بيانات وتقارير

وباء كوفيد 19 (كورونا) خطر حقيقي: الاستهتار جريمة عظيمة

وباء كوفيد 19 (كورونا) خطر حقيقي: الاستهتار جريمة عظيمة

انطلاقا من الصين، انتشر وباء فيروس كورونا في أنحاء العالم. وانتشر بصورة خطيرة في عشرات البلدان، وسائر ليتحول إلى كارثة حقيقية، كما في إيران. وفي أوربا تشكل إيطاليا بؤرة الوباء. ومن حقنا الشعور بالرعب من توغل المرض إلى قارتنا إفريقيا، وهي الأشد فقرا، والمحرومة من بنية صحية قادرة على مواجهة كوارث من هذا الصنف.

المغرب على مرمى من تفشي الوباء

موقع المغرب على مشارف الضفة الجنوبية لأوروبا (إيطاليا، إسبانيا..)، والتي تعرف تفشيا متصاعدا لكورونا، من الأسباب الموضوعية التي تجعل انتقال المرض إليه مسألة أكيدة، خصوصا وأن مئات الألاف من العمال المغاربة يقطنون بهذه البلدان (600 ألف منهم بإيطاليا وحدها) بالإضافة إلى الالاف الأوربيين القاطنين بالمغرب، وملايين السياح، فضلا عن العلاقات التجارية بين الضفتين. بديهي إذن أن الشعب المغربي معني بشكل مباشر بتطور الوضع الصحي بتلك البلدان والتحضير اللازم لمواجهته.

عوض ذلك انصبت جهود الدولة المغربية على حملة تطمين إعلامية،  بخلو البلد من تسجيل أية إصابة بالفيروس، ونشر معلومات أنها اتخذت كل الإجراءات لمواجهة الخطر، دون أي خطة طوارئ حقيقية، وإقناع الناس بالتحضير الجماعي لخوض معركة مع خطر وبائي محتمل. طبعا الدولة وأرباب العمل ينظرون إلى الخسائر الاقتصادية المترتبة عن أوضاع استنفار استثنائي التي تنتج عن كل حالة طوارئ اجتماعية واقتصادية، ولم ينظروا إلى الكارثة البشرية التي قد تؤدي إليه تدابير جزئية في ظل انتشار هائل للوباء.

الاستهتار الشعبي بالمرض سينقلب إلى رهاب جماعي منفلت

إن إعلام الدولة وتصريحاتها تغدي وهما شائعا في صفوف شعبنا، وهو النظر إلى انتشار وباء كورنا كخطر يصيب الأخرين. يفسر ذلك بسببين رئيسيين أولهما أن الأوبئة الفتاكة التي اجتاحت العالم خلال العقود الأخيرة (ايبولا – السارس- أنفلونزا الطيور- انفلونزا الخنازير..) لم تنتشر بالمغرب وتعود الناس على أن ثمة سببا يجعلهم في مأمن. ثانيا عدم وعي الجماهير بخصائص الفيروس المتسبب في الوباء وما يمثله من خطر خصوصا في غياب علاج فعال. ما فتح الباب لانتشار شديد للأفكار الرجعية والاطمئنان إلى الوصفات التقليدية والأعشاب الطبية، ما ترتب عنه استهتار شعبي كبير وتتبع فصول الكارثة العالمية باستخفاف نابع من اعتقاد أن مسرحها خارج الحدود.

 سينقلب كل ذلك إلى رهاب هائل حال اقتناع الشعب أن الوباء أمر ملموس يتسرب الينا وينتشر بيننا، وحينها ردة الفعل ستكون كارثية ما سيجعل تنفيذ خطة جماعية لمواجهة الوباء أمرا بالغ الصعوبة وسيكلف غاليا.

إجراءات عاجلة للحد من انتشار وباء كورونا

إن خطاب الاطمئنان الزائف الذي تعممه الدولة المغربية في سياق اتساع سريع لانتشار الوباء في بلدان جارة تتوفر على إمكانات صحية وقاعدة اقتصادية لا تقارن بأوضاع المغرب، يجعلها مسؤولة على النتائج المترتبة عن استهتارها بخطر حقيقي يهدد صحة الناس. يجب اتخاد إجراءات عاجلة:

          إجراءات وقائية على الحدود وفرض حجر صحي على القادمين من بلدان تعرف انتشارا للفيروس

          وقف الدراسة وتشديد شروط تنظيم زيارة السجون

          تقليص الدوام في المؤسسات العمومية وفرض البقاء في المنزل على العاملين.

           عدم ارتياد أماكن التجمعات وتجنّب الاختلاط واتخاذ إجراءات الوقاية والحيطة والحذر، بدلاً من المُضيّ في سلوك الاستهتار والاستخفاف.

          إلزام الرأسماليين المشغلين لأزيد من 10 عمال بالكشف الدوري الأولى عن اعراض المرض وتقليص أعداد العمال دون خصم الأجور خصوصا في أماكن العمل المغلقة التي تساهل انتشار المرض.

          عزل المرضى ونقلهم المباشر إلى الخدمات المتخصصة دون المرور بحالات الطوارئ، والمراقبة الدقيقة  للأشخاص الذين كانوا على اتصال بالمرضى لمدة لا تقل عن 7-14 يومًا من الاحتضان

          الحماية الصارمة للعاملين في القطاع الصحي الذين هم على اتصال بالمرضى، -يشكل- الطريقة الوحيدة لمنع انتشار الوباء.

          ان تتحمل الدولة مسؤولية  رعاية المصاب وتتكفل بأسرته لتشجيع المصابين على الإعلان عن المرض دون تردد.

          خطة لجعل المستشفيات والمختبرات الخاصة رهن إشارة الطوارئ تحت طائلة التجريم.

          فرض رقابة على شركات المعدات الطبية (الكممات) وشركات الادوية ومنع أي تهريب او احتكار أو تلاعب بالأثمان والمعطيات.

          إن مكافحة الوباء تجعل الدفاع عن المستشفى العام وتلبية مطالب العاملين فيه، وتخصيص الوسائل اللازمة لذلك، أكثر الحاحا. إن صحة وأحيانًا حياة من هم في حاجة إلى الرعاية الصحية قائمة على ذلك. ما يتطلب ميزانية عاجلة لتمويل حملة الطوارئ تلك.

جريمة خوصصة الصحة العمومية: شعبنا أعزل في مواجهة خطر الوباء

اعترف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره عن “النموذج التنموي الجديد للمغرب” بالمعطيات التالية:

 نسبة الأطباء على الساكنة، سجل المغرب في المتوسط 7.3 أطباء لكل 10 آلاف نسمة سنة 2018 [في حين توصي منظمة الصحة العالمية بطبيب 650 نسمة، أي 16 طبيب لكل 10 آلاف نسمة].

أما الميزانية المخصصة لقطاع الصحة (حوالي %6 من ميزانية الدولة) فإنها تظل أدنى من المستوى الموصى به من لدن منظمة الصحة العالمية (ما بين %10 و%12).

لذلك يجد المواطنون والمواطنات أنفسهم إزاء منظومة صحية تسير بسرعتين، وتعاني من وجود “شرخ” بين قطاع صحي خاص يتسم بجاذبيته لكنه مرتفع الكلفة سواء بالنسبة للمرضى أو لأنظمة التغطية الصحية، وبين قطاع صحي عمومي ماض في التدهور ويعمل تحت الضغط.

يدرك شعبنا أن الدولة فككت خدمة الصحة العمومية وفتحت أبوابها أمام الرأسماليين الخواص وتحولت المستشفيات العمومية إلى بنيات عاجزة بسبب قلة الأطر الطبية والشبه الطبية وقلة التجهيزات الطبية، وخوصصة قطاع الصيدلة…  بالرغم من أن غالبية المغاربة ليس أمامهم إلا تحمل معاناة المرض حتى يحين دورهم بعد شهور عدة.

إن الوضع الصحي بالمغرب العاجز تماما عن مواجهة امراض – كالسّل- وظواهر ارتفاع وفيات  – الأمهات الحوامل والأطفال الرضع ..- ازاحتها بلدان أخرى من أهدافها منذ سنوات عديدة،  ما يجعل قلوبنا ترتجف من كلفة انتشار كورونا في ظل أوضاع خراب اقتصادي واجتماعي خلفته سياسة عقود نتيجة التبعية المفلسة.

بقلم  حمداوي

زر الذهاب إلى الأعلى