الديون

قانون المالية 2012 ميزانية لتقوية نظام الإستبداد الاقتصادي والسياسي

قانون المالية 2012

ميزانية لتقوية نظام الإستبداد الاقتصادي والسياسي

 

تمثل الميزانية العامة  الاطار العام لتدبير الدولة  للسياسة الاقتصادية والاجتماعية. وتعكس الى جانب تدابير عمومية اخرى المحتوى الاجتماعي والسياسي لتدخل الدولة والفئات والطبقات الاجتماعية المستفيدة . وبشكل عام فهي اداة سياسية اجتماعية لاعادة توزيع الدخل العام وفق مصالح الحاكمين .

قانون المالية موعد سنوي يبرمج الموارد العامة لميزانية الدولة وتوزيعها، ويستند في اقراره وتنفيده على القانون التنظيمي للمالية. يرمي هذا النص الى تبيان اوجه صرف الميزانية العامة ولكن ليس فقط عبر قراءة تحليلية للارقام والمخصصات ، وانما كذلك بتوضيح السياسات التي يستند عليها والفئات المستفيدة منه وكذا العوائق البنيوية التي تحول دون سياسة اجتماعية حقيقية.

 

الإطار العام المؤطر لقانون المالية

 

يستمد قانون المالية ،حسب واضعيه، مرجعيته الأساسية من اربعة ركائز اساسية :

–         التوجيهات الملكية

–    الاتفاقات والالتزامات الدولية للدولة المغربية (اتفاقات التبادل الحر، مقررات منظمة التجارة الدولية، بنود الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي…)

–         تثمين ومواكبة الاصلاحات والبرامج المهيكة للاقتصاد المغربي.

–         البرنامج الحكومي.

وبشكل عام، يرتكز قانون المالية على مواصلة تنفيذ السياسات النيوليبرالية، بما ينتج عنها من استمرار النزيف الاجتماعي وانحسار الاقتصاد المحلي في مجرد اقتصاد تابع بنفس المواصفات الكلاسيكية للتخصص، الموروثة عن الحقبة الكولونيالية.

فعلى العكس من ادعاءات خصوصية الظرفية السياسية والاجتماعية ،وما تفرضه من تدبير تداعيات النهوض الاجتماعي، والخطاب الاصلاحي المواكب لها، يمكن تلخيص جوهر قانون المالية لسنة 2012 في تأسيسه كما جاء في تقديم القانون المالي على الفكرة التالية: “..التاكيد على صواب الاصلاحات المباشرة وتاتيراتها الايجابية..”.

  وهو ما يعني حسب الحاكمين ان المغرب عرف اصلاحات كبرى استطاعت ان تنقله الى وضعية اجتماعية مستقرة (المغرب سيحقق أهداف برنامج الألفية قبل موعدها المحدد في 2015) كما خلقت الظرف المواتية لاطلاق النمو.ولتبرير الاستمرار في تعميق الاصلاحات  يؤكدون على “تأتيراتها الايجابية”، والتي ليست سوى الاجتهاد في إخفاء عمق وهول الازمة الاجتماعية، متفننين في تغليفها بارقام واحصائيات تروم حجب الحقيقة ، فمعدل البطالة مثلا لديهم ليس سوى في حدود 9.9% ( تصنيف العاطلين في عداد غير النشيطين والشغل الناقص الذي يمثل 9.3%).

وهو ما يعني ان الحكومة الحالية والجلبة التي رافقت السياق المؤسس لها، والمؤسسات التي ارتكزت عليها في تشكيلها (انتخابات- وعود انتخابية- برلمان…) لا تمثل سوى اكليشيهات ترمي الى  ضمان سند شعبي  يسمح بتنفيذ سياسة اقتصادية واجتماعية مسطرة سلفا، وغير خاضعة للنقاش العمومي والسياسي لارتباطها بمصالح اقتصادية واجتماعية تعكس العلاقة بين الطبقات السائدة محليا والامبريالية ومؤسساتها.

  هذا البرنامج ليس إلا نسخة منقحة لمخطط البنك الدولي الموقع مع الحكومة السابقة والذي يغطي فترة من الولاية الحالية  (الاتفاق الإطار للتعاون الاستراتيجي بين البنك الدولي والحكومة المغربية للفترة 2010- 2013 (CPS) ).

اذن، فالبرنامج الحكومي والقانون المالي، ليسا سوى أدوات مصاحبة لتنفيذ سياسة طبقية تستفيد منها  اقلية حاكمة، تخلف عجزا اجتماعيا متواصلا ( بطالة جماهيرية- فقر وتدني القدرة الشرائية- تعميم هشاشة الشغل-  أزمة السكن -انسداد الأفاق أمام الأجيال الجديدة..)

إن المدبرين الجدد للأزمة، بتبنيهم لجوهر السياسة النيوليبرالية، ودفاعهم عن المصالح الاساسية للاقلية الحاكمة، ورفعهم لراية” الاصلاح في ظل الاستقرار السياسي والاجتماعي”، تتلخص سياستهم الاجتماعية في مجرد اداة لتدبير تداعياتها على الاستقرار الاجتماعي والسياسي وتركيزها على الجوانب الاكثر عرضة لضربه.

