الديونالنضالات في المغربملفات دراسية

أهمية النضال ضد الديون: من أجل التدقيق المواطني في الديون العمومية المغربية

أهمية النضال ضد الديون

من أجل التدقيق المواطني في الديون العمومية المغربية

ميمون الرحماني

الديون ليست مسألة تقنية أو مالية وإنما يتعلق الأمر بخيارات سياسية كبرى. بتعبير آخر، لا يجب أن ننظر للديون من جانبها المالي البسيط، أي الحصول على قروض وضرورة تسديدها كلما حان أجلها (بمعنى الوفاء بالالتزامات) بل الأمر يرتبط باختيارات سياسية واقتصادية قد ترهن البلاد والعباد لعقود من الزمن. إن هذا النموذج التنموي المرتكز على المديونية أبان دائما عن فشله و في العديد من الدول، ولم يؤدي إلا إلى مزيد من التخلف والفقر والتهميش والبطالة والفوارق الاجتماعية الكبرى، ناهيك عن فقدان الدولة لسيادتها. لذلك لا بد من النضال المستمر ضد هذه الآلية الاستعمارية المتمثلة في الديون، على الأقل للأسباب التالية:

1-    الديون هي آلية لتحويل ثروة هائلة من الجنوب إلى الشمال: سواء لفائدة المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) والدول الصناعية الكبرى (الدول الاستعمارية السابقة)، أو لفائدة الدكتاتوريات الحاكمة بدول الجنوب التي استغلت الفرصة للاغتناء وتحويل  جزء مهم من القروض لحساباتها البنكية الخاصة. فالإحصائيات والتقارير الدولية، بما فيها تقارير المؤسسات المالية نفسها، أبانت على أن الجنوب هو الذي يمول الشمال وليس العكس. فصافي التحويلات (السلبي) على الدين الخارجي لدول الجنوب (أي الفرق بين المبالغ المحصل عليها عن طريق الاقتراضات الجديدة و مجموع ما تم تسديده من رأسمال وفوائد) خلال الفترة من 1985 إلى 2010 بلغ (530-) مليار دولار[1].

2-    جزء من الديون هي عبارة عن ديون غير شرعية وكريهة: أخدت ضدا على إرادة الشعوب واستعملت لقمع الشعوب وقهرها. استعملتها السلطة المستبدة ضد شعبها وليس لتلبية حاجياته.

وتعرف الديون غير المشروعة على أنها تلك المترتبة عن قروض غير مشروعة. ويقصد بالقروض غير المشروعة تلك التي، عند التوقيع على العقدة أو إعادة التعاقد أو إعادة التفاوض بشأنها من خلال ما يتم تمويله بها (القروض ) أو فيما يتعلق بآثارها، تعيد إنتاج أو تخلق ظواهر وآليات وتصرفات تؤدي إلى المس بحقوق الإنسان: حقوق فردية أو جماعية (مدنية، سياسية، ثقافية، اقتصادية ) أو الحق في التنمية، الهوية أو الحق في العيش السليم أو الكريم. من بين هذه الظواهر تجدر الإشارة إلى:  قمع الشعوب، جرائم الإبادة، الحروب الامبريالية، الرشوة، التوزيع الغير العادل للثروات، التفقير (إنتاج الفقر )، التعسف، تخريب (تدمير ) البيئة، التداول في الشؤون الداخلية للدول والمس بسيادتها…

ونجد أربعة أشكال للقرض غير المشروع: illégitime

أ‌-       قرض من أجل تقوية الأنظمة الديكتاتورية (قرض غير مقبول)

ب‌-   قرض بسعر فائدة ربوي (شروط غير مقبولة)

ج‌-    قرض لدولة معروفة بضعف قدرتها على السداد (قرض غير ملائم)

د‌-      قرض مفروض بشروط من المؤسسات المالية الدولية تخلق وضعية اقتصادية تؤدي لصعوبة أو استحالة السداد (شروط غير ملائمة).

وأما الديون الكريهة (Dette odieuse) فيعرفها ألكساندر ساك – Alexander sack (وزير سابق بروسيا وأستاذ القانون بباريس وأول من استعمل مصطلح “الدين الكريه” سنة 1927) كما يلي:  “كل سلطة مستبدة تحصل على دين ليس لحاجيات ولا لأهداف الدولة ومصالحها، وإنما لتقوية النظام المستبد، من أجل قمع الساكنة التي تناهضه. هذا الدين يعتبر دينا كريها بالنسبة لساكنة الدولة كلها وهو بالتالي دين غير مقبول، هو دين النظام، دين خاص بالسلطة التي أخذته. وبالتالي فإن هذا الدين يسقط بسقوط النظام”.

تلا ذلك مجموعة من الأبحاث والكتابات من طرف الفقهاء في القانون الدولي، خلصت إلى تحديد ثلاث خاصيات للدين الكريه:

أ‌.                                          غياب الرضا (التراضي والاتفاق) – Absence de consentement : دين أخد ضد إرادة الشعب.

ب‌.           غياب الفائدة -Absence de bénéfice  : صرفت الأموال في أمور لا تخدم مصالح الساكنة.

ج‌.    علم الدائنين بنية (قصد) المدين -connaissance des intentions des emprunteurs par les créanciers : الغاية التي يرمي إليها المدين تكون في علم الدائن-  créancier

فالدين الكريه إذن هو كل دين تم الحصول عليه من طرف حكومة غير مشروعة أو أن استعماله كان مخالفا لحاجيات الشعب ومصالحه.

وتقدر الديون الكريهة للمغرب لفترة حكم الحسن الثاني (1961-1999) بحوالي 19 مليار دولار[2]. لكن لتحديد نسبة الدين غير المشروع أو الكريه من إجمالي الدين العمومي لا بد من إجراء تدقيق للديون العمومية المغربية.

3-    الديون تؤدي إلى فقدان الدولة لسيادتها: المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) هي التي توجه سياسات الدول عبر توصيات واشتراطات (برامج التقويم الهيكلي لسنوات الثمانينات وما تلاها من تقشف وخوصصة وتحرير) أو عبر سياسات تقشفية كما هو الحال اليوم بالنسبة للعديد من الدول الأوربية (اليونان، أيرلندا، إسبانيا، البرتغال…).

وفي هذا الصدد نجد أن صندوق النقد الدولي منح المغرب إمكانية فتح خط ائتماني يسمى خط الاحتياط والسيولة (L P L) بقيمة 6,2 مليار دولار مقابل التزامات الحكومة المغربية بالقيام بإصلاحات جذرية لصندوق المقاصة (والبداية كانت بنظام المقايسة) ولنظام التقاعد، وإعادة النظر في النظام الجبائي وتقليص المصاريف العمومية وتجميد الأجور وليونة الشغل… كما أن الاقتصاد تتحكم فيه الدول المانحة عبر مؤسساتها وشركاتها العابرة للقارات. ونلاحظ مثلا كيف أن إجراءات تحويل الديون إلى استثمارات تؤدي إلى تحكم هذه الدول (المانحة) في القطاعات الإستراتيجية للبلد المدين.

4-    من يستفيد من الديون؟ إنها، بالدرجة الأولى، البنوك التجارية الدولية الكبرى و المؤسسات المالية الدولية التي هي في خدمة الامبريالية العالمية. وهي أيضا الدول الاستعمارية السابقة التي استعملت ميكانيزم الديون لبسط سيطرتها الدائمة على اقتصاديات الدول الثالثية. فالدين تسيطر وتهيمن عليه الامبريالية، وهو، كما يقول طوماس سانكارا[3]، “غزو منظم وبمهارة” يجعل من كل واحد منا “عبدا ماليا”. وهذا، يضيف طوماس سانكارا، يعني ببساطة العبودية أو الرق للذين أتيحت لهم الفرصة، بالخداع والغش لاستثمار الأموال عندنا مع إلزامنا على السداد.

وعلى المستوى الداخلي نجد أيضا حفنة من البورجوازية المحلية، أي اللوبي الرأسمالي المرتبط بالنظام الذي يستحوذ على ثروة البلد ويتحكم فيها ويتاجر في الديون الداخلية بالسوق الثانوية. إن أقلية برجوازية هي التي تمتلك أغلبية الديون الداخلية المغربية، هذه الأقلية هي نفسها التي استفادت من الديون الخارجية وكذا من الخوصصة وهي التي راكمت ثروات هائلة عن طريق الرشوة وتهريب الأموال.

5-    الديون تم تسديدها عدة مرات:

أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية في 1979 وبشكل انفرادي على الزيادة في سعر الفائدة لترتفع الديون العمومية الخارجية للدول النامية أربع (4) مرات، وأصبحت بذلك الدول المعنية مجبرة على تسديد أضعاف ما في ذمتها من ديون. فعلى سبيل المثال ارتفعت الديون العمومية الخارجية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 4 مليار دولار في سنة 1970 إلى 114 مليار دولار في سنة 2010، أي أنها تضاعفت أكثر من 28 مرة خلال 40 سنة. في الوقت الذي سددت فيه دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن ديونها العمومية الخارجية ما لا يقل عن 481 مليار دولار ما بين 1970 و 2009. وأما المغرب فقد سدد ما بين 1983 و 2012 إلى الخارج حوالي 135 مليار دولار، أي ما يفوق 9 مرات دينه الأصلي، ومازال بذمته حوالي 25 مليار دولار حاليا.

6-    الديون تنهك ميزانية الدولة:

تعتمد الدولة على العجز في الميزانية لتمويل المشاريع الكبرى التي تتطلب إمكانيات مالية هائلة، مما يؤدي إلى ارتفاع حجم مديونية الدول النامية التي اتبعتها. فهذا العجز الكبير في الميزانية، الناتج عن اختلالات هيكلية داخلية وسياسات اقتصادية ليبرالية هو الذي كان وراء الارتفاع المهول للدين الداخلي والخارجي للمغرب. بتعبير آخر أن العجز في الميزانية يكون دائما مصحوبا بتطور الديون العمومية وارتفاع حجمها، كما أن تسديد الديون العمومية يؤدي بدوره إلى عجز الميزانية. إنها حلقة مفرغة لديون تتراكم سنة بعد سنة وعجز يزداد سنة بعد أخرى. فقد وصل العجز في الميزانية 7,1 % من الناتج الداخلي الخام مع متم سنة 2012.

وتفاقم أيضا العجز في الميزان التجاري بحيث تضاعف 5 مرات في ظرف 12 سنة لينتقل من 44 مليار درهم في سنة 2000 إلى 201 مليار درهم في 2012، وأصبح بذلك يعادل 24 % من الناتج الداخلي الخام.

و برسم خدمات الدين سدد المغرب حوالي 94 مليار درهم سنويا كمعدل عن الثمانية سنوات الأخيرة (ما بين 2005 و 2012). وهو ما يمثل في العموم ثلث الميزانية العامة للدولة وحوالي 10 مرات الميزانية المخصصة للصحة وأكثر من ضعف الميزانية المخصصة للتربية والتعليم و 2,5 مرة ميزانية الاستثمارات العمومية وما يفوق 60 % من المداخيل الجبائية.

وأما حجم الديون العمومية (الداخلية والخارجية) للمغرب فقد بلغ مع متم 2012 ما يناهز 607,5 مليار درهم (حوالي 71 مليار دولار)، أي ما يعادل 75,5 % من الناتج الداخلي الخام، محققا ارتفاعا بلغ 13,3% مقارنة مع سنة 2011. منها 212,7 مليار درهم ( 25 مليار دولار) كديون عمومية خارجية و 394,8 مليار درهم كديون عمومية داخلية.

 

من أجل التدقيق في الديون العمومية المغربية 

التدقيق في الديون عبارة عن تحقيق يشمل العقدة  وظروف التوقيع عليها وأهلية الموقع على العقدة، والشروط الموضوعة أو المفروضة للحصول على القرض، وسعر الفائدة، والمشاريع الممولة، ومدى استفادة الساكنة من المشاريع… ولكن أول أمر يجب النظر إليه في أي تدقيق للديون العمومية هو أصل هذه الديون.

أصناف التدقيق:

يمكن أن نميز بين التدقيق الرسمي أو ما يسمى بالتدقيق المؤسساتي الذي تنجزه السلطات والمؤسسات الرسمية التابعة للدولة  كالبرلمان (مثال النرويج، الفيليبين، البيرو) أو السلطة التنفيذية (مثال الإكوادور) أو السلطة القضائية (مثال الأرجنتين). و التدقيق المواطني (مثال البرازيل) الذي يمكن أن تنجزه جمعيات ومنظمات حقوقية وحركات اجتماعية، مستعينة بخبراء محليين وأجانب.

تجارب التدقيق في الديون:

يمكن اعتبار تجربة الإكوادور ( 2007 – 2008 ) أهم تجربة في مجال التدقيق في الديون العمومية. فبقرار لرئيس الدولة تشكلت لجنة للتدقيق في الديون تضم ممثلين عن الحكومة، ممثلي الحركات الاجتماعية وخبراء أجانب. وقد هم التدقيق المرحلة الممتدة من 1976 إلى 2006 ودام حوالي 14 شهرا توج بتقرير للجنة اعتبر أن 70% من الديون هي ديون غير مشروعة. وفي دجنبر 2008 قرر الرئيس رافائيل كوريا وقف تسديد هذه الديون.

وقد مكن هذا التدقيق من ربح 7 مليار دولار، ومن تخفيض خدمات الدين من 32% إلى 15% من الميزانية العامة للدولة، مقابل الرفع من المصاريف الاجتماعية من 12 إلى 25% من الميزانية العامة.

كما هناك تجارب بدول أخرى كالبرازيل والفلبين. وبالدول العربية تقدم 24 نائبة ونائب بالمجلس الوطني التأسيسي التونسي بمشروع قانون للتدقيق في الديون الخارجية لتونس[4] بتاريخ 4 غشت 2012 لكنه لم يعرض على الجلسة العامة بدعوى كثافة أشغال المجلس، وسرعان ما تم إقباره بالرغم من اقتراح الرئيس رافائيل كوريا لدعم الإكوادور لتونس في التدقيق في ديونها بإرسال خبراء ونقل التجربة. وبالمغرب أصدرت جمعية أطاك (جمعية تضريب المعاملات المالية من أجل مساعدة المواطنين) نداء[5] تدعو فيه الحركات الاجتماعية والمنظمات الحقوقية ومنظمات النضال العمالية والأحزاب اليسارية، وكافة القوى الحية في البلد إلى التنسيق وتكثيف الجهود والعمل المشترك من أجل تشكيل لجنة مختلطة للتدقيق المواطني في الديون العمومية المغربية.

إن التدقيق في الديون العمومية ليس مسألة تقنية وحسابية بل ينبني على أسس قانونية وقواعد وحجج دامغة نصت عليها بعض القرارات والمواثيق الدولية، والغاية منه، أولا، تحسيس وتوعية المواطنين، وثانيا، تحديد الجزء غير المشروع أو الكريه من الديون لإلغائه أو الامتناع عن تسديده. غير أن إجراء تدقيق في الديون من المنطقي أن يكون مسبوقا بتعليق تسديد الديون وفوائدها.

 

الأسس القانونية لتعليق تسديد الديون في أفق إلغائها:

قد نعتبر مبدئيا أن الدولة مجبرة على تسديد ديونها وفق مبدئين اثنين: مبدأ احترام الاتفاقيات الوارد في الفصل 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الذي ينص على أن ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ وأن ﻛﻞ ﻣﻌﺎﻫﺪﺓ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻣﻠﺰﻣﺔ ﻷﻁﺮﺍﻓﻬﺎ ﻭﻋﻠﻴهم ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﺑﺤﺴﻦ ﻧﻴﺔ، ثم مبدأ استمرارية الدولة وما يعنيه ذلك من الوفاء بالالتزامات السابقة في حالة تغير الحكومة أو النظام ككل. ولكن هذين المبدأين ليسا مطلقين إذ لا يخصان إلا الديون التي أخذت لأجل المصلحة العامة للجماعة كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا.

وحسب القانون الدولي فإن تقييم ”المصلحة العامة“ وتحديد الديون الشرعية من غير الشرعية هو من اختصاص السلطات العمومية. مما يؤكد مرة أخرى على أهمية وضرورة إجراء تدقيق للديون العمومية.

وينص الفصل 28 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققاً تاما.”

وتشير المادة  103من ميثاق الأمم المتحدة إلى أنه في حالة ما إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق.

وأما إعلان الأمم المتحدة حول الحق في التنمية فيؤكد في المادة 2 (الفقرة 3) على أن “من حق الدول ومن واجبها وضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.”

وفي نفس السياق جاء في المادة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
و اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ أن “لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها”. وأنها (أي الشعوب) “حرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.” وأن “لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية .. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.”

وأما ميثاق الأمم المتحدة (المادتين 55 و 56) فيؤكد على ضرورة الرفع من مستوى المعيشة وتوفير الشغل التام واحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات الأساسية للجميع بدون تمييز عرقي، جنسي، لغوي أو ديني.

إن هذه النصوص والتشريعات الدولية تولي أهمية كبرى لحقوق الإنسان وحرياته وتدعو الدول إلى إعطائها الأولوية وتوفير الإمكانيات المالية الضرورية لتحقيقها. مما يعني أن تسديد الديون وفوائدها لا يجب أن يحرم الشعوب من حقوقها الأساسية ويمنعها من التمتع بثرواتها.

 

وهناك أيضا مجموعة من الحجج القانونية التي يمكن الاعتماد عليها لتعليق تسديد الديون، ويتعلق الأمر أساسا ب:

  • ·القوة القاهرة: التي تعرفها لجنة القانون الدولي للأمم المتحدة ب “حدث أو ظروف خارجة عن الإرادة يستحيل معها احترام الالتزام الدولي”.
  • · حالة الضرورة: وهي بمثابة “حالة خطر يهدد وجود الدولة وبقاءها السياسي أو الاقتصادي”.  وهي تنطبق تماما على بلدان مثل اليونان التي تمر بأزمة خطيرة قد تؤدي بها إلى الإفلاس، أو مصر أو تونس اللتان توجدان في وضعية صعبة منذ اندلاع الثورات الشعبية في 2011.
  • · التغيير الجوهري للظروف: الذي يؤدي إلى تغير الظروف التي تم التوقيع فيها على العقدة. وكمثال على ذلك قرار الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1979 برفع سعر الفائدة الذي تلته أزمة الديون لسنوات الثمانينات وما نتج عنها من كوارث اجتماعية بعد تطبيق برامج التقويم الهيكلي على دول الجنوب.
  • · الإثراء غير المشروع: وفي جزء هام منه بواسطة المديونية وتحويل القروض للحسابات الخاصة لبعض رؤساء الدول وبعض المسؤولين.
  • · عيوب الرضا: عدم أهلية المتعاقد، الرشوة، الضغط على المتعاقد أو تهديده أثناء التوقيع على العقدة.
  • · الشرط غير القانوني أو غير الأخلاقي للعقدة.

 

هذا، وهناك أيضا مجموعة من التقارير والقرارات الدولية حول المديونية التي يمكن الاعتماد عليها للمطالبة بتعليق تسديد الديون إلى حين إجراء تدقيق، ونذكر منها:

q  تقرير الخبير الأممي المستقل سيفاس لومينا حول الديون الخارجية وحقوق الإنسان، الذي جاء بمقاربة حقوقية وأكد على العلاقة الوثيقة ما بين الديون الخارجية وحقوق الإنسان والتنمية.

q  قرار مجلس حقوق الإنسان 10/20 حول آثار الديون الخارجية للدول وما يتصل بها من التزامات مالية دولية أخرى في التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، وبخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

q   قرار مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة الصادر في 23 أبريل 1999 الذي يؤكد على أن “ممارسة الحقوق الأساسية لساكنة الدول المدينة المرتبطة بالتغذية، السكن، الشغل، التربية، الخدمات الصحية وبيئة سليمة لا يمكن أن تخضع لتطبيق سياسات التقويم الهيكلي والإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بالديون.”

q   قرار الجمعية البرلمانية المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي بتاريخ 18  ماي 2011  ، تطالب فيه الاتحاد الأوروبي بتعليق مؤقت لتسديد ديون بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتؤكّد على الحاجة إلى التدقيق في هذه الديون، وإلى تجميد أصول القادة الفاسدين وإعادتها إلى خزائن العمومية للبلدان المعنيّة.

q   قرار البرلمان الأوروبي حول التجارة والاستثمار ببلدان جنوب المتوسط بعد الثورات العربية، بتاريخ 10  ماي 2012، يعتبر فيه الديون العمومية الخارجية لبلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط  ديونا كريهة لكونها تمّت مراكمتها من طرف أنظمة ديكتاتورية بواسطة الثراء الشخصي للنخب السياسية والاقتصادية أساسا، وشراء أسلحة استخدمت غالبا ضد شعوبها، ويطالب بتدقيق هذه الديون.

                                         


[1]  المصدر: قاعدة بيانات البنك الدولي. بيانات عن الديون الخارجية للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط ​​وفقا لتصنيف البنك الدولي.

[2] أنظر “أرقام الديون 2012” باللغة الفرنسية  ص 7 على الرابط التالي: http://cadtm.org/Les-Chiffres-de-la-dette-2012

[3] طوماس سانكارا، الرئيس السابق لبوركينا فاسو، تم اغتياله أياما قليلة بعد إلقائه لخطابه الشهير حول الديون بالقمة الإفريقية المنعقدة بأديس أبابا بتاريخ 29 يوليوز 1987 والذي دعا فيه إلى تشكيل جبهة إفريقية لإلغاء الديون. أنظر نص الخطاب الكامل على الرابط التالي: https://mimounrahmani.wordpress.com/2011/11/20/%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%83%D8%A7%D8%B1%D8%A7-%D8%8C-%D8%A3%D8%AF%D9%8A%D8%B3-%D8%A3/ 

[4]  أنظر نص المشروع على الرابط التالي: http://www.anc.tn/site/main/AR/docs/projets/45_2012.pdf

[5]  أنظر نداء أطاك المغرب من أجل تشكيل لجنة للتدقيق في الديون العمومية المغربية على الرابط التالي: https://attacmaroc.org/?page=4&postId=451

زر الذهاب إلى الأعلى