الديونملفات دراسية

ما هـــي الديون الكريهة

 

 

ما هـــي الديون الكريهة؟

 

ترجمة : رشيدة الشريف

17/10/2010

———————————–

 

يمكننا أن نعتبر من وجهة نظر سياسية، بأن حصة كبيرة من ديون الجنوب هي ديون غير شرعية.

و في الاصطلاح القانوني تُشكل فكرة الديون الكريهة اجتهادا فقهيا .يقدم المقال التالي إضاءات حول الديون الكريهة بالاعتماد على بعض الأمثلة و التوضيحات. النص مأخوذ من كراس أعدته   نايلة جلتوني. و هو من منشورات ” أرضية الدين و التنمية”. 

 

الديــون الغــير الشرعــية

 

يمثل مفهوم ” عدم شرعية دين ما” في المقام الأول، حكما أخلاقيا أو سياسيا. فليس لهذا المفهوم معنى دقيقا في القانون. أستعمل لأول مرة من قبل هيئة رسمية في عام 2000 من خلال قرار لمحكمة فدرالية بالأرجنتين لوصف الديون المقترضة من طرف النظام الدكتاتوري في الفترة ما بين 1976 و 1983. كما استخدمته الحكومة النرويجية في الآونة الأخيرة، لتبرر تخليها عن تسديد بعض من ديونها,

يمكننا تعريف الديون الغير الشرعية بأنها تتعارض مع القانون أو السياسة العامة وتوصف أيضا بأنها غير عادلة وغير لائقة أو بأنها تعسفية.

قام  جوزيف هانلون1 بالتدقيق أكثر في هذا المفهوم حيث ميز بين عنصرين مختلفين وهما “الغرض من الدين ”  و ” شروط هذا القرض” وبَيَنَ الحالات التي يكون فيها هذا العنصران ( الغرض + الشروط) غير مقبولان أو غير ملائمان.

وهكذا توصل إلى أربعة حالات للقروض الغير الشرعية:

1-               قرض ممنوح لتقوية نظام ديكتاتوري : قرض غير مقبول

2-               قرض بمعدل ربوي : شرط غير مقبول

3-               قرض لبلد معروف عنه بأن قدرته على التسديد محدودة :قرض غير ملائم

4-               قرض تنطبق شروطه  بتلك التي يفرضها صندوق النقد الدولي مما يؤدي عند تطبيق هذه الشروط إلى تدهور الوضعية الاقتصادية وبالتالي يصبح من الصعب تسديد هذه القروض: شروط غير ملائمة.

من خلال هذه الحالات التي تمثل نماذج لقروض غير شرعية يتبين بان أغلب ديون البلدان النامية تدخل في هذا التعريف بما في ذلك القروض الممنوحة من قبل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي وذلك بسبب تأثيرها على السكان وبسبب الشروط الاقتصادية الصارمة التي تفرضها.

 

بعض الديون الغير الشرعية لها تعاريف مُحددة: 

 

الديون الغير القانونية : هي تلك التي تتعارض مع القانون والتي لا تتبع المعايير والإجراءات القانونية المتبعة في البلد المدين(البلد الذي حصل على القرض) ونذكر على سبيل المثال: إذا كان الشخص الذي يوقع على القرض غير مسموح له بالاقتراض نيابة عن الدولة أو عندما لا يتم احترام المسطرة المنصوص عليها في دستور البلد المدين.

يتقاسم الدائنون والمدينون مسؤولية التأكد من أن عقود القروض تحترم الإجراءات القانونية حتى لا يطعن فيها أمام القانون.

الديون الكريهة: هي موضوع هاته المقالة ويستجيب تعريفها لمعايير صاغها الاجتهاد الفقهي ( la doctrine du droit )                                                                                       

يشير البعض أيضا إلى الديون الايكولوجية ( أو البيئة ) للإشارة إلى التعويض الذي يجب على دول الشمال تقديمه لدول الجنوب بسبب نهبها لموارد هذه الدول وبسبب الأضرار التي نتجت عن التصدير المكثف لنفايتها الخطيرة إلى الدول الفقيرة.

الديون التاريخية : تتم الإشارة هنا إلى الأضرار التي  خلفها الاستعمار. 

 

أمثلة للتوضيح

يمكن أن نسرد مثالين عن هذه الديون الغير الشرعية

1)- ديون مرتبطة بمشاريع توصف بأنها تنموية لكنها غير ملائمة وما كان ينبغي تمويلها.

نذكر على سبيل المثال: المحطة للطاقة النووية بباتان في الفلبين والتي كانت السبب  في ارتفاع مديونية هذا البلد. أُتِم انجاز هذه المحطة في عام 1984 بتكلفة 2.3 مليار دولار ولم يتم أبدا تفعيلها لأنها بنيت خطأ عند سفح بركان.

وقد تم تمويل هذا المصنع من طرف وكالة الائتمان للتصدي الأمريكية:إكس-إم بنك وبنك الاتحاد سوتزلند و بنك طوكيو و متسو وكو. تستمر جميع هذه البنوك في تلقي مستحقاتها على هذا القرض.

2)- القروض التي تهدف على الخصوص تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية للبلدان الدائنة هي قروض غير شرعية وهذا ما اعترفت به النرويج عندما قامت بإلغاء هذا النوع من القروض في حق 5 دول.

 

ثلاث معايير لفكرة الديون الكريهة

 

تدخل فكرة الديون الكريهة فيما يسمى في القانون بالفقه”une doctrine de droitظهرت لأول مرة في عام 1927 من قبل ناحوم الكسندر ساك، وهو وزير روسي سابق في عهد نيكولا الثاني وهو أستاذ القانون في باريس.

ووفقا له فإنه: ” إذا حصل نظام استبدادي على قرض ولم يكن الهدف منه تلبية حاجات ومصالح الدولة وإنما تقوية هذا النظام الاستبدادي وقمع السكان الذين يحاربون هذا الاستبداد فإن هذا الدين يعتبر كريها.

و هو غير ملزم للدولة، إنما هو محسوب على النظام المستبد باعتبارها ديونا شخصية وبالتالي فهي تسقط بسقوطه”. وحسب ساك : يمكن لحكومة أن تتخلى على التزامات سابقتها لأن هذه الديون  لا تستوفي واحدة من الشروط التي تحدد شرعية الديون في كون أن ” المبالغ المقترضة باسم الدولة يجب أن تستخدم في تلبية حاجات ومصالح الدولة”.

 يسعى ساك إلى تحديد الحالات التي يتحمل فيها الدائنون المسؤولية. فإذا قاموا بمنح قرض مع أنهم يعرفون النوايا الحقيقية للمقترضين فإنهم يرتكبون بذلك “عملا عدائيا ضد الشعب” ويعرضون أنفسهم لخسارة ما أقرضوه إذا تم خلع هذا النظام المستبد، وسيصبح من الصعب المطالبة بمستحقاتهم.

 للتأكيد أكثر على مسؤولية الدائنين، يفضل البعض الحديث عن ” القروض الكريهة” بدلا من “الديون الكريهة” ومند أن أقام ساك بهذا الطرح، قام العديد من الكتاب بالاشتغال على هذا  الموضوع ونذكر من بين هؤلاء: باتريسيا أدامس، جوزيف هانلون  والكنديين جيف كنغ وأشفق خلفان وبريان طوماس2.

ووفقا لما جاءوا به فإن الديون الكريهة هي الديون التي تتوفر فيها هذه الشروط الثلاثة في آن واحد:

1)- غياب الموافقة : إذا منح القرض ضد إرادة الشعب

2)- غياب المصلحة العامة : إذا صرفت الأموال على نحو يتعارض ومصالح السكان.

3)- معرفة الدائنين بالنوايا السيئة للمقترضين

لا يمكننا الحديث عن دين كريه إذا لم يتم استيفاء أحد هذه المعايير ( الدين الكريه يخضع لهذه المعاير الثلاثة كلها دون الإخلال بواحدة منها) ومن تم فالديون التي استخدمت من طرف طاغية لبناء المستشفيات و المبالغ التي تم اختلاسها في ظل نظام ديمقراطي لا تسمى ” ديون كريهة”. وإنما نتحدث هنا عن مدى شرعية هذه الديون ولا ندرجها ضمن ” الديون الكريهة”:

إذا كان الدين يدخل ضمن الديون الكريهة فإن هذا الدين باطل ولا يمكن أن نطالب باسترجاعه بعد سقوط النظام المستفيد منه.

إذا كان من السهل تحديد دلالة ” نظام مستبد” فإنه من الصعب تحديد معنى دقيق لفكرة الديون الكريهة، فهذا المفهوم هو موضوع نقاش بشكل دائم لكون أنه يصعب التدقيق في استعمال هذه الأموال كما يصعب تحديد مدى مسؤولية الدائنين بشكل دقيق.

لهذا يشدد أصحاب هذا الطرح (أي الديون الكريهة) على تحميل الدائنين مسؤولياتهم  في هذه الديون بدل تحميل المدينين وحدهم مسؤولية المديونية المفرطة وما يترتب عنها.

