متابعة النضالات

السياق العام للاعتقال فاطمة الزهراء ولد بلعيد

يأتي اعتقال المناضلة فاطمة الزهراء إلى جانب معتقلين ومعتقلات أخريات في سياق مطبوع باحتداد الهجمة على الحركات النضالية المتنوعة التي عرفها المغرب في العقد الأخير في العديد من المناطق والعديد من القطاعات و كذا التضييق على الحريات بمختلف مكوناتها النقابية والسياسية والصحافية. هكذا تم سجن العشرات من قادة الحراك الشعبي في الريف وجرادة .. وملاحقة العشرات من النقابيين في التعليم .. ومحاكمة الصحافيين بتهم مفبركة على المقاس…
هذا السياق مطبوع بتفاقم التفاوتات الاجتماعية بين من يسيطرون على موارد البلاد الاقتصادية وبين بقية الشعب العامل… تنامي عدد الفقراء .. والتهميش والبطالة وخاصة مع تسريع تطبيق السياسات الليبرالية التقشفية في الأجور الخاصة بالشغيلة وفي الخدمات العمومية من تعليم وصحة وسكن وغيرها…
للحفاظ على هذا التفاوت الطبقي الصارخ وكبح الاحتجاجات لابد للبورجوازية ودولتها من قمع احتجاج وحرية تنظيم المفقرين في منظمات نضال تعبر عن تطلعاتهم… وكذا قمع آرائهم في شؤون البلاد التي ينتمون لها ….
البطالة أحد تقيحات المجتمع الرأسمالي التي تستغلها البورجوازية من أجل فرض شروط عمل قاسية على الشغيلة وكذا أجور منخفضة… لذا فكل نضال جدي ضد البطالة هو نضال ضد إحدى مظاهر التفاوت الاجتماعي . لذا تدرك البورجوازية جيدا أن بناء حركة نضال ضد البطالة مسألة خطيرة توازي خطورة بناء نقابة عمالية . زد على ذلك أن دولة البورجوازية تخبر دور نضال الشباب المعطل في حفز نضالات اخرى وخير دليل على ذلك تجربة الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب طيلة تسعينات القرن العشرين ..
خفوت حركة النضال ضد البطالة في العقد الأخير أفرح دولة البورجوازية وجعلها تصدق أن سياستها الاقتصادية ناجعة في مواجهة البطالة. لكن أفواج المعطلين والمعطلات تراكمت وكان جزء منها عالق في انشطة اقتصادية هامشية أو خارج الاقتصاد الخاضع لقانون الشغل أو ما يسمى الاقتصاد غير المنظم . لذا تشكل الوظيفة العمومية ، بمكاسبها البسيطة والمعرضة للهجوم، منفذا نحو حياة أكثر استقرارا لآلاف الشباب والشابات.
غير أن سعي الدول لفرض الهشاشة في العمل بالوظيفة العمومية، من خلال فرض التعاقد وتكثيف الاستغلال وتقليص عدد الموظفين بالعلاقة مع الحاجيات الفعلية لتلبية متطلبات خدمة عمومية جيدة، كل هذا استجابة لمصالح البورجوازية المحلية ومصالح الدائنين عالميا، الذين بفرضهم لهذه السياسة يسعون لتحويل موارد مالية هامة لصالحهم عن طريق خدمة الدين.
تشكل القيود المفروضة على اجتياز العديد من المباريات تأكيدا على دونية من هم في اسفل الهرم الاجتماعي … بالإضافة لضعف عدد المناصب المخصصة في قانون المالية مقارنة بالخصاص المهول في الموظفين في كافة القطاعات الحيوية وخاصة في قطاعي التعليم والصحة، الشيء الذي يحكم على عشرات الألوف من الشباب بالأفق المظلم.
إن محاولة تنظيم نضال واحتجاج الشباب المجاز المعطل على الظروف التي يعيشها هي التي كانت وراء اعتقال ومحاكمة المناضلة فاطمة الزهراء ولد بلعيد بصفتها، معطلة و إحدى قيادات هذا الاحتجاج وذلك يوم 25 نونبر 2021، كما كان النضال ضد البطالة في الماضي سببا في سجن وقمع العشرات من المناضلات والمناضلين، ووصل هذا القمع حد استشهاد مصطفى الحمزاوي و نجية أدية وكمال الحساني.
إن تلفيق التهم للمناضلات والمناضلين للزج بهم في السجن وتشويه سمعتهم ، من طرف دولة بورجوازية غارقة في الفساد بكل أنواعه، لهو محاولة مفضوحة، لن تنطلي على كل منتسب حقيقي للنضال العمالي والشعبي، كما لن تنطلي على كل مواطن-ة حر-ة خبر الرشوة والمحسوبية التي ترافقه أينما حل وارتحل في مسار قضاء مصالحه اليومية. فلن يصدق عاقل من اغتنى بسرقة حقوق الشغيلة في الضمان الاجتماعي والأجور وظروف العمل الصحية ، أو استغل نفوذه وسلطته الادارية وراكم أملاك وعقارات بالداخل والخارج، عندما يلفق التهم بالسرقة لكل مطالب بحقه وكل من حاول القيام بفعل نقابي.
إن ملاحقة مناضلي ومناضلات أطاك المغرب والتضييق عليهم ليس وليد اليوم ، فالجمعية وفروعها تمنع من تجديد وصول الايداع القانوني، ومناضلوها ومناضلاتها تعرضوا على امتداد سنوات تواجدها للمتابعة او السجن في إفني و اسفي و اكدز بسبب انخراطهم في الحراك الشعبي.
وفي الأخير، مهما كانت التكلفة التي يدفعها الشباب، الذي يشارك في النضالات ويقمع ويطرد من العمل ويسجن، غالية، فهي تظل هينة مقارنة بما يدفعه شباب آخر من أبناء شعبنا الذي قذفت به الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الطبقية لأهوال البطالة والهجرة السرية والمخدرات والدعارة وغيرها من أمراض المجتمع البورجوازي، التي لا تجد مكانا لها في الاعلام الطبقي الذي يسيطر عليه أرباب العمل ودولتهم من خلال آلية الاشهار، إلا لكي يُحمل الضحايا مسؤولية واقعهم.
بقلم: مناضل جمعية أطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى