بيانات وتقارير

رسالة الى رئيس الحكومة: ردا على مغالطات بن كيران حول المديونية

صلاح المعيزي، مناضل جمعية أطاك المغرب.

ردا على مغالطات بن كيران حول المديونية

رسالة الى رئيس الحكومة،

إلى السيد رئيس الحكومة المحترم، وبعد

أنصت بإمعان لجوابكم على سؤال بمجلس المستشارين يوم 19 يوليوز [1]2016 حول ” تدبير السياسة العمومية في مجال الدين الخارجي، وأثره على الاستثمار العمومي والرهانات الجهوية”. هذا الموضوع يهمنا في جمعية أطاك المغرب بدرجة كبيرة لكوننا أعضاء في الشبكة الدولية للجنة من أجل الغاء الديون غير الشرعية والتي من بين أهم محاورها النضال من أجل الإلغاء الفوري وغير المشروط للديون العمومية غير الشرعية في الشمال كما في الجنوب والديون “الكريهة” (ديون تم استعمالها من أنظمة الديكتاتورية خصوصا في بلدان العالم الثالث كالمغرب) والتخلي عن سياسات التقويم الهيكلي.

في البداية أود أن أشكركم على صراحتكم. فلربما هذه المرة الأولى التي يعترف بها مسؤول حكومي في لقاء عمومي بوجود شروط يفرضها صندوق النقد الدولي على المغرب من أجل “الاستفادة” من قرض مالي. وبذلك تؤكدون ما دأبت جمعيتنا تندد به منذ سنوات ألا وهو فقدان سيادتنا الوطنية[2]. وفي الآن نفسه تناقضون تصريحات وزيركم في المالية في نفس الموضوع وكذا والي بنك المغرب وهما الموقعان باسم المغرب على لائحة الشروط التي تفرض علينا من طرف صندوق النقد الدولي من خلال “رسالة النوايا” بخصوص خط الائتمان والسيولة[3].

لكن ردكم على أسئلة المستشارين حول هذا الموضوع تضمن العديد من المغالطات والكثير من الغوغائية. لعل إنصاتكم لنصائح صندوق النقد الدولي بطريقة عمياء جعلكم تدينون أكثر بعقيدة الرأسمالية وأركانها من السوق الحرة، كالتوازنات الماكرو اقتصادية، وتحرير التجارة، وخوصصة الصحة والتعليم، الخ..

أسمحوا لي أن أقدم لكن بعض الأجوبة المخالفة لطرحكم بخصوص المديونية العمومية المغربية والذي يتناغم مع الخطاب السائد حول هذا الموضوع والذي لن تسمعونه من طرف خبراء البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي أو حتى في وزارة المالية المغربية.

 هل المديونية اختيار طبيعي ؟

جاء في معرض حديثكم أن ” الدولة بحالها بحال الأسرة عندها مداخيل وعندها مصاريف. ودائما المصاريف أكثر من المداخيل.  ولذلك نلجأ للاستدانة لنوفر حاجيات الدولة. هاد القضية ديال الاستدانة كما بالنسبة للأسرة ليست مشكل“.  بالإضافة لكون هذه المقارنة مجانبة تماما للصواب، لا يمكن أن نعتبر أن المديونية العمومية أو الخاصة  أمر عادي. ففي ظل دولة لا تضمن دخلا لائقا وخدمات وحماية اجتماعية، تتحمل الأسر المغربية أعباء ديون تؤديها مدى حياتها لتضمن سكنا اقتصاديا وتلبي حد أدنى من ضروريات العيش[4]. ولا أدل على ذلك حركة ضحايا القروض الصغرى الواسعة خصوصا في صفوف النساء التي تجلت أساسا في منطقة الجنوب الشرقي التي تعد إحدى أفقر مناطق المغرب.

بالنسبة للميزانية العامة للدولة، نعتبر أن المديونية تستخدم من قبل الدائنين كأداة للهيمنة السياسية والاقتصادية التي تقيم شكل جديدا من أشكال الاستعمار. ففي معظم بلدان الجنوب، يمثل استرداد الدين العمومي سنويا مبلغا يفوق نفقات التعليم والصحة والتنمية القروية وخلق فرص الشغل. فمثلا بالمغرب خدمة دين الخزينة (أصل الدين+ الفوائد) في 2016 تمثل 69 مليار درهم، أي 17 في مائة من بينية مصاريف الدولة. تفوق خدمة الدين مرة ونصف ميزانية التعليم، 5 مرات ميزانية الصحة، 100 مرة ميزانية الثقافة و100 مرة ميزانية وزارة التضامن، المرأة، الأسرة والتنمية الاجتماعية. وعمليا، عندما تخصص كل هاته للموارد لتسديد ديون اقترضت في الثمانينات أو التسعينات، يصبح باب التنمية الاقتصادية والاجتماعية موصدا.

“المغرب له سمعة جيدة في تسديد الديون”

جاء في خطابكم بكثير من الاعتزاز: “المغرب سمعته جيدة عند الدول والأبناك والمؤسسات المالية المناحة، اللي تسلفو كيرضو في الوقت دائما“. المغرب دفع حتى دين الاستعمار الفرنسي الذي أتى للمغرب واقترض باسم أجدادنا وعند خروجه و-لو شكليا- استمر الشعب المغربي في سداد هذا الدين حتى حدود التسعينات. للتذكير فالاستعمار الفرنسي والأسباني دخل للمغرب أساسا من باب المديونية.

كنت سأكون سعيدا مثلك السيد الرئيس لو عرفت أين صرفت الأموال التي اقترضها المغرب خلال سنوات الرصاص والتي كانت سببا في تطبيق التقويم الهيكلي المشؤوم. أما الديون التي كلفها البرنامج الاستعجالي فعوض أن تحققوا في أوجه صرفها وأين مآلها فضلتم أن تذرفوا عليها دموع التماسيح.

“المديونية اختيار سياسي”

قلتم السيد الرئيس أن الدولة تقوم “باختيار سياسي من خلال الاستدانة لتمويل الاستثمار”. نعم، في كل عملية اقتراض تقومون باتخاذ قرار سياسي لصالح الطبقة الحاكمة. لكن واقع الحال يبين أن تلك الديون تخصص أساسا لتغطية عجز الميزانية، بل أنكم تقلصون أو تجمدون ميزانية الاستثمار لعديد من الوزارات خاصة الاجتماعية منها. فعوض أن تباشروا بالقيام بإصلاح ضرببي وإعادة النظر كليا في النموذج الاقتصادي الذي لا يسمح بتمويل حاجيات الميزانية تفضلون الحل الأسهل وبالتالي رهن مصير الأجيال القادمة من المغاربة للدائنين. كل سنة يخصص المغاربة موارد هامة جدة لتسديد فوائد الديون السابقة مما يعدم في المهد أي مشروع للتنمية الاجتماعية والاقتصادية ببلدنا.

” الى عجباتكم محطة ورزازت راه داكشي ماتيجيش فابور راكم غتخلصوا”

بكثير من الأناقة المعروفة عنكم رددت أمام مسامع المغاربة أن الطريق السيار، القطار الفائق السرعة  أو محطة وارزازت لإنتاج الطاقة الشمسية مشاريع “مهمة” ولكن ” ماتيجيش فابور”. هذا التذكير بكون المشاريع الكبرى كلفت ميزانية هائلة مردود، لكون المغاربة هم أشد معرفة بذلك، فهم من يدفعون ثمن هذه السياسات التي لم يتم استشارتهم فيها ويتأثرون سلبيا منها لكونها تعطي الأولية لجذب الاستثمار وضمان أرباح المقاولين أجانب ومحليين عوض تحسين ظروف عيش المغاربة.

رددتم لمرات كون المشاريع المذكورة أعلاه محطة فخر للمغاربة مما يجعل الاستدانة “تعود بالنفع”. لنخذ مثال القطار الفائق السرعة الذي سيكلف 25 مليار درهم[5]. هذا المشروع الممول كليا عن طريق المديونية عنوان كبير للاستبداد والفساد (شعاران في حملتكم الانتخابية). الاستبداد لكونه قبل أن يكون صفقة اقتصادية لصالح الشركات الفرنسية في ضيعتها المسماة “المغرب”، فهي صفقة بين نظاميين في سياق سياسي معين.

دين القطار الفائق السرعة مشروط، يعني أن فرنسا منحت المغرب قروض من أجل تمويل هذا المشروع لكن بشرط أن يشتري المغرب كل القطار، ومعداته وصيانته فقط من عند شركات فرنسية بدون أي طلب عروض في تنافي مع القوانين المغربية. وهنا بيت القصيد، المغرب يقترض مبلغ مهم جدا من أجل مشروع ضعيف الأثر اجتماعيا ولكي تستفيد منه حفنة من الرأسماليين بالمغرب وفرنسا.

لكل هذه الأسباب نعتبر في أطاك المغرب وكأعضاء داخل الشبكة الدولية للجنة من أجل الغاء الديون غير الشرعية أن الديون ليست اختيارا حتميا او إجراء تقنيا بل إن الدين العمومي (الداخلي والخارجي) يؤدي إلى تحويل هائل لثروات شعوب بلدان الجنوب إلى الدائنين، والطبقات الحاكمة المحلية تقتطع عمولات لصالحها أثناء ذلك. تشكل المديونية آلية لتحويل الثروات التي أنتجها العمال والعاملات وصغار المنتجين رجال ونساء لصالح الرأسماليين بالمغرب والخارج.  وسقوط المغرب من جديد في الحلقة المفرغة للمديونية (الدين العمومي يمثل أكثر من 82% من الناتج الداخلي الخام) ما هو إلا أحد مظاهر تحويل ثقل الإصلاحات الاجتماعية الحالية  من طبقة لأخرى، دين غير محتمل اقتصاديا لكون مواصلة أدائه سيعمق الأزمة الاجتماعية[6].

وفي الأخير، يؤسفني أن أخبركم أنكم طيلة هذه السنوات الأربع كنتم أشد المدافعين عن هذه الطبقة في مواجهة كادحي هذا البلد.

تقلبوا مني عبارات أسمى التحيات

ملحوظة: كان بودنا أن ندعوكم لحضور أحد أنشطتنا حول المديونية العمومية لكن وزير الداخلية (عضو رئيسي وحاسم في حكومتكم) مازال يمارس المنع أمام أنشطة جمعية أطاك المغرب. بالمقابل يمكن الاطلاع على أفكار الجمعية عبر موقع الجمعية والشبكة[7].

https://www.youtube.com/watch?v=7iCWNKhgpRU أنظر: جواب بن كيران حول تفاقم المديونية.[1]

 https://attacmaroc.org/?p=2910 كلمة اطاك : الحكومة تواصل رهن المغاربة لصندوق النقد الدولي[2]

 https://attacmaroc.org/?p=2256 التقشف والتقويم في المغرب : الحكومة تحافظ على ” خط ” صندوق النقد الدولي والمواطن يدفع الثمن[3]

[4] – أزيكي عمر. المديونية البنكية للأسر المغربية: تفقير لزيادة أرباح البنوك الخاصة. https://attacmaroc.org/?p=3409

http://www.stoptgv.com/arabic.html أنظر حملة “سطو بتي جي في” التي كانت أطاك عضو فاعل فيها من بين العديد من الجمعيات. [5]

 https://attacmaroc.org/?p=3416 عمر أزيكي، الدين العمومي المغربي غير محتمل لكون مواصلة أدائه سيعمق الأزمة الاجتماعية [6]

  http://www.cadtm.org  و https://attacmaroc.org/ [7]

زر الذهاب إلى الأعلى