بيانات وتقارير

فيضانات سيدي إفني خسائر الكادحين أرباح للرأسماليين

 

لم تسلم مدينة سيدي إفني من غضب الطبيعة وكوارثها التي فاقمها تجاهل المسؤولين وصمتهم أمام المطالبات الشعبية منذ 2005 بتنمية المنطقة. أغرقت الفيضانات مدينة الاحتجاج الشعبي وخلفت خسائر في البنية التحتية التي عجزت بشكل تام عن مقاومة مياه الفيضان.

انقطعت السب بالكادحين داخل المدينة بعد أن عزلتهم المياه عن العالم وتقطعت سبل الإمداد بالمساعدات لتصل جوا عبر مطار كلميم وبحرا عبر ميناء المدينة  بعد أن عم نداء الإستغاثة ووصل صداه أرجاء الوطن والمعمور عبر مواقع التواصل الإجتماعي كجسر إعلامي تم إستغلاله هذه المرة بشكل تضامني وإنساني حرك المياه الراكدة ويعود الفضل في ذلك الى شباب المنطقة.

 

 وفي مايلي  جرد أولي للخسائر بهذه المدينة ونواحيها :

 

مدينة سيدي إفني:

 

تقع مدينة سيدي إفني على ساحل المحيط الاطلسي في حبيسة جغرافية بين الجبال في منحدر يصلها بالمستوى المنخفض في إتجاه البحر، لم يكن واد سيدي إفني أكثر رحمة من واد أم العشار بل كان أشد وقعا وقسوة على مقاتلي الجبال بأيت بعمران، حيث عاشت المدينة عزلة إستثنائية مع تقطع كل السبل المؤدية الي المدينة:

توقف الطريق في إتجاه تيزنيت بسبب حمولة الواد، والطريق المؤدية إلى مدينة كلميم جرفت بالكامل في جزء رئيسي منها كأنها لم تكن يوما بفعل قوة التيار ومنسوب المياه المرتفع، هذا ما حل بمحيط المدينة التي تحولت إلى جزيرة وسط السيول، فإلى جانب كل هذا غرقت المدينة في الظلام بعد انقطاع التيار الكهربائي والماء الشروب الذي طال انقطاعه مدة تزيد عن أربعة أيام إذ لجأت الدولة الى توزيع المياه على المنكوبين بالصهاريج في الازقة والشوارع ونظرا لقلة عددها وضعف تغطية حمولتها فإنها عرفت إزدحاما شديدا عليها، بالإضافة الى إنقطاع شبكة الاتصالات وأضرار بالغة لحقت بشبكة الصرف الصحي بالإضافة الي جرف الطرق المعبدة، وأطنان من الأوحال، في ظل هذه العزلة عرفت الاسواق شحا كبيرا في قنينات الغاز المنزلي و الخضر والأدوية.

أصبحت المدينة بفعل فيضان واد سيدي إفني مقسمة الى ضفتين؛ حي كولومينة (حي للامريم) الذي أصبح معزولا عن باقي أطراف المدينة، وحوصر سكانه من كل الجهات مع تحطم كامل للقنطرة الرئيسة قرب الدائرة، في حين صمدت قناطر خلفها الاستعمار الإسباني بالمدينة، مما دفع الدولة الى الاستعانة بمروحية عسكرية لنقل المرضى للاستشفاء (خصوصا مرضى القصور الكلوي).

يذكر أن مدينة سيدي إفني لم تشهد سقوط ضحايا جراء الفيضانات، فقد تم اتخاذ تدابير وإجراءات استباقية: تم  إخلاء المنطقة السياحية “الكومبينغ” بمنطقة الكورنيش من الأجانب، كما تدخل رجال الوقاية المدنية لمساعدة حوالي 12 شخص حاصرتهم المياه بالمدينة، بالإضافة إلى تضرر بعض المنشأت الخاصة التي جرفت السيول محتوياتها (شركة خاصة+ باركات) وفندق محادي لمجرى الواد.

تضرر الحي الشعبي المعروف بالبرابر من الجهة السفلى قرب الفلاحة، بانهيارات وتصدعات في المنازل التي تأوي الفقراء، وتجدر الإشارة الى أن منكوبي حي لبرابر يسكنون حاليا الخيام قرب المطافي في إنتظار الدعم والمساندة على تجاوز ما خلف الفيضان.

من بين المتضررين بشكل كبير الفلاحون الذين يعتمدون في عيشهم على ما تنتجه الضيعات “جرادي” المحاذية لمجرى الواد حيث جرفت أجزاء منها أو تم إغراق المزروعات.

