متابعة النضالات

تونس: هبة اجتماعية من أجل اسقاط قانون المالية لسنة 2018

تونس: هبة اجتماعية من أجل اسقاط قانون المالية لسنة 2018

تعيش تونس منذ، أسبوع على ايقاع احتجاجات اجتماعية عارمة، فجرها قانون المالية لسنة 2018، الذي تضمن اجراءات ليبرالية قاسية، تخدم مصالح الأقلية الحاكمة،( نداء تونس وحزب النهضة) وأسيادها المانحين، ضد الأغلبية المفقرة. تذكرنا الاحتجاجات الجارية بالدينامية الشعبية التي عرفها البلد خلال الفترة 2010 و2011، التي دفعت الديكتاتور بن علي إلى الهرب. لإلقاء المزيد من الضوء على ما يعتمل في تونس ومن أجل فهم سيرورة الأحداث، أجرت لجنة الاعلام الوطنية في جمعية أطاك المغرب، حوار مطولا مع المناضل التونسي مختار بن حفصة، أحد أعضاء  جمعية ” راد تونس” المناهضة للعولمة الليبرالية. وفي ما يلي نص الحوار.

 

–   ما هو سياق الاحتجاجات الحالية في تونس ؟

في الحقيقة إنّ الاحتجاجات الاجتماعية لم تنقطع في تونس منذ انطلاق المسار الثوري في 2010- 2011، فعلى سبيل المثال شهدت تونس طيلة سنة 2017 حسب احصائيات متفق عليها، أكثر من 10.000 تحرك احتجاجي بين إضرابات واعتصامات ومسيرات… وفي بداية السنة الجديدة ازداد زخم هذه الاحتجاجات وعمّت مدنا عديدة بسبب ما تضمنه قانون المالية الجديد لسنة 2018 العديد من الفصول المتضمّنة لإجراءات غير شعبية تزيد من تدهور أوضاع طبقة الأجراء فما بالك بالفئات الدنيا شديدة العوز والمعطلين عن العمل. ومن هذه الإجراءات نذكر على سبيل المثال الرفع في نسبة الأداء على القيمة المضافة (TVA) بـ 1 % والرفع في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية بالنسبة إلى الأسر التونسية (الغاز، الكهرباء، البنزين والقازوال…) وهي مواد يستتبع الزيادة في سعرها آليا الزيادة في أسعار النقل والمواد الاستهلاكية المختلفة وأقرّت الميزانية الجديدة كذلك استحداث ضريبة جديدة على دخل أجراء القطاعين العام والخاص وقدّرت كذلك بـ 1 % وللتعمية والايهام وتلميع هذا الإجراء سمّيت هذه الضريبة بـ “المساهمة الاجتماعية التضامنية على الدخل” وهي ضريبة قالت الحكومة وأغلبيتها البرلمانية أنّها لمواجهة العجز المالي الكبير الذي تشهده صناديق الضمان الاجتماعي وصندوق التأمين على المرض غير أنّ الضريبة ستكون دائمة.

نذكر كذلك الخفض من نفقات صندوق التعويض (صندوق لدعم المواد الأساسية كالخبز والعجين ..الخ) بحوالي 1260 مليون دينار (1 أورو= 3 دينار)

إذن إنّ الائتلاف اليميني الحاكم في تونس أراد أنْ يجابه الأعباء الماليّة والأزمة التي ما فتئت تتفاقم بسبب سياساته على حساب الفئات الشعبية عبر آلية الجباية والتفنّن في استنزاف هذه الفئات المنهكة أصلا في مقابل كلّ ذلك تتضمن الميزانية الجديدة إجراءات في صالح  رأس المال المحليّ و الأجنبي وتعمل على تأمين عديد الضمانات والامتيازات عبر تشجيع التصدير وجلب الاستثمارات وتنميتها… في كلمة إنّها الوصفة المألوفة التي تردّدها الأيديولوجيا الرأسمالية النيوليبرالية بصيغ مختلفة والتي تفرضها اتفاقيات الحكومات المتعاقبة بما في ذلك الحكومة الحالية مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي حتى تمكّن هذه الحكومات من قروضها الجديدة المشروطة …

إنّ هذه السياسات التي اكتوى بها الشعب التونسي منذ عقود وانتفض ضدها عديد المرات، دعّمتها الحكومة الحالية وعمّقتها وهو ما يفسّر اندلاع هذه الاحتجاجات الشعبية والانتفاض ضدها والدعوة إلى التراجع عنها هذا هو السياق الاقتصادي والاجتماعي العام الذي تتنزّل فيه هذه الاحتجاجات التي تشهدها الساحات التونسية حالية وخصوصا في المدن والقرى والأحياء الشعبية.

 

–   لماذا لم تنظم النقابة إضرابات عامة لمساندة مطالب  الحركات الجماهيرية الشعبية  مثل ما فعلته  في منتصف يناير 2011؟

 

بالنسبة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، تختلف الأمور نسبيا اليوم، فحتى في منتصف يناير 2011 كانت المركزية النقابية متردّدة في دعم الانتفاضة الثورية ولم تذهب إلى الإضراب العام إلا تحت ضغط كبير من المناضلين النقابيين في مختلف الجهات والقطاعات وحين عرفت الانتفاضة زخما وانتشارا غير مسبوق. أما في الوضع الحالي فإنّ قيادة  الاتحاد العام التونسي للشغل وقعّت على اتفاقية قرطاج (وثيقة مبادئ أمضت عليها الأحزاب الحاكمة واتحاد الشغل ومنظمة الأعراف وانبثقت عنها حكومة يوسف الشاهد الحالية المسماة حكومة وحدة وطنية) واكتفت قيادة الاتحاد بالتنديد بأعمال تخريب وحرق واعتداء على مؤسسات عمومية وخاصة كما دعت أخيرا الحكومة إلى اتخاذ جملة من التدابير التي من شأنها تهدئة الوضع وفي هذا الصدد اقترحت قيادة الاتحاد بعد آخر اجتماع لها الرفع في الاجر الأدنى والالتزام باتفاقها مع الحكومة على عدم رفع أسعار المواد المدعّمة وكذلك الرفع في قيمة المنحة المسندة إلى العائلات المعوزة.. إذن المركزية النقابية لم تدع إلى الاحتجاج أو دعم الاحتجاجات عبر المسيرات أو الإضرابات واكتفت بمراقبة الأوضاع وتقديم اقتراحاتها وطلباتها إلى الحكومة فهي اليوم داعمة للحكومة تقريبا غير أنّ بعض القطاعات النقابية هي بصدد خوض نضالات اجتماعية قطاعية كإضراب الأساتذة الجامعيين الباحثين أو إضراب قطاع التعليم الثانوي الرافض للترفيع في سن التقاعد بسنتين..

 

– ما هو دور حركة المعطلين حاملي الشهادات وخريجي المعاهد ومراكز التكوين والشباب الباحث عن شغل في هذه الاحتجاجات الأخيرة ؟

هذه الاحتجاجات هي بالأساس احتجاج هذه الفئة الاجتماعية المحرومة من العمل والدخل والتي لم يتمّ اتخاذ أي إجراء في الميزانية الجديدة لفائدتها كمنحة البطالة مثلا. والحكومة لم تبعث بأي إشارة أمل إلى المعطلين عن العمل بل ذهبت في اتجاه معاكس لذلك بامتثالها لشروط صندوق النقد الدولي بتجميد الانتدابات عملا بتوصيات صندوق النقد أي أن الدولة لا تنتدب موظفين جدد في القطاع العام باسم التقشف في النفقات والعمل على خفض حجم الاجور سعيا إلى تقليص عجز الموازنة فحتى من يخرج إلى التقاعد لا يتم تعويضه، وقد طال ايقاف البوليس لاحد أعضاء قيادة اتحاد المعطلين عن العمل وهو الرفيق أحمد ساسي الذي تم اطلاق سراحه بعد يومين.

–   كيف تشكلت حركة ” فاش تسناو” و ما هي  القوى السياسية الفاعلة فيها وماهي مطالبها ؟

تمّ الإعلان عن تأسيس حمْلة ‘فاش نستناو’ (ماذا ننتظر؟) رسميا يوم 3 جانفي الفارط بتوزيع بيانات في عدد من مدن الجمهورية وهو ما لم تستسغه الحكومة فتم إيقاف 50 شابا ومحاكمتهم بشكل استعجالي. حركة ‘فاش نستناو’ هي حركة شبابية جمعت عددا من الشابات والشبان أغلبهم من روافد يسارية ومنهم من هو من نشطاء شبيبة الجبهة الشعبية ومنهم من هو مستقل أو في منظمات أخرى كاتحاد المعطلين عن العمل أو مناضلات ومناضلين من الاتحاد العام لطلبة تونس.. وهي ائتلاف ميداني وضع لنفسه مهمة التعبئة الشعبية للتصدي لما جاء في ميزانية الدولة لهذه السنة من إجراءات تزيد من تفقير غالبية الشعب وتدهور قدرته الشرائية.

من المؤكد أنّ هذا الشباب الواعي كان قد درس جيدا مشروع الميزانية الذي قدمته الحكومة إلى مجلس نواب الشعب وأعدّ سبل التصدي لهذه الميزانية بتعليق العمل بها وخصوصا إسقاط ما تضمنته من فصول التفقير واستهداف قوت الفئات الشعبية وبدأ بالتحركّ مباشرة بعيْد المصادقة عليها من أغلبية الائتلاف اليميني الحاكم.

