تعاريف

أطاك تحتفي بمناضلاتها؛ زينة أوبيهي: التزام، صدق ومقاومة

“إذا الشعب يوما أراد الحياة،

انوض ادوي على راسو باراكا [كفانا] من السكات،

ها هوما كلاو رزاقنا ولاحو [أَلْقَوا] لينا لفتات

وشحال [وَكَمْ] من مناضل على قبلنا [لأجلنا] مات”.

 (أغنية شبابية مغربية/صوت: جيهان المنزلي/عضو أطاك) 

مناسبة النشر:  الذكرى 20 لتأسيس أطاك المغرب : يوليوز 2000/2020.

زينة مناضلة يسارية صادقة نذرت حياتها للنضال لأجل عالم آخر ممكن؛ مغرب آخر ممكن، وقد انخرطت مبكرا بجمعية أطاك المغرب المناهضة للعولمة الرأسمالية، وعملت فيها بتفان وإخلاص. ساهمت  كذلك  في النضال الحقوقي في اطار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع الرباط. وكأستاذة بالتعليم، تحملت  المسؤولية النقابية ككاتبة جهوية للجامعة الوطنية للتعليم و”التوجه الديمقراطي” حيث ناضلت لسنوات بصدق وشفافية.  كانت زينة عضوا نشيطا بحركة 20 فبراير بالرباط، مواكبة للأحداث ومشاركة بنشاط في الاحتجاجات والنقاشات.

ولدت زينة اوبيهي سنة 1960 بقرية أمازيغية بمنطقة أيت باعمران قرب مدينة افني المطلة على المحيط الأطلسي. انفصل أبواها وعمرها لا يتجاوز ثمانية أشهر، لتنتقل  للعيش في كنف عمتها وزوج العمة  بمدينة إنزكان، حيث تلقت تربية محافظة.  حصلت على الباكالوريا  فانتقلت إلى الرباط لمتابعة الدراسة الجامعية في السياق السياسي لـ 1979/80، وياله من سياق (حيث عشرات الشباب اليساريين بالسجون..) لتتابع دراستها طالبة أستاذة [متدربة] بالمدرسة العليا للأساتذة بحي التقدم، وتلج معمعة النضال الطلابي الذي يقوده الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (ا.و.ط.م). كان الطلبة الأساتذة بالمركز يناضلون لأجل مطالبهم الخاصة كالمنحة، لكن انفجار انتفاضة1984 سيدفعهم إلى الاحتجاج والالتحاق بالمتظاهرين بالشارع بحي التقدم، ومن هنا بداية فصل جديد من حياة زينة.

“انتفاضة 1984 بالمغرب؛ و المعروفة أيضا بانتفاضة الخبز أو انتفاضة الجوع أو انتفاضة التلاميذ، هي مجموعة من الحركات الاحتجاجية اندلعت في 19 يناير 1984 في مجموعة من المدن المغربية، وبلغت ذروتها في مدن الحسيمة و الناضور و تطوان و القصر الكبير و مراكش. اندلعت الأحداث في البداية عبر مظاهرات تلاميذية، قبل أن تنخرط فيها شرائح اجتماعية أخرى. جاءت الاحتجاجات في سياق اقتصادي تميز ببداية تطبيق المغرب لسياسة التقويم الهيكلي المملاة من صندوق النقد الدولي، والتي كان من تداعياتها ارتفاع كلفة المعيشة وتطبيق رسوم إضافية على التعليم. وُوجهت الاحتجاجات بعنف بالغ واعتقالات واسعة ” (ويكيبديا).

خلال هذه الانتفاضة المجيدة، اعتقلت زينة مع مجموعة من المناضلين من المدرسة العليا للأساتذة حيث قضت 22 يوما بزنزانة بالغة الضيق بمخفر الشرطة إلى جانب شابات أخريات معتقلات ضمنهن زوجات معتقلين سياسيين وتلميذات، وحيث لا غطاء ولا فراش.. حكم عليها بثمانية  أشهر سجنا نافذة، قضت منها ستة اشهر بسجن لعلو رفقة خمس مناضلات وكوكبة كبيرة من المناضلين. وكامرأة من أسفل السلم الاجتماعي، واجهت منذ الطفولة،  ثم بعد خروجها من السجن، مظاهر اضطهاد بطريركي/سياسي مهولة، لكنها خرجت منتصرة بفضل قدرة استثنائية على المقاومة، وهو درس بليغ يمكن أن يلهم شابات أخريات مقبلات على النضال وعلى الحياة، داخل أطاك وخارجها.

عندما اندلعت انتفاضة أهالي منطقة إفني أيت باعمران سنة 2005 ثم سنة 2008 التي شهدت تدخلا قمعيا همجيا لا نظير له واعتقالات واسعة شملت رموز ذاك النضال، ساهمت زينة رفقة مناضلي ومناضلات أطاك المغرب  في التنسيق بين عائلات المعتقلين، وتنظيمهم لأجل اطلاق سراح معتقلي ذاك الحراك. كما ساهمت جنبا الى جنب مع رفيقاتها ورفاقها في أطاك المغرب –مجموعة الرباط، بتنسيق مع تنظيمات كالجمعية المغربية لحقوق الانسان والاتحاد المغربي للشغل في تنظيم مهرجان خطابي لاستقبال دفعة من المعتقلين السياسيين المفرج عنهم.

في مارس 2013 أدلت زينة بمجموعة من المواقف لراديو زانزينRadio zinzine منها:

– تعبيرها عن امتعاضها من اتفاق أبريل 2011 الذي وقعت عليه بيروقراطيات النقابات نزولا عند مساعى القصر، والمشتمل على زيادة غير مسبوقة في الأجور تصل 600 درهم، مقابل تحييد الطبقة العاملة وعزلها عن نضالات حركة العشرين من فبراير، وَقتَ كانت للنظام مخاوف من توسع الحركة وتجذرها، ما قد يؤدي إلى تكرار السيناريو التونسي أو المصري إبان انتفاضة 2011 الإقليمية.

– كما أبرزت زينة النتائج الكارثية لهكذا سياسة نقابية أفضت بعد إضعاف حركة 20 فبراير وتراجعها إلى هجوم مضاد شنته الدولة على المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة، من تدمير لأنظمة التقاعد وهجوم على صندوق دعم مواد الاستهلاك الأساس/ المقاصة، ثم الهجوم على حق الإضراب بطرح مشروع قانون جديد يفرض قيودا خانقة ومجرمة لممارسة هذا الحق، علاوة على مشروع قانون النقابات الذي يسمح بتدخل الدولة في الشأن الداخلي للنقابات والتضييق على حق تأسيسها. كما تحدثت عن جمود وضعية المرأة المغربية، إذ رغم ولوج النساء ميدان العمل بكل القطاعات، لا يزلن بعيدات عن مواقع المسؤولية حيث الهيمنة الذكورية، وكأن القائمين على شؤوننا يطلبون من النساء الاستمرار مستعبدات بالمنازل.

– استنكرت زينة كذلك انهيار مستوى التعليم [إثر عودتها لمزاولة العمل كأستاذة (1999)] وما اعترى  القطاع من نكوص متزايد .. ومن انعدام للبنيات التحتية ووسائل العمل (ميكروسكوب واحد بالمؤسسة..الخ) ناهيك عن تدني المستوى وتهميش أو تغييب المواد المساعدة على التفتح كالمسرح والموسيقى.”.

تحملت زينة المسؤولية النقابية ككاتبة جهوية ومارست النضال النقابي بكل صدق وشفافية، وطرحت مبادرات وشاركت في حملات تعبوية وسط الشغيلة التعليمية، وقد أكسبها عملها ذاك  مصداقية وسط القواعد التي كانت مواظبة على التواصل معها، وقد ظهر أثر هذه المصداقية خلال الانتخابات المهنية وغيرها من المناسبات، حيث خلقت زينة علاقات متينة جدا مع منخرطي النقابة.

نشطت زينة بجمعية أطاك المغرب ولا تزال، وتحملت المسؤولية بسكرتاريتها الوطنية إلى جانب الرفاق جواد المستقبل، مصطفى الساندية، محمد أبوض، ياسر بلهيبة وغيرهم. كما ساهمت  إلى جانب رفيقاتها لوسيل دوما، سعاد كنون، بشرى التونزي وأخريات في تفعيل أنشطة الفريق النسائي لأطاك المغرب، حيث كانت لوسيل دينامو الفريق..

ومعلوم أن أطاك تشتغل على ملفات تتطلب معالجتها مجهودا دراسيا لا محيد عنه، بغية تفكيك الخطاب النيوليبرالي وابراز خلفياته الحقيقية، الهادفة لتدمير مكتسبات الشعوب في ظل الهجوم النيوليبرالي المعولم المنطلق بداية الثمانينيات، وذلك قصد إنارة الطريق لكل من هم/هن في أسفل، ومستعدون/ات لخوض النضال المعبر عن تطلعات كافة شعوب الكوكب للانعتاق من ربقة المؤسسات المالية الدولية وكل أشكال الاستعمار الجديد المكرس عبر آليات المديونية واتفاقيات التبادل الحر التي توقعها بلدان الجنوب، وضمنها المغرب، من موقع التابع، وما يستتبعه ذلك من نهب لخيرات هذه البلدان وإهدائها إلى الرأسمال العابر للقارات وشركائه المحليين، ومن تدمير للنسيج المقاولاتي المحلي العاجز عن منافسة الرأسمال الأجنبي الكبير. كانت زينة أوبيهي مشاركة في كل هذا المجهود تجسيدا لشعار أطاك ” تثقيف شعبي متجه نحو الفعل النضالي/الميداني”.

تقول رفيقتها بشرى التونزي: زينة امرأة سِمَتُها الأساس الصدق النضالي، وقد قدمت في سبيل ما تؤمن به تضحيات جسام، وهي دائمة المساهمة ماديا ومعنويا في تطوير النضال، كما أنها تفضل العمل بعيدا عن الأضواء.

ستظل سيرة زينة عنوانا للمقاومة، منها تستمد شابات و شباب أطاك عبرة الصمود والكفاح والقدرة على مواجهة الصعاب والتحدي واثبات الذات.

31 يوليوز 2020.

ح.ح. عضو أطاك المغرب.

-مراجع :

1)- تسجيل لزينة أوبيهي مع راديو زانزين (بالفرنسية)

2)- “المناضلة التي لا تكل؛ زينة”. علي فقير الذي تحدث عن زينة في كتابه “الراعي الصغير الذي أصبح شيوعيا” ص 212. وقد طلب الكاتب من زينة أن تكتب سيرتها مثلما فعلت دوميتيلا، تلك الرفيقة البوليفية صاحبة كتاب “دعوني أتكلم/ شهادة امرأة من المناجم البوليفية” (زوجة عامل منجمي ورئيسة منظمة النساء ربات البيوت بمنجم سيغلو 20 ببوليفيا).

زر الذهاب إلى الأعلى