المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

موقع أطاك المغرب ينشر كتاب “سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب – منظورات من اجل تعليم ديموقراطي شعبي”على حلقات

الحلقة الاولى

بعد أن اقتربت الطبعة الاولى من دراسة اطاك المغرب حول التعليم بعنوان: “سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب، منظورات من اجل تعليم ديموقراطي شعبي” من النفاذ ، حيث لم تعد مجموعات اطاك المغرب التي توزع الكتاب تتوفر إلا على نسخ قليلة (يمكن للقراء الاتصال بها لطلب ما تبقى من نسخ) وفي سياق اتساع النضالات ضد النموذج التعليمي المراد فرضه بالمغرب. ارتأى موقع اطاك نشر الدراسة على حلقات، لأجل المساهمة في تعميم الأفكار الواردة بالكتاب، وكذلك توسيع دائرة النقاش حول مضامينه، وحول السياسات العمومية في ميدان التعليم في أسسها ورهاناتها والبدائل الشعبية عنها. وننوه إلى أن المقدمة والفهرس تم نشرهما سابقا على الموقع (للاطلاع عليهما على الرابط ).

يضم الجزء الاول من الكتاب عرضا تاريخيا نقديا موجزا حول التعليم بالمغرب، وهو معنون ب “التعليم بالمغرب من تأسيس المدرسة العصرية إلى القانون الإطارعرض تاريخي نقدي

الحلقة الاولى

  • التعليم بالمغرب: تاريخ من السياسات الموجهة لخدمة من هم فوق
  • الاستعمار وتأسيس التعليم العصري بالمغرب: ماذا كان المستعمرون يريدون؟ وماذا كانت حصيلتهم الفعلية.

اشتدت وتيرة التدخل الامبريالي في بلاد المغرب خلال الربع الثاني من القرن التاسع عشر عقب هزيمة ايسلي (1844)، وتعمقت و ازدادت اتساعا بعد هزيمة حرب تطوان (1860) وما تلاها من فرض شروط سياسية ومالية قاسية على المخزن، شكلت مدخلا لتغلغل قوى استعمارية متنوعة في البلد، تنافست فيما بينها لتحدد مصير المغرب الذي انتهى واقعا تحت نير استعمار مزدوج فرنسي واسباني، مع ابقاء جزء منه (طنجة) منطقة دولية، أي، مكانا لتواجد كل الدول الامبريالية.

 تزامن التغلغل الاستعماري التدريجي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع دخول أنواع عدة من المدارس وأصناف التعليم، فيما كان التعليم المغربي آنئذ (التعليم العتيق) يراوح مكانه في أزمة مديدة، تعبر عنها بوضوح حالة القرويين باعتبارها أعلى مراتب “النظام التعليمي” وقتذاك. 

الإطار رقم 01

حالة جامع القرويين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر

وعلى خلاف بعض البلدان العربية الأخرى، فإن المغرب لم يعرف في بداية هذا القرن (القرن العشرين) ولا في أواخر القرن الذي قبله – وهي الفترة التي ترعرعرت فيها النهضة العربية الحديثة – لم يعرف سوى بقايا مفككة، منحطة إلى اقصى الدرجات، من تعليم عربي إسلامي، عرف ازدهارا كبيرا في القرون الوسطى…لقد كانت جامعة القرويين و”المدارس” التابعة لها – خلال القرن الماضي وبداية القرن- مثالا لأقصى ما يمكن أن تصل إليه مؤسسة علمية عتيدة، من انواع الانحطاط والتخلف : لم يكن عدد المنتسبين إليها في عهد الحسن الأول (1873-1894) يتجاوز الألف طالب (400 مائة من فاس و600 مائة من خارجها) وهو عدد سينخفض إلى النصف خلال العقد الأول من هذا القرن……أما الدراسة فهي أقوال مكرورة معادة باستمرار، لن يفوتهم منها شيء سواء تغيبوا اليوم او غدا، أو انقطعوا عاما او عامين، لم يكن للزمان يومئذ حساب، وبالتالي لن يكون للإحصاء أي مدلول او مغزى: فالطلاب هم انفسهم طوال سنوات قد تمتد إلى العشرين أو الثلاثين بل وإلى الخمسين ….. لقد كانت القرويين إذن تحت الّإشراف المباشر للمخزن، تعكس ايديولوجيته بكل وضوح – كما تعكس في نفس الوقت- الوضعية العامة في البلاد.[1]

أنشأت القوى الاستعمارية الرامية إلى التغلغل بالبلد عددا من المدارس، وكذلك عملت الشرائح العليا من الطائفة اليهودية بالمغرب على إنشاء “نظام تعليمي” خاص بها مستفيدة من الوضع الجديد الذي اتاح لها حرية أكبر.

أحصى الدكتور محمد عابد الجابري في مؤلفه “أضواء على مشكل التعليم بالمغرب مجموع المدارس “العصرية” بالمغرب سنة 1908، نجملها في الجدول التالي:

الجدول رقم 01

إحصاء المدارس المرتبطة بالتعليم الاوروبي سنة 1908

المدارسعددهامخصصةملاحظاتمحتوى التعليم
المدارس الاسبانية13للجاليات الاسبانية  
المدارس الانجليزية04للجاليات الانجليزية  
المدارس العربية الفرنسية03مخصصة للمغاربة أبناء النخبة المرتبطة بفرنسا.هي نواة التعليم العصري بالمغرب (طنجة – العرائش – وجدة)لغة التعليم فرنسية مع ادخال اللغة العربية في المستويات العليا.
المدارس الفرنسية03للفرنسيينتشكل مدارس البعثات الحالية امتدادا لها (مدرستان بطنجة وأخرى بالبيضاء)هي مدارس تتبع كليا النظام التعليمي الفرنسي
المدارس الاسرائيلية20لليهود المغاربةمدعومة ماليا ولوجستيكيا من قبل الفرنسيينلغة التعليم فرنسية مع إدخال التعاليم الدينية اليهودية.

استند الاستعمار الفرنسي على البنية التي وجد عليها التعليم بالمغرب، لأجل التأسيس لنظام تعليمي يخدم المشروع الاستعماري، والقوى الاجتماعية الملتفة حوله، توسيع القاعدة الاجتماعية التي تستوجبها إدامة السيطرة الاستعمارية الفرنسية بالمغرب.

تلخص مضامين المحاضرة التي ألقاها “جورج هاردي” مدير التعليم بالمغرب في بداية الحماية الفرنسية بمكناس سنة 1920 في لقاء مع المراقبين المدنيين للإدارة الاستعمارية الفرنسية، كل التاريخ اللاحق للتعليم بالبلد، وجوهر السياسات المطبقة وغاياتها، وكذا جذور المقاومة الشعبية إزاءَها. يقول هاردي وهو يؤسس التعليم بالمغرب :” وهكذا فنحن ملزمون بالفصل بين تعليم خاص بالنخبة الاجتماعية، وتعليم لعموم الشعب: الأول يفتح في وجه أرستقراطية مثقفة … إن التعليم الذي سيقدم لأبناء هذه النخبة الاجتماعية تعليم طبقي يهدف إلى تكوينها تكوينا منظما في ميدان الإدارة والتجارة، وهي الميادين التي اختص بها أبناء الأعيان المغاربة. أما النوع الثاني وهو التعليم الشعبي الخاص بالجماهير الفقيرة والجاهلة جهلا عميقا فيتنوع بتنوع الوسط الاقتصادي: في المدن يوجه التعليم نحو المهن اليدوية خاصة مهن البناء، وإلى الحرف الخاصة بالفن الأهلي. أما في البادية فيوجه التعليم نحو الفلاحة وأما في المدن الشاطئية فسيوجه نحو الصيد البحري والفلاحة، أما عن المواد العامة التي ستتخلل هذا التعليم التطبيقي فهي اللغة الفرنسية التي بواسطتها سنتمكن من ربط التلاميذ بفرنسا”.[2]

لقد كانت الرؤية الاستعمارية واضحة منذ البداية في ذهن مهندسيها، تلك الرؤية التي أغنتها تجارب اخرى قريبة لإقامة نظام تعليمي في البلدان المستعمرة حديثا، والتي كشفت انه من الواجب تجنب كل ما يمكن ان يكون أصل قيام حركات معارضة، او “بروليتاريا فكرية” حسب تعبير العقيد الاستعماري جورج مارتي، أحد منظري السياسة التعليمية الاستعمارية الأكثر وضوحا في طبقيتها. “لقد كانت الإدارة الفرنسية تعتبر المدرسة جهازا ينبغي إدارته بحذر على ضوء التجربة المعاشة في تونس والجزائر، حيث تم نشر ثقافتنا دون تحفظ مما ساهم في زرع بذور النقاش والتمرد في أذهان غير مهيئة لذلك”[3].

لقد سعى النظام التعليمي المرسى بالمغرب من قبل الإدارة الاستعمارية إلى إعادة إنتاج الانقسام الطبقي الموجود قبلا، لكن بشكل جديد. أنتج هذا السعي كارثة تعليمية وتربوية أبقت الشعب المغربي، وخاصة أبناء القرى والمراكز الحضرية الصغرى وأبناء الفئات الاجتماعية الفقيرة في ظلام الجهل، فلا هم التحقوا بمدارس حديثة، ولا هم تابعوا تعليما تقليديا تم التضييق عليه في فترات عديدة.

قدم روجي طابول، مدير التعليم بالمغرب في الفترة بين 1944 و1955، في محاضرة له بباريس بتاريخ 19 فبراير 1951 أمام “اللجنة المركزية لفرنسا ما وراء البحار”، عنوانها: الجهد التعليمي بالمغرب، حصيلة السياسة التعليمية الاستعمارية الفرنسية، وضمنها أرقام عن تطور اعداد المتمدرسين بالمغرب في مختلف الاصناف، موضحة في المبيان أسفله:

المبيان رقم 1

تطور اعداد المتمدرسين بالمغرب[4]

تبين الأرقام اعلاه الجريمة التي اقترفتها الإدارة الاستعمارية بحق أبناء المغاربة، وبحق مستقبل البلد. فبعد تسع وثلاثين سنة من “الحماية” كان عدد المغاربة المسلمين الملتحقين بالمدرسة لا يتجاوز الثلاثين الفا أي 2% من الأطفال في سن التمدرس[5].

كانت السلطات الاستعمارية تقبل بالمدارس، إلى حدود سنة 1944، 2500 تلميذ سنويا، وبعد تلك السنة أصبحت تضع مخططاتها لاستقبال 10000 تلميذ سنويا. لكن لم يحدث تغير نوعي في حجم الكارثة، حيث انتقلت نسبة الأطفال الممدرسين الموجودين في سن التمدرس من 2,7% سنة 1945 إلى 7% سنة 1950 وإلى 11% سنة 1954[6] وكانت نسبة الأوروبيين الممدرسين 100% ونسبة اليهود الممدرسين %[7]76. مع الإشارة إلى أن الأغلبية الساحقة من التلاميذ المغاربة المسلمين المسجلين بالمدارس لا يُتِمُّونَ تعليمهم الابتدائي، بل ينسحبون منه أو يطردون.

كانت حصيلة التعليم الاستعماري بالمغرب من حيث مخرجاته التي تهم الأطفال المغاربة إلى حدود سنة 1950 كالتالي:

جدول رقم 2

أعداد التلاميذ المغاربة الحاصلين على شواهد تعليمية من 1912 إلى 1950[8]

الشهادة الدراسيةمن 1912- 1945من 1946 إلى 1950المجموع
  الدروس الابتدائية40611841590
شهادة البروفي59227286
الباكالوريا الأولى1783100
الباكالوريا الثانية174562

كل حديث المستعمرين وتابعيهم عن مهمة التحديث والعصرنة التي قدمها الاستعمار لشعبنا، تسفهها الارقام أعلاه أيما تسفيه. بالمقابل يوضح المبيان أعلاه حجم الجهود التي بذلت من أجل ضمان تعليم لأبناء الفرنسيين وكذلك المغاربة اليهود، حيث أن التمدرس كان معمما في حالة الفرنسيين وشبه معمم في حالة المغاربة اليهود. كما أن مخرجاته كانت تبين جودته، حيث ان نسبة الحصول على الباكالوريا كانت تفوق تلك الموجودة بفرنسا ذاتها، ففي سنة 1950، من أصل 2300 تلميذ تقدموا لامتحان الباكالوريا نجح 1200 منهم أي بنسبة 53 %، في حين ان نسبة النجاح بفرنسا لم تتجاوز50 %.[9]

لقد كانت كلفة كل تلميذ في المدارس الاوروبية بالمغرب في التعليم العام هي  33000 فرنك وفي التعليم التقني 70000 فرنك، بينما لا يكلف التلميذ المغربي (المسلم) الا 18000 فرنك.[10] 

 بالموازاة مع ذلك، بدأت أعداد الملتحقين بالتعليم الفرنسي من أبناء البورجوازية المدينية الناشئة في الارتفاع، بعد ان تساهلت سلطات الحماية في ذلك ابتداء من سنة 1944، ورغم ان هذه الشرائح كانت قد رفعت شعارات تعريب التعليم[11] منذ منتصف الاربعينيات في سياق تَبَوُّئِها ريادة النضال من أجل الاستقلال، فقد حرصت على إلحاق أبنائها بالتعليم الفرنسي. هكذا بلغ عدد التلاميذ المغاربة (أو بالأحرى أبناء البورجوازيين وكبار الاعيان المغاربة) في التعليم الأوروبي سنة 1955: 4600 في الابتدائي و1560 في الثانوي[12].  لقد كان التعليم الاستعماري يهيء النخبة التي ستقوم بتسيير البلد بعد خروج الاستعمار المباشر، على أساس ان تكون نخبة مرتبطة بالقوة المستعمرة بصورة دائمة. بينما استمرت الفئات الشعبية في مقاطعة التعليم الفرنسي/المغربي (التعليم الاسلامي)، المنظور إليه بريبة على انه تعليم للمستعمر، يفسد اخلاق الأبناء، ولا يؤهلهم إلا ليكونوا متعاونين مع الاستعمار. لقد “كانت هناك، إذن، مقاطعة شبه جماعية وشبه منظمة – خاصة في الأوساط الشعبية- لمدارس الحماية. لم تكن هذه المقاطعة احتقارا للتعليم او اعتقادا بعدم جدواه…بل كانت نوعا من “الكبت” الإرادي. اما البديل فقد كان الانتظار.. انتظار عهد الاستقلال، حيث سيتوفر المغرب على تعليم وطني يلبي مطامح شعبنا في التعليم والثقافة والشغل.”[13]


[1]  د/ محمد عابد الجابري، اضواء على مشكل التعليم بالمغرب، دار النشر المغربية سنة 1985، ص: 7 و8 و9

[2] أورده د/ محمد عابد الجابري ، مؤلف مذكور ص : 19

[3] YVETTE KATAN (Université de Paris I)L’école, instrument de la modernisation sous le protectorat français au Maroc? http://acta.bibl.u-szeged.hu/7634/1/mediterran_005_099-119.pdf

[4] Roger thabault : “L’effort de l’enseignement auMaroc”/ECOLE DU LIVRE RABAT. Page : 8

 وضعنا صورة للمبيان كما ورد في العرض المكتوب الذي قدمه روجي طابول.

[5]  كان عدد الأطفال المسلمين الموجودين في سن التمدرس سنة 1944: مليون وخمسمائة الف.

[6]  الدكتور محمد عابد الجابري، مرجع مذكور ص 39.

[7] YVETTE KATAN (Université de Paris I)L’école, instrument de la modernisation sous le protectorat français au Maroc? http://acta.bibl.u-szeged.hu/7634/1/mediterran_005_099-119.pdf

[8] Roger thabault : “L’effort de l’enseignement auMaroc”/ECOLE DU LIVRE RABAT. Page :14

[9] Roger thabault ibidem page 14

[10] YVETTE KATAN (Université de Paris I)L’école, instrument de la modernisation sous le protectorat français au Maroc? http://acta.bibl.u-szeged.hu/7634/1/mediterran_005_099-119.pdf

[11]  Roger thabault ibidem page 17

[12]  الدكتور محمد عابد الجابري، مرجع مذكور ص 40.

[13]  الدكتور محمد عابد الجابري، مرجع مذكور ص 56.

زر الذهاب إلى الأعلى