 

ديون الدكتاتوريات

 

ترتبط عادة الديون الكريهة بالأنظمة الديكتاتورية ونذكر من هذه الأنظمة: نظام جناسينجبي أياديما في طوكيو و فرديما ند ماركوس في الفلبين ونظام الميز العنصري في جنوب افريقيا والعديد من الأنظمة العسكرية (Juntes) في كل من أمريكا اللاتنية ونظام صدام حسين في العراق. وقد اقترضت كل هذه الأنظمة الديكتاتورية مبالغ ضخمة من دول ومؤسسات دولية. كانت الجهة الدائنة تعلم بأن هذه المبالغ ستستخدم لأغرض بعيدة عن مصلحة شعوبهم، والتاريخ حافل بالأمثلة من مثل هذه القروض وفي كل القارات.

كما أن مفهوم “الديون الكريهة” اسْتُخدم عدة مرات و عبرالتاريخ كأداة تدافع عن الحق في الاختيار و رفض تحمل سياسات الأنظمة الديكتاتورية، لهذا يشكل دعامة لعمليات التحرر. وعلى هذا الأساس يصبح لِرُوَاندا الحق في التنصل من مسؤولية الديون الخارجية التي تكبدها النظام المسؤول عن أعمال الإبادة الجماعية لعام 1994.

كم تمثل الديون الكريهة

من الصعب تقدير الديون الكريهة وذلك راجع لطبيعة هذه الديون. لكن يمكن معرفة الديون التي حصلت عليها الأنظمة الديكتاتورية ( أنظر الجدول) إلا أنه وحده “l’audit” أي عملية مراجعة الحسابات أو القيام بتحقيق قضائي يُمَكِنُنا من تحديد حصة الديون التي لم يستفد منها السكان. في انتظار تنفيذ هذا التحقيق فإننا نعتبر أن مجموع ديون الأنظمة لدكتاتورية هي” ديون كريهة”. لقد اقرض الدائنون هذه الأنظمة رغم علمهم بحقيقتهم وبالتالي يتوجب على هؤلاء الدائنين إعطاء الحجة من أن هذه القروض استفاد منها السكان.

يُقدِر البريطاني جوزيف هانلون أن 500 مليار دولار أي ما يقرب % 20 من ديون البلدان الجنوب هي ديون محسوبة على الطغاة ل23 بلد، بدعم من الدائنين في الشمال. هذا الرقم يمكن أن يصل الى 730 مليار دولار إذا ما أضفنا بعض الدول3.(أنظر جدول الديون ل:اريك توسان و داميان مييه). 

حصة كبيرة من هذه الديون الكريهة هي بسبب اقتناء الأسلحة. في الواقع، معظم الاتفاقات التجارية حول الأسلحة يتم ضمانها من طرف الوكالات العمومية للإتمان على التصدير.مثل لاكوفاس في فرنسا. خلال الثمانينات، بلغت المشتريات الأسلحة حوالي 15 الى %20 من الديون الإجمالية لبلدان الجنوب.كانت فرنسا  خلال هذه الفترة من بين الممونين الرئيسيين الى جانب الولايات المتحدة و بريطانيا ما بين 1976 و 1990 ، فثلث القروض التي منحتها كانت موجهة لإقتناء الأسلحة.   

 

الديون التي منحت لأنظمة ديكتاتورية ب: مليار دولار

الـــبلـــــد

النـــــــــــــــظام

الدين ب:مليار دولار

أندونيسيا

سوهارتو

126

البرازيل

المجلس العسكري الحاكم

100

ارجنتين

المجلس العسكري الحاكم

65

فلبين

ماركوس

40

سوريا

الأسد

22

افريقيا الجنوبية

الأبارتيد(نظام الميز العنصري)

22

باكستان

المجلس العسكري الحاكم

19

السودان

نيمري/المهدي

17

طيلاند

المجلس العسكري الحاكم

14

نيجيريا

بحاري/ أباشا

14

الشيلي

بينوشي

13

زايير/كنكو

موبوتو

13

الجزائر

المجلس العسكري الحاكم

5

إيران

شاه

5

كينيا

موا

4

إثيوبيا

منجستو

4

بوليفيا

المجلس العسكري الحاكم

3

الصومال

سياد بار

2

براكواي

ستروسنر

2

ملوي

باندا

2

سلفادور

المجلس العسكري الحاكم

1

لبيريا

دوي

1

هايتي

ديفاليي

1

المجموع

 

495

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى