المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة الثامنة من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب: الميثاق والإجهاز على مكاسب الاجراء وتعديل المناهج لتتوافق مع حاجات السوق

  • ·        الميثاق والتأسيس للإجهاز على مكتسبات الأجراء التاريخية

يحبل الميثاق بكلام جميل عن العناية بأوضاع رجال ونساء التعليم ” للمربين والمدرسين على المتعلمين وآبائهم وأوليائهم، وعلى المجتمع برمته، حق التكريم والتشريف لمهمتهم النبيلة، وحق العناية الجادة بظروف عملهم وبأحوالهم الاجتماعية، وفقا لما ينص عليه الميثاق. ولهم على الدولة وكل هيئة مشرفة على التربية والتكوين حق الاستفادة من تكوين أساسي متين ومن فرص التكوين المستمر، حتى يستطيعوا الرفع المتواصل من مستوى أدائهم التربوي، والقيام بواجبهم على الوجه الأكمل.”[1] . لكن العقيدة الليبرالية المتبناة من قبل واضعي الميثاق لا تبقي من جميل الكلام إلا طعم الرماد في الأفواه، فبعد أن اعتبرهم مجرد “موارد بشرية” اعتبرت الدعامة الثالثة عشرة أن المطلوب مراجعة مقاييس التوظيف والتقويم والترقية، لتأتي المادة 135 ضمن نفس الدعامة لتوضح الطريق : “…ويتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد، على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات، وفق القوانين الجاري بها العمل “، لتكمل المادة 137 “يعتمد في ترقية أعضاء هيئة التربية والتكوين ومكافأتهم على مبدإ المردودية التربوية”، تلك المردودية التي لن يعود تقويمها يعود لهيأة التأطير والمراقبة (أي الجهة المختصة) بل كذلك باستشارة مجلس التدبير الذي يضم في تركيبته شركاء للمؤسسة. إنها المرونة تطل برأسها على قطاع التعليم. وإذ تقترن هذه المعايير مع فلسفة تعايش مساحيق التجميل الوطنية ونقيضها المتمثل في الإجراءات النيولبرالية التي تخترق الميثاق، وجب ان يُفهم أن التعاقد ونهاية التوظيف العمومي في التعليم هو المستقبل الذي يخبئه مهندسو الميثاق الفعليون للأجيال القادمة من المدرسين. وهذا ما انكشف منذ الموسم الدراسي2016/2017. وللتأسيس لذلك، وفي سياق الدعامة الخامسة عشرة المتعلقة بإقرار اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية والتكوين، أسندت للسلطات الجهوية للتربية والتكوين (الاكاديميات) مهمة “الاضطلاع بتدبير الموارد البشرية على مستوى الجهة، بما في ذلك التوظيف والتعيين والتقويم”[2]. لقد كان تفكيك وزارة التربية الوطنية وجعلها جهازا مهمته الأساس الضبط والتوجيه السياسي إجراء معلنا منذئذ. مطلوب من المدرسين إذن وهم يحتضنون “المهمة التربوية كاختيار واع وليس كمهنة عادية” أن “يلتزموا بفحوى هذا الميثاق”، أي أن يباركوا كل تراجعاته بل وأن يعتبروها محطات مضيئة في طريق إصلاح التعليم المنشود !!! حتى وهم يرون، أن حتى استقرارهم الوظيفي في أماكن تعيينهم أضحى مهددا بتشريع الميثاق لمبدإ “إعادة الانتشار”.

أسس الميثاق إذن لسيرورة مديدة لإعادة هيكلة العلاقة الشغلية والتدبيرية داخل قطاع التعليم، وفق المنظور المقاولاتي الذي يكتسح مسامه.

  • الميثاق والمناهج والبرامج الجديدة

كان المنهاج الدراسي موضوع خلاف دائم بين أقسام الطبقات السائدة، بين مُفَضِّلَة لتعليم يرتكز على “الهوية الدينية” للمغاربة في طبعتها التقليدية، وبين تيار عروبي يدعو لاستلهام النموذج المشرقي، وبين من يدعون إلى اتباع المناهج الفرنسية، وبين من يناضل من أجل تعليم شعبي علمي علماني.. لقد كان النقاش ينصب أساسا على المنطلقات والنتائج التي يبتغيها واضعو المناهج من زاوية نظر ايديولوجية. تمظهرت إشكالية المنهاج الدراسي أساسا في لغة التدريس، بينما بقي مضمون وأشكال وطرائق ووسائل التدريس غالبا على الهامش.

أتى الميثاق ليحاول إعطاء إجابات شاملة على الموضوع، لكن تلك الإجابات بقيت وفية لمنهجية الميثاق، قول الشيء ونقيضه، في انتظار الظرف الملائم لتمرير ما يراه الحاكمون وفيا لعلة الميثاق الأساس المتمثلة في بناء المدرسة المغربية الجديدة: المدرسة النيولبرالية.

يعتبر الكتاب المدرسي الحامل الأساس لمضامين المنهاج الدراسي، ويشكل مع ساعات التدريس والوزن الزمني للمواد ومحتوياته المضمونية بالإضافة إلى الموجهات البيداغوجية والديداكتيكية أركان المنهاج الدراسي. لقد أوكل الميثاق مسؤولية تأليف الكتب المدرسية لفاعلين من خارج المنظومة، يقترحون كتبا مدرسية وفق “ضوابط” معينة تحددها السلطات التربوية، ويعرضونها عليها للمصادقة. يمثل ذلك أحد أشكال ضرب وحدة المدرسة، وإدخال منطق التنافس السوقي في تأليف الكتاب المدرسي، رغم أن الميثاق أراد تخفيف وقع تلك الكلمة بقرن المنافسة بالشفافية، لكن متى وأين كان التنافس الربحي قائما على الشفافية؟

وسيرا على ذات طريقة الجمع بين المتناقضات اعتبر الميثاق تخفيف المحتوى وتبسيطه عامل رفع ل”جودة” التعليم[3]، بمعنى أن تخفيف المحتوى المعرفي، عوض تكثيفه وتيسير سبل التحكم فيه من قبل المتعلمين، هو علامة جودة وليس قهقرة لحضيض إنتاج متعلمين “خفيفي” المكتسبات المعرفية، بمعنى متعلمين يسهل اقتيادهم في سوق البشر. لا يتعلق الأمر باختيارات بيداغوجية تروم جودة مفترضة، بل بتطبيق حاذق لإحدى الوصفات الليبرالية المعروفة، “يشير كرستيان موريسون بوضوح وبوقاحة فظة، في وثيقة أصدرتها مصالح الدراسة بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين OCDE سنة 1996، إلى الكيفية التي يتعين على الفئة الحاكمة أن تتصرف بها. فبعد استعراضه لبعض الخيارات المتعذرة، تابع منظر هيئة التفكير الإستراتيجي للرأسمالية العالمية تلك قائلا: “بعد هذا الجرد للإجراءات المحفوفة بالمخأطر، يمكن، على العكس، اتخاذ العديد من التدابير التي لا تخلق أي صعوبة سياسية (…) فإذا قلصنا نفقات التسيير، فيتعين الحرص على عدم خفض كمية الخدمة، حتى ولو تراجعت نوعيتها. يمكن، على سبيل المثال، خفض اعتمادات تسيير المدارس أو الجامعات، ولكن من الخطر تقليص عدد التلاميذ أو الطلبة. فالعائلات ستعارض بقوة رفض تسجيل أبنائها، لكنها لن تعارض تقليصا تدريجيا لنوعية التعليم”[4].

كان حل الميثاق لمسألة لغة التدريس تلفيقا واضحا، بين إعطاء مكانة مرموقة للغة العربية والاعتناء الفائق باللغات الأجنبية وإفراد مكانة للغة الامازيغية بالانفتاح عليها. لكنه تلفيق مقصود مفتوح على فرض نموذج لغوي يخدم الغايات الأساس للميثاق: توفير يد عاملة منقادة وقابلة للتكيف مع شغل هش.


[1] اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين/ المادة 17

[2] اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين/ المادة 146

[3]  اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين/ المادة 104

[4]  أورده نيكو هورت، في “المحاور الثلاثة لتحويل المدرسة غلى سلعة”، تعريب فريق الترجمة بلجنة الإعلام والدراسات والتكوين – اطاك المغرب مجموعة اكادير

زر الذهاب إلى الأعلى