أنشطة الجمعية

في ذكرى ربع قرن: أطاك المغرب تواصل النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية

في خضم التحولات العميقة التي يشهدها العالم والمنطقة، تطفئ جمعية أطاك المغرب هذا العام شمعتها الخامسة والعشرين وتشعل شمعتها السادسة والعشرين، مسجلة بذلك ربع قرن من العمل النضالي المتواصل والمتجدد. مسيرة بدأت في عام 2000، حين كانت الحركات المناهضة للعولمة النيوليبرالية تشق طريقها في مختلف أنحاء العالم، معلنة أن “عالماً آخر ممكن”. تأسست أطاك المغرب كجمعية جماهيرية ضمّت أطيافًا سياسية متعددة، ولا تزال منفتحة على مختلف التيارات المناهضة للعولمة النيوليبرالية.

صوت محلي في حركة عالمية

ليست أطاك المغرب محض صدى محلي لحركة عالمية، بل شكلت تجربة فريدة استطاعت أن تؤقلم النضال العالمي مع خصوصيات السياق المغربي. فمنذ تأسيسها، اختارت الجمعية أن تكون منبراً للتثقيف الشعبي متجه نحو الفعل، مؤمنة بأن المعرفة سلاح أساسي في معركة التحرر من قيود التبعية الاقتصادية والسياسية.

تميزت أطاك المغرب عن غيرها من الجمعيات بقدرتها على تبسيط المفاهيم الاقتصادية المعقدة وتقريبها من المواطن العادي. فمصطلحات مثل “الديون السيادية” و”برامج التقويم الهيكلي” و”اتفاقيات التبادل الحر” لم تعد حكراً على النخب الأكاديمية، بل أصبحت جزءاً من النقاش العام بفضل الجهود التثقيفية للجمعية.

نضالات متعددة الجبهات

لم تقتصر نضالات أطاك المغرب على قضية الديون فقط، بل امتدت لتشمل مختلف القضايا المرتبطة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية. فقد ساهمت الجمعية في معارك ضد خوصصة الخدمات العمومية، ودافعت عن الحق في الصحة والتعليم، وناضلت من أجل السيادة الغذائية والعدالة المناخية،

كما أولت الجمعية اهتماماً خاصاً بقضية القروض الصغرى، كاشفة عن الوجه الآخر لهذه الآلية التي جرى تسويقها كحل للفقر، بينما كانت في الواقع تكرس المديونية وتعمق الهشاشة الاجتماعية، وكانت طرفا فاعلا في تنظيم النساء ضحايا تلك القروض ومشاركة في نضالاتهن.

انخرطت أطاك المغرب بقوة في دعم الحركات الاجتماعية المحلية، وكانت جزءا من نضال كادحي- ات القرى والمراكز الحضرية الصغيرة (طاطا 2005، سيدي إفني 2005 و2008، الريف 2016- 2017، جرادة 2018… وفجيج حاليا)، كما ساهمت في حملات التضامن والدفاع عن المعتقلين/ات السياسيين/ات.

وكانت محطة 20 فبراير 2011 علامة فارقة في هذا المسار، حيث انخرطت الجمعية في هذا الحراك الشعبي من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وتواصل هذا الالتزام من خلال الوقوف إلى جانب نضالات ضحايا السياسات النيولبرالية، من بينها نضالات المفروض عليهم/هن التعاقد، وشغيلة قطاع الصحة، وعمال مناجم بوازار، وغيرها من المعارك العمالية والاجتماعية.

وفي سياق التمدد الاستعماري-الصهيوني وتطبيع النظام المغربي مع الكيان الصهيوني، كانت أطاك المغرب وفية لمواقفها المناهضة لكل أشكال التطبيع، وجزءاً من حركة التضامن الشعبي مع فلسطين، مدافعة عن حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وعن مركزية القضية الفلسطينية في النضال من أجل تحرر شعوب المنطقة.

ندوة المناخ بآسفي 2016: نضال من أجل العدالة المناخية

نظّمت أطاك المغرب ندوة دولية بمدينة آسفي يومي 4 و5 نونبر 2016 تحت شعار: “لنغير النظام الرأسمالي، لا المناخ”، وذلك في سياق انعقاد مؤتمر الأطراف حول المناخ COP22 بمراكش. جاءت هذه الندوة لتشكّل لحظة تعبئة ونقاش نقدي جذري لسياسات التكيف البيئي المفروضة من قبل المؤسسات المالية والدول الصناعية الكبرى. وركزت المداخلات خلالها على إبراز الروابط بين الأزمة البيئية والمنطق النيوليبرالي القائم، وعلى الأثر المباشر لهذه السياسات على الفئات الشعبية والمجالات البيئية الهشة. وقد أكدت أطاك من خلال هذه المبادرة على ضرورة تغيير جذري للنظام الاقتصادي من أجل عدالة مناخية حقيقية، تنطلق من تجارب الشعوب ومقاوماتها.

القمة المضادة بمراكش: محطة نضالية بارزة

من أبرز محطات نضال أطاك المغرب خلال السنوات الأخيرة المشاركة في تنظيم القمة المضادة للاجتماعات السنوية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، التي انعقدت بمراكش في أكتوبر 2023. شكّلت هذه القمة لحظة فارقة في مسار مقاومة السياسات النيوليبرالية ومناهضة المؤسسات المالية العالمية التي تفرض سياسات لا شعبية وتُعمّق الفوارق الاجتماعية. لعبت أطاك المغرب دوراً محورياً في الإعداد والتنظيم، إلى جانب شركائها في شبكة CADTM وحركات اجتماعية دولية، ونجحت هذه القمة المضادة في خلق فضاء للنقاش والنقد الجذري والتضامن الأممي، واحتضان أصوات المتضررين والمتضررات من هذه السياسات عبر العالم، ليُسمع صوت الشعوب التي تُكابد آثار الاستدانة والخصخصة والتقشف المفروض من الخارج.

النضال النسائي في صلب اهتمامات أطاك المغرب

منذ تأسيسها، اعتبرت أطاك المغرب أن النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية لا يكتمل دون النضال من أجل تحرير النساء من كافة أشكال التمييز والاضطهاد. فقد جعلت الجمعية من القضية النسائية محورًا أساسيًا في برامجها وتحاليلها، من خلال دعمها للمقاومات التي تقودها النساء في مختلف مواقع النضال، وتشجيعها للمساحات النسائية داخل الجمعية، وكذا عملها على تكريس مبدأ الميز الإيجابي من أجل تعزيز مشاركة النساء في النقاش والمشاركة في اتخاذ القرارات.

وقد تُوّج هذا الاهتمام بإنتاج معرفي نوعي، على رأسه إصدار نساء المغرب في زمن العولمة، الذي قدّم قراءة نقدية لتأثير السياسات النيوليبرالية على النساء، إضافة إلى دراسة معمقة حول القروض الصغرى، التي كانت النساء ضحيتها الأولى، حيث كشفت الجمعية عن الأثر المدمر لهذا النوع من المديونية على وضعهن الاقتصادي والاجتماعي.

إنتاج معرفي متميز

على مدار ربع قرن، راكمت أطاك المغرب رصيداً معرفياً غنياً تجلى في عشرات الدراسات والكتب والتقارير والترجمات التي أصدرتها. هذه الإصدارات لم تكن مجرد توثيق للنضالات، بل كانت أيضاً أدوات للتحليل والفهم والتثقيف.

من بين أبرز إصدارات الجمعية، تلك المتعلقة بتحليل اتفاقيات التبادل الحر وآثارها على الاقتصاد المغربي، ودراسات حول المديونية العمومية وآليات نهب الثروات، بالإضافة إلى إصدارات حول العدالة المناخية والسيادة الغذائية كانت آخرها دراسة حول “الصيد البحري في المغرب: الثروة المهدورة”، دراسة ميدانية وتحليلية لواقع الثروة السمكية في المغرب.

تميزت هذه الإصدارات بلغتها المبسطة وتحليلها العميق، مما جعلها مراجع أساسية للباحثين والنشطاء والمهتمين بقضايا العدالة الاجتماعية، الاقتصادية والبيئية.

تجديد الالتزام ومواصلة النضال

اليوم، وبعد مرور 25 عاماً على تأسيسها، تقف أطاك المغرب أمام تحديات جديدة في سياق عالمي ومحلي متغير. فالأزمات المتعددة التي يشهدها العالم، من أزمة مناخية إلى أزمات اقتصادية واجتماعية، تتطلب تجديد أدوات النضال. ومن بين ملامح هذه المرحلة، تبرز الهمجية المتمثلة في الحرب العدوانية على فلسطين، التي تكشف عن استمرار سياسات الإمبريالية والصهيونية في فرض الاستعمار والقمع ضد الشعوب المقاوِمة.

تدرك الجمعية أن معركة التحرر من قيود التبعية والاستغلال هي معركة طويلة النفس، تتطلب الصبر والمثابرة والإبداع. وهي تراهن على الأجيال الجديدة من الشباب لمواصلة هذه المسيرة النضالية نحو مغرب الحرية والكرامة.

دعوة للمشاركة

بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها، تدعو جمعية أطاك المغرب كافة المهتمين والمهتمات للمشاركة في الجامعة الربيعية والأبواب المفتوحة التي ستنظمها من 21 إلى 27 أبريل 2025 بمدينة الرباط، تحت شعار:

25 سنة من التثقيف الشعبي ودعم المقاومات لنواصل مسيرة النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية

ستشكل هذه المناسبة فرصة للتعرف عن قرب على تجربة الجمعية، والمشاركة في النقاشات والورشات التكوينية، والمساهمة في بلورة رؤية مشتركة لمستقبل النضال من أجل مغرب آخر ممكن، مغرب الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية.

بقلم: أسماء المنضور عضوة جمعية أطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى