الخوصصة

قرض البنك الدولي للدار البيضاء: مشروطية رعناء وخوصصة للخدمات العمومية

قرض البنك الدولي للدار البيضاء: مشروطية رعناء وخوصصة للخدمات العمومية   

قرر المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء يوم 25 يوليوز الأخير إنشاء شركة تنمية محلية جديدة مسماة “البيضاء للموارد”. هذه الشركة وهي السادسة من نوعها التي يؤسسها “المجلس” ستعنى بجرد ممتلكات المجلس الجماعي وتدبير الموارد المالية للمدينة. هذه “التجربة النموذجية” تنشأ حسب مقتضيات الفصول 140 إلى 144 من الميثاق الجماعي.

أسباب نزول هذه الشركة حسب المجلس الجماعي هي “ضعف تحصيل الموارد المالية للجماعة حيث لم تستطع الجماعة خلال سنة 2014 من تجميع 3،7 مليار درهم من الموارد وهو ما يمثل قيمة الميزانية السنوية للمجلس“. وضع في تفاقم حسب “المجلس” حيث وصلت المداخيل الغير محصلة في سنة 2017  إلى 1،2 مليار درهم. أرقام تطرح كثير من علامة استفهام حول نجاعة وشفافية المنظومة الحالية.

ظاهريا،  قد يبدو القرار ايجابي ويسعى لتحسين موارد المالية للمدينة والتقليل من “المال السايب”، حيث تعجز مصالح منذ عقود عن تحصيل كراءات وواجبات ضريبة متعددة من عند الأشخاص الذاتيين والمعنويين ( كالحالات الشهيرة: السقالة و براديز و الغابة الخضراء) . لكن الوقوف على الدوافع الحقيقية لخلق هذه الشركة، يتضح بجلاء دور البنك الدولي من خلال “برنامج دعم مدينة الدار البيضاء” الذي أطلق في 2017، حيث تعد الشركة الجدية تنزيلا للقرض على أرض الواقع. هذا البرنامج النيوليبرلي الصريح سيمكن مؤسسة التمويل الدولية من إحكام قبضتها على مالية الدار البيضاء، خطوة أولية من أجل تفكيك الخدمات العمومية للصالح الرأسمال. وكنا في أطاك عبرنا في 2015 عن رفضنا لهذا القرض من خلال وصفه “كتمويل لمنظومة الفساد”.[1]

من خلال هذه المقال سنقدم “برنامج دعم مدينة الدار البيضاء” والقرض المقدم من طرف البنك الدولي “للمجلس”. وسنفصل أولا في سياق القرض و ثانيا أهدافه وثالثا “المشروطية” التي يفرضها البنك من أجل صرف هذا القرض. بعد كل جزء سنقوم بتقديم قراءة نقدية من منظور مناهض للعولمة اللبيرالية في المغرب ومتابع للشأن المحلي البيضاوي.

البنك الدولي يحكم قبضته على تدبير الدار البيضاء

في 21 دجنبر 2017، وقع “المجلس” مع البنك الدولي على قرض بقيمة 1،9 مليار درهم. تم إطلاق هذا القرض-البرنامج رسميا في مارس 2018 حيث  توصل  “المجلس” بالدفعة الأولى بقيمة   475 مليون درهم في فبراير 2018. وتعد هذه عملية أول قرض من البنك الدولي لجماعة ترابية بالمغرب. فعادة قروض البنك الدولي تكون موجهة أولا للحكومة أو المؤسسات العمومية، وهي قروض مضمونة من الخزينة العامة. والقرض الحالي، هو أيضا مضمون من طرف المالية العمومية.

هذا القرض الجديد يندرج ضمن فئة قرض-البرنامج موجه حسب النتائج

Programme-Prêt axé sur les résultats (PPR)

ويمتد لست سنوات (2016-2022) ويتضمن مدة “عدم الدفع” ل 7 سنوات. وبعدها يتم سداد الدين لمدة 23 سنة. ملاحظة أولية تبين أن البرنامج عرف تأخر لسنة واحدة، حيث بدأ العمل الفعلي حتى 2017.

المتابعة والتنسيق من لدن المدينة ستتكلف بهما شركة تنمية محلية أخرى تسمى: “البيضاء للخدمات”، حيث أنشأت وحدة “تدبير للبرامج” مختصة للقرض. ويتوفر البرنامج على “لجنة قيادة”، تضمن وزارة الداخلية، والي الجهة، البنك الدولي و”المجلس”. وقبل انطلاق البرنامج قام البنك الدولي بتشخيص مدقق لكل الجوانب التدبيرية للمدينة. تقارير تستحق الاطلاع والقراءة النقدية[2]. ولنا عودة لذلك في مناسبات قادمة.

أهداف القرض:

البرنامج يعتمد على مخطط التنمية للدار البيضاء الكبرى (رؤيا 2030) والذي تم إطلاقه في 2015 و لذلك علل “المجلس” ضرورة الاستدانة. فالقرض الحالي سيساهم في تمويل حصة “المجلس في تمويل مشاريع “برنامج التنمية” والتي تصل إلى 3،5 مليار درهم. حسب البنك الدولي، للقرض 3 أهداف أساسية، هي كالتالي[3]:

– ” تحسين القدرات الاستثمارية للمدينة ومنظومة تدبير المداخيل الجماعية من خلال تعبئة رؤوس الأموال الخاصة عن طريق الشراكات قطاع عام-خاص”.

 – ” تحسين التنافسية الاقتصادية ومناخ الأعمال وجاذبية المدينة لرجال الأعمال من خلال رقمنة كل الإجراءات الإدارية وخاصة رخص بناء وكافة الرخص تجارية بالمدينة “.

– ” تحسين فضاء العيش من تأهيل الولوج للخدمات الأساسية (الكهرباء، الماء، التطهير السائل) لصالح 10000 من الساكنة بالأحياء الفقيرة بالجهة. و إعادة تهيئة الطرق و الإنارة العمومية، الفضاءات الخضراء و التشوير. وكذلك إطلاق برنامج رقمي شفاف للشكايات للولوج للخدمات الإدارية “.

ملاحظات أولية:

أولا، يعتمد البرنامج-القرض على “رؤيا 2030 للدار البيضاء الكبرى”، وهو مخطط فوقي، صيغ في سياق سياسي معين (“الغضبة الملكية” حول تدبير البيضاء) من طرف مكتب الدراسات “ماكنينسي” مرة أخرى. مشاركة المواطنين كانت شكلية أو عبارة عن استشارات فاعلي “المجتمع المدني” الليبرالي. هذا المخطط العملاق وان كان يتضمن بعد الجوانب الايجابية فهو فاقد للمصداقية الديمقراطية ويركز على مشاريع ضخمة تسعى لإعداد المدينة لتصبح ” قطب مالي دولي”. وها هو اليوم يثقل مديونية الدولة، الجهة والمدينة.

ثانيا، الهدف 1 و2، يلخصان البرنامج-القرض بشكل صريح. نحن أمام ديون سترهن مستقبل المدينة لمدة عقدين من أجل أن نحسن شروط الاستغلال الرأسمالي بالمدينة. أضف إلى ذلك ما ستضمنه هذا القرض من دراسات، ودراسات الدراسات والكثير من تدبير المال العام من خلال ندوات كان طبيعيا أن تنظم من طرف نقابة الباطرونا، لا مجلس جماعي فاشل في تدبير قطاع النفايات والنقل العمومي. هذا لا يعني أننا ننكر وجود مشاكل حقيقة بخصوص رخص التعمير مثلا والتي تعرف فسادا خطيرا. لكن القرض لا يضع كأحد أهدافه محاربة الفساد في هذا المجال.

ثالثا، هذا الهدف ذو الطابع الاجتماعي يشكل فضيحة بكل المقاييس. الفضيحة رقم 1: كيف لمدينة ولجهة بأكملها أن تربط الساكنة بالماء والكهرباء ونحن في 2018 ؟ ماذا ربحنا من منافع التدبير المفوض وليدك منذ 1997 والمكتب الوطني للماء والكهرباء؟ الفضيحة رقم 2: المدينة ستقترض أموالا ضخمة من أجل تهيئة الطرق. المجلس الجماعي لم يعد يستطع توفير الميزانية الكافية من أجل تعبيد الطرق بعد 60 سنة على ” الاستقلال” ولهذا سنلتجأ للمديونية الخارجية بالدولار للقيام بذلك. إ نها كارثة.

شروط القرض:

الكارثة الأكبر هي شروط القرض. كما جاء سلفا، يصنف هذا البرنامج في فئة “التمويل حسب النتائج” وكما يقول البنك في تقديمه للمشروع: ” الدفوعات المالية من البنك الدولي مشروطة بالوصول للنتائج التنمية المقررة سلفا والتي يتم قياسها حسب المؤشرات التالية“:

” المؤشر الأول: نسبة ارتفاع المداخيل الجبائية للمدينة

المؤشر الثاني: عصرنة منظمة تدبير موارد المدينة

المؤشر الثالث: مستوى رؤوس الأموال الخاصة المعبئة من أجل الاستثمار في إطار الشراكة عام-خاص.

المؤشر الرابع: عدد العائلات القاطنة بالأحياء الفقيرة المستفيدة من الولوج للخدمات الأساسية

المؤشر الخامس: عدد الكيلومترات من الطرق التي استفادت من إعادة التهيئة

المؤشر السادس: تبسيط و رقمنة الإجراءات الإدارية الخاصة لرخص التعمير والرخص التجارية “

ملاحظات جوهرية:

سنركز ملاحظاتنا على عدد من المؤشرات. بالنسبة للمؤشر رقم واحد، فقد أعلن المجلس التزامه مع البنك في مضاعفة المداخيل الجبائية “للمجلس” ب50 في المائة خلال سنتين. هدف سيتم غالبا من خلال الرفع من الجبايات المحلية (رسوم النظافة، الخ.).

المؤشر الثالث يعني بشكل جلي مرة أخرى الرغبة الحثيثة للبنك الدولي في خوصصة الخدمات العمومية. هدف ايديولوجي صرف. فجميع الخدمات العمومية البلدية (نقل، ماء وكهرباء، انارة عمومية، تطهير سائل، النفايات، المطارح، المجازر، الخ.) مدبرة من طرف الخواص مع نتائج الكل يجمع أنها “ضعيفة”. رغم ذلك يسعى “المجلس” للمزيد من الخوصصة من خلال الاطار الجديد: قانون الشراكة عام-خاص والذي يسمح بتحسين شروط الاستغلال للرأسمال على حساب المال العام.

في وفي ختام، هذا المقال التقديمي لبرنامج وقرض البنك الدولي الموجه للمجلس الجماعي للبيضاء، لا بد أن نؤكد على أن أي إصلاح لتسيير مدينة الدار البيضاء يجب أن يستحضر الجوانب التالية:

– إعادة النظر في تدبير البيضاء ليس بالموضوع الهين أو السهل التدبير. نظرا للتراكمات التاريخية المعقدة وللرؤيا الاديولوجية المنغلقة التي يحلمها، لا يمكن لبرنامج البنك الحالي أن يحل مشاكل المدينة. المدخل الأول يجب أن يكون ديمقراطيا ومع القطع مع الاستبداد والفساد المستشريين في المدينة.

– المسؤولية السياسية لحزب العدالة والتنمية ثابتة في الوضع الحالي للمدينة منذ 2009. مسؤولية تعمقت من خلال رفع يد المجلس المسيطر عليه من طرف الاسلاميين لصالح التكنوقراط الممثلين في جيش من “شركات التنمية المحلية”، والتي أصبحت الحاكم الفعلي للمدينة.

– المنظمات المناضلة في المدينة على عاتقها التطرق لتدبير وتسيير مدينة البيضاء وتقديم نقد للوضع الحالي وكذا تقديم بدائل لما وصلت له البيضاء من فضائح مالية وتدبيرية.

صلاح الدين المعيزي، مناضل أطاك المغرب-مجموعة البيضاء

  [1] قرض البنك الدولي تمويل لنظام الفساد بمدينة البيضاءـ بيان أطاك البيضاء (2 غشت 2015) [1]

 للاطلاع على الوثائق البرنامج، انظر موقع البنك الدولي: [2]

الأهداف والشروط، مأخوذة عن الورقة التقنية للبرنامج: برنامج دعم مجلس مدينة الدار البيضاء (بالفرنسية)  [3]

زر الذهاب إلى الأعلى