البيئةالخوصصةملفات دراسية

الماء ثروة عمومية في ملك الشعب وليس من حق الدولة أن تمنحها للرأسمال الخاص

الماء ثروة عمومية في ملك الشعب وليس من حق الدولة أن تمنحها للرأسمال الخاص

“الماء ملك عمومي، ولا يمكن أن يكون موضوع تملك خاص”. هذا ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء في المغرب. صدر هذا القانون في غشت 1995، أي بعد مرور شهور قليلة على ميلاد المنظمة العالمية للتجارة بمراكش في يناير 1995 والمصادقة على الاتفاق العام حول تجارة الخدمات الذي يحث الدول على تحويل الخدمات العمومية ومنها توزيع الماء الصالح للشرب من القطاع العمومي إلى الشركات متعددة الجنسيات. ويبدو أن الحاكمين بالمغرب التزموا أكثر بتوصيات منظمة التجارة العالمية وجعلوا من الثروة المائية ببلدنا ملكا خاصا للرأسماليين الأجانب والمحليين الذين استنزفوها ولوثوها لتنمية أرباحهم الخاصة على حساب الفئات الشعبية المُفقرة في المدن والقرى. وهاهم الآن يحاولون حجب مسؤوليتهم في تدميرها ويلقون باللوم على الجفاف والتغيرات المناخية، وسطروا خططا لمواجهة ندرة المياه عبارة عن أوراش جديدة للرأسمال الخاص مسنودة باستثمارات عمومية باهضة تضخم المديونية في غياب تمحيص لجدواها الاجتماعية والبيئية. كما يسعون من خلال استقبالهم مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب22) لعرض خططهم الاستثمارية في مجال البيئة وتدبير الموارد المائية أمام المقاولات تحت يافطة مشاريع “التنمية الخضراء” التي تتم هندستها من قبل المؤسسات الدولية. وتتداول هذه الإملاءات الأجنبية مؤسسات عليا تدلي بتوصياتها للوزارات المعنية لتجسدها في برامج جاهزة. فقد أعدت الوزارة المنتدبة المكلفة بالماء خطة وطنية للماء تحدد سياسة الدولة في تدبير الموارد المائية والإجراءات التي ستتخذها حتى أفق 2030[1]. كما أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أعد في مارس 2015 تقريرا حول ما سماه “الحكامة” في تدبير الموارد المائية بالمغرب وضمنه توصياته[2]. وسبق لمنظمة التغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن نشرت قبل ذلك (شتنبر 2014) تقريرا حول تدبير الماء بالمغرب في علاقة مع ما سمته بالأمن الغذائي وقدمت فيه توجيهات عامة[3]. وفي نفس السياق، نشر البنك العالمي أرقاما عن أزمة المياه في العالم العربي[4].

 

استنزاف المياه وحلول باستثمارات تضخم الأرباح الخاصة والمديونية العمومية

يبلغ حجم الموارد المائية بالمغرب 22 مليار متر مكعب،  منها 18 مليار متر مكعب من المياه السطحية (139 سدا كبيرا) و4 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية (الآبار). وتبلغ الحصة الفعلية المعبأة منها 01 مليار مكعب في السنة بالنسبة للأولى، و3,5 مليار متر مكعب بالنسبة للثانية، أي ما مجموعه 13,5 مليار متر مكعب في السنة تمتص منه الفلاحة حوالي 90%. ولا يتجاوز الاستهلاك اليومي للماء الصالح للشرب 70 لترا في اليوم للفرد الواحد مع تباين بين الوسط الحضري والقروي، مقابل متوسط عالمي يبلغ 140 لترا (250 لترا إلى 600 لترا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية)[5]. ويجب الأخذ بعين الاعتبار التباين الكبير أيضا بين الحصة الكبيرة التي تستحوذ عليها الأقلية الغنية وتلك التي تقتسمها الأغلبية الفقيرة ومتوسطة الدخل التي ستتضرر بشكل حاد من تقلص الموارد المائية.  ومع تزايد السكان، وتوالي سنوات الجفاف نتيجة التقلبات المناخية التي أحدثها النمط الإنتاجوي الرأسمالي المدمر للبيئة، وتبني المغرب الاستراتيجيات القطاعية (السياحة والصناعة والفلاحة) لتشجيع الاستثمارات الخاصة وما ستتطلبه من موارد مائية، ستزداد الحاجيات إلى الماء الصالح للشرب بشكل كبير. وسيؤدي هذا إلى تقوية الضغط على المياه الجوفية واستنزافها، حيث تفوق الكميات المٌستغلة بشكل كبير الكميات المتجددة بما مقداره 800 مليون متر مكعب في السنة، وقدر معدل انخفاض مستويات الآبار بـ 2 متر في السنة.

m

المصدر: http://www.fao.org/fileadmin/user_upload/FAO .

يرتكز المخطط الوطني للماء على مواصلة بناء السدود الكبرى (38 سدا إضافيا في أفق 2030) وتهيئة المدارات الفلاحية المرتبطة بها، وإنجاز السدود المتوسطة والصغرى، وإنجاز مشروع تحويل المياه من أحواض الشمال الغربي إلى أحواض الوسط الغربي من أجل تقليص الخصاص المحتمل بهذه الأخيرة، وكذلك اللجوء إلى الموارد المائية غير الاعتيادية كتحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة بعد تنقيتها، والتغذية الاصطناعية للفرشات المائية ذات العجز.

وتقدر الكلفة الإجمالية للمخطط الوطني للماء بــ 220 مليار درهم، منها 41% موجهة إلى تدبير الطلب على الماء (إجراءات لضمان الفعالية التقنية والاجتماعية والاقتصادية لمختلف استعمالات الماء)، و21% لبناء السدود، و13% لتحويل المياه، و9% لمكافحة الفيضانات، و9% لحماية هذه الموارد، و7% لتحلية مياه البحر[6]. هذه التكاليف الباهظة تستدعي استثمارات عمومية ستزيد من احتداد المديونية العمومية، وتفتح مجالات جديدة لمستمرين خواص وأجانب ومحليين سيحصلون على مشاريع مثمرة وغالبا ما تكون جدواها التقنية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية ناقصة جدا مقارنة مع هول الاعتمادات المالية المرصودة لها، ثم في الأخير الزيادة في فواتير استهلاك الماء التي سيتحملها المواطنون والفلاحون الفقراء.

الماء الصالح للشرب سلعة في يد الرأسمال الخاص…

منذ أوائل الألفية، حاول البنك العالمي إدخال الجانب البيئي في السياسات التي يمليها على الدولة المغربية، وتأطير الدراسات التحليلية التقنية حول البيئة بتكاليف باهضة على حساب الميزانية العمومية، ومنحه قرضا من 600 مليون دولار على مرحلتين (2013 و2015) خاصا بــ “التنمية الخضراء”.  كما دعم مخطط المغرب الأخضر بقرض من 150 مليون دولار في صيف 2015 خاص بتحديث السقي. ويحث البنك العالمي في برامجه التمويلية على توفير شروط الاستثمار الخاص من خلال ملائمة القوانين التشريعية مع متطلبات الرأسمال العالمي. هكذا صدر قانون التدبير المفوض للمرافق العامة (2006)[7] الذي يعني خوصصة توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات المنزلية الصلبة، وأيضا توزيع الماء بالمساحات الزراعية المسقية، وعديدا من المجالات الحيوية الأخرى. وتسيطر أربع شركات خاصة هي ليديك التابعة لسويز ليونيز دوزو، وكل ومن ريضال، وأمانديس- طنجة، وأمانديس- تطوان التابعة لفيوليا على 36% من توزيع الماء الصالح للشرب والتطهير السائل في المجال الحضري وتحقق أرباحا صافية هائلة[8]. ومن بين التأثيرات المباشرة هي ارتفاع الفواتير استهلاك الماء والكهرباء وتردي جودتهما، مما أدى إلى ارتفاع النضالات الشعبية التي اندلعت ضد أولى تجارب التدبير المفوض (ليديك بالبيضاء1997، ريضال بالرباط 1998، أمانديس بكل من طنجة وتطوان 2002، وتنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية 2006-2008 ، وحركة 20 فبراير خلال فترة 2011 -2013، و وقفات ومسيرات احتجاجية في مناطق عديدة منذ شتنبر 2014، والاحتجاجات الأخيرة ضد أمانديس بطنجة أواخر 2015).

هكذا فالتدبير المفوض لتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء وغيرها من الخدمات العمومية ليس سوى خوصصة/ تسليعا (سلعة يرتبط اقتناؤها بالقدرة على الأداء) للخدمات العمومية من خلال تنفيذ ما يسمى بالاتفاق العام حول تجارة الخدمات (AGCS) وفق مقتضيات منظمة التجارة العالمية التي ينتمي إليها المغرب واستقبل مؤتمرها التأسيسي. كما يندرج في الإطار العام لسياسة الخوصصة التي تستهدف كل ما هو مربح في القطاعات العمومية لمنحه للرأسمال الخاص. فالمكتب الوطني للماء والكهرباء سيستمر في تقليص خدماته ومنها إنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب وفق مخطط شامل لخوصصتها لصالح الشركات متعددة الجنسيات[9]. وهناك اتفاق جديد حول تجارة الخدمات في طور المفاوضات بشكل سري في إطار منظمة التجارة العالمية، وقد سرب موقع ويكيليكس بعض وثائقه في أبريل 2014. يتعلق الأمر بتعميق ليبرالية الاتفاق العام حول تجارة الخدمات AGCS وفتح المجال أكثر لهيمنة الرأسمال على الخدمات العمومية. فالاتفاق الجديد الذي يسمى “الاتفاق حول تجارة الخدمات” أو TiSA وفقا للانكليزية Trade in Services Agreement يطمح إلى الحد أقصى ما يمكن من الحواجز التي تعرقل استثمارات الشركات متعددة الجنسيات في مجال الخدمات كالحصص الوطنية في الصفقات العمومية، أو بعض المعايير الحمائية الوطنية. فهو يريد تبسيط الإجراءات الدولية والوطنية لاستحواذ الشركات متعددة الجنسيات على قطاع الخدمات وإلغاء أي منافسة من طرف القطاع العام. علاوة على التعليم والصحة وتوزيع الماء والكهرباء والنقل الحضري، إلخ، يسعى الاتفاق الجديد TiSA إلى الاستحواذ على قطاعات جديدة كالنقل البحري، وتقنيات الإعلام والتواصل، والتجارة، والإعلاميات، والخدمات المالية، والاحتكارات العمومية، إلخ[10].

 

والمنابع المائية الطبيعية أيضا

تسيطر شركة أولماس سيدي علي التي تملكها رئيسة نقابة أرباب العمل بالمغرب على الثروات المائية بقرية تارميلات (جنوب شرق الرباط تبعد عنها بــ 160 كلم) وتبيع مياه معدنية طبيعية ساكنة (سيدي علي)، ومياه معدنية طبيعية فوارة (أولماس)، ومياه معالجة ساكنة (باهية). وتهيمن على نحو 60% من سوق المياه المعبأة التي يبلغ اجمالي ايراداتها السنوية 450 مليون درهم اي ما يعادل 39 مليون دولار[11]. وقد اشتهرت هذه الشركة بهجوماتها العنيفة والمتكررة منذ بداية 2000 ضد عمالها الذين يناضلون ضد الاستغلال المفرط ومن أجل حقوقهم النقابية ومطالبهم، وضد ساكنة القرية بنسائها وشيوخها واطفالها الذين يعانون من غياب البنيات التحية الأساسية في الوقت الذي تسرق فيهم ثرواتهم المائية الطبيعية وأراضيهم من طرف رأسمال جشع.

وتستغل الشركة الأورو-إفريقية للمياه (EAE ) الخاصة منذ 2010 المياه الطبيعية لقرية بنصميم بمنطقة افران وتسوقها باسم “عين افران”، وذلك ضدا على إرادة أهالي تلك القرية الذين خاضوا منذ  بداية سنة 2000 نضالات مريرة جدا ضد محاولات السطو على ثروتهم المائية. وقد واكبت جمعية أطاك المغرب إلى جانب عديد من المنظمات الأخرى هذه النضالات وساندتها ووسعت التضامن الأممي معها، وطالبت بفتح تحقيق عمومي حول عمليات خوصصة استغلال مياه العيون بالمغرب[12].

وفي كلتا المعركتين سخرت الدولة أجهزتها القمعية والقضائية لقمع مقاومات السكان المحليين للحفاظ على ثرواتهم المائية الطبيعية ومحاكمة النشيطين منهم. وهذا ما يبين إصرار الحاكمين على ضرب الطابع العمومي لتملك المياه ومنحه للخواص.

 

الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مياه السقي: تشريك خسارة القطاع العمومي وتنمية الأرباح الخاصة  

صدر قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في 2014[13]، لكن تجاربه كانت سارية المفعول عمليا سنوات قبل ذلك. فقد استكملت به خوصصة الأراضي الفلاحية لشركتي صوديا وصوجيطا (حوالي 120 ألف هكتار) والتي رافقتها تعبئات للدفاع عن تلك الأراضي باعتبارها ملكا للشعب، ونضالات نقابية للحفاظ على مكاسب العاملين الذين تجاوز عددهم 15 ألف (2007-2010). كما استفادت بموجبه شركات خاصة وعلى رأسها أونا بمشروع توزيع ماء السقي الفلاحي بسبت الكردان بنواحي تارودانت على مساحة 10 آلاف هكتار، وهي المنطقة التي شهدت عدة تعبئات للفلاحين الصغار ضد الأضرار التي لحقتهم من جراء هذا المشروع (2008-2010). وهناك خمس مشاريع أخرى للشراكة بين القطاعين العام والخاص في تدبير ماء السقي الفلاحي مبرمجة على المدى القريب منها استغلال نظام السقي بالمنطقة الساحلية الأطلنتيكية بين أزمور والبئر الجديد (2013) من خلال جلب المياه السطحية من واد أم الربيع، ومعمل لتحلية ماء البحر بمنطقة أكادير الكبير، وتهيئة حوض سد دار الخروفة بمنطقة العرائش، وتهيئة تمديد سهل الغرب.

ويقوم البنك العالمي بتنسيق مع المكتب الوطني للماء والكهرباء بدراسة لإنجاز 3 معامل لتحلية ماء البحر بكل من الحسيمة وسيدي إفني وطرفاية في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وسيمنح البنك للمكتب قرضا بقيمة 100 مليون دولار[14].

تحتاج جميع هذه المشاريع التي ترتكز على الشراكة بين القطاعين العام والقطاع الخاص إلى تمحيص جدواها من جميع النواحي التقنية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وحقيقة الاستثمارات العمومية والخاصة وطبيعة التي تمتصها، والعقود المبرمة ومن استفاد منها. فقد دلت التجارب الملموسة عالميا على أن هذه الصيغة مكلفة أكثر بكثير من الاستثمار والتدبير العمومين وبالتالي تزيد من المديونية العمومية. ويشكل تطبيقها في مجال الصحة أسطع مثال على ذلك، حيث “تفوق تكاليف مستشفى أنجز بعقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضعفي أو ثلاثة أضعاف تكاليف مستشفى تدبره الوزارة العمومية كما هو الشأن في تجربتي كندا ومملكة ليسوتو في اتحاد جنوب أفريقيا. ففي هذه الأخيرة، امتصت الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنجاز مستشفى 51% من ميزانية وزارة الصحة، في الوقت الذي تقدر فيه نسبة أرباح المساهمين الخواص في المستشفى بــ 25%!” [15]. وفي فرنسا كلفت الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنجاز مستشفى استثمارا بلغ 341 مليون يورو مع التزام بالصيانة على مدة طويلة الأمد. وبالمقابل ستدفع خزينة المستشفى للمستثمر الخاص 40 مليون يورو سنويا على مدى 30 عاما أي ما مجموعه 1200 يورو[16] !

وفي بلدنا الذي يسود فيه استبداد سياسي يحتكر السلطة السياسية والاقتصادية ويعمم المحسوبية والفساد لصالح عائلات قليلة تتشارك مع الرأسمال الأجنبي للاستحواذ على القطاعات المربحة، لا يمكن أن تكون عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص سوى طريقة لتيسير هيمنة هذه المجموعات على صفقات المشاريع الاستثمارية الكبرى التي لا تخضع لأي نقاش عمومي ديمقراطي حول مدى نجاعتها وتكاليفها الحقيقية على جميع المستويات.

محطة ورززات للطاقة الشمسية: نموذج مشروع “أخضر” مستنزف للماء والمال العمومي

سيحاول الحاكمون بالمغرب أن يقدموا أيضا مجمع ورززات للطاقة الشمسية كنموذج ريادي في مجال الطاقة المتجددة لتعزيز عروضهم الاستثمارية “الخضراء” خلال مؤتمر الأطراف (كوب22) لجذب الرساميل.

وترتكز التقنية المعتمدة في المحطة على استهلاك هائل للماء لتبريد المولدات، حيث تقدر كمية المياه التي ستستهلك سنويا ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين متر مكعب.وستجلب هذه المياه من سد المنصور الذهبي التي تستخدم للسقي في الفلاحة بمتوسط 182 مليون متر مكعب في السنة، وفي مياه الشرب بمعدل 4 ملايين متر مكعب سنويا. إنه استنزاف لا عقلاني للثروات المائية في منطقة جنوب شرقية يحتد جفافها وترتفع حرارتها إلى معدلات قياسية. فحاجيات الماء لورززات بحلول عام 2020 تقدر بــ 840 مليون متر مكعب ستخصص 808 متر مكعب منها للزراعة و32 مليون متر مكعب لتوفير الماء الصالح للشرب[17]. كما أن المشروع مبني على حيازة 3000 هكتار من أراضي الجموع لتوليد الطاقة ستنزع من أهالي المنطقة الضعفاء التي يستعملونها للرعي وأنشطتهم المعاشية البسيطة (الاستيلاء الأخضر). هذا كله علاوة على التكلفة الباهظة للمشروع والتي تقدر بـــ 9 ملايير دولار أمريكي سيأتي أغلبها من الرأسمال الأجنبي الخاص وبدعم ضمانات الحكومة المغربية، أي ديون عمومية في الأخير ستنزل أعباءها على الفئات الشعبية من خلال احتداد التقشف.

تكشف محطة ورززات للطاقة الشمسية خدعة الحلول الخضراء التي تحمل في طياتها منطق تدمير بيئي واجتماعي جديد مادامت مبنية على الربح الرأسمالي.  فغير بعيد عن ورززات، مازالت ساكنة إمضير تخوض منذ 1986 نضالات مريرة ضد الشركة الملكية القابضة لمنجم الفضة (أكبر منجم إنتاجا للفضة بإفريقيا) ضد استنزاف فرشتهم المائية وتلويثها ومن أجل حقهم في الأرض والثروة المعدنية التي يتم نهبها. وكعادتها تسخر الدولة أجهزتها لقمع هذه المقاومات واعتقال رموزها.

 

من أجل إعادة تملك مواطني وديمقراطي لتدبير الماء

إن البحث عن الربح هو الذي كان السبب في تدمير البيئة واستنزاف الثروات المائية في بلدنا وفي جميع مناطق العالم. والرهان على الرأسمال الخاص لمعالجة هذه الآثار ليس سوى هروبا إلى الأمام نحو كوارث أخرى ستتضرر منها الفئات الشعبية الواسعة في المدن والقرى ومنها بالخصوص النساء والفلاحين الكادحين. ورأينا كيف ترتبط مسألة تدبير الماء ببلدنا بدينامية الرأسمالية العالمية وشركاتها متعددة الجنسيات التي تتشارك معها أقلية غنية محلية للاستحواذ على فائض أرباح. وتدعم الدولة عرضها الاستثماري الرأسمالي بعرض سياسي متمثل في خدعة الاستقرار السياسي للمغرب. وتسعى مراكز القرار الامبريالية بدورها لجعل هذا “الاستقرار” استثناء لمواصلة سياساتها الاستعمارية الجديدة.

ترتبط مسألة الثروات المائية بخيارات سياسية واجتماعية وبيئية. وترتكز البدائل التي ندافع عنها في جمعية أطاك المغرب على منطق التشريك الجماعي ضد المنطق التجاري الذي يرتكز على الربح الرأسمالي الخاص. فنحن نطالب بإعادة تملك مواطني وديمقراطي لتدبير الماء. ويستمد هذا المطلب شرعيته من نضالات الفئات الشعبية في عديد من مناطق المغرب من أجل الحفاظ على الماء كملك عمومي ضد التسليع. وأيضا من كفاحات الشعوب الأصلية جميع مناطق العالم دفاعا عن الطبيعة وعن تنظيمها الاجتماعي الجماعي ضد المنطق الرأسمالي للتسليع النيوليبرالي للثروات، والتي توجها الإعلان النهائي للمؤتمر العالمي للشعوب حول التغيرات المناخية وحقوق الأرض الأم الذي انعقد يوم 22 أبريل 2010 بكوشابامبا ببوليفيا.[18]وليس دفاعنا عن المرفق العمومي دفاعا عن القطاع العام ضد القطاع الخاص، بل دفاعا عن تغطية شاملة وعمومية للحاجيات الاجتماعية لكامل الشعب المغربي. فالقطاع العام في ظل الاستبداد السياسي الحالي ما هو إلا مرتع للنهب والفساد. وبالتالي، فدفاعنا عن السياسات العمومية في تدبير الموارد المائية يرتبط أوثق الارتباط بمطالبنا الديمقراطية التي ترتكز على إشراك الشعب في تحديد مصيره بنفسه وتسطير سياساته وتحديد آليات مراقبته، وبالتالي، وضع حد لتبعيته إزاء مؤسسات الرأسمال العالمي (البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية…).

أزيكي عمر

كاتب عام جمعية أطاك المغرب

18 يوليوز 2016

[1] – الوزارة المنتدبة المكلفة بالماء. تقديم برنامج 2016.http://www.finances.gov.ma/Docs/DB/2016/projets_performance/PdP%20MDCE%20PLF%202016%20version%20fr%20VF.pdf

[2] – http://www.cese.ma/Documents/PDF/Auto-saisines/AS_15_2014-Gouvernance-par-la-gestion-integree-des-ressources-en-eau-au-Maroc-Levier-fondamental-de-developpement-durable/Avis-Gouvernance-Eau-VA-16042014.pdf

[3] – http://www.fao.org/fileadmin/user_upload/FAO-countries/Maroc/Atelier_22072014/FAO_RWSI_Rapport_Maroc_Oct2014.pdf

[4] – http://blogs.worldbank.org/arabvoices/ar/numbers-facts-about-water-crisis-arab-world

[5] – http://lavieeco.com/news/economie/maroc-70-litres-deau-par-habitant-et-par-jour-usa-600-litres-22228.html

[6] – تصريحات الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء شرفات أفيلال لعديد من الصحف.

[7] – انطلق مسلسل الخوصصة بالمغرب بخطاب الملك الحسن الثاني لدى افتتاحه الدورة البرلمانية في أبريل 1988. وسيصدر بعد ذلك أول قانون تحت رقم 39-89 في أبريل 1990 يسمح بتحويل المقاولات والمؤسسات العمومية إلى القطاع الخاص، وستطاله لاحقا عديد من التعديلات. وجرى أول تنصيص على مبدأ التدبير المفوض في الميثاق الجماعي الذي جرى تعديله في سنة 2002، ثم صدور القانون رقم 05-54 في مارس 2006 ليشمل عقود التدبير التفويض للمرافق العمومية المبرمة من قبل الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية. لكن تجارب التطبيق العملي للتدبير المفوض جرت حتى قبل صدور القوانين المنظمة له: شركة ليديك بالبيضاء في 1997، وريضال بالرباط في 1998، وأمانديس بكل من طنجة وتطوان في 2002.

[8] – حتى نهاية 2013، مجموع الأرباح الصافية للشركات الأربع 2.272 مليون درهم: منها 1592 مليون درهم لليديك، و327 مليون لريضال، و 353 مليون لأمانديس طنجة وأمانديس تطوان. تقرير المجلس الأعلى للحسابات. أكتوبر 2014.

[9] – مخططات الادارة العامة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

http://www.tanmia.ma/%D9%85%D8%AE%D8%B7%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D9%84/

[10] – Déception climatique: “objectifs” non contraignants pour le climat, mais règles contraignantes pour le commerce de services.

http://www.ourworldisnotforsale.org/fr/article/d-ception-climatique-objectifs-non-contraignants-pour-climat-mais-r-gles-contraignantes-pour

[11] – http://riadii.yoo7.com/t204-topic

[12] – بيان أطاك المغرب بتاريخ 5 غشت 2010. www.rwfar.org/node/43

[13] – صدر القانون رقم 86.12  ‏المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالجريدة الرسمية في يناير 2015. وهو نمط تمويل تلتجأ إليه الدولة لمستثمرين خواص لتمويل وتدبير تجهيز يضمن خدمة عمومية. ظهر في بريطانيا في 1992، واستوردته فرنسا في 2004. وفي المغرب، جرى إرساء خلية خاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ابتداء من 2010 داخل وزارة المالية المغربية تحت رعاية البنك العالمي وتمويله.

[14] – http://lematin.ma/journal/2015/exclusif–gestion-integree-de-l-eau-dans-les-villes_l-onee-negocie-un-pret-de-100-millions-de-dollars-avec-la-banque-mondiale/219473.html

[15] – صلاح المعيزي. مداخلة في ورشة حول أخطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص على الصحة بالمغرب. يونيو 2015.

[16] – http://www.agoravox.fr/actualites/politique/article/les-ppp-veritables-operations-154914

[17] – راجع الدراسة القيمة التي أنجزها حمزة حموشن حول المحطة: محطة ورززات للطاقة الشمسية في المغرب: تفوق الرأسمالية “الخضراء” و خوصصة الطبيعة.https://attacmaroc.org/?p=4027

[18] – هذه التعبئة الكفاحية للشعوب كانت وراء قرار الأمم المتحدة لسنة 2010 الذي أعلن أن الماء النظيف هو حق إنساني من حقوق البشر.

زر الذهاب إلى الأعلى