البيئةبيانات وتقاريرمتابعة النضالات

فيضانات كلميم: خسائر و احتجاجات

شهدت مدينة كلميم جنوب المغرب يومي الجمعة 28 والسبت 29 نونبر 2014 تساقطات مطرية غزيرة، مما تسبب  في موجة ثانية من الفيضانات الكارثية بعد فاجعتي كل من واد تامسورت وواد تالمعدرت يوم السبت 22 نونبر 2014، والتي راح ضحيتها 31 شخصا،  فيضانات لم تعرفها المنطقة منذ زمن بعيد، جرفت في طريقها محاصيل الفلاحين الفقراء والمساكن الهشة التي تحتضن الكادحين وتؤويهم، كل هذا والدولة لم تقدم مساعدات في مستوى الفاجعة لاسيما بالقرى المحيطة بالمدينة حيث أصبحت في عزلة تامة بسبب انهيار القناطر وجرف الطرق، كما كشفت هذه الفيضانات عن هشاشة البنية التحية وعجزها التام.

 

وفي ما يلي جرد أولي لخسائر الفيضانات بكلميم :

 

حي تركز و حي القدس:

 

   خلف فيضان واد أم العشار خسائر كبيرة في مجموعة من الأحياء السكنية المحاذية لمجرى الوادي، ففي حي تركز غمرت مياه الفيض بعض الأزقة والمساكن نتج عنه جرف عدد هام من السيارات التي تضررت بشكل كبير من ارتفاع منسوب المياه، كما عرفت مجموعة من المحالات التجارية ( بقال، صيدلية، مقهى الإنترنيت…). خسائر مهمة تمثلت في ضياع وفساد كل السلع والتجهيزات المتواجدة في المحلات المذكورة، هذا بالإضافة إلى غمر المياه للمنازل السكنية حيث  خلفت أضرار بالغة بالأفرشة والتجهيزات المنزلية والجدران، بالإضافة إلى الكمية الهائلة من الأوحال التي احتلت أزقة وشوارع الحي. ويذكر أيضا أن الكورنيش المحاذي لمجرى الوادي والذي كلف تشييده ميزانية بلغت حوالي 6 مليار سنتيم قد تم جرفه بالكامل من الجهة المقابلة للحي.

أما حي القدس فقد غمرت مياه واد أم العشار مجموعة من المساكن نتج عنها إتلاف الأجهزة المنزلية وبالإضافة إلى كميات هامة من الأوحال.

في ظل هذا الوضع احتجت ساكنة حي تركز  يوم السبت 29 نوفمبر على الساعة الحادية عشر صباحا لتقوم بقطع الطريق المؤدية لسيدي إفني بسبب تأخر رجال الوقاية المدنية، لتحضر قوات التدخل السريع بشكل منظم وسريع لتواجد بعين المكان قصد فض أي نواة احتجاجية جنينية قد تشعل الإقليم بالكامل.

 

حي السد :

 

بفعل قوة جريان الوادي والكميات الهائلة من المياه ، استطاع الوادي أن يجرف كليا الكورنيش والطريق المعبدة المحاذي للمجرى وبعض أعمدة الكهرباء والهاتف، كما غمر عدد كبير من منازل الفقراء التي تضررت بالأوحال هذا ولم يسلم السكان أيضا من فيض مياه الصرف الصحي، في هذا الحي لم يخلف الفيضان أي انهيارات للمساكن.

 

شارع الطنطان التحتاني.

 

تمكنت المياه من اختراق الحاجز الإسمنتي البسيط المقام على جنبات الوادي لتصل إلى مجموعة من المساكن، التي غادرها أصحابها بمساعدة شباب الحي قبل أن تلتحق بهم فرق الوقاية المدنية، كما تم انتشال شاحنة غمرتها المياه من وسط الشارع، وتم أيضا  تسجيل فرار العديد من الأسرة والعائلات من مساكنهم بعد تحذيرات من رجال الوقاية المدنية بضرورة المغادرة بسبب تزاديد منسوب المياه، هذا ولم يتم توفير أماكن اللجوء لتلك العائلات مما دفع بعضهم للبقاء في منازلهم، و قد تم تسجيل انهيار كلي لأحد المنازل قرب الوادي من جهة حي القصبة.

 

حي القصبة من الفقر الى التشرد :

 

حي القصبة من أقدم الأحياء بمدينة كلميم ويعتبر النواة الأولى لتشكل المدينة، يقطنه المهمشون والفقراء وذوي الدخل المحدود ويعرف هذا الحي كثافة سكانية كبيرة بسبب انخفاض سعر الكراء وهشاشة مساكنه المشيدة في غالبيتها من الطين،  قاطنوه فئة تعيش على هامش المجتمع، أزقة ضيقة، تهميش، فقر، حكرة… قاعدة اجتماعية من النساء والشباب لا يتذكرهم أحد فترة الانتخابات.

حي القصبة من الأحياء الأولى المتضررة من الأمطار حيث انهارت مجموعة من المنازل بشكل كلي أو جزئي وتوجد مشاهد لهذه الانهيارات باليوتيوب. ليصبح الفقراء عرضة للعراء والتشرد، عبرت الفئات الاجتماعية بالحي عن تضامن منقطع النظر حيث عمل الجيران على إيواء عدد من الأسرة المنكوبة إلى حين استقرار الوضع وتقديم المساعدات للمتضررين، وبعض الأسر تم إيوائها في جمعية العصبة المغربية لحماية الطفولة .

يمتد حي القصبة على مساحة شاسعة تشمل مناطق أخرى تضررت جراء الكارثة منها حي النخيلات الذي شهد انهيارات المنازل السكنية و الأحواش المخصصة لتربية الماشية، هذا وتعاني غالبية سكان هذا الحي من القطرة ( تسرب مياه السطح )، نتيجة ضعف وهشاشة مواد البناء .

 

حي التواغيل وحي النوادر

 

تقع هذه الأحياء في منحدر جنوب مدينة كلميم حيث تتوجه كل السيول المتجمعة من شوارع وأزقة المدينة، لكن يقظة شباب الأحياء وقيامهم بوضع حواجز لصد المياه لتخفيف من حدة السيول وتفادي طمر المنازل بالأوحال ومياه الفيضانات مكن من التخفيف من هول الكارثة، هذا وقد سجل ضعف تغطية الوقاية المدنية لجل الأحياء بالمدينة.

 

حي دوار اللوح وحي بواقراب وحي الملعب

 

دوار اللوح  من بين الأحياء الأكثر تضررا حيث غادرها السكان في اتجاه بعض المرتفعات ليقضوا ليلتهم في العراء تاركين ممتلكاتهم البسيطة عرضة لتلف والسرقة، كما سجل سكان الحي تأخر رجال الوقاية المدنية، وشهد جزء من حي اللوح انهيارات لمساكن الفقراء الهشة، أما حي بواقراب فيقع على هامش المدينة تضرر هو أيضا بشكل كبير أما حي الملعب وهو من أقدم الأحياء بالمدينة فقد شهد انهيارات الأبنية المشيدة بالطين  ويذكر أن الحي عرف محاولات السرقة ولم تعرف لحدود كتابة هذا التقرير الأولي أي خسائر في الأرواح بهذه الأحياء.

 

شارع الواد ،شارع الجديد، شارع الجيش، شارع أكادير

 

عرفت هذه الشوارع الرئيسة بمدينة كلميم تدفق كميات هائلة من المياه نتيجة فيضان واد أم العشار من جهة حي النسيم شمال المدينة، حيث أغرقت المياه كل الشوارع وتمكنت من الدخول إلى مجموعة من المحلات التجارية والمساكن بالرغم من فتح بالوعات مياه الأمطار من طرف المواطنين ووضع الحواجز الوقائية  لتخفيف الأضرار إلا أن كميات المياه كانت كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن الخسائر الناجمة عن هذه الفيضانات لازالت غير متوفرة بالأرقام إلى حدود الآن.

 

دوار تغمرت واسرير

 

تحيط بمدينة كلميم مجموعة من الدواوير والقرى تضررت بدورها من الكارثة، وكان على قائمتها دوار تغمرت وأسرير الذين حاصرتهم كميات طوفانية من المياه جعلتهم في عزلة تامة عن العالم، حيث انقطع التيار الكهرباء والطرق والاتصالات. بالإضافة إلى انهيار عدد من المنازل وجرف ضيعات فلاحية بشكل كامل والتي تزرع فيها أشجار النخيل وتعتبر مورد الرزق الوحيد لكادحي هذه الدواوير، ونفوق عدد هام من المواشي.

استقطبت واحة تغمرت استثمارات في قطاع السياحة الذي ادعت الورقة التأطيرية لتنمية الأقاليم الجنوبية انها ستكون قاطرة تنمية الجهة، إلا أن هذه الفيضانات عرت ادعاء الدولة هذا.

في هذه المنطقة سجل تأخر ملحوظ للوقاية المدنية حيث خرج السكان في وقفات احتجاجية لتنديد بتماطل المسؤولين في إيوائهم وإغاثتهم،. وتجدر الإشارة أن العائلات المنكوبة لازالت تقطن زاوية سيدي محمد بن عمر، والمسجد العتيق، ومسجد لكصيبة بالنسبة لأسرير في تحدي صارخ لحداثة تدعيها الدولة، ومنكوبي تغمرت تأويهم إعدادية الإمام مالك أما البقية المتضررة فيتقاسمون رغيفهم ومرقدهم مع الجيران والعائلات.

 

دوار عبودة وواعرون وميفيس وشويخات ولكزازمة وتيسكنان

 

تقع هذه الدواوير في نفوذ جماعة لقصابي الترابي، ولم تسلم بدورها من هول الفيضانات لاعتبار غالبية الأودية تصب بهذه المناطق، ففي دوار عبودة انهارت مجموعة من المنازل المشيدة بالطين بسبب الأمطار، وفي يوم الجمعة والسبت 28 و29 نوفمبر، فرت جموع كبيرة من السكان إلى مسجد الدوار الذي يتواجد بأعلى تل مخافة انهيار الحاجز الوقائي “التوفليت” الهش والمكون من الرمل وإلى حدود كتابة هذا التقرير لازالت النساء والأطفال يقضون الليالي  القارسة بالمدرسة المتواجدة بالقرية، كما تم تسجيل شريط فديو  بث على شبكة التواصل الاجتماعي يطالب فيه السكان بالتدخل الفوري والعاجل لمساعدتهم  .

أما الدوار المحادي فهو إميفيس وديار أهل بلال فقد انهارت منازل عدة وأصيبت أخرى  بتصدعات كبيرة، بالنسبة لدوار الشويخات فقد فر ساكنوه إلى المرتفعات المجاورة و باتو ليلتهم في العراء بسبب محاذاة منازلهم لمجرى الواد بالإضافة إلى انهيارات وتصدعات أصابت عدد من المنازل ونفس الشيء بالنسبة لدوار تيسكنان  الذي تضرر بشكل كبير ليخرج الشباب في وقفات احتجاجية للمطالبة بالتدخل الفوري والعاجل لإيواء الأسر المنكوبة، ودوار لكزازمة الذي شهد انهيارات المنازل ليس أحسن حال من سابقيه.

أما دوار واعرون فقد تضرر بشكل بليغ جراء العواصف والوديان التي دمرت كل شيئ تقريبا ويكفي هنا ما ذكرته وسائل الإعلام الدولية حول قرية واعرون.

 

تغجيجت وأساكا و تلوين 

 

عرفت هذه الدواوير خسائر مادية مهمة سواء على مستوى المساكن الطينية أو على مستوى جرف المحاصيل الزراعية التي تعتبر مورد رزق أساسي لساكنة هذه القرى المهمشة، فالصور التي تناقلتها مواقع التواصل الإجتماعي تظهر هول ما حل بهذه المناطق، ففي دوار أساكا الذي يعتبر مصب رئيسي لكل الوديان بالمنطقة تم عزل مناطق عن بعضها البعض حيث يمر المجرى الرئيسي لواد اساكا وسط القرية، وبتغجيجت يذكر أن عائلات بكل من دواوير ادبلاهمو، تكموت، ادولكان غادرت منازلها فيما أصبحت ساكنة قصبة اد موسى محاصرة منذ أزيد من أسبوع من تاريخ الفيضان.

لا تتحمل الطبيعة وحدها وزر الكارثة، فالتغيرات المناخية ليست مقتصرة على جنوب المغرب أو شماله وإنما هي ظاهرة عامة تشمل بلدان أخرى في أوربا وأمريكا لكن لا نشاهد على قنواتها التلفزية بيوت الطين تتهاوى منذ القطرات المطرية الأولى، ففي المغرب بشكل عام ونتيجة البنية التحتية الهشة، والدخل المحدود للفئات الاجتماعية الفقيرة التي لا تتمتع مساكنها بشروط حفظ الأمن والسلامة.

تمكنت السيول بإقليم كلميم من جرف المساكن المتواضعة التي بنيت بإمكانات جد محدودة، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة العقار بالإقليم مما دفع المهمشين إلى تشييد مساكنهم بمحاذاة مجرى الوادي و بالأحياء الهامشية المشيدة بالطين لو لم يكن الفقر لما كانت الكارثة بهذا الحجم من الخسائر.

 

كلميم منطقة منكوبة

أعلنت الدولة إقليم كلميم منطقة منكوبة لكن دون الالتزام بما يفرضه هذا الإعلان من إجراءات:

حددت المادة (61) من البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف المقصود بالدفاع المدني في المناطق المنكوبة على النحو التالي:

“أداء المهام الإنسانية الرامية إلى حماية السكان المدنيين من أخطار الأعمال الحربية أو الكوارث ومساعدتهم على تدارك آثارها المباشرة، وتوفير الظروف الملائمة لبقائهم على قيد الحياة.” وقد أوردت المادة المذكورة قائمة مفصلة بهذه المهام وتشمل: عمليات الإجلاء والإنقاذ والخدمات الطبية وتهيئة الملاجئ والممرات الآمنة وتوفير أماكن للإيواء وتوفير المؤن الغذائية والإصلاحات العاجلة في المرافق العامة، ودفن الموتى، وغيرها من المهام”.

بدل التزام الدولة بما يفرضه إعلان إقليم كلميم منطقة منكوبة، جهزت عتادها القمعي وفصائلها المسلحة للتدخل السريع ضد أي احتجاج شعبي. ويبقى السؤال عالقا ما الفائدة من إعلان كلميم منطقة منكوبة ونحن نشاهد فديوهات العائلات المنكوبة  تستجدي المحسنين؟

 

احتجاج المتضررين

 

خرج السكان عن صمتهم في كل المناطق المتضررة، حيث انتشرت الوقفات والمسيرات الاحتجاجية في كل حي وفي كل قرية، ففي مدينة كلميم نظمت وقفات احتجاجية قرب الولاية  تقودها النساء قصد إيصال صوتهن إلى المسؤولين وتنحدر غالبية النساء من الأحياء الفقيرة المهمشة التي أصابتها كارثة الفيضانات.

نظمت العديد من الوقفات الاحتجاجية بالأحياء المنكوبة للتعجيل بتقديم المساعدات، أما في القرى المجاورة لكلميم اشتعلت نار الغضب، ففي واحة تغمرت وأسرير اعتصم العديد من الأسر المنكوبة بسبب تأخر المساعدات والمطالبة بتعويضات عاجلة للفئات الهشة، خصوصا وأن غالبية السكان أصبحت عرضة للبرد في المدارس التي تم  فتحها لإيواء المنكوبين.

كذلك الأمر بدائرة بيوزكارن التي قام سكانها بوقفة احتجاجية أسفرت عن غلق الطريق الوطنية رقم(1)، حيث تدخلت قوات الأمن بقوة لتفريق المتظاهرين ويذكر أن قوات الدرك الملكي بمدينة بوزكارن قامت يوم 02 دجنبر 2014 ابتداء من الساعة الثامنة صباحا باعتقال مجموعة من المواطنين بينهم تلاميذ على خلفية الاحتجاج الذي قامت بها الساكنة حين زيارة حصاد وزير الداخلية لبويزكارن على خلفي تصريحاته الأخيرة بالبرلمان المغربي بعد الفيضانات الأولى والتي حمل فيها المواطنات والمواطنين مسؤولية وقوع الضحايا.

نظمت الوقفات والمسيرات بمناطق أخرى، ومن المؤكد أن حالة الاحتجاج ستستمر في الإقليم إلى حين تقديم كل ما يلزم لتعويض الفقراء من مساعدات أنية وعاجلة لا تقبل التماطل أو الانتظار.

 

المقاومة الاجتماعية  هي البديل

 

من الملاحظ أن الفئات الاجتماعية الهشة هي من تضرر بشكل كبير من فيضانات الجنوب، هذا القسم من الشعب المغربي عاش فترة من الزمن على هامش المجتمع يصارع الفقر والحرمان وهاهو اليوم يعيش فصلا ثانيا من التشرد والإهمال، فهؤلاء الفقراء ليس لهم من سلاح لدفاع عن حقوقهم سوى المقاومة الاجتماعية وتنسيق جهود كفاحهم سياسة دولة توجه موارد الميزانية العمومية لأداء ديون خارجية وبناء بنية تحتية في صالح الاستثمارات الأجنبية والمحلية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى