النضالات في المغربمتابعة النضالات

طور جديد من النضال الشعبي، شظف العيش يُخرِجُ المغاربة للاحتجاج

طور جديد من النضال الشعبي، شظف العيش يُخرِجُ المغاربة للاحتجاج


يمكن، دون تردد، عَدُّ الوقَفات ومسيرات الاحتجاج المنظمة يوم الأحد 12 فبراير 2023 بعدد كبير من المدن المغربية، وما سيليها، من أشكال احتجاج أخرى قادمة لا محالة، طورا جديدا من النضال الشعبي العارم المنطلق في العشرين من فبراير سنة 2011، وامتدادا طبيعيا كذلك لسيرورة نضال سالفة، برزت في 2006/2007 ضمن الدينامية التي أطلقتها تنسيقيات مناهضة الغلاء آنذاك.
لا مجال لمقارنة مستوى الغلاء لتلك الفترة مع ما نراه اليوم من انهيار شبه تام للقدرة الشرائية لأوسع الفئات الشعبية والعمالية[ آثار جائحة كورونا]، بالنظر للطور الجديد من الهمجية الذي بلغه النمط الرأسمالي للإنتاج [الحرب الامبريالية التنافسية الروسية الأوكرانية]، ذاك النمط الإنتاجي المستعد لنشر المجاعة الواسعة النطاق مقابل دوام مراكمة الأرباح الخاصة، وهذا ما تجسده على سبيل المثال، لا الحصر، السياسة الفلاحية للدولة القائمة على التصدير، سَهَرا على مصالح كبار المصدرين وصغارهم، مقابل تجويع الأغلبية الساحقة من المغاربة.
احتجاجات الحاضر، الآتية في سياق قبضة قمعية وانتهاك للحريات غير مسبوقين، ذات مغزى طبقي عميق. فهي عنوان عريض لطور جديد من صراع أشد، على جميع المستويات، بين كبار الأغنياء وجهاز دولتهم وحلفائهم الأجانب المنتهكين للسيادة الوطنية لبلادنا، المتحكمين، أكثر مما مضى، في مصائرنا عبر آليات الديون والتبادل الحر غير المتكافئ وغيرهما من قيود طور جديد من الاستعمار، وبين ملايين المحرومات والمحرومين الذين لم يعد لهم ما يخسرونه في هذا الصراع سوى أغلالهم، بعد ضياع كل شيء من بين أيديهم، وبعد فقدانهم رغيف خبز أضحى بعيد المنال، وبعد تضاعف أثمان البصل والطماطم والبطاطس والزيت والقطنيات [غذاء الفقراء] والبنزين، وكل شيء تقريبا… وبعد أن أضحت البطالة شبحا ينهش أرواح الشباب ذكورا وإناثا، سنة إثر أخرى، والطرد من العمل وتجريم النضال النقابي هاجسا يقض مضجع الأجراء بالقطاعين العام والخاص[الفصل 288 من القانون الجنائي/سيف ديموقليس المسلول] والعمل الهش مدعاة للـ “حكرة” وقصر ذات اليد… وكلها علامات على ما تسببه الرأسمالية المتأزمة من كوارث آنية، وما ستقودنا إليه من مصائب اجتماعية واقتصادية وبيئية آتية، إن لم نُطح بها قبل فوات الأوان.
شبح التمرد الشعبي العارم يدفع الحاكمين إلى الرهبة… فتنزل كل أطياف السلطة إلى الأسواق، مرفوقة بلجن حفظ الصحة والسلامة، وهي تتجول وتتقصى الأثمان وجودة الخضر والمواد الغذائية المعروضة. لم يعد هذا النوع من التمويهات ينطلي على أحد. فالفئات الشعبية المحرومة أضحت على وعي بأصل الداء، وبحقيقة الأبعاد الطبقية لسياسة تصدير المنتجات الفلاحية إلى الخارج، ورفع ثمنها في الداخل من قبل المضاربين الكبار بالتأكيد، وبحقيقة مخططهم التجويعي المسمى مغربا أخضر، وبكون جهاز الدولة راعٍ أمين لمصالح كبار المصدرين وكبار الفلاحين المحميين والمستفيدين من المال العمومي ومن كل أشكال الإعفاءات الضريبية والسخاء والبذل والدعم والعطاء المقدم لهم ممن هم فوق، مقابل طحن من هم تحت، ونخص منهم بالذكر، منتجي الحبوب والقطاني [السند الأساس للمطبخ المغربي] وكافة الفلاحين الصغار وأسرهم، المخربة قراهم وواحاتهم وأشجارهم المثمرة ذات المنافع الغذائية الرفيعة، جراء الآلة الرأسمالية [الشركات] المدمرة للتوازنات المناخية لكوكبنا كل يوم وكل دقيقة، بكونها المسؤول الأساس عن التلويث وارتفاع درجات الحرارة، وعن هذا التدمير البيئي المنتج للجفاف وندرة الأمطار…
لا شيء سيوقف نضال من يعاني شظف العيش، المطالب بحقه في العيش الكريم، وفي نصيبه من خيرات بلده المنهوبة على يد أقلية رأسمالية تحكم لوحدها في انتهاك فظ للسيادة الشعبية، والإرادة الشعبية، وتصر على تجويع ضحاياها وقمعهم وخنق صبوات انعتاقهم، واستغلالهم وامتصاص دمائهم في الوظائف العامة والضيعات والمصانع والأعمال الهشة على السواء…


من يزرع الريح يحصد العاصفة.
كل المستقبل للنضال العمالي والشعبي المؤطر بالتنظيم والوعي.


حكيم. عضو أطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى