مصر، الثورة المضادة و الطريق نحو البديل
تسعى القوى المضادة للثورة بقيادة الجيش وبدعم الإمبريالية والأنظمة الرجعية لدول الخليج لإجهاض
السيرورة الثورية التي انطلقت في مصر مع ثورة 25 يناير 2011. ويشكل القمع الوحشي الذي تتعرض
له جماعة الإخوان المسلمين بداية مسلسل لتحريف مسار الثورة المصرية التي ارتكزت على المطالب
الاجتماعية والديمقراطية وتعميم جو العنف والإرهاب.
الإخوان والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي الرجعي
و إذا كانت سياسة الإخوان في السلطة قد سارت على خطى مبارك في تطبيق نفس السياسات الاقتصادية و الاجتماعية التي أدت إلى تخلف البلد وتعميق تبعيته ونهب ثرواته وإفقار أغلب الشرائح الشعبية، و حافظت على نفس جهاز الدولة القمعي واستمرت في قمع الحركات الاحتجاجية العمالية والشعبية التي تواصلت بوتيرة ما فتأت تكبر طيلة أزيد من سنة، فهم بذلك نجحوا في استثارة كل أنواع المعارضة ضدهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، لأن برنامجهم يتطابق مع سياسات المؤسسات المالية والتجارية الدولية التي تضمن سيطرة الامبريالية على الاقتصاد المصري.
لا شيء يبرر القمع
لقد عبر الشعب المصري بشكل جماهيري عن رفضه لسلطة الإخوان ولسياستهم المعادية للثورة ولمصالح الكادحين المصريين، وكانت مسيرات 30 يونيو أسطع تعبير عن هذا السخط العارم. لكن الطغمة العسكرية اغتصبت هذا الانتصار الشعبي وحولته إلى حملة قمعية ضد الإخوان وضد جميع الأصوات المعارضة لتضخيم دور مؤسستي العسكر والشرطة وجعلهما أداة في عملية تطويع الشعب المصري لقبول نفس السياسات التي انتفض عليها، وفتح الباب لعودة فلول نظام مبارك. ويعد الإفراج عن هذا الأخير خطوة جدية في هذا الاتجاه التراجعي.
إن الصمت المريب لجل القوى المحسوبة على الصف الديمقراطي بالمنطقة العربية و المغاربية، و مباركتها الصامتة و المتشفية لما يجري للإخوان ، ما هو إلا اصطفاف إلى جانب القسم الأقوى من قوى الثورة المضادة ضد القسم الأضعف في ذات القوى الممثل في الإسلام السياسي ، و لا يدركون أن ما يقوم به الجيش نيابة عن الطبقة السائدة ما هو إلا مقدمة لكي يعمل الجيش على سحق المطالب الاجتماعية و العمالية و تجريم الاعتصام و المطالب الشعبية. و لا يفهمون أن تدخل الجيش، أداة الثورة المضادة، ما جاء إلا ليوقف تنامي السخط الشعبي ضد حكم الإخوان و الطبقة الرأسمالية المصرية و تحويله حصرا ضد جماعة الإخوان المسلمين.
من اجل بديل يرتكز على تلبية الحاجات الاجتماعية
ويستعمل الجيش والشرطة هذا العنف الدموي لتغذية التناحر الطائفي بين مكونات الشعب المصري مسيحيون و شيعة و سنة (المتمثل في الاعتداء على دور العبادة من كنائس ومساجد في تطور خطير يؤشر على سعي الثورة المضادة لإشعال فتيل نار حرب أهلية ، إنه سعي عام لجميع أعداء الثورة من حكام استبداديين و وكلاء الإمبريالية بمنطقتنا الذين يريدون أن يجعلوا من الثورة المصرية (و السيرورة الثورية بالمنطقة عموما) أسوأ مثال في محاولة منهم لثني شعوب المنطقة العربية و المغاربية عن الانتفاض وإمساك مصيرها بنفسها.
لقد شكلت التغطية الإعلامية لما بعد 30 يونيو وصمة عار في جبين الإعلام العربي المؤيد للانقلاب كما المعارض له. فالقنوات الفضائية المملوكة لملوك البيترودولار سكتت عن فض اعتصامات عمالية وقمع الشغيلة المصرية من طرف الجيش (عمال السويس للصلب، السكر بالبحيرة، عمال شركة “كابو”، الخ…). ذلك القمع الذي مثل أولى إرهاصات ما حدث بميادين رابعة والنهضة، و يقدم كفزاعة لما قد تتعرض له الحركة الاحتجاجية و العمالية و الثورية بعد انقشاع غبار حرب العسكر و الإخوان، مما يجعلنا كمناضلين مناهضين للعولمة الرأسمالية ندعو كل من لا زال متشبثا بمنظورات بديلة للنظام الرأسمالي القائم و الذي أضحى يطل علينا بهمجيته، إلى الانتباه و التركيز على معركتنا الأساسية: النضال من اجل بديل يرتكز على تلبية الحاجات الاجتماعية ، و ليس لأجل تعظيم الأرباح، و ذلك ما يفرض علينا التدخل في معركة الإعلام القائمة التي تستهدف من كل الجوانب الحيلولة دون تبلور منظورات بديلة عن هذه الثنائية الهمجية القائمة.
مصر، النظام ونحن
و لا يفوتنا أن نذكر بالموقف الرسمي المغربي المخزي. فالنظام سكت عن التقتيل الذي تعرض له أنصار مرسي وأيد موقف الأنظمة الخليجية الرجعية. أما الحكومة فقد أكدت مرة أخرى عجزها المخزي، حيث اتخذ ممثل المغرب بالأمم المتحدة موقفا بدون الرجوع لوزير الخارجية.فيما اكتفى بن كيران،بنفاق ممجوج، بالاختباء وراء جماعته من خلال المسيرة التضامنية الأخيرة.
ما يجري في مصر من سفك للدماء وعودة للنظام القديم لا يجب أن يجعلنا نتراجع عن مطالب ربيع الشعوب من حرية، كرامة، عدالة اجتماعية ومساواة ، مصر اليوم ليست فزاعة،كما يريدون لها،إن الوضع فيها يستوجب تجديد التضامن،و استخلاص العبر (منها أن الطريق نحو الحرية طويل وشائك)،و التفكير في البدائل الحقيقية بعدما أدركت جماهير متزايدة أن لا الإسلام السياسي ولا العسكر يحملون مشروعا بديلا لشعوب المنطقة.