بيانات وتقارير

طنجة : فاجعة أخرى تضرب الطبقة العاملة والقادم أسوء،غرق 28 من العمال والعاملات في أحد وحدات النسيج غير القانونية

أسباب الغرق المباشرة

يقع “المعمل غير القانوني” قرب مركز الحليب (القديم ) بمحاذاة شارع الجيش الملكي (طريق الرباط)، في مرآب فيلا على زنقة مغلقة، والمساكن المشيّدة توجد على مجرى واد قديم كان يمر من هناك عندما كانت المنطقة عبارة عن تلال وأراضي  فلاحية، وهو ما يعني عند أي تساقط للأمطار مهما كان بسيطا ستتجمع المياه بسرعة وتبحث لها عن مسلك إن لم تجد  قنوات صرف مناسبة لاحتواء السيول الجارية من التلال المبنية كلها .

بحكم أن المعمل “غير قانوني” ، فإن صاحبه يُوصد الأبواب، على العاملات والعمال بإحكام كالعبيد في المناجم، وبما أن المجاري اختنقت نتيجة التقصير الاجرامي لشركة أمانديس، فإن السيول تجمعت بسرعة بالزقاق  وبدأت المياه تعلو باب المرآب، ويحتمل أن تكون مياه  المجاري تسربت أولا من قنوات الصرف الصحي الخاصة بالمبنى وخاصة أنه يوجد على عمق خمسة أمتار حسب بعض التصريحات. إحساس العاملات بالخطر جراء ارتفاع منسوب المياه بالداخل دفعهن للمسارعة للهرب خارج “المعمل غير القانوني” لكن كمية الماء المحمل بعفن الشوارع وقاذورات المجاري المختنقة الهائلة المحبوسة خلف باب المرآب قذفت بالعاملات نحو الداخل، وما هي إلا لحظات حتى وجد أغلب من في الداخل نفسه يغرق (كان في المعمل حوالي 40 عاملا وعاملة) وقد يكون فاقم ذلك تماس كهربائي.

علما أن مشكل غرق بعض الأحياء ليس ناتجا عن الأمطار، بل هو ناتج بالأساس عن الاجرام الذي تمارسه شركات التدبير المفوض أمانديس وتوابعها، فبنية التطهير السائل مهترئة وتكفي بضعة زخات من المطر لتغرق الشوارع والساحات. فبعد قرابة العقدين من تجربة التدبير المفوض المفروض بقوة الحديد والنار على السكان (عبر السكان في أكتوبر 2015 عن رفضهم المطلق له) وهذا ما جعل العديد من مساكن أحياء المدينة ومحلاتها التجارية تغرق في الأوحال، وجعل العديد من الشوارع مجاري للواد الحار.

 ومما فاقم من هذا المشكل طرد شركة أمنور التابعة لشركة فيوليا المغرب، والمكلفة بالتطهير السائل، للعديد من النقابيين مما فجر معركة عمالية دامت أكثر من سنة، بمطالب بسيطة جدا منحصرة في احترام قانون الشغل، غير أن السلطات لم تحرك ساكنا لإرغام الشركة على احترام قوانين البلاد، بل حركت آلة القمع لمحاصرة العمال في محاولة قذرة لكسر معركتهم. هذا الوضع حرم المدينة من الخدمة الجليلة التي يقدمها العمال لسكان المدينة عندما يتجندون لتنظيف المجاري وتطهيرها. إن مسؤولية السلطات المحلية لا غبار عليها.

أسباب الكارثة الحقيقية

ترزح أقسام متعاظمة  باستمرار من الطبقة العاملة من شتى صنوف الاستغلال والقهر في كافة الوحدات الإنتاجية والخدماتية، فالملايين يشتغلون دون عقود عمل قارة وبتغطية صحية وضمان اجتماعي منعدمين وبأجور لا تحترم الحد الأدنى للأجور البائس أصلا ويوم عمل طويل ومضني وعمل ليلي قاهر للأعصاب، زيادة على ذلك محاربة لا هوادة فيها للعمل النقابي من طرف البورجوازية ودولتها. كل هذا بسبب السعي المحموم للطبقة البورجوازية إلى مراكمة أرباح لا حدود لها وتبذير موارد ثمينة على حياة باذخة قوامها قصور وفيلات وشاليهات فاخرة وملاعب غولف وفروسية، ويخوت وطائرات وسيارات فاخرة ومجوهرات وغيرها، مصدرها دم ودمع ملايين من الشغيلة ، إن هؤلاء الأخيرين ومعهم كل المجتمع هم أولى بالموارد المهدرة فضلا عن انهم في حاجة ماسة لها.

