رفع أسعار الكهرباء
تحميل تكلفة الأزمة للكادحين
على إثر التوقيع على عقد- برنامج بين الحكومة والمكتب الوطني للكهرباء بتاريخ 26 ماي 2014، أعلنت الحكومة الزيادة في أسعار استهلاك الطاقة الكهربائية ابتداء من غشت المقبل، وذلك من أجل توفير حوالي 13 مليار و950 مليون درهم لدعم مالية المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي يعاني من أزمة مالية قد تؤدي به إلى الإفلاس حسب تصريحات الحكومة.
أثار القرار إلى جانب استياء جماهير الشعب التي ستتحمل تكاليف هذه الزيادة، حملة إعلامية شعواء من طرف الحكومة وأبواقها الإعلامية لإقناع الكادحين بضرورة هذه الزيادة من أجل إنقاذ المكتب من الإفلاس عاملة على بث الذعر في صفوف المواطنين بأن لا خيار إلى الزيادة في الأسعار أو الحرمان من الكهرباء. كان ذلك مغزى تصريح محمد الوفا (الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة) بمجلس المستشارين بأنه “كان لابد من تدخل الحكومة لإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء من الأزمة التي يتخبط فيها، وإلا كان يمكن للمغاربة أن “يعيشوا في الظلام” لمدة 6 ساعات مثلا، كما يحدث في بلدان أخرى”. (هسبريس- 27 ماي 2014).
تعمل الحكومة على تسويغ القرار بمبررات مرتبطة بالأداء المالي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والأزمة المالية التي يعاني منها، غاضة الطرف عن الأسباب الحقيقية لهذا الوضع متمثلة في الإصلاحات الليبرالية المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي التي حرمت المكتب الوطني ومعه ميزانية الدولة من موارد مالية هائلة.
قصف إعلامي لتبرير الهجوم
لتبرير أي هجوم يجب إقناع المستهدفين بضرورته كان ذلك توصية وثيقة صادرة عن “إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي” تحت عنوان “نحو آفاق جديدة، التحول الاقتصادي العربي في غمار التحول السياسي” بتاريخ ماي 2014، التي ركزت فيما يخص إصلاح قطاع الطاقة على ضرورة “وضع إستراتيجية للتواصل الجماهيري على أوسع نطاق”.. لكنها إستراتيجية لإقناع الجماهير بتحمل تكلفة إصلاح قطاع الطاقة وليس لمعرفة رأيها الحقيقي في الموضوع.
أسباب أزمة المكتب من وجهة نظر الحكومة
تدهور الوضعية المالية للمكتب يرجع حسب بيان الحكومة إلى عدة عوامل تتمثل في الحجم الكبير للاستثمارات التي قام بها المكتب للاستجابة للطلب المتزايد على مياه الشرب والكهرباء والتطهير السائل، وارتفاع تكاليف إنتاج وتوزيع مياه الشرب والكهرباء وخدمات التطهير السائل، مقابل تطبيق تعريفات لا تكفي لتغطية هذه التكاليف. وهي نفس الأسباب التي وردت في تقرير المكتب الأعلى للحسابات.
وتؤكد الحكومة أن استهلاك مادة الكهرباء في المغرب يبقى هو الأرخص سعرا في منطقة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبالتالي لا يعقل أن يظل المغاربة يتمتعون بنور الكهرباء بسعر يقل عن الدرهم الواحد للكيلوواط/ ساعة.. وهو مبرر صالح لتبرير جميع الإصلاحات، فالمغرب هو البلد الذي يعرف أكبر الأجور منادية بمراجعة الأجور، والمغرب كذلك هو الأكثر إنفاقا على قطاع التعليم منادية بتقليص نفقات التعليم، الخ.
إن أي طالب مبتدئ في الاقتصاد يدرك أيما إدراك أن الاستثمارات الكبيرة مهما بلغ حجمها كبرا في قطاع زبناؤه مضمونون وتصريف الإنتاج فيه مضمون، فإن الأرباح أيضا فيه مضمونة مهما كان العجز المؤقت ضخما، ما دام استرداد المبالغ المستثمرة مضمونا على المدى المتوسط أو حتى البعيد. فقد كشف محمد إعمارة عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية للجزيرة نت عن ارتفاع نسبة الطلب على الكهرباء خلال السنوات الأخيرة بنسبة بين 8 و9% سنويا مضيفا أن هذا الازدياد في الطلب لم ترافقه استثمارات لإنتاج الكهرباء ونقله وتوزيعه.
إن إدراج تكاليف الاستثمار في خانات الخسائر والعجز خدعة قديمة تتقنها الشركات للتهرب من الضرائب أو لإعلان حالات إفلاس مزيفة، لكنها ليس صحيحة من وجهة النظر الاقتصادية، فقيمة الرأسمال الثابت لا تنتقل جملة واحدة إلى المنتوج الجديد، وإنما تسترد قيمته بالتدريج حسب مدة اهتلاكه التي تدوم سنوات. (كارل ماركس، رأس المال).
أما فيما يخص عدم التناسب بين تكاليف الإنتاج والتوزيع مع التعريفات المطبقة، فهي ترد في تقرير المجلس العلى للحسابات وبيان الحكومة وكأنها حقائق منزلة، دون العمل على ذكر أسباب عدم التناسب هذا، وهو ما سنأتي على نقاشه فيما بعد.
تقليص الدعم… مربط الفرس
بعد ذكر هذه الأسباب يأتي المجلس الأعلى للحسابات إلى المعني الحقيقي بهذا الهجوم الإعلامي وهو الدعم العمومي الموجه لدعم أسعار الكهرباء والتوصية برفع ذلك الدعم الذي كشف تقرير المجلس أنه رغم ضخامته لم يعمل إلا على مفاقمة عجز المكتب الوطني مؤكدا أن “سنة 2013 يتوقع أن يصل العجز الصافي فيها 3 ملايير درهم، بالرغم من أن مبالغ الدعم المتعلقة بالفيول خلال السنة تقدر بحوالي 4.2 مليار درهم”. (هسبريس- 23 ماي 2014).
يندرج مطلب المجلس الأعلى للحسابات برفع الدعم عن الكهرباء وتطبيق حقيقة الأسعار ضمن توصيات صندوق النقد الدولي الذي أمرت مديرته كريستين لاغارد في زيارتها الأخيرة للمغرب بتقليص نفقات دعم الأسعار للتحكم في عجز الموازنة المقدر حالياً بنحو 5.5 في المئة من الناتج الإجمالي، وهو نفس ما ورد في وثيقة “إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى- صندوق النقد الدولي” حول ما أسمته “إعادة توجيه الإنفاق” حيث أقرت الوثيقة أن “الدعم واسع النطاق، وخاصة على أسعار الطاقة، يدعم الواردات من الخارج أكثر من دعمه للطلب على السلع والخدمات المحلية، ويعود بالفائدة غير المتكافئة على شرائح السكان ذات الدخل المرتفع التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود والكهرباء”، مقترحة إلغاء ذلك الدعم على غرار الأردن التي قطعت أشواطا كبرى في هذا المجال.
ما يهم الحكومة إذن ليس إنقاذ المكتب الوطني من الإفلاس، مادام عجز المكتب الوطني مرتبط بسياسات الخوصصة وتفويت خدماته للقطاع الخاص ما حرمه من موارد مالية هائلة، تقوم الشركات الأجنبية بتحويلها كأرباح إلى الخارج. ما يهم في آخر المطاف هو الاستمرار في تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي الذي يركز على ضبط عجز المالية العمومية كي يتمكن المغرب من الوفاء بالتزاماته المالية مع المؤسسات المقرضة.
حاميها حراميها
في محاولة للبحث عن كبش فداء للسياسات الليبرالية التي دفعت المكتب الوطني للكهرباء إلى حافة الإفلاس، قامت الصحافة بنشر العلاوات الاستثنائية التي منحها مدير المكتب لنفسه وللمديرين ولرؤساء المصالح التابعين للمكتب تتراوح قيمتها بين 5000 و250 ألف درهم، وذلك في عز الأزمة المالية التي تعرفها هذه المؤسسة العمومية، والتي أجبرت الحكومة على الإعلان عن زيادات جديدة في أسعار الماء والكهرباء.
إن رفض تبذير المال العام الذي يقوم به مدراء المؤسسات العمومية بالمغرب، لا يعني أن نحمل لهؤلاء المديرين المسؤولية الكاملة فيما آلت إليه أوضاع هذه المؤسسات، فهذه العلاوات (وهي بالمناسبة ليس بالجديدة كي تكون سبب أزمة المكتب) مهما بلغ حجمها لا يمكن أن تبرر حجم العجز الذي تجاوز مليارات الدراهم: 2.7 مليار درهم حسب مدير المكتب الوطني للكهرباء (موقع جريدة الصباح- 09 يونيو 2014).
وهو فخ وقعت فيه حتى المنظمات الحقوقية حين عزا المكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان المخاطر التي تحذق بالموازنة الحكومية العامة إلى ما سماه “الفساد الهيكلي المستشري في المؤسسات العمومية، وغض الطرف عن اختلالات داخلية خطيرة تشوب تدبيرها، كما هو حال المكتب الوطني للماء والكهرباء وجل وكالات توزيع الماء والكهرباء بالمغرب”. (هسبريس- 31 ماي 2014).
ما تقوم به هذه الحملة الإعلامية هو توجيه المياه نحو طاحونة دعاية صندوق النقد الدولي – في محاولة منه النأي بالمسؤولية عن سياساته- الذي يسعى إلى رد الأزمة إلى غياب “الحكامة” و”الشفافية” في تدبير وتسيير هذه القطاعات مناديا إلى تفويتها للقطاع الخاص. متجاهلا أن علاوات المديرين التنفيذيين تبلغ أرقاما فلكية في شركات الولايات المتحدة التي تتحكم في سياساته. (أنظر كتاب إريك توسان؛ “المال ضد الشعوب، البورصة أو الحياة”، ، الصفحة 119- 120).
ديمقراطية ولكن
بعد الحملة التي شنتها الصحافة على مدير المكتب الوطني وتحميله مسؤولية أزمة المكتب المالية سارعت الحكومة إلى طمأنة هذا الأخير جريا على عادة الإفلات من العقاب، دعا محمد الوفا، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، إلى تأجيل الحديث عن محاسبة المتسببين عن أزمة المكتب إلى وقت لاحق، قائلا: «إن من يتحدث عن محاسبة من تسبب في الوضعية التي وصل إليها المكتب الوطني للماء والكهرباء يتحدث عن ضرورة، لكنها ليست أولوية، أي أنها ستأتي بعد الإصلاح لضمان تزويد المغاربة بالماء والكهرباء». (جريدة المساء، العدد :2396 – 09/08/2014).
الأسباب الحقيقية لعجز المكتب الوطني
إن أزمة المكتب الوطني للكهرباء ليست إلا جزءا من الأزمة التي تشهدها جميع المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وهي أزمات مالية أسبابها مرتبطة بعقود من سياسات الخوصصة وتقليص الدعم العمومي وتحرير القطاع. فالبنك العالمي الممثل لمصالح الشركات المتعددة الجنسية يسعى لنزع احتكار المكتب الوطني للكهرباء وإخضاع كل المنتجين المستقلين بما فيهم المكتب الوطني للكهرباء لمناقصة تنافسية من أجل إنتاج الكهرباء بأسعار تنافسية. ولذلك فتحرير الأسعار يخدم بالأساس الشركات المتعددة الجنسية التي بالرغم من أن مسلسل تحرير قطاع الطاقة لم يستكمل بعد، فإنها تحتكر حاليا معظم إنتاج الطاقة الكهربائية.
خوصصة الإنتاج والتوزيع
تندرج خوصصة أنشطة إنتاج وتوزيع الكهرباء في إطار “خوصصة الخدمات والعمليات ذات الطابع التجاري” التي فرضتها مؤسسات الرأسمال العالمي (منظمة التجارة العالمية، صندوق النقدي الدولي، البنك العالمي ..). وقد أدى برنامج تحرير قطاع الطاقة إلى احتكار الرأسمال الأجنبي لكامل هذا القطاع من تكرير للمنتجات البترولية وتوزيعها و إنتاج للطاقة الكهربائية و توزيعها. (جريدة المناضل-ة العدد 51، فبراير 2013).
أصبح الرأسمال الأجنبي يحتكر معظم إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها ببلادنا بعدما فوتت له العديد من محطات الإنتاج وشبكات التوزيع. فالمجموعة الرأسمالية الأمريكية السويسرية ABB/CMC تسطو حاليا ولوحدها على أكثر من 48% من الإنتاج الوطني للكهرباء. (جريدة المناضل-ة العدد 51، فبراير 2013).
أما بالنسبة لتوزيع الطاقة الكهربائية فإن الشركات المتعددة الجنسية (ليديك، ريضال، فيفاندي) تضمن حاليا احتكارا شبه مطلق لهذا القطاع، حيث تحوز على أكثر من 75% من مجموع شبكة التوزيع، فيما يكتفي المكتب الوطني للكهرباء بـ 25% فقط (وثيقة “مقاربة اقتصادية لقطاع الطاقة” لسنة 2002 لوزارة المالية).
“ينتج القطاع الخاص اليوم أكثر من نصف الكهرباء المستهلك في المغرب. وشركة جليك التابعة للمجموعة اﻹماراتية طاقة، التي تقوم باﻹنتاج المفوض لفائدة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في المحطة الحرارية المستعملة للفحم بالجرف اﻷصفر توجد في حالة جيدة، حيث بلغ رقم أعمالها 5.4 مليار درهم سنة 2011 وحققت نتيجة صافية بلغت 430 مليون درهم؟(“خسارات المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أرباح عند شركات أجنبية وشركة تابعة للهولدينغ الملكي”، كريستوف غيغان، 20 مارس 2013، موقع لكم).
وحيث يسجل المكتب الوطني خسارات نسجل شركات القطاع الخاص المنتجة للطاقة الكهربائية أرباحا خيالية، فشركة الطاقة الكهربائية لتهدارت “أو تي تي” المنتجة للطاقة الكهربائية في إطار عقود التفويض حققت نتيجة صافية بلغت 170 مليون درهم سنة 2011. بينما سجل تقرير المجلس اﻷعلى للحسابات أن اﻷرباح المهربة من طرف طرف شركة “ليدك” بين 1997 و2008 بلغت حسب قرابة مليار درهم. (موقع لكم، نفسه).
ليس الرأسمال الأجنبي وحده المستفيد من “كعكة” المكتب الوطني اللذيذة، فالمكتب تشتغل لفائدته 700 شركة من بينها 133 شركة منخرطة في الجامعة الوطنية للصناعات الكهربائية واﻹلكترونية المنضوية تحت لواء اﻻتحاد العام لمقاوﻻت المغرب. (لكم، نفسه).
أما فيما يخص “ناريفا”، التابعة للشركة القابضة الملكية: الشركة الوطنية للاستثمار، فإن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مجبر على شراء الطاقة الكهربائية منها لمدة 20 أو 30 سنة بأسعار يتفاوض بشأنها فيما يتعلق بمحطات آسفي وطرفاية، أو تباع مباشرة للزبناء الكبار ومعظمهم مؤسسات عمومية (المكتب الشريف للفوسفاط ، المكتب الوطني للسكك الحديدية، المكتب الوطني للمطارات) أو لفروع الشركة الوطنية للاستثمار (ﻻفارج، سوناسيد) ويقوم بنقلها إليهم المكتب. ولنقل الكهرباء المنتجة إلى الزبناء الصناعيين، تؤدي الشركة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ( تنبر عبور) لكنه ليس معروفا لحد اﻵن ماهي قيمة هذا التعويض (8 سنتيم كيلواط – ساعة بالنسبة ﻷخفنير سنة 2010 ). (موقع لكم، نفسه).
أدى برنامج تحرير قطاع الطاقة إلى سيطرة الرأسمال الأجنبي على المداخيل المالية التي كانت الدولة تجنيها من استيراد و تكرير البترول و توزيع مواده و إنتاج الطاقة الكهربائية و توزيعها.. وهو السبب الحقيقي والرئيسي وراء الأزمة الحالية التي يعاني منها ليس فقط المكتب الوطني للكهرباء، بل كل مؤسسات القطاع العام والقطاع شبه العمومي.
هذا هو السبب الحقيقي وراء أزمة المكتب المالية، شركات خاصة تابعة للرأسمال الأجنبي والمحلي، تفوز بصفقات مجزية أودت بالمكتب إلى حافة الإفلاس، بينما يتم تحميل التكلفة للمواطن المقهور أصلا بتكلفة أزمة اقتصادية عامة تنعكس على كل ظروف عيشه (تعليما وصحة وأجورا..).
وذلك هو السبب حول ما يرد في خطاب الحكومة كحقيقة منزلة لا تحتاج إلى برهان، أي عدم التناسب بين تكاليف الإنتاج والتوزيع وبين التعريفات المطبقة ما يسبب العجز المالي.
الارتهان بالخارج
السبب الرئيسي وراء كل مظاهر العجز المالي الذي يعانيه الاقتصاد المغربي هو تطبيق خطط برنامج التقويم الهيكلي الذي فرض على البلد فتح الباب للصادرات وعمقت منظمة التجارة العالمية فيما بعد هذه السياسة.
وكما يصدق الأمر على جميع قطاعات الاقتصاد فإن حاجات المغرب من الطاقة الكهربائية يتم تأمينها “بنسبة 96% من الخارج، ولم تستطع الحكومة طيلة السنوات العشر الماضية تخفيف الارتهان إلا بنسبة 0.5 نقطة مئوية”. (الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية د. عبد القادر إعمارة أكد للجزيرة نت).
الحرب خدعة
ولإقناع الكادحين بقبول هذا الهجوم تسعى الحكومة إلى تقسيم صفوفهم درءا لأي مقاومة آنية وجماعية، فصرح رئيس الحكومة أن 4 ملايين و100 ألف أسرة لن تمسها الزيادة التي ينتظر أن تعرفها أسعار الكهرباء (المساء- العدد :2385 – 27/05/2014). وأكد العقد- البرنامج أن الزيادات لن تشمل الأشطر الاجتماعية التي تقل عن 100 كيلوواط شهريا بالنسبة للكهرباء، والتي تهم 4 مليون و100 ألف من المشتركين، و6 متر مكعب شهريا بالنسبة للماء، والتي تهم 2 مليون و200 ألف من المشتركين.
إنها خدعة قديمة وهي مستوحاة من توصيات صندوق النقد الدولي الذي يسعى إلى تمرير هجوماته مع الحفاظ على السلم الاجتماعي دون استثارة ردود احتجاجية قد تمنع تطبيق “إصلاحاته”.
وهو ما تناولته بالحرف الوثيقة التي أصدرتها “إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي” التي أقرت أن إصلاح دعم الطاقة يعد “مطلبا صعبا على المستوى السياسي… ومن العناصر المهمة في هذا الصدد وضع خطة شاملة لإصلاح دعم الطاقة تشمل عقد مشاورات مع الأطراف المعنية، وتطبيق زيادات في أسعار الطاقة بالتدرج الملائم… واتخاذ تدابير موجهة لحماية الفقراء والضعفاء.. فقد أظهرت استطلاعات الرأي، على سبيل المثال، أن المواطنين يميلون نحو تأييد إصلاح الدعم إذا ما رأوا أن العائدات تستخدم في الإنفاق الداعم للفقراء..”.
وتزيد الوثيقة في نصائحها للحكومات أن تقتدي بنموذج الأردن الذي “يرفع تدريجيا تعريفة الكهرباء”. مضيفة أن “نجاح مثل هذه الإستراتيجيات على وضع الاقتصاد السياسي على المسار الصحيح. وسوف يتعين على صناع السياسات تحديد أي الإصلاحات التي يمكن تنفيذها وأفضل ترتيب لتنفيذها في ظل الأوضاع الاجتماعية السياسية الصعبة.. وهذه المعرفة يمكن أن تساعد على توقع من هي الأطراف التي ستعارض الخطط المقترحة وبالتالي وبالتالي وضع الإستراتيجيات لمواجهة مثل هذه المعارضة”.
لا بديل خارج رفض منطق الخوصصة
إن القطع الجازم مع السياسات المملاة من طرف المراكز الإمبريالية هو الطريق الوحيد لضمان خدمات تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الشعب وليس التوازنات المالية ومصالح المقرضين.
إن أي رفض لا يضع منطق الخوصصة والهجوم النيوليبرالي على الخدمات العمومية والاجتماعية موضع الاتهام لن يساهم إلا في تعمية الواقع في أعين جماهير الشعب.
علي أموزاي