سياسات التشغيل بالمغرب: إفلاس متواصل رغم مساحيق الاحصاءات الرسمية
تقديم:
يقوم النظام السياسي ، القائم اصلا على تزوير الإرادة الشعبية، بتزوير المعطيات الاحصائية لإخفاء فشل خياراته و لا شعبيتها، فذلك بالنسبة له، عمل روتيني، و خاصة ماتعلق بالاحصاءات المتعلقة بالبطالة.
إن التلاعب بالإحصاءات، و المعطيات المتوفرة الهدف منه الإيحاء بأن الاجراءات التي يقوم بها تلاقي النجاح، علما أنه لا توجد مؤسسة ذات مصداقية مكلفة بتسجيل العاطلين و الباحثين عن العمل و متابعة وضعية سوق الشغل بشكل دقيق. ورغم ذلك فالأرقام الرسمية تكشف هول المأساة.
و مهما يكن، فخلف الأرقام الجافة تكمن سيطرة طبقية لا ترحم و مأساة ملايين البشر، الذين حولتهم البورجوازية لمجرد موارد بشرية في خدمة نظام تراكمها من أجل الربح، فغياب عمل لائق و دخل يضمن الحدود الدنيا للعيش الكريم، يحكم على أفواج من الشباب بممارسة أنشطة هامشية، و ركوب مخاطر الهجرة اللاقانونية و الانحدار نحو الاقتصاد الاجرامي (الدعارة و تجارة المخدرات و السرقة….).
لازالت سياسات التشغيل المنتهجة من طرف الحكومة، سنة 2012، هي تلك المتبعة منذ أكثر من عقد من الزمان رغم لهيب السيرورات الثورية بالمنطقة العربية و المغاربية، و رغم الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تخيم على العالم منذ 5 سنوات، فمجمل السياسات الهادفة لإنعاش التشغيل و خاصة بالنسبة للشباب تُستلهم من النموذج الليبرالي المرتكز على إجراءات هي في جوهرها موجهة لخدمة الرأسمال و منها:
– تخفيض الضرائب على الشركات
– المرونة في سوق الشغل أي تفكيك قوانين الشغل لفائدة أرباب العمل، و جعل تسريح العمال اكثر سهولة.
– الهجوم على التنظيم النقابي و الحريات النقابية
– تشجيع السمسرة في اليد العاملة: تنامى عدد شركات الوساطة و وكالات التشغيل المؤقت في السنوات الأخيرة فقد وصلت 18 وكالة مستوفية الشروط القانونية سنة 2010، بدل واحدة سنة 2007 (حسب وزارة التشغيل و التكوين المهني الواردة في تقرير “أهم مؤشرات التكوين المهني و سوق الشغل و المناخ الاجتماعي و شبكات الحماية الاجتماعية” لسنة 2010).
– إخضاع المنظومة التعليمية لحاجيات المقاولات المحلية و الأجنبية.
– الرفع من عدد وكالات أنابيك لتصل إلى 74 خلال 2010 لتسهيل تقديم الشباب لأرباب العمل.
مرتكزات سياسات الدولة لإنعاش تشغيل الشباب
بالإضافة للسياسة القطاعية ( في الصناعة و الفلاحة و الصيد البحري و السياحة) و “الأوراش الكبرى” (الميناء المتوسطي و السكن الاجتماعي و الطرق السيارة…) التي تدعي الدولة انها تسعى من خلالها لتوفير فرص الشغل لليد العاملة المتزايدة باستمرار، ترتكز سياسة الدولة في ميدان التشغيل، و خاصة بالنسبة للشباب، منذ أكتوبر 2005 على خلاصات مناظرة الصخيرات “مبادرات التشغيل”، بهدف توفير يد عاملة مناسبة لهذه المشاريع وفق متطلبات الرأسمال المحلي و الأجنبي. فقد ركزت المناظرة على المحاور التالية:
- محور إنعاش الشغل: تطوير عقد التكوين من أجل الادماج (مدته 18 شهر) الفاشل إلى عقد أول عمل لمدة سنتين و الرفع من سقف الأجر المعفى من الضريبة على الدخل و اشتراكات الضمان الاجتماعي إلى 6000 درهم عوض 4500 درهم. دمقرطة الولوج إلى الوظيفة العمومية (دمقرطتها بعد تخريبها).
- محور ملائمة التكوين مع التشغيل: نوعان من التكوين: أولا التكوين التعاقدي من أجل التشغيل لفائدة حاملي الشهادات الباحثين عن أول عمل المسجلين بالوكالة يتم إدماجهم مباشرة بعد التكوين، و يكون بناء على طلب المقاولة المعنية. ثانيا التكوين التأهيلي أو التحويلي و يستهدف هذا التكون تيسير إدماج حاملي الشهادات بإكسابهم المؤهلات المهنية في التخصصات التي تتوفر على نسب إدماج عالية.
- محور حكامة سوق الشغل: تشجيع المناولة من الباطن و خوصصة الوساطة في سوق الشغل و المرونة في الأجور و عقود العمل.
- محور دعم خلق المقاولات: تقديم دعم مالي بالنسبة للمقاولات التي لا يتجاوز رأسمالها 250000 درهم و تتحمل الوكالة مصاريف المواكبة في حدود 10000 درهم.
وقد تمخضت العملية عن ثلاث برامج لإنعاش التشغيل تحت مسميات “إدماج” و “تأهيل” و “مقاولتي”، بعد انطلاقها بخمس سنوات، أسفرت عن النتائج التالية (1):
– برنامج “إدماج”: و يمنح لحاملي شهادات التعليم العالي و التكوين المهني الباحثين عن الشغل و المسجلين لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل و الكفاءات لمدة ستة أشهر على الأقل، إمكانية الاستفادة من أول عقد عمل بالمقاولات الخاصة لمدة 24 شهرا، و ذلك مقابل أجر شهري يتم دفعه من طرف المقاولة، معفى من الضريبة على الدخل يمكن أن يصل إلى 6000 درهم. و في حالة إدماج المتدرب المستفيد يتم تمديد هذا الامتياز لمدة سنة أخرى.و قد مكن تفعيل هذا البرنامج إلى غاية متم شهر يوليوز 2011 من إدماج 232.415 طالبا للشغل. شكل منهم حاملو الباكالوريا و شهادات التعليم العالي 40 % سنة 2010.
– برنامج “تأهيل”: و يهدف إلى تقليص العجز المتراكم على مستوى التشغيل و القدرة على التشغيل. و يرتكز البرنامج على محورين: أولا، التكوين التكميلي التعاقدي الهادف إلى إعادة تكوين حاملي الشهادات من الشباب من أجل ملائمة تخصصاتهم مع الحاجيات المعبر عنها من طرف المقاولات التي تلتزم بإدماج المستفدين من هذا التكوين. ثانيا: التكوين التأهيلي الذي يتم تدبيره من طرف لجن جهوية يترأسها ممثلوا المقاولات و يتم إنجازه من طرف مؤسسات التكوين العمومية و الخاصة التي يتم انتقاؤها وفق دفتر تحملات. و تصل كلفة التكوينات التي تنظمها الوكالة الوطنية لانعاش الشعل و الكفاءات إلى 10000 درهم لكل مستفيد. استفاد ما مجموعه 11113 شاب باحث عن العمل منهم 45% منهم اناث من هذا البرنامج إلى غاية متم يوليوز 2011. نسبة الإدماج الإجمالي برسم هذا البرنامج وصلت 70% .
– برنامج “مقاولتي”: الهدف منه هو تشجيع الشباب على إحداث مقاولاتهم و تشغيل شخص أو شخصين معهم، و ذلك من خلال منحهم قروضا يصل سقفها إلى 250000 درهم، وترتبط الاستفادة منها بعدم تجاوز سن 45 سنة، فضلا عن التوفر على شهادة و الوجود في حالة عطالة. هذه القروض يضمنها صندوق الضمان المركزي في إطار “صندوق ضمان قروض إحداث المقاولة الشابة”.عند متم يوليوز 2011 تم فتح 375 شباك برسم برنامج مقاولتي و تمت مواكبة3584 مرشح لوضع اللمسات الأخيرة على مشاريعهم.
و يتم تمويل هذه البرامج من طرف “صندوق النهوض بتشغيل الشباب” الذي أحدث سنة 1994 بهدف منح القروض لبعض المقاولين الشباب، و يتم تدبيره من طرف الوزارات المكلفة بالتشغيل و الصناعة و المالية. و قد تم تغيير هذا الحساب سنة 2009 من أجل المساهمة في صندوق دعم التشغيل الذاتي الذي يقوم بتدبيره صندوق الضمان المركزي برسم التسبيقات المعفاة من الفوائد و الموجهة للتمويل الكلي أو الجزئي للحصة من الرأسمال بالنسبة لحاملي مشاريع إحداث المقاولات، سواء كانوا حاملين للشواهد أم لا(2).
يقوم “صندوق النهوض بتشغيل الشباب” أيضا بدعم برنامج “مشاتل المقاولات” الذي انطلق منذ سنة 1996 كما يهدف لتسهيل إحداث المقاولات من طرف المنعشين الشباب و تقليص نسب فشلها و النهوض بتشغيلهم عل المستوى الجهوي من خلال وضع مباني صالحة للاستعمال رهن إشارتهم مقابل أثمنة كراء تحفيزية لمدة 36 شهر قابلة للتجديد. و برنامج “تنمية الأنشطة الخدماتية عن بعد” تستفيد من خلاله الشركات التي تتواجد بالمناطق المخصصة للخدمات من تدابير تتعلق بالتكوين من خلال تحمل الدولة لتكلفة تصل إلى 50000 درهم للمستفيد على مدى ثلاث سنوات، كما تتمكن هذه الشركات من استرداد حصة الضريبة على الدخل التي تتجاوز نسبة 20%. وقد تم اعتماد “صندوق النهوض بتشغيل الشباب” كإطار محاسباتي لتنفيذ النفقات المرتبطة بالتكوين.
التكوين بالتدرج المهني
ينظم القانون 12.00 الصادر في يونيو سنة 2000، التكوين بالتدرج المهني، الذي يرتكز على تكوين تطبيقي بالمقاولة تمثل مدته أربعة أخماس المدة الاجمالية للتكوين، في حين أن خمس المدة يكون نظريا في مركز التكوين. يهدف البرنامج إلى: تسهيل اندماج الشباب في الحياة العملية؛ المساهمة في تحسين تأطير النسيج الاقتصادي للمقاولات و الصناعات الصغيرة و المتوسطة؛ المساهمة في حماية حرف الصناعة اللتقليدية؛ ضمان تكوين ملائم للشباب القروي.
تساهم الدولة في هذا البرنامج بمبلغ 250 درهم في الشهر عن كل متدرب يمنح لمقاولات الصناعة التقليدية المشرفة على التكوين. و قد بلغ عدد المستفدين من هذا البرنامج إلى غاية متم 2010 ما مجموعه 115047 منهم 18065 متدربة. و من المنتظر أن يصل عدد الخرجين بالتكوين بالتدرج المهني 27000 خريج سنة 2011 و 30000 خريج سنة 2012. و في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هناك برنامج لتكوين 33000 شاب ينحدرون من الأحياء الفقيرة، خلال الفترة الممتدة من 2008 إلى 2012، 16000 شاب منهم يتم تحمل تكوينهم من طرف المنظمات غير الحكومية (3).
على نفس النهج تسير الحكومة الجديدة ،فالتصريح الحكومي(4) يعيد تسخين نفس الوجبة الفاسدة مع إضافة توابل من نفس العينة، هكذا اقترحت برنامج “مبادرة” للتشغيل في الجمعيات، و برنامج “تأطير” لإعادة تأهيل الشباب الذي يعاني من بطالة طويلة الأمد (نسخة من برنامج تأهيل). و برنامج “استيعاب” كنظام انتقالي تحفيزي لإدماج الاقتصاد غير المهيكل لدعم استقرار الشغل و تحسينه.
سياسات إنعاش التشغيل: خدمة للرأسمال على حساب الأجراء و المعطلين
برامج إنعاش التشغيل ليست عاجزة فقط عن الاستجابة لحاجيات الشباب بل تعتبر مدمرة للعمل القار و مساعدة على استفحال الهشاشة، فتدريب من سنتين أو ما سمي “عقد أول عمل” الذي جاء به برنامج “إدماج” يجعل المستفيد منه دون حماية اجتماعية و دون أية حقوق، و يمكن للمشغل أن يطرده في أي وقت، فهو لا يشجع المقاولين على توفير عمل قار، بل يدفعهم للتخلص من بعض أجرائهم من ذوي العقود غير المحددة المدة للاستفادة من الامتيازات التي يوفرها برنامج “إدماج”. الهدف هو الرفع من تنافسية المقاولات المحلية و رفع جاذبية الاستثمار على حساب صحة و حياة الشباب و الشبات، من خلال خفض كلفة الأجور و التخلص من المساهمة في الصناديق الاجتماعية.
يكشف برنامج “تأهيل” عن ديماغوجية كبيرة حيث يقال أن بطالة الشباب نابعة من عدم ملائمة المنظومة التعليمية مع حاجيات الاقتصاد، في زمن التطبيل لإصلاح التعليم و ميثاق التربية و التكون، الذي وعد بأنه سيحل مشكل بطالة الخرجين من خلال التوفيق بين التكوينات و حاجيات الاقتصاد، لكنه نجح فقط في تخريب التعليم العمومي و جعل جودته أقل. إن الهدف من هذه التكوينات من خلال برنامج تأهيل هو توفير سوق لمقاولات التعليم الخصوصي المحلية و الأجنبية و كذا خلق سوق للمؤسسات التعليمية الجامعية من اجل المساعدة على خوصصة بعض خدماتها التكوينية. فكيف نعيد شبابا بالكاد أنهى تعليمه في صفوف الدراسة لتلقي تكوينات جلها يمكن أن يمنح إبان المشوار الدراسي؟ إنها لعبة مكشوفة للتمويه عن الأسباب الحقيقية للبطالة، أي طبيعة النظام الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي السائد في البلاد.
مني برنامج مقاولتي بفشل ذريع ناتج عن ملاحظة الشباب للإفلاس الذي يطال المقولات القائمة، جراء انفتاح السوق الداخلي و غزو البضائع الأجنبية. فأي مقاولة سيتم إرساؤها بمبلغ 250000 درهم إن لم يكن مقاولة هشة و عرضة للفشل في أي وقت. إنها ديماغوجية دولة البورجوازية التي تدغدغ عواطف المظطهدين لتوهمهم بإمكانية الرفاهية عن طريق الاستثمار و مراكمة الأرباح، في حين لا تكل الدولة عن الحديث عن ازمة المقاولات الصغرى و صعوباتها و لا تنافسياتها و ضرورة دعمها.
أما برنامج التكوين بالتدرج المهني فتركيزه على التدريب داخل المقاولة يستعمل كغطاء لتقديم يد عاملة مجانية للرأسماليين و القطاعات الأقل تنافسية من أجل خفض تكلفة إنتاجها للسلع و الخدمات.
في حين تقترح الحكومة في برنمجها برنامج “مبادرة” القاضي بجعل الجمعيات غير الحكومية تسهم في تشغيل الشباب، فأقل ما يقال عنه انه متهافت، فكبف يا ترى ستحل جمعيات مشكل بطالة الشباب إذا كانت مواردها المالية هزيلة. علما أن الجمعيات التي تتوفر على موارد سنوية لا تتجاوز 100.000 درهما تمثل 80٪ من مجموع الجمعيات و تتقاسم أقل من 10٪ من مجموع الموارد المالية للنسيج الجمعوي (5) . أما برنامج “تـاطير” فما هو إلا نسخة باهتة لبرنامج “تأهيل”، بينما برنامج “استيعاب” الذ ي يهدف لتوسيع الاقتصاد المهيكل فهو قمة الضحك على الذقون، إذا علمنا أن أكثر من أربعة ملايين ونصف (4,7 مليون) من الأجراء غير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و أن ذلك ما هو إلا هدية الدولة لطبقة بورجوازية متخلفة تعيش على استنزاف دم الأجراء (6).
ومعلوم أن هذه البرامج تتوجه بالأساس للمتعلمين و الحاصلين على شواهد، أما بطالة الشباب غير المتمدرس أو غير حاصل على شواهد فتبقى مخفية رغم تعتيم الاحصاءات الرسمية، فالبنك العالمي يشير في تقرير أعده متم سنة 2010 و قدمه بالرباط يوم 14 ماي 2012، إلى أن 80 % من الشباب المعطل له مستوى دراسي أقل من الثانوي أو غير متعلم بالمرة (7).
الأكيد أن هذه الاجراءات لا تلقى القبول من طرف الشرائح الأكثر وعيا و تنظيما من المعطلين الشباب، أصحاب الشواهد العليا الذين يواصلون النضال من أجل الوظيفة العمومية. و هم على حق في ذلك، فالقطاع الخاص غابة للرأسمال يفترس فيها زهرة شباب العمال و العاملات مقابل الفتات. خاصة عندما نعلم أن 57% من الأجراء المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تتراوح أجورهم بين 1300 و 3000 درهم في الشهر و أن 99 % من الأجراء المصرح بهم لدى نفس الصندوق لا يتجاوز أجرهم 5000 درهم في الشهر (8). ندرك لماذا يرفض المعطلون حاملي الشواهد و الدبلومات الاشتغال في القطاع الخاص، إنهم يرفضون الأجور المتدنية و شروط العمل السيئة و عدم استقرار الشغل و طول يوم العمل، إنهم يبحثون عن مكاسب أفضل و هي متحققة في الوظيفة العمومية و المؤسسات العمومية. و عموما فمعدل الأجور في الوظيفة العمومية يشكل ضعف معدل الأجور في القطاع الخاص و ثلاث أضعاف الحد الأدنى للأجور (9). لهذا يبقى سعي الشباب المعطل للحصول على عمل بأجور أحسن و ظروف عمل أفضل من خلال خوض النضالات مشروعا.
إن سعي النظام إلى تفكيك الوظيفة العمومية، و المؤسسات العمومية (يشغلان قرابة مليون أجير و اجيرة) عن طريق الخوصصة و إدخال العمل بالعقدة و الهشاشة يهدف في جوهره إلى ضرب مكتسبات الطبقة العاملة و كذا تمكين الرأسمال المحلي و الأجنبي من فرص الاغتناء على حساب خيرات الشعب. إن عدد المناصب المالية المخصصة للتوظيف في قانون المالية (10) منذ سنة 2001 إلى غاية سنة 2012 و صل إلى 164804 منصب فقط، في حين عرفت سنة 2005 عملية إحالة على التقاعد المبكر (المغادرة الطوعية) شملت كافة القطاعات الوزارية و همت 38763 موظف و موظفة. كما قامت المؤسسات العمومية منذ سنة 2005 بعمليات مغادرة طوعية لأجرائها بلغت اللآلف، و هو ما يكشف مسعى الدولة في تقزيم كتلة أجرائها و تحميلهم تبعات سياسات التقشف.
إن ما تخصصه قوانين المالية من مناصب يبقى هزيلا بالمقارنة مع الحاجيات المهولة في القطاعات الاجتماعية، فقطاع التعليم (بما فيه العالي) نال 69990 منصب بنسبة 42,47 % من مجمل المناصب بينما قطاع الصحة استفاد من 01760 منصب بنسبة 10,68% في حين استحوذ الجهاز الأمني (الداخلية و الجيش و إدارة السجون) على 59010 منصب بنسبة 35,80% و تقاسمت باقي القطاعات 11% من المناصب.
لا مخرج من نفق البطالة المظلم إلا بالقطع مع منطق الربح الرأسمالي
يرى التيار الليبرالي السائد، بناءا على تحليلات أدمون فيليبس و ميلتون فريدمان، أنه يوجد معدل بطالة “طبيعي” في تناسق مع معدل التضخم (11). و ان كل انخفاض لنسب البطالة عن هذا المعدل “الطبيعي” سيؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم.
جلي أن هذه الحجة تخفي سعي الرأسماليين للحفاظ على العرض المرتفع “لقوة العمل” من أجل ضمان أجور منخفضة و بالتالي هامش ربح كبير. أي الحفاظ على التنافس القوي بين الأجراء حول من سيقبل بأقل الأجور.
من أجل الخروج من البطالة و الهشاشة و قسوة ظروف العمل (الأمراض المهنية و الضغوط الاجتماعية) يقتضي الأمر إعادة توجيه النشاط الاقتصادي على أسس جديدة لا يكون فيها الانتاج من أجل الربح هو المحرك، بل الانتاج من أجل تلبية الحاجات الانسانية الأساسية بالشكل الذي يحافظ على البيئة و موارد الكوكب الأرضي من التبذير. لهذا يجب الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية من حيث قيمتها و مردوديتها الاجتماعية و ليس مردوديتها المالية. هذا الأمر يقتضي اتخاذ إجراءات مستعجلة و متناسقة من أجل مواجهة نزيف البطالة:
– عقود عمل غير محددة المدة لجميع الأجراء، لأجل ضمان استقرار الشغل.
– منع الساعات الاضافية، فلا يعقل أن لا يجد البعض وقت للراحة و الاهتمام بالشؤون العائلية مثلا، بينما يغرق البعض في بطالة قاتلة.
– إلغاء شركات الوساطة و السمسرة في اليد العاملة و عمل المقاولات من الباطن.
– منع التسريح من العمل قصد رفع المردودية (حسب المندوبية السامية للتخطيط 27,2 % من العاطلين أصبحوا كذلك نتيجة إغلاق مؤسساتهم أو طردهم من العمل).
– خفض ساعات العمل الأسبوعية لخلق مناصب شغل جديد و إعادة توزيع الأرباح بين العمل و الرأسمال لصالح الأجراء. “حسب الحسابات الوطنية المعدة من طرف المندوبية السامية للتخطيط يستمر استحواذ الرأسمال (البورجوازية) على قرابة ثلثي القيمة المضافة المنتجة سنويا بالبلد مقابل قرابة الثلث للعمل (الأجراء) على عكس ما هو موجود تماما بأوروبا حيث نصيب العمل ما يقارب الثلثين”. و هو ما يكشف درجة استغلال الطبقة العاملة المغربية إذا علمنا التخلف التقني و التكنولوجي لأغلب المقاولات المحلية و تشغيلها ليد عاملة كثيفة (12).
– رفع الأجور الدنيا وربطها بارتفاع الأسعار (كلما ارتفع سعر مادة معينة يسارع الرأسمالي لرفع أثمان سلعته، بحجة غلاء المواد التي تدخل في صناعتها، و قوة العمل كأي سلعة إذا ارتفعت أثمان السلع التي تدخل في تكوينها، فيجب أن يرتفع سعرها).
– توسيع القطاعات الانتاجية و الخدماتية غير السلعية و إبعاد منطق السوق الرأسمالي عنها من قبيل التعليم و الصحة و توزيع الماء و الكهرباء و خدمات البريد و الاتصالات…
– إعادة توجيه الصناعة و الفلاحة بالاتجاه الذي يلبي حاجيات السوق المحلية و يحافظ على البيئة و صحة الأجراء.
– إلغاء المديونية العمومية الخارجية التي تترجم السيطرة الامبريالية على البلد و المطالبة بتعويض الدين التاريخي الناتج عن الاستعمار و نهب موارد البلاد من طرف إسبانيا و فرنسا.
– إلغاء اتفاقات التبادل الحر و الشراكة مع القوى الامبريالية التي تعتبر شكلا من أشكال نهب الدول النامية و تدمر النسيج الاقتصادي للبلد.
– فرض ضريبة تصاعدية على الثروة
هذه الاجراءات تستلزم نظاما سياسيا و اقتصاديا في خدمة الشعب و منبثقا عن إرادته، أي نظاما ديمقراطيا، و حكومة منتخبة، للشعب أن يعزلها متى شاء، حكومة لا تكون في خدمة الأقلية النهابة و المستبدة و الرأسمال الأجنبي. هكذا حكومة تقتضي النضال من أجل فرضها تعبئة قوية للطبقة العاملة و عموم الكادحين، لأجل الظفر بالديمقراطية السياسية و العدالة الاجتماعية.
أ.د
يونيو2012
إحالات:
(1) انظر تقرير “حول الحسابات الخصوصية للخزينة” مشروع قانون مالية سنة 2012ص 125-128
(2) المرجع السابق ص 122
(3) المرجع السابق ص 123
(4) انظر البرنامج الحكومي ص 77.
(5) انظر “البحث الوطني حول المؤسسات غير الهادفة للربح (سنة المرجع 2007)” ص 6، الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط في دجنبر 2011 المنشور على موقعها على الأنترنيت
(6) انظر جريدة la vieéco على الرابط التالي: http://www.lavieeco.com/news/economie/cnss-4.7-millions-de-travailleurs-non-declares–21480.html
(7) انظر جريدة l’économiste عدد 3782 ليوم 14 ماي 2012 ص-5
(8) انظر جريدة la vieéco على الرابط التالي:http://www.lavieeco.com/news/en-direct/57-des-actifs-declares-a-la-cnss-ont-un-salaire-mensuel-compris-entre-1-300-et-3-000-dh-18470.html
(9) انظر الجزء الثاني من تقرير للبنك العالمي حول المغرب المعنون ب:
Promouvoir la croissance et l’emploi à travers la diversification productive et la compétitivité
الصادر في 14 مارس 2006 – صفحة 148
(10) الجدول التالي يبين عدد المناصب التي خصصت في قانون المالية للفترة الممتدة من سنة 2001 إلى سنة 2012.
قانون مالية |
التعليم |
الصحة |
العدل |
الداخيلية |
التعليم العالي |
المالية |
إدارة الدفاع الوطني |
الأوقاف و الشؤون الاسلامية |
مندوبية السجون |
إجمالي المناصب |
2001 |
9450 |
1000 |
800 |
3350 |
450 |
390 |
– |
– |
– |
16973 |
2002 |
6850 |
1500 |
400 |
1000 |
900 |
– |
– |
– |
– |
10845 |
2003 |
3500 |
1500 |
145 |
1500 |
200 |
– |
– |
– |
– |
7000 |
2004 |
3500 |
500 |
300 |
1000 |
400 |
– |
– |
300 |
– |
7000 |
2005 |
3500 |
1300 |
300 |
1200 |
200 |
– |
– |
200 |
– |
7000 |
2006 |
4000 |
1300 |
300 |
4000 |
200 |
– |
2000 |
100 |
– |
12000 |
2007 |
3500 |
700 |
100 |
2000 |
200 |
150 |
|
50 |
– |
6700 |
2008 |
5300 |
1800 |
120 |
5400 |
600 |
380 |
2000 |
300 |
– |
16000 |
2009 |
3800 |
2000 |
1000 |
3800 |
– |
350 |
– |
500 |
1000 |
12820 |
2010 |
9000 |
2000 |
1000 |
8000 |
600 |
450 |
1000 |
320 |
1000 |
23700 |
2011 |
6000 |
2000 |
1000 |
6000 |
340 |
450 |
1000 |
300 |
800 |
18682 |
2012 |
7200 |
2000 |
1000 |
8880 |
300 |
980 |
3280 |
500 |
800 |
26084 |
المجموع |
65600 |
17600 |
6465 |
46130 |
4390 |
3150 |
9280 |
2570 |
3600 |
164804 |
(11) انظر كتاب: الاقتصاد السياسي للبطالة – تحليل لأخطر مشكلات الرأسمالية المعاصرة – تأليف: د. رمزي زكي – منشورات عالم المعرفة العدد 226. ص- 378
(12) انظر جريدة la vieéco على الرابط التالي:
http://www.lavieeco.com/news/economie/le-capital-continue-de-detenir-60-de-la-richesse-produite-au-maroc-12347.html