وما يزيد من تفاقم هذا الوضع ضعف العمل النقابي عموما أو انعدامه بالعديد من القطاعات الانتاجية والخدماتية، وفي مقدمتها النسيج، فتحت سياط البؤس الاجتماعي من جهة وسياط عدالة البورجوازية وجهاز قمعها يجبر العمال والعاملات على القبول بشروط عمل غير إنسانية، ومنها أماكن العمل التي تنعدم بها أبسط شروط السلامة. كل هذا في ظل بطالة جماهيرية متعاظمة، جراء تجريد ملايين القرويين من موارد عيشهم نتيجة سياسة فلاحية ومائية قوامها خدمة كبار رأسماليي الزراعة.

فما دامت مواكب الاستعراض العمالي ليوم فاتح ماي شبه خالية من عمال وعاملات العديد من القطاعات ومن ضمنهم عاملات وعمال قطاع النسيج والألبسة وما دامت المقرات النقابية شبه مهجورة فستظل سطوة الطبقة البورجوازية لا حدود لها ورحمتها منعدمة.

القطاع “غير المهيكل” (من طرف من؟) أو غير القانوني رئة إضافية للبورجوازية للتنسم بعبير الأرباح

تنتشر الوحدات الانتاجية التي تشتغل خارج نطاق قانون الشغل بشكل جزئي أو كلي كالفطر في كافة مناطق المغرب، وتشمل كافة القطاعات دون استثناء، فقانون الشغل بكل عيوبه ونواقصه هو حصيلة كفاحات الطبقة العاملة، واحترامه يعني حصة أكبر من فائض القيمة المنتجة ستذهب للعمال والعاملات بفضل الحد الأدنى للأجور والذي لا يجب التشغيل دونه وكذا توفير الحماية الاجتماعية والصحية واحترام قواعد السلامة والصحة في أماكن العمل. إذن ما يقوم به أرباب العمل من جرائم خرق القانون أو التحايل عليه يتم بشكل واعي من أجل مراكمة الأرباح.

لكن هذه الجريمة لا تقع مسؤوليتها على المقاولين من الباطن وحدهم، بل على باطرونا النسيج في مجملها لأنها هي من تشغل المقاولين من الباطن وتفرض عليهم السعر، والكل تحت شعار المنافسة. البورجوازية الجبانة لا تشجع العلم والتقنية في البلاد ولا تعمل على تحديث البنيات التسييرية والإدارية والتقنية للرفع من الانتاجية، بل تكتفي بحلب فائض القيمة من يد عاملة مكبلة بالاستبداد السياسي ومعرضة  للقمع، وعرضة للمجاعة إن هي رفضت شروط القهر والذل التي يتم فيها العمل. هذه البورجوازية لا تتورع عن استغلال أطفال وبنات في سن الزهور، مكانهم المدارس، بينما أبناؤها يدرسون في أحسن المؤسسات التعليمية بالداخل والخارج.

إن الدموع التي تذرف، عند كل كارثة تحل بالطبقة العاملة، على خدود قانونيي وجامعيي وصحافيي ومثقفي البورجوازية وخدامها ما هي في الحقيقة إلا حبات عرق متصبب من جباههم خوفا من أن تكون هذه الفاجعة شعلة توقد الوعي العمالي بضرورة بناء أدوات نضال نقابي وسياسي لمقارعة البورجوازية ومنازعتها سطوتها. والدليل هو ما يخصصونه من جهودهم لتضليل الطبقة العاملة وإفساد وعيها باستمرار.

 المعمل سري؟ على من يضحكون؟

المعمل يدخله ويخرج منه العشرات من الأشخاص ويقع بمحاذاة أحد كبريات شوارع المدينة ومحاط بمساكن وعمارات من كل جانب، ولم تراه عيون أجهزة الدولة المتنوعة العلني منها والسري. إذا صح أن هذا المعمل “سري” فمسؤولي هذه الأجهزة يجب أن يحالوا للمحاسبة فهم غير جديرين بالثقة المفترض أنها موضوعة فيهم لإنفاذ القانون وحماية المظلومين.

قد يكون المعمل سريا بالنسبة لمواطن عادي، لكن وجود هذا القطاع غير الخاضع لقانون الشغل، يعلمه العادي والبادي. فالدولة تستطيع تقدير مساهمته في الناتج الداخلي الخام وتحديد الخسائر التي يلحقها بالاقتصاد (ما يفقد من ضرائب).

إن القول بسرية المعمل هو محاولة للتنصل من المسؤولية، كيف حصل على الكهرباء، كيف  يبيع منتجاته، لماذا لم تتحرك الجمارك ومديرية الضرائب والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومندوبية التشغيل، أطنان من الأثواب تستورد وتصنع وتصدر وهذه الكمية تتطلب عدد معين من اليد العاملة وهو نفسه يجب أن يكون مصرح به لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فبعملية بسيطة لا يستطيع مسؤولي الإدارات السابقة أن يكتشفوا أن هناك عمالا غير مصرح بهم بل وتحديد عددهم على وجه التقريب.

التوتر الكهربائي الذي تشتغل به هذه الوحدات الانتاجية ” السرية” ليس هو الخاص بالاستعمال المنزلي، وبالتالي يمكن للسلطات الوصول إلى قاعدة بيانات شركة توزيع الماء والكهرباء للحصول على عناوين هذه الشركات. كما أن شركة النظافة يمكنها أن تمد السلطات بخريطة النفايات وأماكنها ونوعها، والنفايات الصناعية لا يمكن تجاهلها.

وقاحة أرباب العمل والرد العمالي

يصر أرباب العمل من كبار البورجوازيين على تحطيم مكاسب قانون الشغل البسيطة، من خلال ما يسمونه المرونة في التشغيل وتخفيف التحملات الاجتماعية، أي تجريد العمال والعاملات من أي حماية قانونية، وتمكين أرباب العمل من التنصل من أي مسؤولية اتجاه الشغيلة. وبكل وقاحة يروجون مقولة أن القطاع غير المهيكل هو نتاج عن وجود مدونة الشغل.

إن جرائم أرباب العمل اليومية والمتنوعة التي تشهدها الوحدات الإنتاجية والخدماتية، (عمال الحراسة وعاملات النظافة يشتغلون يوم عمل ونصف ويتقضون أقل من أجرة يوم عمل واحد كما حددها القانون). القهر الذي يعاني منه العمال في المناجم والمزارع وفي عرض البحر وفي أوراش البناء، لا يمكن مواجهته إلا من خلال التنظيم العمالي الطبقي المستقل عن البورجوازية وأحزابها، ومن خلال تجميع القوى حول مطالب كفيلة بمنع تحلل الطبقة العاملة وانحدارها نحو الحضيض من خلال قبول شروط عمل وأجور متقلصة باستمرار.

هذه المطالب يجب أن تتمحور حول خفض مدة العمل الأسبوعية إلى 35 ساعة لمواجهة البطالة ، لتمكين الشغيلة من التمتع بوقت ثالث فعلي. تحديد الحد الأقصى للأجور بحيث لا يتجاوز مثلا أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور. تغطية اجتماعية وصحية شاملة لكل عامل وعاملة وتجريم وسجن أي رب عمل لا يصرح بأجرائه. خدمات عمومية شاملة في التعليم والصحة والنقل وغيرها من المرافق الحيوية، وإبعاد الخواص عن التجارة بها. إلغاء المديونية التي على الدولة لفائدة كبار الرأسماليين، لأنهم راكموا الأموال جراء استغلال الشغيلة وموارد البلاد الطبيعية وتهربهم الضريبي.

واجب نضالي

يفرض هذا الحدث المأساوي على المنظمات النقابية أن تتجند ومعها كل أنصار النضال العمالي وكل مناهضي الظلم والاستغلال من أجل اطلاق حملة منظمة ضد المعامل “السرية” وضد انتهاك الحقوق العمالية وعلى رأسها الحق في العمل النقابي.

إن هذا الظرف يفرض على مكونات الجبهة الاجتماعية المغربية، التحرك المنسق والمنظم والحازم وخاصة أن جل مكوناتها تعلن مناصرتها للنضال العمالي، و أحد مكوناتها الأساسية منظمة نقابية.

طنجة في التاسع من فبراير 2021

عن مجموعة طنجة لأطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى