ناقوس الخطر :1
بين خيار الوقود الأحفوري و الطاقة البديلة
بقلم : ياسير بلهيبة
لمدة 50 ألف سنة والإنسان يبحث عن طعامه دون أن يصل به الأمر إلى تدمير الطبيعة، لكن بظهور المجتمعات الزراعية قبل 10 ألف سنة تقريبا، لم يعد الإنسان فقط قادرا على إخضاع الطبيعة لمتطلباته،بل انتقال إلى مرحلة التدمير الشامل لشروط بقاء جنسه الحيواني ..
رسخت المجتمعات الصناعية ثقافة همجية استغلال الثروات و الإنسان ، حيث تمكن النموذج الرأسمالي القائم على الاستغلال والاستعمار .من إنهاك كوكب الأرض إلى درجة التهديد بالزوال ،متسببا في انقراض العديد من الكائنات، وتلويث الهواء و الماء و التراب بشكل مفجع ،مستهدفا حيوية الغابات الاستوائية بقطع أشجارها .متسببا في استمرار اتساع الصحراء ،و امتصاص المحيط لثاني أكسيد الكربون مما جعله أكثر حمضية ، نتج عنه إبادة الشعاب المرجانية والقضاء على التنوع البيولوجي في البحر الأحمر وتدمير سبل عيش عشرات الآلاف ممن يعيشون على الصيد و السياحة .فإلى أي حد تشكل البدائل المطروحة اليوم من داخل المنظومة الرأسمالية خلاص البشرية ؟ وهل يكفي تبني الاقتصاد الأخضر للحد من مخاطر الرأسمالية القائمة على الاستغلال؟ وهل تمثل سلسلة المفاوضات الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة من تعبيد الطريق أمام حياة أمنة على كوكب الأرض وتدراك خطر الإبادة الجماعية للجنس البشري؟
وجهات نظر ومفاوضات واستمرار في الاستغلال
انتهت مضاربات الرأسمالية على أسهم الطبيعة إلى مأزقه الجنس البشري ، حتى بات عدم انتظام الأمطار وتضاءل المياه وكثافة العواصف تهدد وجوده وبقاء الكائنات الحية على الأرض ، كما أدى ارتفاع الحرارة إلى تكاثر الأمراض المتنقلة عبر المياه و الحشرات من المناطق المدارية إلى الملايين ،مما يتهدد البشرية العودة إلى أزمنة الملاريا وغيرها من الأمراض التي باتت تتلون وتتخذ أسماء متجددة.
بات الوضع يكتسي خطورة أمام العد التنازلي لمؤشر البقاء أحياء على كوكب الأرض، في ظل كثرة انعقاد القمم مند أزيد من 22 سنة ، دون القدرة على إيقاف نزيف اختلال التوازن الطبيعي ، ذلك أن قرار إيقاف استخدام الوقود الأحفوري يعني الاستغناء عما بقي في جوف الأرض المقدر ب 80% من الوقود، والابقاء على استخدامنا وضخنا ل 2 جزء من المليون أكثر من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي .
في ظل هاته المخاطر التي لم يعد الرأسماليون قادرين على إنكار واقعها، يجري خلاف بين أقطاب الرأسمالية حول انجع الوسائل القادرة على إعادة تأثيث فضاء السوق الاستخراجي (استخراج الثروات الباطنية للأرض، أيضا الطاقية) ،دون الإضرار بأرباحهم ، حيث تهيمن وجهة نظر تدافع عن استمرار مراكمة الأرباح و الاحتكام إلى السوق الحرة وخيار الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري وبين وجهة نظر حقوقية ليبرالية مسنودة بحركات بيئية على تنوع تحفظاتها، وتدعو إلى المحافظة على البراري البكر و السبل المائية و الأنواع الحية وتقنين الاقتصاد الصناعي باستحضاره البعد الإنساني في ضمان حق الأجيال القادمة في الحياة ،وإعادة توجيه بوصلة الاستثمار في الطاقة البديلة.
إن الانعطافة الحاصلة في بنية الرأسمالية ،تضعنا أمام خيارات القطع مع اقتصاد السوق الحر وبين إجراء الرقابة عليه ،ولا يمكن الانتصار للخيار الثاني أو خيارات
أخرى بديلة دون ممارسة الضغط الشعبي الجماهيري الهائل ،المفضي إلى تقديم تنازلات للرأسماليين حفاظا على بقاء نموذجهم المقزز ،فالمتسببين في الاحتباس الحراري يفاوضون من أجل نيلهم ضمانات المزيد من مراكمة الأرباح في البدائل المقدمة إليهم . وفي غياب تلك الضمانات يستمر الاحتكام إلى السوق بوصفه قادرا على إدارة نفسه بنفسه ،أو كما تعرف ليزا نيوتن السوق الحرة ” أن يقرر على أساس ما يرغب الناس في دفعه، ما الذي يطرحه للبيع ، وبأي سعر ،وبأي نوعية وكمية، وتحت أي ظروف للتصنيع و التسويق والحكومة مفيدة فقط في حماية حقوق الملكية وفرض قيود تفعيل العقود”
بات أمام أنظار الشركات المتعددة الجنسية والمؤسسات المالية والأمم المتحدة، سوق جديدة مفتوحة على الاستثمار الجديد تستبدل الوقود الأحفوري بالاستثمار في الطاقة البديلة ،التي تظهر في ظل مستنقعات الرأسمالية بالتقدمية ،دون أن يتحدث صناع القرار عن تعويض الشعوب للأضرار التي تعرضت لتلويث بيئتها ،وإجراء تعويض للدول النامية و الفقيرة (خاصة امريكا اللاتينية ودول المستعمرات ).
إن علم الأخلاق يفرض علينا أن نلقي المسؤولية التاريخية حول جرائم شركات النفط وما يقتضيه من تعويض للشعوب في إطار ما يمكن أن نسميه بالدين المناخي. ويكفي طرح السؤال عن من المسؤول عن انبعاث الغازات الدفينة ليتضح حجم الجرائم المرتكبة ليس فقط في حق الانسان بل في حق مكونات الحياة على كوكب الأر ض ؟ أليس ثلث نسبها المتدفقة تعود إلى 90 شركة نفط يمتلكها الرأسماليون مثل شيفرون واكسون و برتيش و بتروليوم وشل ومنتجي الفحم مثل برتيش كول بيبودي للطاقة وبي اتش بي بيليتون..
يلزمنا بكل تأكيد مطلب إيقاف استخدامنا المتزايد للكربون الأحفوري ، حيث يحرق العالم اليوم ما يساوي 400 عام من تراكم هده المادة البيولوجية في كل عام ، فقبل الثورة الصناعية كان هناك 580 مليار طن من الكربون في الغلاف الجوي ،ليرتفع اليوم إلى 750 مليار طن نتيجة لاحترق الوقود الأحفوري وتراكمه.
تدافع الناشطة المتألقة فاندانا شيفا عن حاجتنا إلى بدائل حقيقية غير تجارية ،كالدفاع عن التنوع البيولوجي “فبدلا من الأسمدة النيتروجينية ،لدينا محاصيل البقولية المثبتة للنيتروجين والكتلة الحيوية المعادة تدويرها عن طريق الأسمدة العضوية أو الكائنات الحية الدقيقة (السماد)وبدلا من الأصباغ الاصطناعية لدينا الأصباغ النباتية..إننا نريد عالم ما بعد النفط ..إننا نفكر برفاهنا على مدى 50 سنة المقبلة ،لكننا نضحي بحقوق الأنواع الأخرى ورفاهية الأجيال القادمة”.
من الاقتصاد الرأسمالي الملوث إلى الاقتصاد الأخضر
مند 1992 ودول العالم الرأسمالي تسعى إلى التخفيف من أثار همجية تدميرها للكوكب الأراضي نتيجة انبعاثات الغازات الدفينة ، والحد من مخاطر الاحتباس الحراري ، إلا أن مجمل الاتفاقيات الإطارية التي ثم توقيعها ويتم تدريسها لم تخرج عن مدارات البحث عن وسائل وفضاءات أخرى للاستغلال عبر تكثيف النهج الاستخراجي ،أي استبدال استخراج الوقود الأحفوري باستخراج الطاقات البديلة ، وتدمير التوازن البيئي .
فمند توقيع 195 بلدا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ سنة 1992. وتتويجه ببروتوكول تطبيقي “كيوتو “في عام 1997 أجرأته عام 2005. لم تتقدم الرأسمالية في التخفيف الفعلي لأثار همجية التصنيع ، واكتفت اللقاءات و المنتديات بالخطابة وإعادة إنتاج نفس المنظورات التدميرية بمقترحات تقنية في الحد من المخاطر ، بل فتح مجال آخر للمنافسة الشرسة حول الاقتصاد الانتقالي الأخضر.
تستمر المؤتمرات و اللقاءات ،وفي كل لقاء وعود واختلافات وتحفظات ،ففي سنة 2009 وَضع اتفاق كوبنهاغن السياسي ومؤتمرات كانكون (2010) وديربان (2011) والدوحة (2012)التي وضعت الأسس لهذا النظام الدولي الجديد، من خلال تكميل الصكوك القائمة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ وبروتوكول كيوتو. إلا أنه في عام 2012، بدأ الإشارة إلى ضرورة تطبيق الاتفاقية على جميع الأطراف التي تتسبب في انبعاثات غازات الدفيئة.في ظل هيمنة مطلقة لبلدان المركز المعرقلة للاتفاقيات ،وفي مقدمتهم الولايات المتحدة المتحفظة على الاتفاقيات ،بل إنها تعتبر نفسها ضحية المفاوضات، وفي هدا الصدد يعاد تنظيم الدورة الحادية والعشرون لمؤتمر الأطراف في موقع باريس-لو بورجي برسم سنة 2015 ثم ستليها الدورة22 بالمغرب في 2016.
في سنة 2011 صدر تقرير عن مفهوم الاقتصاد الأخضر كثمرة شراكة وثيقة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة العمل الدولية ILO وقد تمت صياغة الفصل الخاص بالسياحة بمشاركة منظمة السياحة العالمية UNWT،ويرى التقرير أن تعزيز مفهوم التنمية المستدامة وفق آليات السوق ،لايزال الخيار الاستراتيجي لكبح الفقر و التخلف و تدمير البيئة ، ضمن عدالة مالكي وسائل الإنتاج.
يؤكد التقرير على أن تحقيق الأمن الغذائي و التوازن الاجتماعي يمر عبر الانتقال من اقتصاد التصنيع الوقودي إلى الاقتصاد الأخضر ، لكنه يغض النظر عن المالكين والمتحكمين في اقتصاديات الشعوب ،والخانقين لأي تنمية مستدامة حقيقية ، فقد يحقق الاقتصاد الأخضر نوعا من تقليص هامش الربح المكثف للرأسماليين لكنه لا يلغي حقيقته التي تقوم على مراكمة الأرباح و الاستثمار المكثف لاستغلال قوة العمل .
ويعرف التقرير “الاقتصاد الأخضر” بما يلي :”.. ويمكن أن ننظر للاقتصاد الأخضر في أبسط صورة كاقتصاد يقل فيه انبعاث الكربون وتزداد كفاءة استخدام الموارد كما يستوعب جميع الفئات الاجتماعية. وفي الاقتصاد الأخضر، يجب يكون النمو في الدخل وفرص العمل مدفوعاً من جانب الاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل انبعاث الكربون والتلوث، وتزيد من كفاءة استهلاك الموارد والطاقة، وتمنع خسارة خدمات التنوع البيولوجي والنظام الإيكولوجي. وتحتاج هذه الاستثمارات للتحفيز والدعم عن طريق الإنفاق العام الموجه، وإصلاح السياسات وتغيير اللوائح. ويجب أن يحافظ مسار التنمية على رأس المال الطبيعي ويحسنه بل ويعيد بنائه عند الحاجة، باعتباره مصدرًا للمنفعة العامة، خاصة للفقراء الذين يعتمد أمنهم ونمط حياتهم على الطبيعة.”
المراجع
- عالم المعرفة : نحو شركات خضراء لمؤلفه د .ليزا نيوتن
- موقع ديزرتيك : http://www.desertec.org/
- لثورة القادمة إلى شمال أفريقيا : الكفاح من أجل العدالة المناخية: حمزة حموشان
- مقرر اتفاقية الامم المتحدة الاطارية حول تغير المناخ http://unfccc.int/resource/docs/convkp/convarabic.pdf
- تقرير الامم المتحدة : نحو اقتصاد اخضر /مسارات الى التنمية المستدامة والقضاء على الفقر:مرجع لواضعي السياسات نشر سنة 2011
- خطة الامم المتحدة للقضاء على الفقر المدقع بحلول 2030 تكلف 3500 مليار دولار سنويا \
- كشف عن الطاقة المتجددة بالمغرب :http://www.rcreee.org/sites/default/files/morocco_fact_sheet_re_arabic_print.pdf