عن قرض وبسبب عزلته لم يجد أمامه سوى فرنسا، غير أن المجموعات المالية الفرنسية رفضت تقديم قرض تجاري للمغرب واقترحت بالمقابل قرضا يأخذ طابع صفقة تتم بين دولتين.

تلقى المغرب عروضا من البنوك الفرنسية بعد موافقته على جعل الديوانة رهنا للقرض الجديد على عروض أبرزها عرض الكريدي موبيليي الذي تلقى عرضا قيمته خمسة وعشرين مليون فرنك مقابل فائدة نسبتها % 7 وتسديد على مدى عشر سنوات وضمان خدمة القرض بواسطة ديوانة الصويرة والدار البيضاء.

ولكن هذا العرض لم يكن بأهمية العرض الذي قدم باسم الكبانية المغربية وهو الاسم الجديد لدار كوتش المدعومة من مجموعة شنيدر والتي عقدت تحالفا للبنوك البروتستانتية الفرنسية والبلجيكية تم هذا التحالف تحت اسم الاتحاد الباريسي وتلخص عرض هذا الاتحاد في منح المغرب قرضا بقيمة خمسين مليون فرنك مقابل تسديد ستين مليون بفائدة قيمتها % 8، ويكون القرض مرهونا بالديوانة التي تتكفل الشركة بإدارتها باسم السلطان ولحسابه.

كما تقدم بنك باريس والأراضي المنخفضة هو الآخر عرضا بقيمة 62.5 مليون فرنك يتسلم المخزن منها 48 مليون بفائدة قيمتها % 6.25 مدة تسديده 35 سنة مع رهن %60 من الديوانة.

غير أن تدخل الكي دورسي رجح كفة بنك باريس والأراضي المخفضة فوقع العقد بتاريخ 12 يونيو 1904 بين السلطان عبد العزيز وبنك باريس والأراضي المنخفضة بالنيابة عن الكونسورسيوم consortium الفرنسي.

من نتائج هاته العملية نجد بالنسبة للمغرب هو كلفة الشروط المفروضة على المخزن فالقيمة الإسمية للقرض هي 62.5 مليون فرنك بينما لم يتوصل إلا بمبلغ 48 مليون فرنك فحوالي 14.5 مليون فرنك اعتبرت كعمولة ثم إن 22.5 مليون فرنك رصدت تلقائيا لتسديد القروض الثلاثة السابقة واستعملت 15.5 مليون فرنك لتسديد ديون التجار الأوروبيين على السلطان، فلم يبقى غير 10 ملايين فرنك هي التي كان على المخزن أن يدبر بها شأنه[24].

أما البنوك الفرنسية فقد حققت أرباحا طائلة دون إقراض المغرب في الواقع أي سنتيم لأن القرض تم بالإصدار العمومي عن طريق إصدار 125000 سند من فئة 500 فرنك وبفضل المضاربات في البورصة فبلغ السهم 529 فرنك للسهم فوفرت العملية إجمالا 17.5 مليون فرنك كربح فوق قيمة القرض[25].

مميزات الكتاب:

  • لن يبخس أحد حق الكتاب في كونه إضافة نوعية وعمل مهم يبرز تأثير العامل المالي في السياسة الفرنسية الهادفة إلى تمهيد الطريق لاحتلال المغرب.
  • إن الكتاب فريد في موضوعه، إذ أن باقي الدراسات التي تناولت موضوع الاقتراضات المغربية قبل الحماية إنما تناولتها كجزء في إطار الكل الممهد لاحتلال البلاد[26]. فالكاتب تتبع الحركة الاقتصادية منذ1856 أي الاتفاق التجاري المغربي الإنجليزي .
  • وكميزة تحسب للعمل تلك المتعلقة بلغته وأسلوبه، فبالقدر الذي يعطي العنوان انطباعا أوليا عن كتاب يتعب بجداوله وإحصاءاته )مبدأ التكميم(quantification ، بقدر ما تفند قراءته هذا الانطباع، وتجعلنا أمام كتاب يمتع بأسلوبه التحليلي ورصده لتتابع الأحداث وتداخلها فيما بينها ورصد لخلفياتها السياسية الغير المكشوفة .
  • الكتاب يضم عدة جداول كإضافة للشرح والتبسيط ‘‘ص13، 23، 26’’.
  • تكثيف الاحالات، حيث نجد احالات عبارة عن فقرات لتوضيح بعض المفاهيم او لإعطاء مصادر ومراجع حول معلوماته في بعض الصفحات يتساوى المتن مع الهامش .
  • لاحظنا كذلك أن المترجم نادرا ما يتدخل في تصحيح بعض المعلومات  المتعلقة ببعض التواريخ مثل تاريخ بيع المخزن لباخرة حسني 1882 وليس 1885 كما يقول الكاتب، وهذا يدل على أن بيير كليين دقيق في معلوماته ومنهجي صارم رغم هذه الهفوة في تدقيق التاريخ.
  • المؤلف لم يخفي قناعته الايدولوجية اليسارية بكون الاقتراضات شكل من أشكال الهيمنة الاستعمارية التي وضفتها الامبرياليات في حق شعوب البحر الأبيض المتوسط[27].

مؤاخذات على الكتاب:

يتخلل مؤَلف الاقتراضات المغربية 1902- 1904 بعض المؤاخذات مثلا:

رغم اعتماد الكاتب على مادة بيبليوغرافية غزيرة، فإنه لم يستطع الوصول لأرشيف مهم، وهو أرشيف بنك باريس والأراضي المنخفضة وهذا ما أكده بيير كلين بقوله: « وقد رفض لنا بنك باريس والأراضي المنخفضة ولوج وثائقه علما بانها مصدر أساسي لموضوعنا» ص 3.

  • تبني المؤلف لنظرية السيبة التي تقول بأن المغرب منقسم الى قسمين متصارعين: بلاد المخزن وبلاد السيبة، ومعلوم أن هذه النظرية روج لها أصحاب الدراسات الاستعمارية كميشو بلير وروبير مونطاني وغيرهم، إلا أن المؤرخ المغربي جرمان عياش طيلة 30 سنة عارض هذا الطرح، فاعتبره غير مفيد لما يحمله من طروحات إيديولوجية استعمارية، لكن تبني المؤلف لتلك النظرية في اعتقادنا ،فإنها مسألة مشروعة لكون الخلاف لا زال قائما حول  هذا الطرح، رغم أن بعض الباحثين يسعون الى حسم ذلك النقاش[28] .
  • المؤلف لم يستعين بالوثائق المخزنية الرسمية، وإنما اعتمد بشكل كلي على الأرشيف الأوروبي، لكنه اعتمد على أطروحة جون لوي مييج «المغرب وأوروبا 1830-1894» الذي اعتمد على المراسلات  المخزنية.

الامتدادات حول الموضوع:

إن جل الدراسات التي تناولت  البنيات الاقتصادية المغربية قبل الحماية تهمش موضوع الاقتراضات والمديونية العمومية المغربية، وهذا راجع بالأساس الى أن الموضوع  لم ترفع اليد بعد على وثائقه السرية في  ارشيفات البنوك الأوروبية، ولكون الموضوع جد حساس مع العلم أن المغرب لازال الى يوم الاستقلال يؤدي فوائد الاقتراضات الاستعمارية .

كما ان الدراسات التي تتعلق بالتاريخ الاقتصادي وكل ما يتعلق بالتاريخ الرقمي والكمي  لازالت في طور النضج، لكن لا يعني هذا انعدامها، لذلك حاولنا في هذا الموضوع اختيار اربع دراسات اكاديمية اشارت الى مسألة الاقتراضات المغربية خلال القرن التاسع عشر، ونسجل أن ثلاثة منها اعتمدت على صاحب كتابنا بيير كليين ،لكنها لديها بصمة في تحليل الازمة النقدية والمالية بالمغرب.

ومن بين هذه الدراسات الوطنية التي تناولت :

  • المخزن والضريبة والاستعمار، للباحث المغربي طيب بياض
  • المحميون، للباحث المغربي محمد كنبيب
  • مسالة النقود المغربية خلال القرن التاسع عشر، للباحث المغربي علي لمحمدي
  • المخزن والضريبة والاستعمار:
يلتقي الباحث المغربي الطيب بياض مع بيير كليين في أن الازمة النقدية والمالية المغربية هي نتاج لتخلف الاقتصاد المغربي، ككل منذ بداية القرن التاسع عشر وانهياره امام جبروت الرأسمالية  الغربية الصاعدة ، كما ان الأستاذ بياض في دراساته « المخزن والضريبة والاستعمار» يعترف بما وصل اليه بيير كليين في كشف بعض الجوانب السرية في الاقتراضات المغربية اذ يقول:

« ان بيير كليين من خلال دراساته كشف عن النوايا الحقيقية الفرنسية الساعية الى اسقاط المخزن العزيزي في ازمة مالية ،متجاوزا التبريرات التي قدمها ميشو بلير واتباعه اللذين زعموا أن الباعث على الموقف الفرنسي هو التخوف من اثارة مشاكل داخلية، وأن التأجيل والتروي لضريبة الترتيب كان أصلح لتجنب البلاد هذه المصائب فكانت سنتان من تعطيل أداء الضرائب كافية لإسقاط المخزن في الفخ الفرنسي ،فخ القروض أولا ثم فخ الحماية  فيما بعد»[29]

 

 

 

  • المسألة النقدية المغربية خلال القرن 19:

 

يرى عمر أفا أنه لا يمكن فهم حصيلة الاقتصاد المغربي خلال القرن التاسع عشر، إلا بالرجوع الى الأرشيفات الاوربية التي دونت كل صغيرة وكبيرة في إطار العلاقات والمعاملات التجارية، في الوقت الذي ظل المخزن المغربي عاجز عن تدبير الشأن الاقتصادي وزرع مبادئ العمل والإنتاج والاستثمار في صفوف المجتمع المغربي .

أورد عمر أفا  في دراساته « مسألة النقود المغربية في القرن 19» أن المخزن صدم وأصيب بالدهشة جراء انهيار قيمة عملته، حيث لم تعد العملة الفضية تساوي شيئا في السوق الدولية نتيجة صعود مهول للقيمة الذهبية، فالمخزن عاجز عن إخراج العباد من الأزمة وليست لديه خبرة في الاقتصاد الدولي الجديد، وقد عبر الوزير باحماد بن موسى عن هذا العجز بقوله: « أن الرخاء والغلاء  أمرهما بيد الله ،ولا تأثير لنقص الريال وزيادته فيهما»[30]

إن البنيات الاقتصادية لمغرب القرن التاسع عشر، التي ترتكز على الأنشطة الزراعية والتجارية تعرضت لتماس رأسمالي، خلخل بنيانها التقليدي وزعزع معالم الاقتصاد المغربي الضعيف والمنفتح رغما عنه على اقتصاد الرأسمالية الصناعية والمالية، وبالتالي تحول اقتصاد المغرب الى مخزون بدائي تلتجئ اليه البلدان الاوربية لجلب المواد الأولية وفتح أسواق لتصريف فائض الإنتاج.

وقد أورد عمر افا في كتابه « التجارة المغربية في القرن 19» هيمنة بريطانيا على ايرادات التجارة المغربية :

 

المبادلات التجارية 1873 القيمة بمليون جنيه النسبة المئوية
القيمة الاجمالية  للتجارة المغربية 2.389944 100%
نصيب بريطانيا منها 1.095298 45,8%

 

3-المغرب وأوروبا :

تتبع الباحث الفرنسي جون لوي ميج في دراساته « المغرب وأوروبا  1830-1894» المتكون من أربعة مجلدات عن العلاقات المغربية الاوربية خصوصا فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية، وخصص المجلد الرابع للازمة المغربية، فرغم تطرقه الى مسألة الاقتراضات، إلا أنه كذلك لم يستطيع بدوره الوصول إلى أرشيف بنك باريس، لكن بيير كليين استطاع الوصول الى رسائل وزير المالية الفرنسية ديلكاسي، التي تكشف عن جوانب مهمة في علاقة بين السياسية رجال الاعمال  الفرنسيين.

 

 -المحميون : تفاقم الازمة المالية  :

لعب المحميون سواء مغاربة ويهود دور كبير في تفاقم الأزمة المالية لخزينة المخزن، حيث أكد الباحث محمد كنبيب في دراساته تحت عنوان «المحميون»، أن المخزن فقد سيادته على رعاياه منذ وفاة مولاي سليمان 1822، حيث بدأت شرائح مهمة من المجتمع المغربي تنسلخ عن انتمائها للسيادة المغربية، ويتمثل ذلك في عدم التزام تلك الشرائح من اليهود والتجار وشيوخ الزوايا في تحمل عبء الكوارث التي تحيط بالمجتمع المغربي من مجاعات واوبئة، لذلك حاولت هذه الفئات الحفاظ على امتيازاتها، حيث احتمت بالقنصليات الأجنبية للحفاظ على ممتلكاتها، فلم يسلم  كذلك رجالات الجهاز المخزني من السقوط في أحضان الحماية .

أورد الباحث مجموعة من العائلات ذات نفوذ التي ساهمت في تفاقم الأوضاع المالية والاقتصادية للمجتمع المغربي  :

q     أسرة ولاد الضاوية:

يستحضر الباحث محمد كنبيب، في معرض حديثه عن هذا النوع من المحميين، نموذجا، يتعلق الأمر بأسرة أولاد الضاوية، التي كانت في الأصل جزءا من المخزن المحلي بمنطقة الغرب، ثم تحولت دون مراعاة لهذا الوضع إلى الاحتماء بالفرنسيين، نموذجا للأعيان الذين راكموا الثروة باسم المخزن أولا ثم على حسابه ثانيا؛ إذ لم يكتفوا بالاستحواذ على عدد ضخم من رؤوس الأبقار والأغنام، بل “تراموا” على مئات الهكتارات من الأراضي الخصبة التي تدخل ضمن الأملاك المخزنية، واقتطعوها لفائدتهم.

q     مصطفى الدكالي:

يدقق المؤلف مسألة تآكل ولاء جزء من فئة التجار المغاربة للمخزن، ويحلل هذا التحول الذي أضر كثيرا بمداخيل البلاد من خلال نموذجين معبرين عن تحول قدماء تجار السلطان إلى محصنين بحماية دولة أجنبية؛ فمصطفى الدكالي الذي كان من عناصر النخبة التجارية المتميزين ومن دعائم نظام الاحتكارات والمشارك في المفاوضات الممهدة لمعاهدة 1856، لم يتوان، على غرار زملائه الآخرين، في التأقلم مع مستلزمات الوضع الجديد للحفاظ على موقع الصدارة في المبادلات التجارية البحرية فتحرك للحصول على حماية أوربية يؤمن بها الثروة الهائلة التي حققها في ظل الاحتكارات السلطانية.

 

 خاتمة:

يشكل كتاب «الاقتراضات المغربية 1902-1904» مرجعا عنيدا لفهم حصيلة الاقتصاد المغربي خلال القرن التاسع عشر، فمؤلفه لم يركز فقط على دراسة الازمة النقدية والمالية للمغرب خلال السنتان التي عنونا بها كتابه، بل رجع بنا  إلى أواسط القرن التاسع عشر للتتبع الوضع الاقتصادي والمالي والتجاري للمغرب، واعتبر أن القوى الامبريالية خاصة الفرنسية استطاعت استغلال تلك الأوضاع المتأزمة على جميع الأصعدة، سياسيا واقتصاديا قصد التمهيد لاستعمار المغرب ونزع سيادته بشكل نهائي في 30 مارس 1912.

للتحميل والقراءة

—————————–

البيبليوغرافية المعتمدة:

  • كنبيب (محمد)، «المحميون»، سلسلة بحوث ودراسات، منشورات كلية الآداب الرباط، دار أبي رقراق، الطبعة الأولى، الرباط، 2011م.
  • أفا (عمر)، « مسألة النقود في تاريخ المغرب في القرن التاسع عشر: سوس»، سلسلة أبحاث ودراسات، منشورات كلية الآداب الرباط،
  • بياض (الطيب)، « المخزن والضريبة والاستعمار: ضريبة الترتيب 1880-1915»، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2011م.
  • Miège J.L, le Maroc et l’Europe (1830-1894), vol 4, paris, 1963.
  • Marc Bloch, APOLOGIE POUR L’HISTOIRE OU MÉTIER D’HISTORIEN; Cahier des Annales, 3 – Librairie Armand Colin: Paris, 1949

من انجاز الطالبين في سلك الماستر:أكرويض الحسن وياسين بولاكتاف

[1] Marc Bloch, APOLOGIE POUR L’HISTOIRE OU MÉTIER D’HISTORIEN ; Cahier des Annales, 3 – Librairie Armand Colin: Paris, 1949 p,110

[2]  القدوري (عبد المجيد)، المغرب وأوروبا ما بين القرن الخامس عشر والثامن عشر: مسألة التجاوز، الناشر: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى سنة 2000.مقدمة الكتاب

[3]  تعتبر أطروحة المصطفى البرنوسي من بين الاطروحات المتميزة التي تتناول التاريخ المالي خلال فترة الحماية، اعتبرها الباحث طيب بياض أطروحة عنيدة كونها غنية بالمعطيات الرقمية  والاحصائية التي تكشف جوانب من تدبير إدارة ليوطي للمالية المخزنية، وتكشف على المستوى السياسي ادخال المغرب في مؤسسات المال الفرنسية .

[4]  رغم كل المجهود الذي بدله الكاتب لكشف خبايا الاقتراضات 1904-1902 الا انه اعترف بان حقائق مهمة توجد في أرشيف بنك باريس التي لم يستطيع الوصول اليها لكون إدارة البنك لم تسمح له بذلك وعلق على هذا الرفض في مدخل الكتاب ص، 3، الذي نحن بصدد اعداد قراءة فيه اذ قال:” وقد رفض لنا بنك باريس والأراضي المنخفضة ولوج وثائقه علما بأنها مصدر أساسي لموضوعنا”

[5]  للإشارة لم يعرف المغرب المؤسسات البنكية الا خلال أواخر القرن التاسع عشر وبالضبط بعد وفاة الحسن الأول، وقد لعب اليهود بطنجة والصويرة والدار البيضاء أدوار في الوساطة مع المؤسسات البنكية الفرنسية بالأساس، وقد نجحوا في ذلك بتأسيس فروع لبعض الأبناك. انظر ،ص ،27 من كتاب الاقتراضات المغربية 1904-1902

[6] بيت المال  المسلمين حسب التعبير الديني.

[7] يقصد بها الأعياد الثلاثة عيد الفطر عيد الأضحى عيد المولد النبوي.

[8]  يقول صاحب الكتاب في هذا الصدد صفحة 25 في الهامش الكتاب، ” لم يكن الفلاح جائعا، لكنه في حاجة دائمة الى المال لإشباع جشع قائده، وبدا يقوم بالادخار والاكتناز، فكان لهذا الموقف الجديد مفعوله القوي على التجارة الأوروبية حيث انخفضت الصادرات”

[9]  قبل فترة مولى الحسن الأول صحيح ان المخزن لم تكن نفقاته كثيرة حيث يتلقى الهدايا من القبائل ومن قواده في مجموع التراب المغربي كما ان بعض موظفي المراسي يستخلصون اجورهم من جباية المراسي، كما ان القبائل التابعة للمخزن وخدامه يمولون له الحركات “بتسكين الراء والتاء” دون ان يكلف خزينة ماله بذلك، وفعلا النفقات متواضعة، لكن مع بداية القرن العشرين المخزن سيحتاج الى أموال لمواجهة الواقع المضطرب الذي دخل فيه المغرب.

[10] با حماد اسمه الحقيقي هو أحمد بن موسي وهو الوزير الأول

[11] بيير كليين ،الاقتراضات المغربية1902-1904،المرجع المدروس،ص،16

[12]  مع مطلع القرن العشرين ظهرت قوى اقتصادية أوروبية لها وزن قوي في الاقتصاد الدولي خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا ،لذلك عاشت اشبانيا والبرتغال انتكاسات اقتصادية افقد لهما مواقعهما في التنافس على المستعمرات.

[13]  المعطيات الرقمية وضعها الكاتب على شكل جدول في الصفحة 27 من الكتاب، ولتوضيح أوجه التطور والانحدار قمنا بوضعها في مبيان مع الاحتفاظ بالمعطيات كما جاءت في الكتاب

[14]  قمنا بتحويل معطيات الجدول المتضمنة في الصفحة 23 من الكتاب المدروس

[15]  بعض الغاء المكوس الشرعية تم إحلال محلها ضريبة الترتيب الوضعية، وهذا ما تطمح اليه فرنسا لأنها على علم ان المخزن لن يحصل عليها سواء شرعية او غيرها  بعد رفض القبائل وكل شرائح المغرب لها، لذلك أوقعت المخزن مباشرة في مصيدة الاقتراضات واجبر على ذلك

[16]  شكلت الازمة المالية قبل الحرب العالمية الأولى من اكبر الأزمات التي ضربت العالم الرأسمالي، حيث ان الفترة سماها الاقتصاديون بأزمة الرأسمالية المالية، لذلك لم تستطيع بعض الدول الرأسمالية ضخ السيولات المالية في المستعمرات فاكتفت فقط بالعمليات العسكرية الأكثر استنزافا للسيطرة على المستعمرات.

[17]  بنك يشرف عليه يهودي

[18] يقصد بالكي دورسي وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية.

[19] يقصد بالفورنس أوفس بوزارة الخارجية الإنجليزية.

[20]  جورج اوفيد في كتابه “اليسار الفرنسي والحركة الوطنية المغربية 1905-1955″،الجزء الأول، ترجمة محمد شركي ومحمد بنيس، مراجعة عبد اللطيف المنوني ،دار توبقال للنشر،ط1،الدار البيضاء،1987، تم الإشارة على الحيلة التي استعملتها فرنسا لفسح المجال لمؤسساتها البنكية رغم معارضة الاشتراكيين الفرنسيين في مجلس الشيوخ الفرنسي على تلك السياسة ،الا ان البورجوازية المالية الفرنسية لها طموح استثمار أموالها في الاقتراضات وجني الفوائد منها. واشتهر الاشتراكي الفرنسي جان جوريس بمرافعته القوية وتنديده بسياسة فرنسا في المغرب ومعارضته للتدخل العسكري لذلك اغتيل على اثر مواقفه المساندة للشعب المغربي سنة

[21]  بيير كلين،الاقتراضات المغربية 1904-1902،المرجع المدروس ، ص ،27

[22] يقصد بالكونسورسيوم اتحاد أو تجمع لعدد من الأبناك أو الشركات للقيام بعمليات مالية بصفة مشتركة تهم إصدار القيم والسندات ومضاربات البورصة أو إنجاز مشاريع اقتصادية سواء في الداخل أو الخارج.

[23]  نهجت فرنسا سياسة تحفيز وتشجيع المخزن للجوء  الى الاقتراضات الأجنبية كيفما كان نوعها، وغرضها الأساسي ترقب فرصة منحه قرضا كبيرا لأداء ديون السابقة وفي نفس الوقت شرعنة التدخل وفرض شروطها في الاتفاقات الدولية حول مصير المغرب وخاصة اتفاق الجزيرة الخضراء 1906

[24] في هذه الحالة لا يمكن للمخزن ان يدبر شؤونه ب10 ملايين فرانك لأنه في حاجة ملحة لأموال طائلة تقدر بأكثر من 100 مليون فرانك لمواجهة واقع البلاد المضطربة ،خاصة مع انعدام مصادر للجبايات

[25]  بيير كليين، المرجع المدروس،ص،221

[26]  من بين هذه الدراسات المهمة في مقاربة مسالة الاقتراضات أطروحة الباحث المغربي، بياض (الطيب)، « المخزن والضريبة والاستعمار: ضريبة الترتيب 1880-1915»، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2011م.

[27]  فالكاتب بيير كليين من بين المعارضين للاستعمار وكان الى جانب كل من سارتر وادغار موران وغيرهم من المفكرين المعارضين للنزعة الاستعمارية

[28]  رغم ما قيل عن الدراسات الكولونيا لية الا انها غنية ودقيقة في دراسة البنى الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فلا يمكن استبعادها ،بل يجب قراءاتها وإعادة البحث فيها .

[29]  بياض (الطيب)، المخزن والضريبة والاستعمار: ضريبة الترتيب 1880-1915، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2011، ص257.

[30]أفا (عمر): التجارة المغربية في القرن التاسع: البنيات والتحولات 1830-1912، الناشر مكتبة دار الأمان، مطبعة الكرامة، الطبعة الأولى سنة 2006، الرباط، ص 247.

زر الذهاب إلى الأعلى