النضالات في المغربمتابعة النضالات

الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في التدبير الجماعي والديمقراطي للثروات والخدمات المحلية

محتويات

  1. تقديم
  2. حراك فجيج، ضد الشركة ودفاعا عن إرادة السكان في المجالس الجماعية
  3. حراك فجيج، صمود ضد الترهيب والاعتقال
  4. حراك فجيج، دفاعا عن حق السكان في التدبير الجماعي والديمقراطي للثروات والخدمات
  5. الحاجة الى توسيع حرك فجيج الى باقي الجهات
  6. المؤسسات المالية الدولية تعمق خصخصة الخدمات العمومية بالمغرب
  7. عقدين من النضالات الشعبية ضد خصخصة الماء
  8. المكتب الوطني للماء والكهرباء، مؤسسة عمومية لخدمة الرأسمال الخاص
  9. دمج المكتبين لتوسيع الفرص أمام الرأسمال الخاص
  10. ابراء ذمة الشركات الفرنسية المستحوذة على الخدمات
  11. الوكالات المستقلة للتوزيع، استثمارات لجذب الرأسمال
  12. الشركات الجهوية متعددة الخدمات، تشريك الخسارة لتوسيع الأرباح الخاصة
  13. الشركات الجهوية متعددة الخدمات، تجميع مجالات اغتناء الرأسماليين
  14. البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ضد تطلعات الشعوب
  15. من أجل تضامن عالمي مع حراك فجيج.

—————————

  1. تقديم

نظم الائتلاف الوطني لدعم حراك فجيج الذي يتضمن تمثيلية بعض المنظمات النقابية والسياسية وجمعيات، بتنسيق مع التنسيقية المحلية للترافع حول ماء فكيك، قافلة وطنية تحت شعار “الصمود والوحدة والتضامن من اجل الحقوق والكرامة” من 14 الى 17 نونبر 2024. استقبل أهالي واحة فكيك هذه القافلة بحماس جسده حضورهم الكثيف في الوقفة الاحتجاجية يوم الجمعة 15 نونبر أمام باشوية المدينة، وفي ندوة/المائدة المستديرة يوم السبت 16 نونبر التي كانت ناجحة بأزيد من 300 مشارك مع حضور وازن للنساء اللواتي يشكلن عصب الحراك الرئيسي منذ انطلاقه.

تجلت من نقاشات الندوة عناصر حصيلة أولية لهذا الحراك بعد استكمال سنته الأولى، وطرحت أيضا أفكار بصدد آفاقه وضمان صموده.

2. حراك فجيج، ضد الشركة ودفاعا عن إرادة السكان في المجالس الجماعية

بعد صدور القانون 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات في يوليوز 2023، سارعت وزارة الداخلية الى تنزيله. كانت الجهة الشرقية احدى الجهات الأربع التي شملتها المرحلة الأولى، وبدأت جماعاتها الترابية تعقد دورات استثنائية مند أكتوبر 2023 للانضمام الى المجموعات الترابية الشرق للتوزيع التي صادقت في يونيو 2024 على عقد تدبير مرفق توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل تبرمه مع الشركة الجهوية متعددة الخدمات الشرق.

في جماعة فجيح جرت دينامية مغايرة تماما. صوت مجلس الجماعة في دورة استثنائية يوم 26 أكتوبر2023 على رفض انضمامه لمجموعة الجماعات الترابية الشرق للتوزيع. سيضغط عامل الإقليم على جزء من اعضاء مجلس الجماعة للتصويت في دورة استثنائية أخرى يوم 1 نونبر لصالح الانضمام. نزل السكان الى الشارع مباشرة للتنديد بسطوة وزارة الداخلية ضدا على إرادة السكان والتعبير عن رفضهم لأي مساس بثروتهم المائية. دفع استمرار ضغط الحراك باستقالة تسع أعضاء في 16 ماي 2024، أبانوا فيها عن الضغوطات التي تعرضوا لها من قبل الرئيس والمكتب المسير للمجلس. هرعت وزارة الداخلية الى تنظيم انتخابات جزئية محلية في 12 شتنبر 2024. لكن نشطاء الحراك تعبؤوا لها باسم حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي وظفروا بأغلبية ساحقة بالمقاعد التسع الشاغرة في المجلس الجماعي رافضين منح الشركة الجهوية متعددة الخدمات تدبير الماء الصالح للشرب. بقي تسع أعضاء آخرين موافقين. قد يعتمد التصويت لصالح تفويت الماء الى الشركة الجهوية إذا أضيف لهم صوت الرئيس. لكن الأمر ليس محسوما طالما بقي الحراك مستمرا.

