كأس العالم 2014 بالبرازيل: نصيب الفقراء هو النصف الفارغ
عمت مدن البرازيل خلال الأسابيع القليلة الماضية تظاهرات شعبية غزيرة ضد زيادة تعريفة النقل. بدأ الاحتجاج على الزيادة فقط، فانتهى باستياء واضح ضد الفساد، ضد إجراءات التقشف الجارية ضد البطالة المتفاقمة و ضد خفض الأجور… و ضد تبذير المال على كأس العالم لكرة القدم التي سينظمها البلد السنة القادمة.
لقد أثارت موجة الاحتجاجات التي شهدها البرازيل الانتباه إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه جماهير البلد. لقد رهن الحكام المحليون البلد لفائدة شركات القطاع الخاص الصناعية و الفلاحية التي نقلت ثروات البلد و أمواله للخارج . يقوم البرازيل بدور التابع لفائدة الاقتصاد العالمي حيث يقدم 25 بالمئة من المواد الغذائية للسوق العالمية. يدمر و يستنزف القطاع الخاص الثروات المحلية الداخلية ويصدرها للخارج من أجل الأموال التي تبقى بأرصدة الأبناك بالخارج . يعبر وضع البرازيليين عن هذه الحقيقة، فالبلد يعد من أكثر البلدان التي تشهد تفاوتات اجتماعية كبيرة : أكثر من 35 بالمئة تعيش في الفقر ، بأقل من 2 دولار يوميا و تصل هذه النسبة 51 بالمئة في المناطق القروية، و يحتل البلد الرتبة 88 فيما يخص التنمية البشرية. ترى ما الذي يجعلها تحتل هذه المرتبة ؟؟؟؟ . إن شركات القطاع الخاص تتحكم وتضغط أو تتعاون مع الحكام المحليين لتهيمن على البلد كليا من اجل انتزاع أكبر الأرباح على حساب البرازيليين الفقراء.
هكذا حال تظاهرة كأس العالم: هدم وطرد للسكان
من أجل إنجاح تنظيم التظاهرة الرياضية لسنة 2014 و ضعت السلطات المركزية البرازيلية برنامجا لإعادة بناء الطرق و المطارات و الفنادق بالمدن 12التي ستستضيف مباريات المونديال. من أجل ضمان قبول السكان الذين سيتأثرون بالتشييدات الجديدة أطلقت بوسائل الإعلام حملة إقناع كبيرة كانت فكرتها الجوهرية ” سيساهم تنظيم كأس العالم 2014 في تغيير وجه و بنية الأحياء و من شأنه تنظيفها …..”.
من أجل ضمان هذه الجمالية باشرت السلطات البرازيلية هدم المنازل و طرد الناس بالقوة من المناطق التي ستشهد عمليات إعادة البناء من أجل إنشاء البنية التحتية اللازمة لاستقبال الوافدين من أجل المونديال وأيضا لضمان تقديم أجمل الصور و الرفاه الممتازين للسياح الذين سيزورون البرازيل من أجل الكأس . فبإسم تنظيم كأس العالم أفرغت الآلاف من العائلات من منازلها و هدمتها مقابل تعويضات هزيلة . إن المساكن التي تقدر ب22.000 يورو اقترح مثلا عمدة مدينة ريو كتعويض قدره 3800 يورو لأحد المتضررين.
لم يتوقف الأمر عند الهدم، بل دمر كأس العالم تراث الهنود حيث تم نقل متحف خاص بالهنود ( رافقه تأثير على محتوياته) بقرب أحد الملاعب الكبرى التي ستجري بها مقابلات الكأس بريو دي جانيرو. لقيت حالة الهدم هاته احتجاجا واسعا جوبه بقمع يوم 13 يناير 2013 . ستفاقم التظاهرة وضع البرازيليين الفقراء، يبلغ عدد السكان بدون سكن 1.8 مليون أصلا، فمن اجل عيون المونديال أعدت الحكومة البرازيلية منذ زمن برنامجا لطرد مليون و نصف شخص من منازلهم حسب النشطاء المناضلين.
إن المتتبع البسيط سيفهم لماذا لا يهتم المسئولون بمصير السكان المطرودين، لأن الميزانية المرصودة لكأس العالم 15 مليار يورو و 14 أخرى للألعاب الأولمبية . هذا مال يسيل لعاب شركات القطاع الخاص و المرتبطين بها من مسؤولي الدولة. إن تلك المشاريع التي ستقام محل مساكن الفقراء المطرودين هي مشاريع غير ضرورية و لا تلبي الحاجيات المباشر ة للمواطنين كتلك بتقسيم بتركيا / و TGV طورينو- ليون و TGV بالمغر ب…..
لقد تخلت الدولة البرازيلية عن توفير الحاجيات الأساسية للسكان مقابل توفير أوفر الظروف و أحسنها للشركات الصناعية الكبرى التي تعد وتنشأ البنية التحتية لكأس العالم المرتقب .
سيادة البرازيل بيد الفيفا خادمة القطاع الخاص
حققت الفيفا 1.1 مليار دولار كأرباح خلال اخر مونديال بجنوب إفريقيا ، وأيضا ارباح حقوق البث و الإشهار الهائلة . ترى هل ستخرج خارجة الوفاض من البرازيل؟ لا بل ستفوز بالقسط الاوفر.
لقد فرضت الفيفا على الحكومة البرازيلية قانونا يعفي كل الشركات الصناعية التي ستعمل من أجل كأس العالم و خلاله إعفاءات ضريبية و جمركية حتى لتلك التي ستبني الملاعب . و منعت على المقاهي و البارات إعادة بث المقابلات، لأنها لا تريد، كما تقول، لأحد أن يستخدم بسوء صورة الفيفا أو مستشهريها. من أجل أكبر الأرباح ستسمح الفيفا ببيع الخمر بالملاعب و هي الممنوعة بملاعب البرازيل. وقد منعت أيضا على الحكومة تقديم تخفيضات خاصة للطلاب و المعاقين و المتقاعدين و ذوو الأجور المتدنية. كما فرضت عدم العمل بقانون “بيلي” الذي تحصل من خلاله الجمعيات الرياضية على 5 بالمئة من مداخيل البث. أكيد أن الذي سيستفيد من المونديال هي الشركات الصناعية الكبرى. أجبرت الفيفا الحكومة البرازيلية على قبول مسؤوليتها عن الأضرار الناجمة عن أي نوع من الأحداث و أيضا تلك المتعلقة بالسلامة وكل ما يرتبط بالتظاهرة الرياضية. إن الذي يحكم التوجهات الرياضية الآن بالبرازيل هي الفيفا الأخت الثالثة لصندوق النقد الدولي و البنك العالمي.
وذكر لعل الذكرى تنفع….. هناك مال للكأس و ليس للنقل والتعليم و الصحة……..
لقد حصلت الشركات الصناعية الخاصة باليونان خلال الألعاب الأولمبية لسنة 2004 ما يقدر تقريبا ب20 مليار دولار فكانت النتيجة باليونان : بطالة و تسريحات و جوع و فقر و ديون بالجملة . كانت وعود المنظمين للتظاهرة بأن عائدات اليونان ستكون عديدة…. بالفعل عديدة هي المشاكل: فقر و جوع و بطالة و عديدة هي الأرباح التي حصلت عليها تلك الشركات . و وفق التقديرات التي جرت سيصل رقم مبيعات شركة أديداس ، 2 مليار دولار خلال المونديال القادم.إنها الأموال الطائلة.
سيدفع البرازيليون من جيوبهم، لتنظيم كأس عالم سيشاهدون مبارياته بالبيوت
إن تنظيم كأس العالم سيكون على حساب الميزانيات العاملة المخصصة للتعليم و الصحة و النقل و باقي القطاعات الاجتماعية و أيضا عبر الخفض من الأجور و الاقتراض المستمر و ستذهب العائدات المالية الوفيرة للشركات المرافقة و المحتضنة للنشاط الرياضي الضخم، في حين سيبقى للفقراء البرازيليون الديون التي سيؤودنها عبر أجيال شقاء وتعبا مضنيا . لهذا خرج الشباب ضد الزيادة في تعريفة النقل و من أجل خدمات اجتماعية في المستوى و لهذا أيضا التحق بهم مهمشو المدن المفقرين و العاطلين .
لقد رفع الشباب شعاراتهم بالفعل ضد تلك التظاهرات الرياضية الكبرى ( المونديال و الألعاب الأولمبية )التي تستنزف أموال ضرائبهم و حقوقهم فكان معناها: نعم للرياضة لكن نعم نعم نعم لحياة لائقة .
يعلم الآن الشباب الفقير أن ثمن تنظيم المونديال ( تنظيما، دراسة، بناء البنية التحتية، ملاعب، الأمن….) سيؤديه هو في حين سيشاهد مبارياته على شاشات التلفاز بالمنزل و ليس بالملعب. يا لها من مفارقة ؟؟؟؟
بقلم : وحيد عسري
02/07/2013