 

جماعة أملو:

 

تقع هذه الجماعة في الحيز المجالي لعمالة إقليم سيدي إفني، وتشمل عدة قرى متضررة وهي:  دوار إدموسكنا و دوار أسيف لعروسي ودوار الزاوي.

 يعيش في هذه الدواوير الفلاحون الفقراء وكسابة الماشية وذوو الدخل المحدود حيث  حاصرت السيول هذه الدواوير لتنقطع بهم كل السبل الى حين انخفاض منسوب الفيضان، كذلك شهدت هذه الدواوير خسائر تتراوح بين انهيارت كلية  في المنازل المشيدة بالطين وأخرى جزئية، التجأ السكان المنكوبون الى مقر القيادة الذي صار المأوى الوحيد لمن دمرت منازلهم، في انتظار مساعدات عاجلة لتشييد منازل تحفظ لهم السلامة والأمن.

 

جماعة تنكارفا:

 

وتضم الدواوير المتضررة التالية: إيد بركا وإيد حيمود وتنغيلاست و بومهاود.

أكد مجموعة من النشطاء أن دوار تنغيلاست تضرر بشكل كبير جدا فقد أعادت السيول رسم ملامحه بشكل موجع، غالبية قاطنيه فقراء لا يستطيون تغطية الخسائر الناجمة عن غضب الطبيعة، فلا قدرة مادية لهم على البناء وتشييد المنازل بالإسمنت والحديد، أناس بسطاء يعيشون حياة الكفاف، ويصارعون الموت بشظف العيش، غالبية سكان الدوار تضررت منازلهم بانهيارات كلية وجزئية مع تضرر بالغ للتجهيزات المنزلية ويحتمي السكان المتضررون حاليا بالمسجد المتواجد بالدوار وبالمدرسة كما عرف الدوار نفوق عدد من رؤوس الماشية وتدمير كلي لبعض الحقول المعاشية.

في جماعة تنكارفا تقدر عدد المساكن المنهارة بحوالي 67 مسكن قروي (كإحصاء أولي) ، أما الدواوير المتضررة الاخرى كإدبركا وإيد حيمود فلها نصيبها من وقع السيول حيث جرفت الحقول الزراعية وانهارت منازل الطين “اللوح” ويحتمي السكان المنكوبون بدار الطالب التابعة للملحقة الاعدادية ادبركا، ونسجل هنا الضرر البالغ الذي أصاب الشريان الحيوي الواصل بين المنطقة وكلميم مما ساهم في عزلة المنطقة، أما الجزء التابع لجماعة تنكارفا من دوار بومهاود لم يكن حاله أحسن من سابقيه فقد شهد بدوره انهيارات للمنازل وجرف عدد كبير جدا من أشجار أركان.

 

جماعة مستي:

 

وتضم الدواوير المتضررة التالية: دوار بيوكرى وإمزوغن ودوار تيوغزا ودوار لمدنا.

من القرى المتضررة أيضا بسبب السيول التي اجتاحت المنطقة، شهدت انهيارات للمنازل الهشة بالمركز التي شيدت بعرق الفلاحين الفقراء وهي لا تستجيب لمقومات البناء المقاوم للاضطرابات الجوية حيث سجل مايقارب 101 ملم من التساقطات المطرية  بالمنطقة، ونتيجة لهذا الوضع المأساوي  تم إجلاء 112 شخص إلى مركز دار الطالب. أما إمزوغن فقد حاصرتها المياه من كل الجهات مخلفة انهيارات وتصدعات بالمنازل، أما بدوار لمدنا فقد قسمت السيول الدوار إلى شطرين، وسجل نفوق عدد من رؤوس الماشية وتدمير كلي لعدد كبير من أجباح النحل.

أمام غياب المساعدات العاجلة التجأت الأسر المنكوبة إلى الجيران في الدواوير الأخرى كفصل أخر من فصول التآزر والتضامن الاجتماعي للكادحين والفقراء.

 

جماعة تيوغزة:

 

عرفت الجماعة تساقطات مطرية مهمة تجاوزت 140 ملم خلال أسبوع واحد مما خلف العديد من الانهيارات في المنازل المبنية بطريقة تقليدية بمركز الجماعة وبالضبط حي المحلت والدواوير التابعة لها (تيزكي، امي أوكني، ادبوشويشة، وحلاوت، تدرارت، دو توريرت) كما تضررت المحلات التجارية بمركز تيوغزة جراء الفيضانات التي أتلفت العديد من المواد الغذائية والأجهزة الالكترونية. وقد جرفت السيول أحد المواطنين من دوار امي اكني وعثر على جثته بدوار امولاي يحيا.

عاشت جماعة تيوغزة عزلة تامة بعد  انقطاع الطرق والماء والكهرباء وشبكة الهاتف مما صعب أمر إغاثة المتضررين. وبعد ثلاثة أيام تم فتح الطريق الرابطة بين تيوغزة وتيزنيت في حين بقيت الطريق الرابطة بين تيوغزة وسيدي افني مقطوعة لحدود الساعة وبالضبط بدوار تيزكي عند قنطرة “ازرك وامان”.

وبخصوص تزويد السوق بالمواد الأساسية فقد تم توفير جميع المتطلبات بسوق تيوغزة بعد أربعة أيام.

 

جماعة إمي نفاست: (2.781 نسمة حسب إحصاء 2004)

 

جماعة إمي نفاست القروية تابعة إداريا لإقليم سيدي إفني، رغم المسافة الضئيلة الفاصلة بينها وبين مدينة كلميم وهي أقل بكثير من المسافة التي تفصلها عن مدينة سيدي إفني  مما يصعب على سكان هذا الدوار قضاء أغراضهم الإدارية.

تضررت الدواوير بشكل كبير جراء الفيضانات؛ انهيارات المنازل الطينية، جرف الحقول الزراعية مصدر رزق ومعيشة الكادحين بمنطقة أكوك، وانقطاع التيار الكهربائي وشبكة الإتصالات التي تعطلت أيضا لتصبح المنطقة معزولة عن العالم.

دعت الجمعيات المحلية في بيان لها الدولة إلى إعلان إمي نفاست أيت علي منطقة منكوبة إسوة بكلميم نظرا لحجم الدمار الذي تركته الفيضانات. ودعى البيان الى إيواء المنكوبين وتقديم الدعم والتطبيب لهم إسوة بالمناطق المتضررة الاخرى. ويذكر أن السيول قد جرفت أحد الاشخاص بالمنطقة (طالب بالمدرسة العتيقة) وتداولت أخبار إصابة شخص مسن نتيجة سقوط صخر من المرتفعات بمنطقة  بوزوكون.

 

جماعة صبويا:

 

وتضم الدواوير المتضررة التالية: دوار أداي و دوار أنفاليس ودوار أودري ودوار تيوداك ودوار تمسوقت ودوار أهل بوشايت و تيسونا وتدينت وأكجكال و الزلاكيم.

صبويا جماعة قروية بالجنوب متاخمة لمدينة سيدي إفني وهي المركز الإداري للمنطقة، تحيط بها دواوير صغيرة موزعة مجاليا بين مرتفعات جبلية ومناطق منبسطة ممتدة، يعيش غالبية سكان هذه الدواوير على منتوج الصبار “الهندية” السنوي (الذي يتم تسويقه حاليا وتتجه التعاونيات للسيطرة عليه) وتربية النحل وزيت أركان والمواشي (الماعز+ الأبقار..).

تحتضن المنطقة في كل صيف عشرات العائلات القادمة من المدن أو من مختلف المناطق البعيد بالمغرب لبيع المنتوج السنوي من الصبار الذي يوفر دخلا فصليا تستفيد منه عوائل عدة، حيث تقوم الشاحنات ووسائل النقل الاخرى، بشراء الصبار بالجملة بعد أن توزع على السكان عددا من الصناديق لينقل عبر المسالك الصعبة إلى مدينة كلميم وغيرها من المدن ليتم التوزيع في الاسواق،   أنشأت مجموعة من التعاونيات الفلاحية بهذه المناطق لإنتاج مشتقات الصبار، تشتغل بها يد عاملة معظمها من نساء المنطقة لمحاربة الهشاشة وإعانة الأسرة على تكاليف المعيشة.

تضررت هذه الدواوير بشكل كبير من جراء الفيضان والأمطار الغزيرة التي تساقطت بشكل مهول، لتفيض وديان كانت في طور السكون زمن طويلا كأنها براكين خامدة، مثل واد المعدر وواد بجانب كرمة “علي أوحميدة “، خسائر مادية كبيرة تمثلت في: انهيارات المنازل الطينية وتصدعات في ما تبقى صامدا منها وخسائر في المواشي قدرت وفق رقم تقريبي ب 49 رأس ماعز و50 جبح من النحل وبقرة واحد نتيجة انهيار سقف الحوش بصبويا، بالإضافة الى تدمير كلي لبئر مجهز (معدات المحرك).

شرد الفيضان عائلات بكاملها، فمركز الجماعة المسمى الثلاثاء (تلاثة) يأوي حوالي 14 أسرة في مقر تجمع الصبار التابع للفلاحة وماتبقى من المنكوبين موزع بين المساكن الفارغة الغير مهدمة أو عند الجيران والأهل.

قدمت الدولة مساعدات عينية تمثلت في السكر والشاي والزيت وغيرها، إلا أنها لم تكن في مستوى النكبة، وتبقى هذه الإعانات سواء المقدمة من الدولة أو من ما يطلق عليه “المجتمع المدني” دون حاجيات الكادحين التي كانت أوضاعهم سيئة فجعلها الفيضان أسوأ.

 

جماعة لخصاص:

 

تقع بلدية الخصاص التابعة إدارية لإقليم سيدي إفني بين الطريق الرابطة بين مدينة تيزنيت ومدينة كلميم.

شهدت منطقة الأخصاص تساقطات غزيرة لم تشهدها منذ فيضان نهاية الثمانينات من القرن 20،  نتجت عنها خسائر مادية كبيرة حيث جرفت المحال التجارية والمقاهي المحادية لوادي تيكينيت الذي يمر بمركز المدشر، كما خرب جزءا من الطريق التي تمر بالأخصاص وهي الطريق الرئيسية الوطنية رقم 1، التي تربط شمال البلاد بجنوبه، ولا زالت تنتظر الإصلاح لحدود الآن .

وهناك جماعات ودواوير اخرى متضرر مثل آيت رخا وآيت عبلا أوداود ومير اللفت.

يبقى هذا التقرير مجرد عمل أولي، إذ لم نتمكن من جرد كل المناطق المتضررة بتفاصيها الكاملة ونتمنى من الرفاق إتمام وتغطية أوجه النقص إن وجدت في هذا العمل.

 

خسائر الكادحين أرباح للرأسماليين:

 

بعد ما يقارب العشر سنوات على بدء انتفاضة مدينة سيدي إفني منذ 2005، ورغم كل التضحيات المقدمة من طرف جماهيرها الكادحة المناضلة وضريبة السجن التي قدمها “فرسان انتفاض”ـتها، من أجل التنمية وتطوير البنية التحتية بالإقليم، لا زالت المدينة وأحوازها تغرق في مهاوي الفقر والإقصاء الاجتماعي.

أضاف الفيضان الناتج عن التقلبات المناخية التي لا يتحمل الكادحون مسؤوليتها، معاناة أخرى إلى معاناة جماهير الإقليم الناتجة عن سياسات الدولة الاجتماعية. ذهب ما راكمه الفقراء من ممتلكات بسيطة هباء وذابت مع مياه الفيضان.

يسيل مستوى الخراب لعاب الرأسماليين الذين يرون في هذه الخسائر وهذا الخراب إمكانيات للاستثمار المربح والسريع، فإصلاح الطرق والقناطر والجسور ستمنح مرة أخرى لمقاولات القطاع الخاص وسيتم مرة أخرى بناؤها دون الأخذ بعين الاعتبار معايير السلامة والجودة، بسبب انتشار الفساد وغياب الرقابة الشعبية.

 

في الحاجة إلى رقابة على اقتصاد السوق

 

أدى انهيار البنية الطرقية والعزلة التامة للإقليم، إلى انعدام مواد الاستهلاك الأساسية وهو ما دفع التجار إلى المضاربة على أسعار هذه المواد التي وصلت مستويات خيالية (هناك مواد تضاعف ثمنها أكثر من أربع مرات).

إن الوضع الاستثنائي الذي خلفه الفيضان يفرض على الدولة التدخل لتوفير مواد الاستهلاك الأساسية ومواد الإغاثة وفرض رقابة على أسعارها، إلا أن خيارات الدولة النيوليبرالية التي فرضتها المؤسسات الدولية على المغرب تمنعها من فرض هذه الرقابة.

ليست هذه الكوارث نتاج غضب الطبيعة إلا بقدر ما تفاقمها سياسات الدولة النيوليبرالية، وهو ما يفرض وعي الكادحين بمسؤولية الدولة ورجال الأعمال عن هذه المفاقمة والنضال ضدها.

 

***************

 

ملاحظات:

 

نتقدم بالشكر الى كل من ساعد في إنجاز هذا التقرير من أبناء المنطقة  وهم الرفاق :

مصطفى حمدي: عضو بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع كلميم

–       بوشايت : فاعل جمعوي بمنطقة صبويا أيت بعمران

–       بنداوود : فاعل جمعوي بمنطقة أيت بعمران

هوامش :

–       مواقع إخبارية (هسبريس+ إفني نيوز+ فديوهات على اليوتيوب… ومواقع الكترونية أخرى).

زر الذهاب إلى الأعلى