البيئةملفات دراسية

على هامش التعبئة المحمومة لاستقبال كوب 22: الأمن المائي يتعارض مع خوصصته

تتكثف في الأونة الأخيرة تعبئة الدولة المغربية لاستقبال مؤتمر الأطراف للاتفاقية الإطار التابعة للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22). فهي تريد أن تجعل من هذه المحطة فرصة لتلميع صورتها ونيل رضى الممولين الدوليين من خلال توسيع مجال الاستثمارات العمومية والخاصة في مجال البيئة ليس للحفاظ عليها بل لضمان أرباح كل من المؤسسات المالية والبنوك التي ستمنح القروض والمقاولات الرأسمالية والشركات متعددة الجنسيات التي ستفوز بالصفقات وعقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.

فمؤتمر الأطراف المتوسطي حول المناخ (ميدكوب 22) سينظم بمدينة طنجة يومي 18 و19 يوليوز الجاري.ويرتقب أن يشارك فيه أكثر من 2000 ممثلين للدول والجمعيات ومراكز البحث والمؤسسات الدولية، إلخ.

وتنظم حاليا، يومي 11 و12 يوليوز، الوزارة المنتدبة المكلفة بالماء ندوة دولية حول الماء والمناخ بالتعاون مع الوزارة الفرنسية للبيئة والطاقة والبحار والمجلس العالمي للمياه، وبحضور 24 بلدا منهم 18 من افريقيا، وخبراء، إلخ. هذا في نفس الوقت الذي أعلنت فيه الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة عن مقاضاتها لرئيس “الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب”[1] كمحاولة لتجريم التنديدات المتصاعدة ضد سماح الدولة بدخول النفايات الإيطالية إلى بلدنا والتي كانت أدلها الوقفة الاحتجاجية العارمة التي نفذتها ساكنة أسفي يوم 10 يوليوز.

تتمحور الندوة حول “الأمن المائي من أجل عدالة مناخية“. إلا أن المصطلحات المستعملة تتناقض مع السياسات المتبعة. ففرنسا تعد رائدة عالميا في خوصصة الماء وتخضع سياستها لتوجيهات شركتيها سويز (Suez) وفيوليا (Véolia) التي تهيمنان على تدبير المياه في عديد من مناطق العالم ومنها المغرب من خلال ليديك بالدار البيضاء بالنسبة للأولى، وأمانديس بتطوان وريضال بالرباط بالنسبة للثانية. ومع بداية التسعينات، تبنى البنك العالمي مقترحات هاتين الشركتين اللتين دفعتا بتأسيس المجلس الدولي للماء في 1996 والذي يوجد مقره بمارسيليا، وأصبحتا تحددان مضمون توجهات المنتديات الدولية للماء. وبمبادرة من سويز تأسست في سنة 2005 الفيدرالية الدولية لمقاولات الماء الخاصة Aquafed  التي جمعت أكثر من 280 مقاولة في قطاع الماء لخلق مجموعة قوية للضغط ذات بعد دولي. وعين كوفي عنان أحد الأطر القيادية في سويز ليونيز (Gérard Payen) مستشارا خاصا لمنظمة الأمم المتحدة لقضايا الماء[2].

هكذا إذن تشكل أخطبوط هائل يتحكم فيه الرأسمال المالي والمؤسسات الفرنسية ويقوم بتأطير سياسي وأيديولوجي للسياسة المائية على المستويات العالمية لضمان الأرباح الخاصة. وبنيت هندسة مالية بطرق جديدة كعقود الشراكات بين القطاعين العمومي والخاص، وتأسست صناديق مختصة تعبأ إمكانات مالية كبيرة لصالح مقاولات تدبير الماء عبر العالم. ويبسط هذا الأخطبوط مجساته على الثروات المائية لبلدان ما يسمى بالعالم الثالث، حيث يقوم البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية بتعميم خوصصة الخدمات العمومية (الاتفاق العام حول تجارة الخدمات) ومنها توزيع الماء، وتسطير أولويات الفلاحة لصالح التكتلات التصديرية، وتحديد الاستراتيجيات القطاعية في السياحة والبحر والطاقة وغيرها وفق ما تطلبه الشركات متعددة الجنسيات والمجموعات الرأسمالية المحلية المرتبطة بها. كما يتم تمويل جمعيات المجتمع المدني بسخاء كمحاولة لاحتوائها لمواكبة هذه السياسات التي تجعل من الماء سلعة ترتبط الاستفادة منه بالقدرة على الأداء.وتتجلى إحدى تجليات هذا الهجوم القوي للرأسمال المالي على قطاع الماء في النضالات المتنامية بأمريكا اللاتينية (المكسيك، مدينة كوشابامبا ببوليفيا) وأوروبا (إيطاليا) وآسيا وافريقيا خصوصا المغرب الذي شهد منذ بداية الألفية احتجاجات متواصلة بكل من طنجة وتطوان والرباط والدار البيضاء ضد خوصصة خدمات توزيع الماء والكهرباء.

هكذا وفي غياب أي استشارة شعبية للمعنيين المباشرين في المدن والقرى، تكيف الدولة المغربية وفق ما تمليه المؤسسات المالية والتجارية الدولية سياستها المائية لتجعل من الماء مجالا للاستثمارات والتسويق من خلال مشاريع تحلية ماء البحر، وإعادة تدوير المياه العادمة، وإعادة شحن الخزانات الطبيعية للمياه الجوفية التي هي في طور النضوب، ونقل الماء من مناطق إلى أخرى، إلخ. وهذا ما يتبين من الخطوط العامة لمشروع المخطط الوطني للماء الذي أعدته الوزارة المنتدبة المكلفة بالماء وتعتبره المرجع الأساس للسياسة الوطنية المائية إلى غاية 2030.

أزيكي عمر

زر الذهاب إلى الأعلى