إنها إذن سياسية انتقائية  تروم الحفاظ على الوضع القائم ، فالإجهاز على صندوق المقاصة و الزيادات الاخيرة في ثمن الكازوال، والاصلاح النيوليبرالي لانظمة التقاعد، وضرب حق الاضراب…. تسوق  على ان الهدف منها هو خدمة الفئات الشعبية لكنها في الجوهر سياسات نيوليبرالية اجتهدت الاقلية الحاكمة في تنزيلها مند عقدين من الزمن وتراهن اليوم على” السند الشعبي” للمدبرين الجدد (الإسلاميين) لتنفيذها.

فالبرامج المتداولة تنظر الى السياسة الاجتماعية كنتيجة للسياسة الاقتصادية عبر التأكيد على أنه ” لا توجد آلية خارج النمو لمعالجة المشاكل الاجتماعية” بما يعنيه ذلك من تبرير لتحمل النتائج الكارثية للنيوليبرالية بغية توفير شروط معدلات نمو مرتفعة تساهم في تقليص البطالة وزيادة الموارد العمومية . اي ان البطالة الجماهيرية وتكثيف هشاشة الشغل يجب تحملها لكي نسمح للرأسمال بأن يتوفر على الآليات والوسائل الضرورية للمنافسة لتشجيعه على الابتكار وخلق شراكات وجذب الاستثمار الأجنبي كوسيلة وحيدة في مخيلة المدبرين الجدد لإطلاق النمو. وبالتالي الانعكاسات الايجابية في افق 2016 ثم ان لم نصل ف2020.. . وهكذا دواليك إلى يوم القيامة … اما معاناة الشعب وتدمير الشباب ومجمل الويلات الاجتماعية التي ترافق هذه السياسات فليس المطلوب من ضحاياها سوى الصبر لان “الأرزاق بيد الله “على حد تعبير رئيس الحكومة الجديدة. أو لان هذه هي سنة الاقتصاد ( تكبير الخبزة للتمكن من تقسيمها على حد تعبير النيوليبرالي فتح الله اولعلو)

نحن إذن أمام سياسة بدأت منذ التقويم الهيكلي تروم خدمة الطبقات السائدة وتحافظ على جوهرها المعادي لمصالح الشعب ، وما يتغير هو الفريق القائم على تنفيذها.

اما المطلوب من وجهة نظر مصالح الاغلبية الشعبية فهو سياسية اجتماعية حقيقية تقوم على القطع مع النيوليبرالية وتبني اصلاحات حقيقية وهو ما لايتوفر حاليا، و يستلزم مواصلة النضال الاجتماعي لإسقاط السياسات المطبقة بالبلاد منذ بداية تنفيذ برنامج التقويم الهيكلي.

 

قانون المالية لسنة 2012 :

تكريس للأزمة الهيكلية للمالية العمومية

 

تم وضع قانون المالية ل2012 على أساس التوقعات التالية:

*معدل نمو في حدود 4.2%

*معدل تضخم في حدود 2.5%

*عجز الميزانية خارج موارد الخوصصة في مستوى5%.

*ثمن البترول في السوق العالمية بمتوسط100  دولار للبرميل.

تلك هي الوصفة السحرية لتحقيق المطالب الشعبية .

يتضح من الأسس النظرية التي انبنى عليها قانون المالية على انها تكريس لواقع الأزمة البنيوية للمالية العمومية وترديد لنفس المنهجية العامة لجميع قوانين المالية للسنوات السابقة.

 يدل ذلك على غياب اي منظور جديد . كما يدل على محدودية الوسائل في غياب تعديل جذري لبنية الاقتصاد المحلي وتوجهاته.

يوتوبيا معدل النمو.

تركز معظم النقاش العمومي حول قانون المالية في معدل النمو الذي يتوقع بلوغه. فمختلف التيارات الفكرية المرتبطة بالنيوليبرالية ترى التنمية مرادفة لمعدل نمو مرتفع، وهو ما فتئ البنك الدولي يروج له ويوصي المغرب بأن يصل الى مستوى7% للتغلب على العجز الاجتماعي . وهو ما استنسخته منه معظم الآراء محليا بما فيها حزب العدالة والتنمية الذي أسس عليه برنامجه الانتخابي.

على المستوى النظري ،وبدون العودة إلى العديد من الانتقادات الفكرية لهذا الطرح ، وبدون ذكر التجارب الملموسة، فبلوغ معدل نمو مرتفع لا يعني بالضرورة تحقيق تنمية وبالأحرى وصفها بأنها اجتماعية. فمع تطبيق السياسات النيوليبرالية اضحت تلك العلاقة  غير اتوماتيكية. وحتى المندوبية السامية للتخطيط تؤكد على تناقص مستوى التشغيل في النمو.

فمع تطبيق النيوليبرالية اصبح معدل النمو يعني تركيز الثروة بيد المالكين وتحسين مستويات عيش من هم في الاعلى على حساب من هم في الاسفل.

لن نقف كثيرا على التلاعب بالأرقام والحرج السياسي للمدبرين الجدد أمام واقع ازمة يتعقد باستمرار نتيجة الازمة الهيكلية العامة للاقتصاد المحلي الدي حافظ على نفس السمات العامة ومنذ الحقبة الكولونيالية لاقتصاد تبعي خاضع للامبريالية الفرنسية ونظيراته.

 هذا ما يوضحه الجدول التالي لمستوى قطاعات الانتاج حيت الغلبة للقطاع الثالث وتدني مستوى القطاع الثاني. وهو ما يعني تناقص دور الصناعة المحلية مع ما يترتب عن ذلك من تقويض للتنمية. كما يجعل التضارب حول معدلات النمو هامشيا في غياب تاسيس تنمية على بديل يغير البنية القائمة السابحة في ازمة هيكلية.

 

 

مستوى1980

مستوى 2007-2010

القطاع الاول

19.9%

16.90%

القطاع الثاني

30.10%

26.60%

القطاع الثالث

52.80%

%56.30

  المصدر: مندوبية التخطيط

ومن جهة اخرى فمعدل النمو شبه مستقر بالمغرب في متوسط %4 كما ينقله الجدول الموالي . ولكن ترافق ذلك مع انتقال تصنيف المغرب في التنمية البشرية من الرتبة113 الى الرتبة 130 حاليا.اي ان معدل النمو المعبر عنه ليس سوى معدل نمو ارباح الرأسمال (نتائج الأبناك ومؤسسات البورصة نموذجا) وهو بعيد عن اطلاق أي تنمية اجتماعية.

 

السنوات

80

90-98

99-2005

2007-2010

معدل النمو

4.8%

3.2%

3.8%

4.8%

      المصدر: مندوبية التخطيط

إن استفحال أزمة الاقتصاد المحلي وارتهانه التام بالخارج يجعل القرار الاقتصادي خارج يد المدبرين الجدد، ويكتفون فقط بالتوقعات بناء على الظرفية. فمن معدل نمو بين 6% و7% في البرامج الانتخابية انتقلت الى 5.5% في التصريح الحكومي ثم  % 4.3 في مسودة قانون المالية  ليتم تخفيضها في المجلس الحكومي الأخير الى%3.4. في حين لم تتجاوز عتبة 2.2% ابان الربع الاول من السنة الجارية.

إن أزمة النمو بالمغرب تجد تفسيرها فيما نتج عن تنفيذ السياسات النيوليبرالية من تعديل لمستوى توزيع القيمة المضافة المنتجة محليا بين الرأسمال والعمل لصالح الأول. حيث أن أجزاء هامة من القيمة المضافة لا يعاد اسستثمارها بل تهجر إلى الخارج مع ما ينتج عن ذلك من تقويض للبنية الاقتصادية المحلية ويحكم عليها بالازمة الدائمة. وتكمن أهم ميكانيزمات نقل وتحويل الثروات الى الخارج في ما يلي:

–    الاحتكار المتزايد للرأسمال واستيلائه على الجزء الأكبر من القيمة المضافة،  يؤدي إلى تهريب جزء كبير منها إلى الخارج ، و تهجير الجزء الآخر باسم الاستثمار الخارجي.

–    الحصة المتزايدة للرأسمال الاجنبي واستيلائه على قطاعات استراتيجة ومربحة، ساهم في تحويل الاموال للخارج باسم عوائد الاستثمار الخارجي .

–    سياسات الكل للتصدير وعلاوة على استنادها الى عوامل انتاج ذات كلفة متدنية تقوض السوق الداخلية،  فانها ساهمت مع سياسات الانفتاح والتبادل الحر في  عجز بنيوي للميزان التجاري يزداد يوما بعد أخر. والنتيجة الآلية لذلك هي تزايد حصة التبادل اللامتكافئ لمصلحة الامبريالية.

إن سياسات اطلاق النمو في اقتصاد تبعي بنفس السمات الما بعد كولونياليالية مرتهن بالامبريالية ، ليست سوى اكليشيهات، اما التنمية الحقيقية ، فلن يحققها المدبرون الجدد، لأنهم أصلا خدام البنية المحلية لكون برنامجهم تعبير  سياسي عن مصالح فئات من الطبقات السائدة.

 إن تلك التنمية لن تتحقق إلا في سياق سياسي واجتماعي بديل تكون المالية العمومية إحدى أدواته وليس جوهره كما حاليا.

عجز هيكلي للمالية العمومية

 

منذ الاستقلال الشكلي عانت المالية العمومية من عجز بنيوى، نتيجة شح الموارد وضغط النفقات اللازمة لصياغة والحفاظ على تحالفات الكتلة الطبقية السائدة. كان المخرج الوحيد ، في غياب نموذج بديل للتنمية يرتكز على السوق الداخلية وخدمة الطبقات الاجتماعية الدنيا، هو اللجوء للاستدانة لتمويل العجز والنفقات العمومية.

حكم هذا المخرج السياسي على المالية العمومية بالأزمة الدائمة وبعجز بنيوي جعل الخدمة العمومية في مستويات متدنية مقارنة مع دول شبيهة.وركز كل السياسة العمومية في  سياسة  تدبير العجز. تتغير الاجراءات من تقليص الانفاق العمومي الى تقليص حجم الدين الى….الى حاليا التحكم في النفقات العمومية واصلاح صندوق المقاصة ومحاربة”الفساد”. تتغير الميكانيزمات والتدابير الاجرائية لكن الداء في العجز على مستوى الموارد وسياسة الاستدانة .

 

في النفقات العمومية

تمثل النفقات العمومية المحتوى الاجتماعي لاعادة توزيع الدخل العام . اي ان الطبقات الشعبية المنتجة لفائض القيمة والذي يتحول جزء منه إلى موارد عمومية للميزانية العامة، يعاد  الاستفادة منه عبر الخدمة العمومية. وسنرى صحة هذا الإدعاء.

ركزت كل السياسات العمومية في المغرب، بإيعاز من المؤسسات العالمية التي تعبر عن مصالح الامبريالية خاصة صندوق النقد الدولي، على العمل لتقليص الإنفاق العمومي للحد من العجز البنيوي للميزانية العمومية وتوجيه الموارد المتحصلة لخدمة “الاستثمار المنتج ” اي الرأسمال.

فالنفقات الاجتماعية غير منتجة حسب المنطق النيوليبرالي، لأن بناء مستوصف مثلا يستلزم موارد الإنشاء وموارد التسيير مستقبلا، مما يعني استنزاف المالية العمومية. أما دعم الرأسمال فهو يمكن من الزيادة في الاستثمار مع ما ينتج عنه من تشغيل وزيادة للموارد العمومية. لكن الحالة الملموسة اتبتت ان الرأسمال هو فقط المستفيد كما سنوضح لاحقا.

فمنذ تطبيق سياسات التقويم الهيكلي حتى اليوم، ورغم تبدل المدبرين للمالية العمومية بين مختلف أطياف الليبرالية من اليمين الليبرالي ،الى الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، الى العدالة والتنمية والاستقلال. يمثل هدف تقليص النفقات العمومية الخيط الموجه لبرامج تكليفهم بتدبير المالية العمومية.

فبين سنة 2001 و2010 تقلصت النفقات العمومية ب % 1.6 نسبة للناتج الداخلي خارج نفقات الدعم، لتصل لحدود %  21 بعيدا عن 27 %  ابان الثمانينات .فبدل ان يترافق نمو الناتج الداخلي، الذي كان في مستوى 4% في نفس الفترة، بنمو للنفقات العمومية بنفس المستوى، تقلصت هذه الأخيرة. وهو ما يعني أن الفارق تحول لفائدة الرأسمال على شكل اعفاءات ودعم.

المدبرون الجدد وعلى هدى اسلافهم من خدام الطبقات السائدة لم يجدوا من وسائل للسير على نفس المنهج سوى تغليف إجراءاتهم بخطاب زائف ينم على الازمة اكثر من الاتيان بجديد في حلها وهو ما تعبر عنه أهدافهم المتواضعة :

  • التحكم في النفقات العموميةعن طريق تقليص ميزانية الحفلات الرسمية ب50 %والتحكم في حجم ونوعية العتاد خاصة السيارات.
  • اصلاح صندوق المقاصة بجعله يخدم الفئات المهمشة؟
  • تخليق الحياة العامة  بإصلاح نظام الصفقات العمومية .
  • التصدى لنمو نفقات التسيير.

مجمل هذه التدابير سبق الاستناد إليها وتبين محدوديتها خاصة في ظل بنية عمومية ورسمية تعتمد البروتوكول والمحاباة خدمة لنسق اجتماعي وسياسي قائم ولا يجرؤ أحد على معارضته.

أما سقفها فلن يكون حتى في حال تطبيقها سوى ربح نقطة او نقطتين من الناتج الداخلي لن تسمن من جوع أمام إعادة الارتفاع المهول للاستدانة التي بلغ اللجوء اليها 21.21% برسم قانون المالية لهاته السنة. والذي سيجفف المنابع برسم تنفيد قوانين المالية للسنوات المقبلة.

يستمر اللجوء الرسمي للاستدانة مع ازمة موارد تتعقد بتبني سياسة دعم الرأسمال، لتحكم على النفقات بأزمة عميقة، يصبح معها هذا التدبير وسيلة لتقليص الانفاق العمومي ليتماشى مع حجم الموارد عوض تدبير الموارد لاطلاق النمو. وهو ما يحكم على المدبرين الجدد بالبؤس الفكري وتدبير الازمة الاجتماعية بالخطاب الساعي فقط  لربح الوقت.

 

في أزمة النفقات العمومية

 

يبين الجدول التالي أوجه صرف الميزانية العامة للدولة برسم 2012

 

 

الاعتمادات بمليار الدراهم

النسبة من الميزانية العامة

الميزانية  العامة

289.716255000

 

ميزانية التسيير

187.840480000

64.83%

ميزانية الاستثمار

59.132672000

20.41%

ميزانية خدمة الدين

42.743103000

14.75%

                                                                                  المصدر: مشروع قانون المالية 2012.

n  تستحود ميزانية التسيير على القسط الأكبر من الميزانية العامة تصل الى 64.83%. يخصص منها ما يفوق النصف لنفقات الموظفين.

n  تعبر هذه السمة عن احدى اوجه ازمة النفقات العامة. ولكن على عكس الخطاب الرسمي الذي يقدم نفقات الموظفين على هذا النحو، ويؤسس للتخلص من جزء من هاته المصاريف، بدعوى ثقلها على الميزانية العامة، فان نسبتها تبقى عادية بالمقارنة مع دول شبيهة واخرى متقدمة ( الاردن% 14.9، البرتغال% 12.6 ،تونس% 10.9 )

تتلخص الإجراءات التي نص عليها قانون المالية للتحكم في نفقات الموظفين في :

التحكم في تطور أعداد الموظفين وفي حصة كتلة الأجور نسبة للناتج الداخلي. التي انتقلت من %11.7سنة 2005 الى% 10.9 سنة 2011 . وتشمل التدابير جعل إحداث المناصب الجديدة في حدود مناصب المحالين على التقاعد، وحذف كل سنة المناصب الشاغرة وغير المشغل فيها ببلوغ 30 يونيو من السنة التي تلي سنة قانون المالية المعني بخلقها،ثم الاعتماد على سياسة اعادة الانتشار.

تبقى التدابير المعلن عنها مرادفة للتدابير القديمة والتي تردد الحاكمون في تنفيذها منذ سنوات التقويم الهيكلي. الجديد هو أن البنك الدولي خاصة في مذكرته الأخيرة أصبح يركز على هذه الإجراءات للوقوف أمام أي محاولة لنمو كتلة الأجور.

تعكس الاجراءات السابقة تناقض المدبرين الجدد.فمن جهة يقدمون خلق 26084 منصب شغل ( قرابة النصف للدفاع والداخلية) على أنه انجاز كبير مقارنة مع معدلات 17ألف في السنوات السابقة، وعلى انه يعبر عن مساهمة كبيرة للقطاع العمومي في المجهود العام لتقليص البطالة. غير أنهم من جهة أخرى يؤسسون للانقضاض على مستوى التشغيل بالوظيفة العمومية انصياعا لاوامر سادتهم.

هذا الخطاب ضروري للبحث عن المشروعية، ولكن التنفيذ يتم باسم الواقعية والحكامة الجيدة وخدمة المصالح العليا.

و كما أشرنا سابقا ، يبقى مستوى نفقات الموظفين عاديا وشبيها بدول عديدة تتفوق علينا في مستوى التنمية . لكن المشكل يكمن في شح الموارد العمومية وعدم كفايتها لتغطية نفقات التسيير والتوفر على رصيد كاف للاستثمار العمومي. أي أن الدولة تتدبر فقط ما يكفي لأداء الأجور وتسيير المرافق. وهنا يكمن جوهر الأزمة الهيكلية للنفقات العمومية.

يشكل مستوى نفقات الاستثمار الوجه البارز لأزمة المالية العمومية . فقد بقيت جد ضعيفة في حدود% 20، علما أنها كانت في حدود 26 % إبان الثمانينات . وما يزيد من حالتها المتردية  هو أن صرفها يقل عن الثلثين حيث بلغت اعتمادات 2011 الغير المستغلة حوالي13.5 مليار درهم.

يكرس الاستثمار العمومي الضعيف بقاء الخدمة العمومية في مستواها المتدني أصلا.ويحكم على كل البرامج الساعية الى الارتقاء بها مجرد خطاب أجوف إذا لم يجر تعديل بنيوي في مداخيل الدولة.

يفاقم التوجه العام للدولة القاضي بأولوية الاستثمار الخاص على العام وحصر العمومي في مجرد محفز وشريك للخاص في تبذير موارد عمومية كانت ستشكل سندا للاستثمار العمومي وتحويلها على شكل هبات مقننة للرأسمال الخاص.

تخلت الدولة، بشكل يزداد سنويا، للرأسمال عن موارد عمومية على شكل اعفاءات واجراءات “تشجيعية” للاستثمار الخاص تفوق نصف ميزانية الاستثمار(الجدول أسفله)

فباسم خلق فرص الشغل يتم الاستلاء على الموارد العمومية. لكن الشغل المحدث مثلا بين2001و2010 والبالغ 1.7 مليون منصب، % 84 منها في قطاع الخدمات والبناء والربع فيه في القطاع الغير المنظم. وهو ما يبطل الدعاية الفارغة للدولة في تبرير هاته الاعفاءات ،ويجسد هدف الرأسمال في الاستيلاء  فقط على الموارد العمومية  باسم التشغيل والاستثمار.تتعدد الميكانيزمات لكن الجوهر واحد وهو زيادة حصة من هم الاعلى في الموارد العمومية  على حساب جماهير المنتجين.

 

السنة

2008

2010

2011

حجم الاعفاءات بملايير الدراهم

26.944

29.801

32.075

                                                                                    المصدر: مشروع قانون المالية 2012.

يتجلى هول هذه الأرقام في أن الإعفاءات تمثل عشر مرات ميزانية استثمار التربية الوطنية وحوالي 17مرة ميزانية استثمار الصحة العمومية.

أكيد أن استثمار هذه الأرقام المهولة في المالية العمومية كان سيجدي نفعا ويحسن من مستوى الخدمة العمومية ويرفع من حصة الشغل القار والكريم لابناء الشعب المغربي. لكن الدولة وخدمة للطبقات السائدة والمالكة للرأسمال كان لها أولوية اخرى (كما لمح بها الرئيس السابق لمديرية الضرائب بنسودة في حوار مع جرية الايكونوميست ) وهي أن الإعفاءات الضريبية  شكل لتقليص نسبة الضريبة الفعلية على الرأسمال.

يعمق شكل صرف ميزانية الاسثتمار أزمة ضعفها. فجزء هام من تلك الميزانية يصرف عن طريق طلبات العروض. وجلي أن الرأسمال الكبير هو من يستولي عليها سواء باحتكاراته لمجالات معدودة أو بقوته المالية أو بالعلاقة الزبونية مع الادارة.

جعلت الدولة دعم الرأسمال أولوية أساسية في برنامجها. فتحت غطاء جعله” قاطرة التنمية” تسارعت وتيرة التحويلات من القطاع العام الى الخاص، عكس الالية الديموقراطية لاعادة توزيع الدخل. فميزانية الاستثمار للتكاليف المشتركة والبالغة حوالي 18.5 مليار درهم( حوالي ثلث ميزانية الاستثمار). خصصت منها10 مليار درهم كمساهمات مالية للدولة ومساعدات مختلفة. في حين أن الجزء الآخر دفعات للحسابات الخصوصية للخزينة.

يبقى الرأسمال الخاص المستفيد الأول من هاته المساهمات. فمعظم هذه الصناديق كصندوق الحسن الثاني للتجهيز والذي استولى لوحده على 2 مليار درهم وصندوق دعم الاستثماروصندوق الضمان  والبرامج الخاصة دعم امتياز مساندة…الخ ، ليست سوى ميكانيزمات قانونية للاستيلاء على الموارد العمومية باسم دعم التشغيل.

تعكس أزمة الاستثمار العمومي أزمة البنية الاقتصادية المحلية والتي تتلخص في ارتهانها بالعولمة الرأسمالية ومصالح الامبرياليات ضدا على سياسة تعتمد على السوق المحلي ومصالح شعبنا. فقد تم تحويل ثروات عديدة للخارج واخرى للرأسمال محليا ضدا على المصالح الحيوية لشعبنا واختياراته.

ان التبذير المتواصل للمالية العمومية ودعم الدولة للرأسمال على حساب مصالح شعبنا في التعليم والشغل والصحة والتنمية الحقيقية (باسم دعم محركات النمو) يجد قصوره في النتائج المترتبة عن كل تلك المشاريع خاصة في مجالي الشغل وشروطه.

تشكل المديونية العامة الوجه القبيح لازمة المالية العمومية. فبرسم قانون المالية لسنة2012 بلغت خدمة الدين حوالي 42.7 مليار درهم بزيادة بلغت 17 % مقارنة بـ 2011. تمثل فيها الفوائد 20 مليار درهم، لتنضاف لمختلف اوجه التحويلات المالية من القطاع العام الى الرأسمال الخاص.

نستنتج مما سبق أن أي سياسة تبقى في حدود تدبير الازمة ومحاولة تصحيح الاختلالات بدعوى النجاعة والحكامة الجيدة، مآلها الفشل وخدمة الطبقات السائدة التي تستفيد من هذا الوضع. فالامر ليس اختلالات بل سياسة ممنهجة بهدف خدمة مصالح طبقات ضد مصالح طبقات أخرى تتراجع حصتها من القيمة المضافة  المنتجة على المستويين الخاص والعام. أي ان التنمية الحقيقية المرجوة لن تتأتى في ظل الوضع القائم وانما بتضافر القوى المناضلة لتعديل ميزان القوى لفائدة الجماهير قادر على ارساء اسس تنمية اجتماعية متوازنة وعادلة.

 

في السمات العامة للانفاق العمومي :

A--الحفاظ على مستوى إنفاق بعيد عن أي تقويم للقطاعات الاستراتيجية

مثل بناء جهاز دولة يفي بضمان السيادة الطبقية للكتلة السائدة أهم محاور ومرتكزات السياسات المالية منذ الاستقلال الشكلي. وحرصت الملكية على مباشرة تلك المهمة من دون وكلاء، حفاظا على تموقعها في قيادة الطبقات الحاكمة، وحفاظا على الولاء المباشر للاجهزة الأمنية لها.

وعلى العكس من القطاعات الاخرى لم تتعرض ميزانية الداخلية ولا الجيش لاي تقويم او خفض حتى في عز التقويم الهيكلي. لان ذلك هو الدعامة الاساسية للطبقات الحاكمة في اخضاع الشعب لسلطتهم. وهو ما تبين في الدور الذي لعباه في اخماد كل النهوض الاجتماعي المرافق لتنفيذ السياسات اللاشعبية.

يسقط قناع الدعوة الى سياسة التقشف عن مردديه، في عدم قدرتهم ولو على نبش هاته الحقيقية الجلية التي تكشف دفاعهم وانخراطهم الى جانب الطبقات الحاكمة في استعباد الشعب. فترى ابواق الدعاية النيوليبرالية يدافعون عن الاستثناء التقشفي باسم تبريرات واهية من قبيل قضية الصحراء والتنافس مع الجزائر ومحاربة الارهاب… الخ.

يستمر المجهود الاستثماري في الجانب الامني في حصد قدرات شعبنا وتحويلها الى بائعي السلاح من الامبريالية بدل الاستثمار في الامن الاجتماعي.وهو ما يعكسه التقرير السنوي AMI INTERNATIONAL والتي تصنف المغرب في صدارة الدول الافريقية في مجال نفقات التسلح .

سيرا على تقاليد الحكومات المتعاقبة  ودعما للمجهود العام للدولة في تطويرجهازها القمعي حافظ قطاعا الداخلية والدفاع على حصة الاسد من الانفاق العمومي ب23.65% من الميزانية العامة للدولة. وهو ما يوازي الحجم المخصص للقطاعات الاجتماعية الثمانية والتي تلقت فقط % 24 من الميزانية العامة ( قطاعات التربية الوطنية-التعليم العالي- الصحة -التشغيل والتكوين المهني -الشباب والرياضة -الثقافة -السكنى والتعمير -الأسرة والتنمية الاجتماعية). في حين لا تصل مخصصات قطاعات البنية التحتية والتجهيز سوى8.93 %. وهو ما يعكس الحظوة الاستراتيجية للقطاع الأمني وسقوط الأقنعة عن الخطاب الديماغوجي عن ادعاءات كون هذه الميزانية ذات طبيعة إجتماعية .

B-النفقات العمومية وخدمة الرأسمال

بينا في الفقرات السالفة أوجه دعم الرأسمال من الميزانية العامة عن طريق عدة ميكانيزمات:

  • استيلاؤه على الموارد العمومية برسم صناديق الدعم والمساهمات المالية للدولة بشكل مباشر
  • خدمة الدين العمومي
  • الاستثمار العمومي خاصة عبر الفساد في الصفقات العمومية
  • الاعفاءات الضريبية

و دون التدقيق في الأرقام فإن ذلك يفوق بكثير المخصصات المالية للقطاعات الاجتماعية.ولاعطاء نموذج حي لهاته الخدمة نسوق هذا المثال: ففي مقال بجريدة المساء عدد700 بتاريخ 13/03/2012 بقلم مهندس مغربي مقيم بأمريكا استنتج من تحليله لاحدى اوجه السياسة العمومية في السكن عن”الهدر الغير المسبوق للموارد المالية والبرامج العقارية لمدن بدون صفيح وانتاج السكن منخفض التكلفة” و”على أن الدولة عبأت منذ 2004 لهذين البرنامجين ميزانية تقدر ب36 مليار درهم” “وهي ميزانية كافية لايواء 180ألف نسمة بالمجان” . أي أن الدولة حولت لمقاولات البناء برسم الاتفاقيات لانجاز السكن الاجتماعي  موارد كانت ستكفي لتحقيق الشعار الدي رفعته بنفسها وستمكن المعنيين من الاستفاذة بالمجان . وبدل بلوغ هدف ايواء 201 ألف نسمة برسم 2004 انتقل العدد الى 327 ألف نسمة سنة 2011 . أي أن مقاولات العقار استحوذت موارد عمومية بقيمة 36 مليار درهم وبذل ايواء 180ألف نسمة ، اضافت ضحايا جدد.

 والنتيجة أن استفادة الرأسمال مضاعفة، فمن جهة استفاد من الموارد العمومية بدون مقابل ومن جهة اخرى  استرداد التكلفة عن طريق البيع المباشر للفئات الشعبية. ولن نحتاج لذكاء خارق لشرح مصدر ثروة مقاولي العقار كالصفريوي والشعبي والتي مكنتهم من صدارة الثروات المكدسة محليا ( حسب “فوربس”2011)

تتعدد البرامج المشابهة ويتعدد ما يطلق عليه” العقود البرنامجية “و”الشراكة قطاع عام-خاص”… لكن الهدف من ورائها واحد، هو تحويل الثروة العمومية للرأسمال.

 وهكذا يحافظ النظام على احدى السمات المميزة لاعادة بناء تحالفه الطبقي بجعل القطاع العام قاطرة هامة للتراكم الرأسمالي وأداة فعالة لخدمة زبنائه من الفئات المرتبطة به.

C-النفقات الاجتماعية: تدبير الأزمة.

يبشر الخطاب الرسمي في سعيه لحشد التأييد الشعبي لبرامجه،على نعت قوانين المالية المتتالية بالاجتماعية، ويسوق أرقاما واحصائيات لتبرير ذلك. يتعلق الأمر بديماغوجية قراءة الارقام، بجعل النسب خارج ميزانية خدمة الدين وحشر العديد من النفقات في خانة اجتماعية. وكما سبقت الاشارة سابقا فالحصة الكبرى من النفقات العمومية يتقاسمها جهاز الدولة القمعي ونفقات خدمة الرأسمال، في حين لم تتجاوز النفقات العمومية للقطاعات الاجتماعية الثمانية عتبة 24% من الميزانية العامة.

يتضح أن منظور الدولة للمالية العمومية، هو اداة لتكريس نجاعة جهازها القمعي  ووسيلة أساسية  في مسلسل تراكم رأس المال. أما الجانب الاجتماعي فينظر اليه من زاوية المحافظة على التوازنات الاجتماعية.

المشروع الاجتماعي للكتلة المسيطرة بسعيها لتوفير منتجين طيعين وقابلين باوضاع الاستغلال على الطريقة المحلية وغير مهتمين سياسيا  باشكالات السيطرة الطبقية ، يتطابق مع جعل الخدمة العمومية في مستويات متدنية لا تضمن لا تعليما ولا ثقافة ولا صحة …

ينقشع كل المكياج التي تغلف به الدولة دعايتها على اهتمامها بالقطاعات الاجتماعية، فقانون المالية ل2012 خص خدمة الدين ب14.75% من الميزانية العامة مقابل 14.58% لوزارة التربية الوطنية و%  9.73 لسبع قطاعات اجتماعية. يتضح التقشف حين يتعلق الأمر بالقطاعات الاجتماعية في المفارقة التي تطبع ميزانية الاستثمار. فالقطاعات الاجتماعية الثمانية تكاد تحصل على% 3.71 من الميزانية العامة مقابل 6.98% لفوائد الدين أي الضعف و التي يستفيد الرأسمال المحلي منها مباشرة.

لا يتعلق الأمر بشح في الموارد  للرفع من الميزانيات المخصصة للقطاعات الاجتماعية، وانما بسياسة واعية تستهدف الطبقات الحاكمة من ورائها جعل المالية العمومية قناة أساسية في مصلحة تراكم رأسمال.

في وهم صندوق التماسك الاجتماعي :

تقدم الدعاية المرافقة لقانون المالية احداث صندوق التماسك الاجتماعي على انه الاضافة النوعية التي من شأنها التصدي مباشرة لاشكالات الهشاشة الاجتماعية.انشاء هذا الصندوق الذي تم تقديمه من طرف الحكومة السابقة، عرف معارضة شرسة من طرف الرأسماليين المحليين، إذ رأوا فيه قناة لضريبة اضافية بعدما كانوا يراهنون على تحفيض نسبة الضريبة. هاته المعارضة كانت السبب الرئيسي في سحب قانون المالية من البرلمان حتى حصلوا على تطمينات بكون انشائه لن يتجاوز السنتين وعلى أن المساهمة ستكون في اقصاها 2%.

وبغض النظر عن ان المهام الموكولة له هي من صميم عمل المالية العمومية: المساهمة في تمويل نظام المساعدة الطبية، الاعاقة، مكافحة الهدر المدرسي. فان الموارد التي يمكن أن يبلغها لا تتجاوز 2 مليار درهم وهي مثلا لا تستحق المقارنة مع العديد من أوجه صرف المالية العمومية التي يستفيد منها الرأسمال : 20 مليار درهم كفوائد للدين العمومي ،32 مليار درهم نفقات جبائية يكدسها الرأسمال في جيوبه بدل تمويل المالية العمومية.

يكرس انشاء صندوق التماسك الاجتماعي غياب سياسة اجتماعية لدى المدبرين الجدد. فالطبقات الحاكمة ومع اشتداد الأزمة الاجتماعية وما ثمتله من تهديد لسيطرته الطبقية، تعكف على انشاء آليات للتدخل المباشر الى جانب المضررين من سياساتها الطبقية الكارثية. فمن انشاء وكالة التنمية الاجتماعية الى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فصندوق التماسك الاجتماعي..

لا تصل تلك الآليات لهدف تقليص حدة الأزمة الاجتماعية فترى الدولة تقدم على آليات جديدة بنفس المضمون والنتيجة ستكون كسابقاتها. يتعلق الأمر إذن بتقليص حدة نتائج سيطرة طبقية توسع من البؤس والحرمان الاجتماعي..

لن تنتظر الطبقات الشعبية الآفاق المرسومة من 2016 و2022  لانها من يكتوي يوميا بنار سوء الأوضاع. فالى الامام من أجل قلب البنية التي يسعى المدبرون الى ضمان إرسائها على رؤوسنا  تحث شعار “الاصلاح في ظل الاستقرار” فلن تجدي حبات الأسبرين أمام داء يلتهم كل شئء ولا يترك سوى الفتات.

في زوبعة الضريبة على الثروة:

قدم الفريق الفيدرالي في مجلس المستشارين تعديلا لقانون المالية ينص على اقرار ضريبة عامة على الثروة. وبغض النظرعن الخلفيات التي كانت وراء ذلك، فانها كانت كافية لكشف القناع عن المحتوى الاجتماعي لسياسة المدبرين الجدد. فباسم الدفاع عن الاستثمار والصعوبات التقنية للتنفيذ جيشت الحكومة اتباعها وتمكنت من اسقاط التعديل.

ان الدولة تعرف اين هي الموارد الكافية لاقرار سياسة مالية تضمن الحد الادنى من الخدمة العمومية. لكن المحافظة على مصالح الطبقات التي تمثلها تجعلها تتخلى عن الموارد العمومية لها. لا يتعلق الأمر بدعم الاستثمار بل بتقوية مجالات التهرب الضريبي والسوق السوداء وتهريب الأموال لخارج. فالتهرب الضريبي كان السبب حسب Global Financial Integrity (GFI), في ما بين 60 و 65 بالمائة من تهريب41 مليار دولار من المغرب بين 1970 و2008. وهي كافية لبناء 10 آلاف كلم من الطرق السيارة مثلا.

يتضح مما سبق أن الأهداف والغايات المرسومة للمالية العمومية والتي تقف السلطة السياسية بتدبير من الوكلاء الجدد  على خدمتها هي ضد مصالح الطبقات الشعبية. وبمقارنة بسيطة لحالة المغرب الاجتماعية (الرتبة 130  في التنمية البشرية) مع نظرائه كالجزائر(الرتبة 96) وتونس (الرتبة 92) والأردن (الرتبة95)  كما جاء في تقرير التنمية البشرية العالمي لسنة 2011، يلزم المغرب إن أراد أن يكون في مستوى تلك الدول رفعا لميزانيته المخصصة للخدمات الاجتماعية فيما بين 15 و30 بالمائة. وهو ما لا نجده في كافة التوقعات البرنامجية للسلطة الحاكمة.

إن تدبيرا للميزانية العمومية بتعديلات طفيفة دون المس بجوهر البنية ألاجتماعية، لن يؤدي سوى إلى تكريس البؤس والحرمان التي تولده البنية الاجتماعية والسياسية التي تخدمها المالية العمومية.

لن ننتظر أكثر.. فتنمية اجتماعية حقيقية عادلة ومتوازنة ممكنة ، ولكنها لن تتحقق إلا في نسق سياسي-اجتماعي يتملك فيه المنتجون الحقيقيون السلطة على تدبير فائض القيمة المحول إلى المالية العمومية.

 

أوبها ابراهيم

أيت ملول 04/06/2012

 

.

 

زر الذهاب إلى الأعلى