لماذا القافلة التضامنية؟
تشهد واحة فكيك احتجاجات متواصلة منذ أكثر من سنة ( نهاية أكتوبر 2023 ). خرج السكان خلالها إلى الشارع رافضين تحويل موردهم الرئيس ، الماء، إلى سلعة تُدبر وتُوزع من قبل الشركات الجهوية متعددة الخدمات التي تتيح للقطاع الخاص بالاستثمار فيها طمعا في تحقيق الأرباح . كان للسكان رأي مغاير لذلك الذي حاولت أجهزة الدولة الإقليمية فرضه ، حين أرغمت المجلس الجماعي على إعادة الدورة الرافضة للانضمام للشركة الجهوية متعددة الخدمة ( الشرق). خرجوا/ن رافضين/ات لبيع وتسليع الماء تحت شعار ” لا للشركة “. استمر الحراك سنة بكاملها، واجه فيها جميع أنواع الضغوطات واعتقال أحد نشطاءه الرئيسيين محمد الابراهيمي الملقب بـ “موفو” والحكم عليه بثمانية أشهر سجن نافذة، وأيضا على احدى نشيطاته زايد حليمة ابتدائيا واستئنافيا بستة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها ألفي درهم. على مستوى المجلس الجماعي هناك تسعة أعضاء رافضين، وتسعة أعضاء موافقين للانضمام لمجموعة الجماعات الترابية الشرق للتوزيع. قد ينضاف صوت الرئيس ليعتمد التصويت لصالح الأخيرين. يعتمد الأمر على إصرار الحراك وقوته. ومن هنا ضرورة التداول حول آفاق الحراك بناء على حصيلة سنة من صموده، واشكال توسيع شراراته الى باقي المناطق في المغرب. في هذا السياق تأتي القافلة التضامنية المنظمة من قبل الائتلاف الوطني لدعم الحراك بفكيك .
القافلة التضامنية
انطلقت، من الدار البيضاء نحو فكيك، قافلة تضامن منظمة من قبل الائتلاف الوطني لدعم الحراك بفكيك بتنسيق بين التنسيقية المحلية للترافع حول ماء فكيك، تحت شعار “الصمود والوحدة والتضامن من أجل الحقوق والكرامة”. امتد برنامج القافلة ذهابا وإيابا لمدة أربعة أيام من 14 الى 17 نونبر 2024. شارك في القافلة اكثر من 45 مناضلا/ة بانتماءات نقابية وسياسية وحقوقية وجمعوية مرفوقة بممثلة عن الصحافة الحرة والمستقلة، جاءوا/ ن من مدن وجدة وأحفير وبوعرفة وطاطا والدار البيضاء وأكادير والصويرة والرباط وكرسيف وتاهلة وسطات والرشيدية …
شمل برنامج القافلة الحضور في الوقفة الاحتجاجية يوم الجمعة 15 نونبر2024 التي أعلنتها التنسيقية وقفة التضامن الوطني ،و لقاء تواصلي مع النساء مساء نفس اليوم. تضمن صباح يوم السبت 16 نونبر زيارة لمنابع الواحة و بعد الزوال ندوة / مائدة مستديرة تحت شعار “الماء بين السياسات العمومية ومطالب الساكنة”، من تنظيم جمعية النهضة في فكيك.
الاستقبال :
علق الأطفال حين رأوا دخول حافلة التضامن لفكيك ” أتى من سيطرد الشركة”. حرارة الاستقبال تعبر عن فرحة السكان بالتضامن الوطني ووقعه عليهم. إحتفى المناضلين /ات الفكيكيون /ات بالمشاركين/ات في القافلة رافعين/ات شعارات التضامن ورفض خوصصة الماء. كان الترحاب بالمتضامنين كبيرا، عبر عنه الناس الذين التقيناهم في الوقفة أو أثناء التجوال في الواحة. شاءت الصدف أن نزور “مركز بلقاسم وزان لحفظ الذاكرة ” مركز بيافطات تعريفية بأحداث دموية شهدتها منطقة فكيك ووجدة … المركز جهزته هيئة الانصاف والمصالحة وعبر مناضلين عن ذلك بالقول ساخرين ، “هذا ما نلناه من جبر الضرر الجماعي”. فتح الناس بيوتهم للمتضامنين/ات حيث قضينا ليلتين هناك.
الوقفة
تبعد ساحة الاحتجاج كثيرا عن الناس الذين ألفوا قطع هذه المسافة كل يومين في الأسبوع من أجل وقفة الاحتجاج وتجسيد رفض تسليع الماء. خلال هذه الوقفة، كان أغلب الحاضرين/ات نساء . حيث جرى نقلهن بواسطة السيارات المحلية وسيارات أفراد الجالية ومركبات إلى الساحة دائمة الاحتجاج، أمام جماعة فكيك، حتى يتاح لهن حضور الوقفة و إرجاعهن للمنازل إثر إنتهائها وقد تكبدن المجيء رغم أنهن منشغلات بجني التمور ( هذا الموسم هو موسم جني التمور).
ركزت جل الشعارات على رفض تسليع مورد الماء ويعبر التداول الكبير لشعار الأمازيغي ” ارزم ارزم الروبيني … لخلاص أوريلي” أي ما معناه ” افتح افتح الصنوبر … الأداء ممنوع” لوعي بأن الشركة ستنزع حق استغلال وتدبير الماء من مستغليه المباشرين. كانت هناك راية فلسطين والكوفيات المعبرة عن التضامن الإنساني مع سكان غزة. أخبرنا المنظمين بأن هناك رجل عجوز يبلغ من العمر 105 دائم الحضور ولم يُفوت يوما إحداها.
اللقاء النسائي
شارك في اللقاء النسائي ما يقارب 30 امرأة فكيكية بحضور المناضلات المشاركات في القافلة. تداولن في أمور الواحة والضغوطات التي يتعرضن لها وأرائهن في الحراك ومشاركتهن الدائمة فيه.
منابع المياه
شهدنا أثناء الزيارة اعتماد سكان فكيك الكلي على مياه الينابيع كمصدر لتلبية الاحتياجات المنزلية وماء الشرب علاوة على كونه ركيزة نظام الزراعة المعيشية في الواحة وأساسا إنتاج التمور والخضروات. كما رأينا الآبار القديمة التي توفر مياه الشرب و الوضوء والحمامات. لاحظنا خلال تفقدنا لمنابع المياه في واحة فكيك تناغم تدبير المياه الجماعي وتوزيعها مع تغير بنية السكن، حيث يشكل التضامن والتعاون جوهر العلاقات القائمة في الواحة. هذه الأخيرة ، كبيرة، مكونة من بساتين النخيل ومنازل سكنية خاصة بالفلاحين وتتوسطها سبعة قصور، جد نظيفة. تشتغل جمعيات السكان وتستغل القصور العتيقة لتنظيم وتدبير شؤونهم. إن هذا العمل الجمعوي القاعدي هو ضامن نظافة وحسن تدبير السكان لشؤون الواحة.
الندوة:
حضر الندوة ما يقارب 300 مشارك أغلبهم/هن نساء، من أجل فهم سياق الهجوم على مورد الماء والتجارب التي التي قاومت تسليع الماء بمختلف المناطق المغرب . لم تتسع القاعة لكل الذين /اللواتي رغبن /رغبوا في حضور العرض، بحيث ظل العديد منهن واقفا حتى انتهت الندوة. ساهمت جمعية أطاك المغرب بمداخلة قدمها الكاتب العام عمر أزيكي حول سياسات الدولة لتسليع الماء وآفاق النضال انطلاقا من الحراك الشعبي بفكيك. إن من يحضر أو تحضر الوقفات هي أو هو من جاء لحضور الندوة. تشكل هذه المبادرة تجسيدا عمليا للتثقيف الشعبي. جرى خلال النقاش تداول أفكار حول ضرورة الربط بين التنسيق بين الحراكات المختلفة القريبة من فكيك أي بوعرفة ووجدة… أو البعيدة كطاطا مثلا . أثمرت الندوة توصيات نتمنى أن تشكل حافزا لكل الهيئات المشاركة في القافلة لتوسيعها وتنزيلها محليا حتى نتمكن من ضمان تضامن شعبي في باقي الواحات والمناطق المتضررة من سياسات الاجهاز على حق تدبير الماء وتحويله لسلعة.
تقرير وحيد عسري وجبهة محمد