3. حراك فجيج، صمود ضد الترهيب والاعتقال

منذ بداية الحراك، قامت السلطة بحملات تضليل وترهيب لتكسير الحراك، واعتقلت الناشط محمد إبراهيمي الملقب بـ “موفو” يوم 14 فبراير 2024 وحكم عليه ابتدائيا بثلاثة أشهر نافذة، ثم استئنافيا بثمانية أشهر نافذة. كما حكم على الناشطة زايد حليمة ابتدائيا واستئنافيا بستة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها ألفي درهم. لم ينل ذلك من عزيمة المحتجين والمحتجات الذين واصلوا مقاومتهم وأبدعوا فيها، ونظموا عرس الانتصار النضالي يوم 14 أكتوبر 2024 الذي خرج فيه “موفو” من السجن والتحق بالحراك.

4. حراك فجيج، دفاعا عن حق السكان في التدبير الجماعي والديمقراطي للثروات والخدمات

استشعر سكان واحة فجيج خطر قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات الذي سينتزع منهم تدبيرهم الجماعي والديمقراطي للماء الصالح للشرب وللمنابع التاريخية التي ترتكز عليها حياتهم. من هنا الانخراط القوي للنساء في الحراك وهن أشد الارتباط بالماء نظرا لمسؤوليتهن في رعاية الأسرة وتربية الاطفال وتدبير شؤون المنزل والزراعة المعاشية وتربية الماشية. أدركوا أيضا تهديد تغلغل رأسماليين يستحوذون على الأراضي وينتجون أصناف تمور جديدة ومنتجات زراعية دخيلة، ويستنزفون الفرشة المائية الجوفية، مما ينذر بتقليص صبيب المنابع والحكم على الواحة بالموت وعلى سكانها بمصير مجهول.

إن البديل الشعبي للشركات الجهوية متعددة الخدمات كآلية للخصخصة يتجسد في مطالب حراك فجيج دفاعا عن حقهم في التدبير الجماعي والديمقراطي لثروتهم المائية وتقرير مصير واحتهم ومجالاتهم.

5. الحاجة الى توسيع حراك فجيج الى باقي الجهات

أبان حراك فجيج الذي دام طوال 12 شهرا عن طاقة المقاومة الكامنة لدى السكان، خصوصا النساء. هنا يكمن إصرار الدولة لسحق حراك فكيك لكيلا يكون نبراسا للجماعات الأخرى، ورفضها تقديم أي تنازل للسكان الذين قدموا بدائل أخرى عملية ضمن خصوصيات تدبير شؤون الواحة. لتفادي استفراد الدولة بالحراك لهزمه على غرار ما قامت به في الحراكات الأخرى في الريف وجرادة وغيرها، لابد من توسيعه لباقي الجهات الاثنا عشر التي بدأ فيها أيضا تطبيق قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات، وتشكيل جبهة شعبية ضد تمريره.

يندرج إصرار الدولة لتمرير قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات ضمن استراتيجية أكبر لتسليع الماء وتسهيل استحواذ الرأسمال على الثروات والخدمات. كان هذا موضوع مداخلتي ككاتب عام جمعية أطاك المغرب في ندوة يوم السبت 16 نونبر بقاعة النهضة بفجيج، قمت بصياغتها مع بعض الاغناءات بناء على نقاشات الحاضرين والحاضرات.

6. المؤسسات المالية الدولية تعمق خصخصة الخدمات العمومية بالمغرب

في خضم أزمة الديون مع بداية سنوات 1980، زادت هيمنة الليبرالية الجديدة داخل المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) وأدت الى تطبيق جذري لهذه الأيديولوجية من قبل الطبقات السائدة في بلدان الجنوب، وضمنها خصخصة القطاعات العمومية وإزالة القيود أمام توسع الاستثمار الرأسمالي الخاص.

صدر قانون الخوصصة في أبريل 1990 وبدأت عمليات خصخصة المقاولات والمؤسسات العمومية بالمغرب منذ سنة 1993 استفادت منها مجموعات (عائلات) رأسمالية كبيرة محلية وشركات أجنبية. فُتحت آفاق رحبة أمام هذه المجموعات بعد توسع تحرير التجارة الخارجية وانضمام المغرب إلى منظمة التجارة العالمية في يناير 1995 وشروعه في توقيع اتفاقات التبادل الحر بين القوى الغربية الكبرى كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وتطبيق مقتضيات الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات بمنحه خدمات توزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب والصرف الصحي السائل لفروع شركات فرنسية: ليديك بالبيضاء (1997)، ريضال بالرباط (1999)، أمانديس بكل من طنجة وتطوان (2002). ستتكرس خصخصة الخدمات العمومية المحلية في قانون التدبير المفوض (فبراير 2006) وسيتوسع مجالها.

نشير الى أن قانون الماء بالمغرب (صدر في غشت 1995)، ويعتبر الماء ملكا عموميا لا يمكن أن يكون موضوع تملك خاص. بينت الوقائع ان الحاكمين يعطون الأولوية ليس لمصالح السكان، بل لما تمليه المؤسسات الاقتصادية الدولية، ويسروا استحواذ الرأسماليين محليين وأجانب على الماء والخدمات والثروات. فقد اعتمدت الدولة “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” (1999) الذي يتضمن ضرب مجانية التعليم، ومرسوم 30 مارس 1999 الذي يلغي مجانية الخدمات الصحية.

7. عقدين من النضالات الشعبية ضد خصخصة الماء

أدت خصخصة الخدمات العمومية وتأثيراتها المباشرة على الطبقات الشعبية الى احتجاجات متواصلة طيلة العقدين الأخيرين 2000-2020 نذكر منها تلك المرتبطة مباشرة بمسألة تسليع الماء:

  • احتجاجات سكان الرباط ضد ارتفاع فواتير استهلاك الماء الصالح للشرب (2002-2003).
  • تعبئات التنسيقات المحلية ضد ارتفاع أسعار المواد والخدمات (2008-2006).
  • احتجاجات سكان قرية بنصميم بمنطقة افران ضد الترخيص لشركة أجنبية باستغلال الماء (2008-2010).
  • نضالات ساكنة مدينة بوعرفة من أجل الحق في الماء (منذ 2006).
  • اعتصام سكان قرية اميضر من أجل استرجاع مائهم (منذ 2011 ودام قرابة 10 سنوات).
  • احتجاجات السكان (2015-2017)، خصوصا في طنجة، ضد غلاء فاتورات الماء والكهرباء على اثر خفض مكتب الماء والكهرباء للأشطر الدنيا للاستهلاك الاقتصادي. 
  • مسيرات العطش بالجنوب الشرقي (منذ 2017).

واجهت الدولة غالبية هذه الاحتجاجات بالقمع ومتابعة وسجن نشطائها ونشيطاتها. هذا ما رأيناه أيضا في حراك فكيك الجاري منذ نونبر 2023 ضد خصخصة الماء الصالح للشرب.

8. المكتب الوطني للماء والكهرباء، مؤسسة عمومية لخدمة الرأسمال الخاص

في سياق وضع الآليات لخصخصة الخدمات العمومية، فتح المجال للرأسمال الخاص للدخول الى قطاع الكهرباء (1994) كمنتجين مستقلين، والى مشاريع الطاقات المتجددة (2010)، وتعزز بآلية الشراكة بين القطاعين الخاص والعام (2015). هكذا سيشرع لمكتب الوطني للكهرباء منذ أواسط 1990 بإبرام عقود طويلة الأمد بمتوسط 30 سنة تمنح الامتياز لشركات أجنبية (إماراتية وفرنسية وسعودية واسبانية وغيرها)، وأيضا لمجموعات رأسمالية كبرى محلية مملوكة لعائلات محظوظة معروفة بالبلاد. ستستحوذ هذه الشركات الخاصة على أكثر من ثلثي إنتاج الطاقة الكهربائية في المغرب، ويلتزم المكتب الوطني للكهرباء بشرائها بأسعار باهظة جدا، علاوة على تحمله جزءا كبيرا من مصاريف انجاز المشاريع الطاقية والمائية ومشاريع التطهير الضخمة من خلال عقد الشراكة بين القطاعيين الخاص والعام. سيعيش المكتب الوطني للكهرباء وضعية عجز مالي دائمة منذ بداية سنة 2000 ستغطى بالديون العمومية وبتحويلات مباشرة من الميزانية العمومية كما جرى في عقد-برنامج 2014-2017 حيث سمحت له الدولة بموجبه رفع أسعار بيع الماء والكهرباء والذي أدى الى الاحتجاجات الشعبية المشار اليها أعلاه.

9. دمج المكتبين لتوسيع الفرص أمام الرأسمال الخاص

كانت عملية دمج مكتبي الماء والكهرباء في مكتب واحد (2012) ترمي الى توسيع مجالات تدخل الرأسمال الخاص وتسهيل تكاملها، وتحميل الأعباء للميزانية العمومية والمواطنين والمواطنات. أوصى المجلس الاعلى للحسابات في عرض تقريره حول التدبير المفوض امام لجنة مراقبة المالية العامة في البرلمان (2015) بمواصلة هذا التدبير لجلب “فاعلين مؤهلين” (خواص)، وبإحداث شركات جهوية للتوزيع متعددة الخدمات. هذا ما يتجسد الآن بشكل جلي بعد صدور قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات (يوليوز 2023) التي ستتكلف بتدبير مرفق توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل بما في ذلك معالجة المياه العادمة والانارة العمومية على المستويات المحلية (المدار الترابي للجماعات). لن يعود للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أي تدخل في تدبير هذه المرافق على المستويات المحلية، بحيث سينحصر دوره في إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب لفائدة المدبرين لهذه المرافق على الصعيد الترابي. ستنتقل عقارات المكتب ومنقولاته المخصصة لمرافق توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل، وأيضا ديونه، إلى الجماعات الترابية بعد إبرام هذه الأخيرة عقد التدبير مع الشركة الجهوية متعددة الخدمات.

10. ابراء ذمة الشركات الفرنسية المستحوذة على الخدمات

    يأتي قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات أيضا في أفق انتهاء آجال عقود التدبير المفوض مع كل من شركة أمانديس بطنجة وتطوان (نهاية 2026)، وريضال بالرباط (نهاية 2027)، وليديك بالبيضاء (نهاية 2027). ابدعت الدولة هذه الصيغة حتى تضمن بسلاسة تأمين استمرار استحواذ الرأسمال الخاص على الخدمات العمومية عملا بتوصيات المجلس الأعلى للحسابات الذي حاول تبرئة ذمة الشركات الأجنبية خصوصا بعد أن تبين حجم الأرباح الكبير الذي كانت تحققه في المدن الأربع على مدى أزيد من ربع قرن مباشرة من جيوب المواطنين والمواطنات. هذا ما نراه يحدث الآن بالضبط في الدار البيضاء حيث صادق مجلس مجموعة الجماعات الترابية الدار البيضاء–سطات للتوزيع في يوليوز 2024 على منح تدبير مرفق توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل للشركة الجهوية متعددة الخدمات–الدار البيضاء –سطات. ستستلم هذه الأخيرة كافة العقود والاتفاقيات المبرمة سابقًا من قبل شركة ليديك بما فيها عقود القروض التي تم الحصول عليها، حيث ستصبح الشركة الجهوية الجهة المسؤولة عن إدارة هذه العقود وتسديد الأقساط المستحقة للمقرضين.

    11. الوكالات المستقلة للتوزيع، استثمارات لجذب الرأسمال

      ستتولى الشركات الجهوية متعددة الخدمات أيضا تدبير عقد التدبير التي كان معهودا بها إلى الوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والصرف الصحي السائل الإثني عشر التي قامت الدولة بتأهيلها وحفزت فيها استثمارات هائلة في السنوات الأخيرة في بنيات الماء الصالح الشرب وجمع المياه العادمة ومعالجتها. ستنتقل العقارات والمنقولات التابعة للوكالات المستقلة بعد حلها إلى الجماعات الترابية التي ستبرم عقد التدبير مع الشركة الجهوية متعددة الخدمات. على سبيل المثال، حلت الشركة الجهوية متعددة الخدمات مراكش أسفي (منذ فاتح نونبر الجاري) محل الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمراكش (راديما) التي كانت قد استثمرت غلافا ماليا يقدر بحوالي 3 مليار درهم في الفترة 2014 – 2023 من أجل تقوية البنية التحتية لشبكات الماء والكهرباء والتطهير السائل بالمدينة.

      12. الشركات الجهوية متعددة الخدمات، تشريك الخسارة لتوسيع الأرباح الخاصة

        ستتكفل اذن الجماعات الترابية عبر الشركات الجهوية متعددة الخدمات بقسط كبيرا جدا من قروض كل من المكتب الوطني للماء والكهرباء والشركات الفرنسية الخاصة في مدن البيضاء والرباط وطنجة وتطوان، وضمنها القروض إزاء الصناديق الاجتماعية. سينتقل اليها أيضا آلاف المستخدمين والمستخدمات الذين سيفقدون جزءا كبيرا من مكاسبهم وحقوقهم إن لم يكن عملهم بكل بساطة، كما يجري حاليا في حالة ليديك. أما الاستثمارات العمومية الضخمة التي أنجزت في مرافق توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وكذا معالجة المياه العادمة، فهي لجذب ما سماه المجلس الأعلى للحسابات بــ “فاعلين مؤهلين”، أي شركات رأسمالية عملاقة ستقتصر على الاستحواذ على زبدة الأرباح التي سيوفرها تدبير هذه المرافق. حددت الدولة نسب المساهمة في رأسمال الشركات الجهوية متعددة الخدمات بــ 25 في المائة للدولة، و40 في المائة لمجموعات الجماعات الترابية للتوزيع، و10 في المائة لمجلس الجهة، و25 في المائة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. تعلم الدولة جيدا أن الشركات الجهوية متعددة الخدمات لا يمكنها مباشرة العمل في مثل هذه المجالات دون مرافقة فنية وخبرات المقاولات المتخصصة. هكذا نصت على إمكانية فتح رأسمال الشركة الجهوية للقطاع الخاص قد تصل مساهمته الى سقف 90 في المائة. كانت فروع الشركات الفرنسية في المدن الأربع تحول جزءا مهما من الأرباح بالعملات الأجنبية للشركة الأم تحت غطاء نفقات “تقديم المساعدة الفنية”. فتح لها الباب الآن لتغير نموذج تدخلها بتقديم خدمات التأطير التقني والدراسات وغيرها التي تحقق هامش ربح أكبر.

        13. الشركات الجهوية متعددة الخدمات، تجميع مجالات اغتناء الرأسماليين

          تعد الشركات الجهوية متعددة الخدمات إذن نتيجة سيرورة بدأتها الدولة منذ أواسط الألفية لتجميع مجالات اغتناء الرأسمال الخاص الأجنبي والمحلي الكبير وتسهيلها في قطاعات حيوية كالماء والطاقة والتطهير السائل، مع إبقاء المؤسسات العمومية كدعامة رئيسية للاستثمارات طويلة الأمد في البنيات والتجهيزات وصيانتها، واستمرارها في ضمان الخدمات غير المربحة. هذه السيرورة أطرها البنك العالمي عبر مكاتب خارجية يمنحها قروضا على حساب الدولة المغربية وتنتج دراسات على المقاس، ونجده يشيد في تقاريره بالمغرب الذي يحتل الصدارة في تطبيق خلاق للوصفات الليبرالية وضمنها خصخصة الملك العمومي والتحكم في نتائجها الاجتماعية.

          14. البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ضد تطلعات الشعوب

            يشكل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي احدى مكونات الثورة المضادة بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط. في الوقت الذي انتفضت فيه الشعوب ونزلت الى الشوارع طيلة الفترة من أواخر 2010 الى أزمة جائحة كوفيد في بداية 2020 مطالبة بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية، أعاد البنك العالمي في تقرير له في أبريل 2015، تأكيده على ضرورة التخلي عن مجانية الخدمات العمومية الأساسية لصالح القطاع الخاص، وعلى توسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية في بلدان المنطقة. تريد المؤسستان حجب مسؤوليتهما المباشرة في النتائج الكارثية لسياسات الخصخصة التي أبانت عنها الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في المغرب طيلة العقدين الأخيرين 2000-2020 التي أشرنا اليها أعلاه. كما تريد استبعاد تأثير تعبئات الحركة من أجل عولمة بديلة التي حفزت إعادة تملك الجماعات المحلية تدبير مرافقها العمومية، حيث شهدت الفترة بين 2000 و2019 استعادة 2400 مدينة تدبيرها العمومي للخدمات وذلك على صعيد 58 بلدا حسب دراسة قام بها المعهد العابر للقارات بأمستردام TNI بعنوان دال: “المستقبل للقطاع العمومي: نحو الملكية الديمقراطية للخدمات العمومية”. هناك ردة على استعادة التدبير الجماعي في السياق الحالي لصعود اليمين واليمين المتطرف وتدبيره للحكومات أو للبلديات في عديد من بلدان العالم، لكنه مع ذلك يواجه مقاومات شعبية.

            وقفت المؤسستان الى جانب الأنظمة بمنطقتنا ومنحتها قروضا تضخم المديونية العمومية لتواصل تطبيق سياستهما وقمع شعوبها. ليس قرارهما بعقد اجتماعاتهما السنوية في المغرب في أكتوبر 2023 بمراكش سوى تأكيدا سياسا للثقة التي يحظى بها الحاكمون ببلدنا لدى هاتين المؤسستين والقوى الغربية التي ترعاهما وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

            15. من أجل تضامن عالمي مع حراك فجيج

              علاوة على نظام الاستبداد الذي يتجلى في المجالس الجماعية من خلال هيمنة وزارة الداخلية التي تقمع أي معارضة أو أي تعبئة شعبية محلية، يستند الرأسمال الخاص على قوانين الدولة التي تضمن مصالحه، وعلى آليات دولية كتلك المرتبطة باتفاقيات التبادل الحر والملكية الفكرية وغيرها التي تحمي حقوق المستثمر ضدا على مصالح السكان.

              من هنا الحاجة الى تضامن أممي مع حراك فجيج الذي يغني تجارب النضال ضد خصخصة الماء التي تعممها المؤسسات المالية والدولية ومنظمة التجارة العالمية على شعوب العالم لصالح الشركات متعددة الجنسيات ومجموعات رأسمالية محلية. شكلت قمة الحركات الاجتماعية العالمية التي نظمت ضد اجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمراكش في أكتوبر 2023 محطة نوعية في نسج أواصر هذا التضامن على المستويات الإقليمية والقارية والدولية. تضمنت توصياته بدائل ومطالب نابعة من تجارب مقاومات الشعوب ضد مؤسسات الرأسمال العالمي وضد الديون والتبادل الحر، ودفاعا عن الماء والأرض والثروات والسيادة الشعبية، وعن الحقوق الإنسانية بمضمونها الشمولي. إنها مكاسب وجب الانطلاق منها لتحفيز التضامن العالمي مع حراك فجيج.

              21 نونبر 2024

              بقلم أزيكي عمر

              كاتب عام جمعية أطاك المغرب

              زر الذهاب إلى الأعلى