–   ما هو دور الحركة النسائية في هذه الاحتجاجات ؟

لا وجود لمنظمات نسائية رسميا في هذه الحركة والحملة لكنّ عددا كبيرا من الفاعلين هن مناضلات في أحزاب أو منظمات أو مستقلات

–   ماهي أوجه تدخل الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية  “راد” تونس؟

هذه الاحتجاجات وإن كانت تعبيرا مباشرا عن رفض سياسات الحكومة فهي في النهاية هي أيضا تناضل ضد سياسات المؤسسات المالية الدولية وجمعية ‘راد’ تدعم هذه الحملة وتساندها وقد سبق أن بذلت جهودا كبيرة منذ سنوات في ما تسميه التكوين والتربية الشعبية بتفسير مخاطر سياسات التقشف وإخضاع البلاد لهيمنة الاستعمار الجديد في برنامج الحكومات ومختلف الميزانيات ودعت ‘راد’ إلى تعليق سداد الديون ومراجعة الاتفاقيات غير المتكافئة كما دعت إلى التدقيق في المديونية العمومية . أما التعبئة الميدانية فهي ليست ذات انتشار كبير يمكنها من المشاركة اللافتة في التحركات في مختلف الجهات وان كانت كما أسلفت، تدعم بقوة رفاقنا في الحملة وكل المناضلين ضد هذه السياسات.

–   هل تمثل هذه الاحتجاجات نهاية لمرحلة الثورة المضادة ؟

لا يمكن أن نقول إنّ هذه الاحتجاجات نهاية لمرحلة الثورة المضادة وانتصار عليها. فالحكم مازال بيد قوى الثورة المضادة بشقيها الإسلامي وبقايا النظام القديم والحكومة المنبثقة عن هذين الطرفين هي التي أقرت هذه الميزانية. يبدو أنّ المسار الثوري في تونس -وغيرها- مسار طويل الأمد وبعد خمود وتراجع واضح للقوى الشعبية والثورية نأمل أن تكون هذه الاحتجاجات نبضا جديدا لقوى الثورة خصوصا وأنّ جوهر الصراع المسألة الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح وأن الفرز السياسي تمّ على هذا الأساس. هذه الهبّة الجديدة وبهذا الوضوح انتبهت إليه السلطة بمحاولة قمع الحركة في المهد وعبر سلسة من الايقافات لشباب ‘فاش نستناو’ وشن حملات إعلامية تشوه التحركات وتربط بينها وبين تحركات ليلية شهدت تخريب عدد من المؤسسات وحرقها وبث الرعب في صفوف المواطنين ومقايضة أمنهم بتمرير هذه الإجراءات كما شملت حملة السلطة الجبهة الشعبية وكل المتظاهرين. وقد نجحت السلطة إلى حد في ذلك بتوجيه الرأي العام إلى الجدل ليهتم بتلك الأعمال وتحويل النقاش حولها ومحاولة صرف النظر عن الاهتمام بالإجراءات التقشفية في ميزانية 2018

–   ما هي أفاق الحركة الاحتجاجية بعد القمع الممنهج للدولة وسقوط شهيد وجرحى وعدد من المعتقلين؟

بالفعل حاولت السلطة عبر القمع أن تئد الاحتجاجات في المهد فشهدنا سقوط الشهيد “خميس اليفرني” بمدينة طبربة (غرب العاصمة) وإيقاف عدد كبيرا من الشباب ومحاولة تحميلهم مسؤولية بعض الجرائم والربط بين احتجاجهم وما يفعله هؤلاء ليلا. ورغم ذلك لم يثن هذا حملة ‘فاش نستناو’ والمناضلات والمناضلين المساندين عن الاستمرار في التظاهر ونجحت الحملة اليوم الجمعة 12 يناير في تنظيم مسيرات في العاصمة وعددا من المدن كما أنه هناك تعبئة لتحرك كبير دعت إليه الجبهة الشعبية يوم 14 جانفي وهو تاريخ رمزي يوافق فرار الديكتاتور إلى السعودية.

مما لا شك فيه أنّ الحركة الاحتجاجية حتى وإن كانت ستشهد بعض التراجع لن تهدأ طالما أنّ أسباب وجودها قائمة موضوعيا غير أنّ هذه الاحتجاجات تطرح على القوى الثورية مهام كبرى في التنظيم والتعبئة ومحاولة قلب المعادلة والتقدم في اتجاه تلبية المطالب الاجتماعية للفئات الشعبية وتحقيق اهداف الثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى