الديون

الديون غير المشروعة والكريهة

تعتبر الديون أداة لسيطرة دول الشمال وبالأخص الدول الامبريالية على دول الجنوب التي وقعت في فخ المديونية. كما أن الديون آلية لتحويل ثروة هائلة من الجنوب إلى الشمال، سواء لفائدة المؤسسات المالية الدولية والدول الصناعية الكبرى (الدول الاستعمارية سابقا) أو لفائدة الدكتاتوريات الحاكمة بدول الجنوب التي استغلت الفرصة للاغتناء وتحويل جزء مهم من القروض لحساباتها البنكية الخاصة. هذا الجزء من الديون هو ما يشكل ما يعرفه فقهاء القانون الدولي بالديون غير المشروعة أو الديون الكريهة.

الديون غير المشروعة

هي الديون المترتبة عن قروض غير مشروعة. ويقصد بالقروض غير المشروعة تلك التي، عند التوقيع على العقدة أو إعادة التعاقد أو إعادة التفاوض بشأنها من خلال ما يتم تمويله بها (القروض ) أو فيما يتعلق بآثارها، تعيد إنتاج أو تخلق ظواهر وآليات وتصرفات تؤدي إلى المس بحقوق الإنسان: حقوق فردية أو جماعية (مدنية، سياسية، ثقافية، اقتصادية ) أو الحق في التنمية، الهوية أو الحق في العيش السليم أو الكريم.

من بين هذه الظواهر تجدر الإشارة إلى: 

  • قمع الشعوب
  • جرائم الإبادة: Génocide
  • الحروب الامبريالية
  • الرشوة
  • التوزيع الغير العادل للثروات
  • التفقير (إنتاج الفقر )
  • التعسف
  • تخريب (تدمير ) البيئة
  • التداول في الشؤون الداخلية للدول والمس بسيادتها.

 

عدم الشرعية وعدم المشروعية – illégalité / illégitimité

يقصد بعدم الشرعية ما لا يتفق مع أحكام القانون أو الخروج على المبادئ القانونية. وأما عدم المشروعية فيحيلنا إلى كل ما هو مخالف للقانون صراحة أو ضمنا ويدعونا إلى الرجوع إلى القيم والقواعد الإلزامية (ما يجب أن يكون). وبالتالي نتحدث عن الدين غير الشرعي عندما يكون هناك خرق للقانون، وعن الدين غير المشروع بالنظر إلى الهدف من الدين، انعكاساته وآثاره (مثال المشاريع الضخمة التي لا فائدة منها والمعروفة بالفيلة البيضاء – Eléphants blancs).

بتعبير آخر يكون الدين غير مشروع عندما يكون انحراف في استعمال (إضلال) القانون أو استعمال أمور غير قانونية (الجنات الضريبية، الفراغ القانوني). فهو إذن دين غير عادل، غير ملائم، فيه شطط. 

مصطلحات الشرعية والمشروعية تبدو كأنها مختلفة في المعنى ولكنها تبقى مرتبطة ليظل السؤال المطروح أساسا: من أي جانب يجب النظر في عقدة القرض ؟

 

أربعة أشكال للقرض غير المشروع:   illégitime

1-   قرض من أجل تقوية الأنظمة الديكتاتورية (قرض غير مقبول)

2-   قرض بسعر فائدة ربوي (شروط غير مقبولة)

3-   قرض لدولة معروفة بضعف قدرتها على السداد (قرض غير ملائم)

4-   قرض مفروض بشروط من المؤسسات المالية الدولية (FMI – BM) تخلق وضعية اقتصادية تؤدي لصعوبة أو استحالة السداد (شروط غير ملائمة، غير مناسبة).

 

الديون الكريهة:  Dette odieuse

كان ألكساندر ساك – Alexander sack (وزير سابق بروسيا وأستاذ القانون بباريس) أول من استعمل مصطلح “الدين الكريه” سنة 1927.

حسب ساك: “كل سلطة مستبدة تحصل على دين ليس لحاجيات ولا لأهداف الدولة ومصالحها، وإنما لتقوية النظام المستبد، من أجل قمع الساكنة التي تناهضه (تحاربه). هذا الدين يعتبر دينا كريها بالنسبة لساكنة الدولة كلها وهو بالتالي دين غير مقبول، هو دين النظام، دين خاص بالسلطة التي أخذته. وبالتالي فإن هذا الدين يسقط بسقوط النظام”.

تلا ذلك مجموعة من الأبحاث والكتابات من طرف الفقهاء في القانون الدولي، خلصت إلى تحديد

ثلاث خاصيات للدين الكريه:

  1. غياب الرضا (التراضي والاتفاق) – Absence de consentement : دين أخد ضد إرادة الشعب.
  2. غياب الفائدة -Absence de bénéfice  : صرفت الأموال في أمور لا تخدم مصالح الساكنة.
  3. علم الدائنين بنية (قصد) المدين -connaissance des intentions des emprunteurs par les créanciers : الغاية التي يرمي إليها المدين تكون في علم الدائن-  créancier

 

فالدين الكريه إذن هو كل دين تم الحصول عليه من طرف حكومة غير مشروعة أو أن استعماله كان مخالفا لحاجيات الشعب ومصالحه.

وكأمثلة على الدين الكريه كان المكسيك أول دولة رفضت أداء جزء من الديون اعتبرتها كريهة، فمنذ 1861 أعلن بنيتو خواريز (  Benito Juarez) عن إيقاف سداد الديون الخارجية التي حصل عليها الدكتاتور أنتونيو لوبيز دو سانتا أنا ( Antonio Lopez de Santa Anna ). خمسة عشرة سنة بعد ذلك أصدر المكسيك قانون “تصفية الديون الوطنية” في 18 يونيو 1883 الذي تم بموجبه رفض سداد الديون المحصل عليها ما بين 1857 و 1860 و ما بين 1863 و 1867 والتي اعتبرت ديونا باطلة وكريهة.

وفي 1898 بعد تحرر كوبا من نير الاستعمار الإسباني وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الوضع أعلنت هذه الأخيرة أن الديون التي حصلت عليها إسبانيا لفائدة كوبا هي ديون كريهة لكونها فرضت من طرف إسبانيا دون رضا الشعب الكوبي. وسيتم إلغاء هذه الديون بعد التوقيع على معاهدة باريس في نفس السنة.

وبموجب معاهدة فرساي ( Versailles ) لسنة 1919 تم إلغاء الديون التي كانت ألمانيا تطالب بها بولونيا والتي اعتبرت ديونا استعمارية.

وبعد الحرب العالمية الثانية تم التوقيع على معاهدة السلام بين فرنسا وإيطاليا في 1947، والتي أكدت أن “من غير المعقول أن تتحمل إثيوبيا عبئ الديون التي حصلت عليها إيطاليا بهدف السيطرة على الأراضي الإثيوبية”.

وغير بعيد، في أبريل 2003، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية كل من روسيا، فرنسا وألمانيا بإلغاء الديون الكريهة التي بذمة العراق بحيث أعلنت عن بطلان الديون التي حصل عليها “الدكتاتور” صدام حسين. وتمت تسوية هذا الأمر في نادي باريس الذي ألغى 80 % من هذه الديون دون الإشارة الصريحة إلى مصطلح الديون الكريهة حتى لا تطالب دول أخرى بإلغاء ديونها مستعملة نفس المبرر.

وهناك تسميات أخرى تفيد نفس المعنى:

– دين الديكتاتوريات: Dette de dictateurs

– الدين التاريخي والاستعماري: Dette historique et coloniale

– الدين البيئي أو الأيكلوجي: Dette écologique

 

وفي هذا السياق أعلنت إيطاليا في 30 غشت 2008 أن لها دينا استعماريا إزاء ليبيا ووقع الطرفان على اتفاق التزمت بموجبه إيطاليا بدفع مبلغ مالي إلى ليبيا يصل إلى 200 مليون دولار سنويا على مدى 25 سنة، أي ما مجموعه 5 مليار أورو كتعويض عن الأضرار التي خلفها الاستعمار الإيطالي بليبيا. بالرغم من أن هذا التحويل المالي سيتم في شاكلة استثمارات إيطالية بليبيا في مشاريع البنية التحتية، وشريطة تعاون الدولة الليبية في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية.

 

دور الحركات الاجتماعية

تطالب العديد من الحركات الاجتماعية والشبكات الدولية التي تشتغل على موضوع الديون بإجراء افتحاص للديون وإلغاء الديون غير المشروعة والكريهة وكذا جبر الضرر. وفي هذا السياق انعقد لقاء “حوار شمال – جنوب حول الديون” في شتنبر 2008 بمدينة كيتو بالإكوادور، خصص جزء مهم من هذا اللقاء لدراسة مفهوم عدم المشروعية وتطبيقه بحيث اعتبر جزء من الإطارات المشاركة ومنها اللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث – CADTM – أن دول الشمال تستخدم ميكانيزم الديون للسيطرة على دول الجنوب ونهب ثرواتها وخيراتها وبالتالي يتم تحويل جزء هام من الثروات من الجنوب نحو الشمال. وعموما كان هناك اتفاق على ضرورة إدماج الانتقادات الموجهة لمنظومة المديونية في إطار اشتغالنا ضد الديون غير المشروعة، بالرغم من أن البعض يتحدث عن مجرد “خلل”  (FAILLES) في المنظومة.

وفيما يخص التطبيق تم تسجيل مواقف مشتركة بشأن الانعكاسات السلبية المترتبة عن القروض التي تم بواسطتها تمويل (مباشر أو غير مباشر) لمشاريع اعتبرت كأساس لعدم المشروعية:

1-    الشروط (conditionnalités  ) تساهم في (تؤدي إلى ) عدم مشروعية القرض.

2-    المواطنون وحدهم من يقررون في مشروعية نظامهم، الدائنون ليس لهم الحق في ذلك.

3-    عدم مشروعية النظام إذن كافية للبرهنة على عدم مشروعية القرض.

إن على الحركات الاجتماعية أن تنطلق من هذه التعريفات المعتمدة في القانون الدولي وتستخدمها كحجج، إضافة إلى حجج أخرى كحالة “الضرورة” وحالة “القوة القاهرة” للمطالبة بوقف سداد الديون وإجراء افتحاص شعبي بهدف إلغاء الديون غير المشروعة والكريهة وبصفة عامة كل الديون التي لم يستفد منها الشعب والتي أخذت ضدا على حاجياته ومصالحه.

ميمون الرحماني

أطاك المغرب

 

زر الذهاب إلى الأعلى