انتفاضة 20 يونيو 1981 ليس على الشعوب أداء تكاليف الأزمات
محمد اقللوش (الـمسـير)
بحلول شهر يونيو في يومه العشرين 2014 تكون قد مرت 33 سنة على انتفاضة 20 يونيو 1981 المجيدة، وتعود وقائع الاحداث، عندما استيقظ سكان مدينة الدارالبيضاء صباح يوم 28 ماي 1981 على وقع زيادات صاروخية شملت كل المواد الأساسية : الدقيق 40 في المائة، السكر 50 في المائة، الزيت 28 في المائة ،الحليب 14 في المائة، الزبدة 76 في المائة. وقد جاءت هذه الزيادات بعد زيادات سابقة سنتي 1979 و 1980، و برر المسؤولون آنذاك هذه الزيادات بالحجة المعهودة : الظرفية العالمية وحالة موازنة الدولة وأن هذه الزيادة ضرورية وحتمية لاقتصاد المغرب. لكن قبل ذلك دعونا نطل على الوضع العام انذاك.
جاءت انتفاضة 81 بعـد 25 سنة من الاستقلال الشكلي للمغرب، وعلى طول ربع القرن ذاك حافظ الرأسمال الأجنبي على مصالحه ونماها، وتطورت البرجوازية المحلية بالاستفادة من شعار المغربة ومن الأراضي “المسترجعة” والتي تستفيد منها عائلات بورجوازية ، رغم أنها أراضي لقبائل سلبت منهم ظلما وعدوانا.
تدفقت اعداد هائلة من المواطنين المفقرين من القرى إلى المدن، فتضخمت بأطرافها أحزمة الفقر من جراء انعدام تصنيع حقيقي. واستعمل الرأسمال حجم البطالة المهول لفرض مستوى استغلال فائق على الطبقة العاملة والكادحين.
كما تعرضت ثروات البلاد لنهب مكثف، ونفقات هائلة للحرب في الصحراء، والتي قدرت آنذاك بمليوني دولار يوميا، واشتد الخناق بفعل تنامي الاستدانة و توالي سنوات الجفاف والتخلف والفقر والبطالة التي بلغت مليون ونصف المليون عند نهاية سنة 1980.
لم يكن الوضع الاجتماعي للأغلبية المقهورة مطاقا، فلم ينقصه غير الشرارة التي جاءت مع بيان لوكالة المغرب العربي للأنباء عندما قصفت الدولة قاعدة المجتمع العريضة بزيادات في أسعار مواد الاستهلاك الأساسية، بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية الذي باتت حاكما فعليا للبلد.
والجدير بالذكر انه لم تكن مظاهرات 20 يونيو 1981، ولا تصدي المتظاهرين العـزل لقوات القمع، فعلين منظمين تحت قيادة النقابة الداعية إلى الإضراب العام، ولا أي قيادة أخرى في إطار تنظيم منغرس له أهداف وسياسة لتحقيقها، بل كانت طلائع المظاهرات منبثقة بشكل عفوي من صفوف شباب الأحياء الشعبية المسحوقة. الذين هبوا للتعبير عن سخطهم، وحقدهم على الذين أشبعوهم فقرا وجهلا وقمعا وإذلالا. فمعظمهم ضحايا نظام التعليم الطبقي السائد ، وكادحون يتدبرون لقمة يومهم خارج دائرة الإنتاج، بامتهان مختلف النشاطات الهامشية، ضحايا السكن غير لائق والأمراض.
تراكم السخط يوما بيوم، طيلة سنوات، وفتح إعلان الإضراب العام، باب تنفيس الغضب الجماهري. فتقرر يوم 18 يونيو إضراب عام في كل من الدارالبيضاء والمحمدية دعى إليه الاتحاد المغربي للشغل وساندته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، وأمام تعنت الحكومة دعت ك.د.ش وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبر جريدتي «المحرر» و«ليبراسيون» إلى إضراب عام على الصعيد الوطني يوم 20 يونيو 1981.
وهكذا استيقظ سكان الدار البيضاء صباح يوم 20 يونيو وكأن ذلك اليوم عيد، الحركة مشلولة الدكاكين مقفلة والناس مجتمعون سواء في المقهى أو خارجها ، وكان يخيم هدوء رهيب على المدينة، ارتأت السلطة وأعوانها أن تشرع في إرغام وإكراه أصحاب الدكاكين على فتح محلاتهم، و منح حافلات النقل العمومي إلى أناس ليست لهم علاقة بالنقل، والإصرار على فتح المحلات التجارية قصد إفشال الإضراب. وشرع رجال الشرطة في تشتيت الجموع وانضمت إليهم فرق رجال الدفاع والدرك الملكي والقوات المساعدة على متن شاحنات عسكرية كأنها في استعراض، فتحول الإضراب إلى تظاهرات شعبية عارمة للتعبير عن سخطهم من الأزمة الخانقة جراء الحرمان والظلم والاستبداد. وقد كان المطلب الجوهري لهذا الإضراب هو: الإلغاء الفوري الكلي والضروري لكل الزيادات التي عرفتها المواد الاستهلاكية الأساسية في 28 ماي 1981. لم يكن هؤلاء الكادحون مسلحين، بل لم يكن باستطاعتهم حتى الدفاع عن أنفسهم، لكن بالرغم من ذلك، شن نظام الحسن الثاني ضدهم حملة قمع دموي بالرصاص الحي. وقد بينت التحريات فيما بعد أن الرصاص كان يستهدف الرأس والصدر والقلب. وقد رمي هؤلاء الشهداء في حفر بشكل جماعي، في مقابر جماعية سرية من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ بالقرب من الحي المحمدي، وتقول بعض التقارير إن بعضهم دفنوا وهم كانوا ما يزالون يئنون من جراحهم.
حصيلة الانتفاضة الشعبية كانت رهيبة وكان عدد الشهداء كبيرا، وقد قدرت الجمعيات الحقوقية عدد القتلى بأزيد من 1000 قتيل، هذا إضافة إلى مئات الاختطافات والاعتقالات حتى وصل عدد المعتقلين إلى حوالي 26 ألف معتقل، اعتقلوا بدون محاكمة وفي شروط لا إنسانية مما أدى إلى موت العديد منهم وتم ترحيل الجثث إلى المقابر الجماعية المجهولة حيث دفنوا في سرية تامة ودون إخبار أسرهم بموضوع الدفن أو مكانه (قتل العديد من المعتقلين في المقاطعة 46، التي أصبحت فيما بعد مقرا لعمالة سيدي البرنوصي زناتة من جراء الاكتظاظ والتعذيب). ووزعت سنون من السجن على الأبرياء، حيث أن غرفة جنائية واحدة وزعت ما مجموعه 1400 سنة سجنا .
لقد كان هؤلاء الفقراء الرائعون، هؤلاء الرجال والنساء والشباب والأطفال، الذين خرجوا في شوارع البيضاء يتحدون القمع والطغيان يمتلكون تصورا واضحا عن ما يرفضونه لكنهم لم يكونوا يمتلكون أي تصور عن البديل الذي يناضلون من اجله. بدأ النضال على أسس اقتصادية، ثم سرعان ما تحول موضوعيا إلى نضال سياسي، تم إلى انتفاضة حقيقية.
وقوانين الفيزياء تقول ان الضغط يولد الانفجار، وما تعرفه بلادنا اليوم و في القرن الواحد والعشرين ما هو الا نتيجة لتعنت الدولة واستمرارها في نهجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لن يؤدي في اخر المطاف إلا الى الانفجار بسبب اغناء الاغنياء وإفقار الفقراء .