مداخلة إريك توسان لتقديم التقرير التمهيدي للجنة تقصي الحقيقة في الدين العمومي اليوناني أمام البرلمان اليوناني يوم 17 يونيو 2015.
شكرا جزيلا للسيدة رئيسة البرلمان، شكرا لجميع الحاضرات والحاضرين.
مرة أخرى، يشرفني ويشرف جميع أعضاء لجنة تقصي الحقيقة في الدين اليوناني أن آخذ الكلمة أمامكم من أجل تقديم وإتمام ما قدمته لتوه رئيسة البرلمان بشكل مختصر فيما يخص أشغال لجنة تقصي الحقيقة. إن لشرف لي أيضا أن أشارك في هذه الجلسة بمشاركة الوزير الأول ووزراء ونوابهم في الحكومة اليونانية، وكذا مختلف النواب البرلمانيين الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في هذه الجلسة التاريخية.
أريد أن أبسط لكم الطريقة التي اشتغلنا بها في اللجنة. يتعلق الأمر، كما ينص على ذلك العقد الرسمي لتأسيس اللجنة، بتحليل دقيق وصارم لسيرورة استدانة اليونان منذ الثمانينات حتى سنة 2015، مع إعطاء الأولوية للفترة الممتدة بين 2010 و2015. وسنقدم خلال هاذين اليومين تحليلا لتطور الديون في الفترة الممتدة بين 1980 و2008، ثم الفترة ما بين 2009 و2010 حتى 2015 التي تشكل الجزء الرئيسي لهذا التقرير التمهيدي. وقد طرحنا السؤال التالي فيما يتعلق بتحليل هذه المرحلة: ما هو التشخيص الذي يمكن وضعه بصدد الأزمة؟ وما هي الشروط التي جرى فيها التوقيع على مذكرة الاتفاق في ماي 2010؟ وما هو التحليل الذي يمكن وضعه بصدد العلاجات والحلول التي قدمت ابتداء من سنة 2010؟. كما تعلمون، لمعالجة مشكل أو مرض أو حل أزمة يجب وضع تشخيص جيد. وبالتالي، حللنا التشخيص الذي قدمه مختلف المتدخلين الرئيسيين. وما هو التشخيص الذي قدم آنذاك للرأي العام الدولي والهيئات القيادية خصوصا صندوق النقد الدولي وكذلك الحكومة اليونانية والبنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية؟
التشخيص كان على النحو التالي: توجد اليونان في وضعية لا تحتمل من ناحية العجز العمومي وحجم الديون التي يجب استردادها. فالمشكل حسب هذا التشخيص يكمن في المالية العمومية وفي طريقة معالجة العجز العمومي. بعد تحليلنا للوضعية بشكل دقيق، توصلنا إلى أن هذا التشخيص لا يطابق حقيقة الواقع. فلا يكمن المشكل الأساسي في الديون العمومية بل في خلق فقاعة مضارباتية في الديون الخاصة التي منحت من قبل بعض البنوك الكبيرة الأوروبية أساسا الألمانية والفرنسية، والبنوك الخاصة اليونانية. بين 2001 و 2009 تضاعفت القروض الاستهلاكية التي منحتها البنوك الخاصة للأسر بسبع مرات، وتضاعفت القروض التي منحتها للمقاولات بأربع مرات. هذا في الوقت الذي ارتفعت فيه تلك القروض التي منحت للسلطات العمومية بنسبة 20%. فالارتفاع الكبير هم إذن الدين الخاص. إن الوضع الذي عاشته اليونان في 2008 و 2009 كان شبيها جدا، عكس ما قيل أنداك، بما وقع في الولايات المتحدة الأمريكية بين 2002 و 2007 وأدى إلى الأزمة البنكية التي نعرفها. كان شبيها جدا بالأزمة البنكية التي عاشتها إيرلندا في 2008 مع النتائج التي نعرفها. كان شبيها أكثر بالوضع في اسبانيا التي حصلت، مثل اليونان، على قروض كبيرة جدا منحت من قبل مؤسسات مالية خاصة ألمانية وفرنسية. لا نتحدث عن مئات البنوك، بل عن ثلاث بنوك فرنسية كبرى (BNP Paribas، القرض الفلاحي، الشركة العامة) التي استولت على فروع بنكية في اليونان.
فقد اشترى القرض الفلاحي الفرنسي مثلا البنك التجاري اليوناني Emporiki الذي تمت خوصصته في سنة 2006 ، ويمكن أن نضيف بعض البنوك الألمانية ثم البنوك اليونانية التي عرفت هي نفسها أيضا درجة كبيرة من التركز. كانت هناك إرادة في سنوات 2000 لتطوير القروض الخاصة بشكل كبير، ورفع استدانة الأسر والمقاولات عبر المال السهل. وانفجر المشكل في 2008 باليونان، كما في بلدان أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية، عندما قامت الحكومات الأوروبية التي ساندتها اللجنة الأوروبية بضخ رساميل في البنوك الخاصة وتقديم ضمانات حكومية لمبالغ كبيرة جدا.
في أوروبا، مثلت هذه المبالغ (رساميل وضمانات) 4 آلاف مليار يورو. وفي نهاية 2008، تبنت حكومة كارامنليس Karamanlis خطة إنقاذ حازت بموجبها على مبلغ 28 مليار يورو ضخت منها 3,5 مليار كرساميل في البنوك اليونانية من أصل 5 مليار كانت متوقعة. ما هي مستتبعات ذلك؟ ارتفعت معدلات الفائدة التي سددها اليونان في بداية 2009 لأن الدائنين اعتبروا ان اليونان تحملت مسؤولية ضمانة ديون البنوك اليونانية، كما فعلت الحكومات الأخرى عبر العالم، وبالتالي عليها الأداء عن هذه المخاطرة بتأدية معدل الفائدة الحقيقي وهو مرتفع جدا.
في 2009 و 2010 كانت البنوك اليونانية وكذا البنوك الخارجية الكبرى التي منحتها القروض في وضع حرج جدا. وحتى بنوك الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت جد متداخلة مع بنوك أوروبا الغربية، أساسا الفرنسية والألمانية، كانت متخوفة من إصابتها بعدوى أزمة بنكية في اليونان. وكان المشكل بالنسبة للجنة الأوروبية هو الحرص على تفادي هذه الأزمة البنكية. لكن في نهاية 2009 بداية 2010، لم يكن آنذاك ممكنا للحكومات الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية وصندوق النقد الدولي الحديث عن إنقاذ البنوك الخاصة. فقد تطور وعي عام، ولم يكن ممكنا أن يتقبل الرأي العام اليوناني والأوروبي ذلك. لذا قرروا منذ ذلك الحين تضخيم أزمة المالية العمومية اليونانية. صحيح ان الديون العمومية اليونانية ارتفعت بشكل مهول. صحيح أن الأمر كان يحتاج إلى تقليص جزء من الديون وإلغاء جزء آخر. كانت الديون العمومية اليونانية في حاجة إلى إعادة هيكلة. لكن التهويل كان مقصودا وحتى بتزوير الاحصائيات (عملية التزوير هذه هي الآن رهن مسطرة المتابعة الجنائية باليونان). جرى تضخيم العجز الضريبي العمومي اليوناني.
كان كارامنليس قد أعلن، في أكتوبر 2009 يومين قبل الانتخابات التي سيخسرها، عن عجز بنسبة 6%. ثم تبعه باباندريو الذي أعلن في مارس 2010 عن نسبة 14%. وهو ما منح الحجة لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية والسلطات اليونانية للتأكيد على ضرورة خطة إنقاذ لليونان. وخيضت حملة في أوروبا تقول بأن 14 حكومة بمنطقة يورو تتضامن مع المواطنين اليونانيين، وستمنح قروضا تمكن الحكومة اليونانية من صرف الأجور ومعاشات التقاعد، وتحول دون عجز اليونان عن تسديد ديونها، وبالتالي تفادي انهيار الأسواق المالية. لقد خلقوا فكرة ان المشكل لا يكمن في الدين الخاص أو في الأزمة البنكية بل في الديون السيادية، وهي حجة بالغة لفرض سياسات تقشف عنيفة باليونان وفي بلدان أخرى.
ما يمكن استنتاجه حتى الآن، عكس الفكرة السائدة التي رسختها وسائل الاعلام في ذهن الرأي العام والتي نجدها في وثائق رسمية، هو أنه ليس هناك أي استثناء يوناني. الاستثناء اليوناني سيأتي في الحقيقة بعد خضوع اليونان للشروط المجحفة والاستثنائية التي فرضها عليها الدائنون والتي حددت في مذكرات تفصيلية متتالية، وتراجعها كل ثلاث أشهر لجن مراقبة تابعة للجنة الأوروبية وصندوق النقد الدولي تحث يوما عن يوم على تغيير القوانين اليونانية، وتقليص الحد الأدنى القانوني للأجور بنسبة 25% للأجراء الذين تفوق أعمارهم 25 سنة، وبنسبة 32% للأجراء الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة، وإلغاء الشهرين 13 و 14 من تعويضات أجراء القطاع العام والخاص والمتقاعدين، وإغلاق المستشفيات، إلخ.
جميع هذه الإجراءات الجهنمية دونت قانونيا على شكل إجراءات حددها الدائنون بدقة. وهذا استنتاج ثان هام جدا. لسنا أمام وضعية يجتمع فيها الدائنون لمنح قروض لسلطات عمومية تفعل بها ما تراه مناسبا. إننا أمام وضعية منحت فيها القروض بشروط خاصة جدا، وحيث يتم فيها تعليق دفع المبالغ المالية إذا لم تطبق الإجراءات المفروضة من قبل الدائنين. ويشاهد الرأي العام الدولي ذلك منذ أربعة أشهر. سددت اليونان منذ يناير 2015 مبلغ 7 مليار يورو دون أن يدفع الدائنون ولو فلسا واحدا. فهم يعتبرون ان الإجراءات التي اتخذتها اليونان لا تتطابق مع متطلبات الدائنين.
لدينا كامل الحجج، والرأي العام الدولي يرى ذلك بأم عينيه كل يوم، بأن الدائنين يفرضون مشيئتهم بشكل صارخ على الحكومة اليونانية. تحاول السلطات اليونانية وفاء لثقة ناخبيها ان تقطع مع التبعية ومع التقشف وتقاوم هذه الإجراءات التي يجري فرضها بصيرورات غير ديمقراطية. منذ 2006 وأنا أقوم بزيارات منتظمة لليونان، وأتذكر جيدا وفي قبة البرلمان هذه، تلك المذكرة التي تضمنت 800 صفحة اضطر البرلمانيون اليونانيون للتصويت عليها في ظرف 24 ساعة تحت طائلة وقف صرف المبالغ المالية بعد يومين من طرف اللجنة الأوروبية. هكذا يجبر الدائنون البرلمان اليوناني على المصادقة على القوانين بشكل عنيف جدا.
لنعد الى 2010. أرسي نظام الترويكا، وقدمت مذكرة الاتفاق. لدينا وثائق منحها لنا البرلمان اليوناني، لأن هناك مسطرة جنائية فتحت الآن في هذا البرلمان بالضبط، وهي وثائق سرية لصندوق النقد الدولي وخاصة هذه الوثيقة التي تحمل تاريخ 25 مارس 2010 التي قدمها للبرلمان اليوناني روميليوتس (Panagiótis Roumeliótis ممثل صندوق النقد الدولي لدى البرلمان اليوناني في 2010). تتضمن هذه الوثيقة صفحتين لكنها تركز بوضوح ما سيحصل: تقليص الأجور، تقليص معاشات التقاعد، تقليص النفقات العمومية بشكل سيؤدي إلى انخفاض كبير في الناتج القومي الخام، سيرتفع الدين العمومي ليبلغ نسبة 150% من الناتج الداخلي الخام في سنة 2013. إن هذه الوثيقة تكشف بجلاء كون صندوق النقد الدولي يعرف تماما بأن الإجراءات التي يمليها ستكون تكلفتها الاجتماعية والاقتصادية باهضة جدا. وهذا يتعارض بكل بساطة مع قوانين صندوق النقد الدولي التي تنص على أن الصندوق لا يمكنه منح القروض لدولة عضو إلا إذا كانت هذه الدولة قادرة على تحمل أعباء هذا الدين. إنه يخرق قوانينه الخاصة وهو يعرف تماما بأن القروض التي سيمنحها لليونان ستؤدي إلى احتداد المديونية العمومية بشكل كبير جدا. فكيف صوت مجلسه الإداري يوم 9 ماي 2010 على قرار منح القروض لليونان؟ قام بذلك عبر مؤامرة داخلية. فقد قدم أعضاء من صندوق النقد الدولي لقيادة الصندوق وثيقة تغير القوانين، وتنص بشكل استثنائي على أن صندوق النقد الدولي يمكنه منح القروض لدولة عضو إذا تبين أن عدم منحها القرض سيؤدي إلى عدوى في الأسواق المالية. كان الأمر عبارة عن مؤامرة لأن الوثيقة لم تقدم بشكل صريح للاجتماع. وقد احتج عدد من المدراء التنفيذيين في صندوق النقد الدولي من مجموع 24 مديرا تنفيذيا على عدم احترام قوانين الصندوق. لكن القيادة ردت عليهم بكونهم لم يطلعوا جيدا على النص الذي يتضمن تعديلا وجب التصويت عليه. أرغم إذن قياديو الصندوق على التصويت في نفس الآن على التعديل وعلى منح قرض لليونان يعادل 32 مرة حصتها لدى الصندوق. خرج احتجاج هؤلاء المدراء بعد ذلك إلى العلن، وضمنهم المدير التنفيذي السويسري والبرازيلي، وأعلنوا صراحة بأن مخطط صندوق النقد الدولي يهدف صراحة إلى إنقاذ البنوك الخاصة الفرنسية والألمانية وأيضا البنوك اليونانية. وماذا كان جواب المدراء التنفيذين الألمانيين والفرنسيين والهولنديين؟ وفق التقرير الرسمي الكامل لصندوق النقد الدولي الذي نملكه بين أيدينا، أكد المدراء التنفيذين الألمانيين والفرنسيين والهولنديين، لإقناع زملائهم الآخرين، على أن البنوك الفرنسية والألمانية والهولندية لن تبيع سندات اليونان في السنتين المقبلتين. وتبين أن ذلك ليس سوى كذب وبهتان، حيث يعرف الجميع بأن البنوك الفرنسية والألمانية والهولندية باعت سندات اليونان. حبكت هذه المناورة من أجل أن تقبل قيادة صندوق النقد الدولي الانضمام إلى الترويكا. علمناأيضا من روميليوتس الذي أدلى بشهادته أمام لجنتنا في جلسة عمومية، بأن رئيس البنك المركزي الأوروبي آنذاك كان في نفس الوقت يهدد اليونان بقطع دفوعات مبالغ القروض التي منحها البنك المركزي الأوروبي للبنوك اليونانية. وهذا يذكرنا بنفس الابتزاز الذي يقوم به الرئيس الحالي للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراكي Mario Draghi لإخضاع حكومة أليكسي تسيبراس. إن التهديد بوقف دفوعات السيولة استعمل سابقا في مارس وأبريل 2010 بهدف منع اليونان من المطالبة بإعادة هيكلة ديونها العمومية، وبهدف وضع مذكرة اتفاق بمبلغ 110 مليار يورو دون أي إعادة هيكلة للديون. ويعرف الجميع اليوم أن ذلك تم من أجل أن تتمكن البنوك الفرنسية والألمانية والهولندية وغيرها من بيع سندات اليونان في السوق الثانوية لآخرين، خاصة البنوك القبرصية التي ثم إغراؤها والاحتيال عليها حتى اشترت هذه السندات بأثمان باهضة. وطبعا تكاليف ذلك سيتحملها المواطنون القبرصيون. منحت الإمكانية أيضا للبنوك اليونانية لتبيع نصف السندات اليونانية التي كانت تملكها، حيث كان تملك 43 مليار يورو من السندات اليونانية ولم يبق لديها سوى 20 مليار بعد عامين. هذه البنوك الخاصة الكبرى كانت لها علاقات مباشرة مع البنوك اليونانية عبر وباباندريو وحكومته، ومع السلطات الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وتهيمن بشكل واسع على وسائل الإعلام، مما يمنحها القوة للقيام بتواطئات لإجبار اليونان على قبول مذكرة اتفاق، وأقصد البرلمان اليوناني لأن الحكومة اليونانية كانت متواطئة. هذه هي قصة مذكرة الاتفاق المفروضة سنة 2010.
وأريد أن أشير إلى وجود مؤشرات الخرق واللاشرعية واللامشروعية في الصيرورات المتبعة، كما كان هناك خرق سافر للدستور اليوناني في 2010 وخلال توقيعات مختلف مذكرات الاتفاقات المفروضة. وأريد أن أضيف شيئا حول إعادة هيكلة الدين العمومي اليوناني. في 2012، يقدم من جديد للرأي العام الدولي خطاب مغلوط مفاده أن البنوك الخاصة ستشارك لأول مرة في مجهود إعادة هيكلة الديون اليونانية، وبأن التكاليف لن يتحملها المواطنون هذه المرة بل البنوك. وسيتم تقليص قيمة سندات اليونان بشكل كبير.
لقد قلنا بأن البنوك الكبرى سبق لها أن تخلصت من جزء كبير من هذه السندات لصالح بنوك جديدة ستتأثر بهذا التقليص. وكان البنك المركزي الأوروبي قد اشترى سندات اليونان في سنة 2011 ورفض المشاركة في إعادة الهيكلة لسنة 2012. ومن واجبنا أن نقول للرأي العام بأن الأموال التي سيطلبها البنك المركزي الأوروبي لليونان في يوليوز وغشت المقبلين، والتي تقدر بحوالي 17 مليار يورو، هي سندات اليونان اشتراها البنك الأوروبي في السوق الثانوية بأثمان ناقصة. وبالتالي، يستغل البنك المركزي الأوروبي بطريقة كريهة وتعسفية هذه الوضعية ويمارس من جديد ابتزازه على السلطات اليونانية. وعلى العكس، في 2012، من الذي أدى تكاليف إعادة هيكلة الديون اليونانية؟ إنها صناديق الحماية الاجتماعية وصناديق المعاشات اليونانية التي خسرت أكثر من نصف أموالها. إذا كان صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي يطالبان اليوم بتقليص معاشات التقاعد لإن الوضعية المالية لصناديق الحماية الاجتماعية والخزينة العمومية لا تسمحان بمواصلة المجهودات المالية، فهذه المؤسسات الدائنة هي نفسها التي كانت السبب في هذه الوضعية بتقليصها لميزانيات صناديق المعاشات والتقاعد. حاز الدائنون الخواص على حوافز مالية قدرت بحوالي 30 مليار يورو وحوافز أخرى لتقليص خسائرهم.
اشترى هؤلاء الدائنون بمحض إرادتهم سندات اليونان وهو يعرفون مخاطرها، عكس عمال شركة الطيران اليونانية المطرودين الذين فرضت عليهم سندات مقابل تعويضهم عن الطرد. ونفس الأمر ينطبق على صناديق المعاشات التي أجبرت على شراء سندات اليونان ضدا على إرادتها. الأجراء وصناديق المعاشات هم الذين تحملوا فعلا تكاليف إعادة هيكلة الديون اليونانية وليس البنوك الخاصة. هناك إذن سياسة تمييز واضحة نتج عنها ظلم اجتماعي صارخ ولها مستتبعات على المدى البعيد، وهي احتداد أزمة صناديق التقاعد. ويمكننا القول بالنسبة لمذكرة الاتفاق الثانية بأنها مطبوعة بخروقات وبمؤشرات غير مشروعة وغير شرعية وكريهة. يمكن القول أيضا باقتضاب بأن فقط 10% من مبالغ القروض المعلن عليها هي التي وصلت فعلا إلى صناديق الميزانية اليونانية. فأغلب مبالغ القروض أعيدت في حينها، هذا إذا كانت قد وصلت بالفعل، لأننا لا نتوفر بعد على حجة أن المبالغ وصلت وفي أي حساب وضعت، وما زلنا نطالب كلجنة وبرلمان بالحركات المالية بين حسابات البنك المركزي اليوناني والبنك المركزي الأوروبي. وقد رفض مدير البنك المركزي اليوناني مدنا بهذه المعطيات متذرعا بأنها مشمولة بمبدأ السر البنكي. يمكن القول أيضا بأن جزءا كبيرا من مبالغ القروض قدرت بــ 45 مليار يورو ذهبت إلى إعادة رسملة البنوك اليونانية الخاصة، رغم تكرار السلطات أنها لن تنقذ البنوك الخاصة بالمال العام. وهذا سمح لبنوك كبرى بشراء بنوك صغرى واحتداد عملية التركز البنكي في اليونان. ورغم ذلك، مازالت وضعية القطاع البنكي اليوناني حرجة. وهذا ما يسمح للبنك المركزي الأوروبي بمواصلة ابتزازه بوقف محتمل لدفوعات السيولة المالية لمزيد من الضغط على السلطات اليونانية. ويمكن أن نضيف بأن مذكرة الاتفاق تضمت أيضا خوصصة الممتلكات العقارية اليونانية من شواطئ ومنابع مائية ومناطق سياحية، إلخ عبر إنشاء صندوق يسمى تابيد Taiped يشرف على عملية التفكيك. جرت خوصصة 28 عقار عمومي ووضعت أموال البيع في حساب يتحكم فيه الدائنون، أي أن أموال الخوصصة ذهبت إلى حسابات الدائنين وليس إلى حسابات الدولة اليونانية. هذا مع العلم أن هذه العقارات هي مرهونة بقروض وعلى الدولة اليونانية أن تواصل تسديدها على شكل مبالغ كراء. وفي المحصلة، ستؤدي الدولة اليونانية للمالك الخاص الجديد، بعد سنوات، ثلاث أضعاف ما حصلت عليه من عملية الخوصصة. يعني أن الخوصصة هي أداة تدمير الممتلكات العمومية، ولا تسمح بتقليص العجز العمومي بل تغذي أرباح الخواص. وهذا ما يبن بوضوح لامشروعية هذه الإجراءات.
أنهي مداخلتي وأنا متأكد أن أشغال اليومين القادمين ستسمح لنا بامتلاك جميع تفاصيل هذه الإجراءات، والتي ستمنح حججا للحكومة اليونانية والبرلمان اليوناني، ولجميع الصحفيين الصادقين الذي يسعون فعلا إلى إخبار الرأي العام وإجلاء الحقيقة حول الدين اليوناني كما تسعى إلى ذلك لجنتنا هذه. ومرة أخرى شكرا للجميع.
تعريب جمعية أطاك المغرب.