دين الاقتصاد المخفي – فضيحة على نطاق الكوكب : إصدار جديد للجنة إلغاء ديون العالم الثالث
صدر مؤخرا عن لجنة إلغاء ديون العالم الثالث كتاب من تأليف كل من رونو دوتيرم René Duterme و إيريك دو روييست Eric De Ruest، بعنوان “دين الاقتصاد المخفي” – فضيحة على نطاق الكوكب La dette cachée de l économie – Le scandale planétaire
فيما يلي فهرس الكتاب ومقدمته
فهرس :
– مقدمة: مرافعة من أجل الدين الايكولوجي
– توطئة: عما يجري الحديث؟
القسم الأول: حفل خصوصي جدا
1- رأسمالية ضد الطبيعة
2- تاريخ-جغرفيا الدين الايكولوجي
3- طاقة اليأس
4- الكابوس الكميائي: جريمة حرب
5- ميبا دين زراعي وغذائي
6- نيمبي NIMBY او تحويل بقية العالم إلى مطرح نفايات
7- استخلاص ربح من الأوراش البيئية الكبرى
القسم الثاني : الحلول المشتركة
8- الخروج من الدين الايكولوجي
9- من اجل عدالة تدمج الجرائم الايكولوجية
10- نحو تطور للديمقراطية
===================================
مقدمة
مرافعة من أجل اين الايكولوجي
جان غاردي
أستاذ اقتصاد شرفي بجامعة ليل -1
الدين الايكولوجي مفهوم عمل سياسي وتعبئة من أجل الحقوق أكثر مما هو فكرة حسابية، كما قد توحي كلمة “دين” منظورا إليها بدلالة ضيقة. ما “بذمتنا” لآخرين ، مثل أقاربنا و أهلنا، أو على نحو أوسع لشعوب تعرضت ومازالت أراضيها و مواردها لنهب من الشركات متعددة الجنسية ببلداننا و دولنا الغنية، ليس بالمقام الأول دينا حسابيا. لكنه مع ذلك دين، و مع أن كل شيء ليس قابلا للتحديد الكمي، فإن قسم هذا الدين القابل لذلك كبير. لا يُقاس دين أخلاقي، و لا ظلم صارخ و لا جرائم، اليورو أو بالدولار، لكن يجب في بعض الحالات فرض “تعويضات” (نقدية أو عينية). ويمكن أن تستند في الآن ذاته على تقديرات كمية وعلى ميزان قوى. عندها، يوضع التحديد الكمي، بحدوده المدركة، في خدمة التوصيف و الفعل الجماعي.
الحصول على عمل جيد، عمل لائق، له معنى، ومنفعة اجتماعية و ايكولوجية، هو أمر اكبر من احترام مؤشرات العمل اللائق التي وضعها المكتب الدولي للشغل. ومع ذلك، من شأن هذه المؤشرات أن تسهم في حصول وعي وتعبئات من أجل العدالة و الكرامة في العمل. الأمر عينه فيما يخص الدين الايكولوجي: انه أداة نوعية في خدمة العدالة البيئية العالمية قبل أن يكون مفهوما كميا، وهو ما يمكن أن يكونه في بعض الحدود.
شهد هذا المفهوم تطورا شبكيا كبيرا انطلاقا من سنوات 1990، سواء بالجنوب أو بالشمال، وغالبا مع فكرة أن الدين المالي الخارجي لبلدان الجنوب الفقيرة قابل للمقارنة بدين في الاتجاه المعاكس، أي دين ايكولوجي لبلدان الشمال إزاء بلدان الجنوب.
لم يكن خلف هذا المفهوم مختصون في الاقتصاد أو الإحصاء، بل مواطنون متشاركون ومنظمات غير حكومية، ثم تبناه بعض الباحثين، المتزايد عددهم أكثر فأكثر. و في الآونة الأخيرة، بدأت تهتم به صراحة عدد من المؤسسات العمومية الوطنية و الدولية.
ثمة تعريفات عديدة للدين الايكولوجي ، سيتم التطرق إليها كلها في هذا المؤلف. نعتمد، من باب التبسيط، تعريف اكسيون ايكولوجيكا: الدين الايكولوجي هو ” الدين الذي راكمته بلدان الشمال المصنعة إزاء بلدان العالم الثالث بسبب نهب الموارد و الخسائر التي لحقت البيئة والاحتلال المجاني للبيئة لايداع النفايات، ومنها غازت الدفيئة الصادرة عن البلدان الصناعية “.
الفكرة العامة هي التالية:”إن التطور الصناعي بالشمال، منذ الثورة الصناعية حتى أيامنا، قام على استغلال المقاولات و الدول للموارد الطبيعية للجنوب التي لم يكن الشمال يتوفر عليها بكميات كافية لمواجهة إنتاج و استهلاك متناميين باطراد. لولا هذه الموارد المنتزعة من الجنوب، بأسعار هزيلة وظالمة في معظم الأحيان بفعل آليات السيطرة و الإكراه – ومنه السيطرة العسكرية أحيانا- لكان نمو الشمال أكثر ضعفا و كذا مستوى العيش المادي الراهن سكانه.
واليوم كذلك مثل أمس، تفوق نفايات الشمال، في الانتاج والاستهلاك ، ومنها غازات الدفيئة، نظيرها لدى الجنوب بكثير، لاسيما منظورا إليها من زاوية الحصة الفردية من الانبعاثات و النفايات. ولهذا مضاعفات على المدى البعيد: فمثلا تستمر غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بشكل دائم. والحال أن نتائج احترار المناخ لن تكون شاملة وحسب، بل تدل كل المؤشرات على أن الشعوب التي تنفث نسبة اقل من تلك الغازات هي التي ستعاني أكثر.
حتى حقبة حديثة نسبيا –نهاية القرن العشرين- لم يكن يُنظر إلى هذا الوضع مختل التوازن على انه ظلم ، بمجمل الأحوال من قبل نخب الشمال، طالما كان يبدو لكثيرين، ما خلا أقلية ذات بصيرة نافذة، أن الطبيعة خزان لا ينضب وشبه مجاني، وان “الشمال كان يساعد على تنمية الجنوب”.
لم تعد هذه الرؤية مقبولة اليوم من العموم. و أدى تراجعها إلى أن اعتماد أكبر على اعتبارات ” العدالة البيئية” في الشمال و الجنوب على السواء. و تستتبع فكرة أن مناطق مدينة لأخرى بدين ايكولوجي معايير أخلاقية و تصورات حول العدالة العالمية في استعمال الطبيعة. و المعيار الأوسع انتشارا هو التالي: عندما تصبح موارد أساسية، وحتى حيوية، نادرة يجب أن تصبح حقوق التساوي في الإفادة منها هدفا كونيا يجب التوجه اليه ، عبر مراحل، لكن دون تأخر. ما من شيء يجب أن يبرر استحواذ من هم أغنى و أقوى على قدر من الموارد الحيوية يفوق ما يؤول للآخرين. وماداموا، في الواقع، يقتطعون حصة أكبر من الآخرين ، فانهم يراكمون دينا ايكولوجيا إزاءهم. ومن حق هؤلاء أن يطالبوا بسداده في شكل تعويضات متنوعة نقدية وغير نقدية. طبعا لن يعوض ذلك عن عقود، وحتى قرون، من الاستغلال الوقح للبشر وللطبيعة، وعن الحيوات المفقودة او المدمرة ، لكنه سيكون بالأقل اعترافا بمظالم كبيرة، وحتى جرائم أحيانا.
وعند الأخذ بالتحديد النقدي، فإنه لا يمكن أن يقوم سوى على مبالغ سياسية متفاوض حولها، وليس على أسعار ممكنة تحددها أسواق تراخيص التلويث او نفث الغازات، و لا على طرائق أخرى يحددها مختصون في الاقتصاد. فهؤلاء عاجزون تماما عن دمج معايير أخلاقية أو ظواهر سيطرة في نماذجهم. يجب قبول ان كل شيء ليس قابلا للتحديد النقدي. بعض الأضرار و بعض الأكلاف و بعض أشكال التلوث قد تخضع للتحديد النقدي (بالاستناد أولا على تقديرات فيزيقية للتدفقات المادية المعنية) دون أخرى.
إن المنظمات غير الحكومية على صواب حين تستعير، ضمن حجج أخرى، التعويضات المالية أو غير المالية لدين ايكولوجي يصبح مرئيا باطراد. لكن يجب ألا تسقط في أوهام: لا يمكن تحويله الى عملة صعبة سوى بميزان قوى ومعركة من أجل الاعتراف بالحق في العدالة البيئية. أن تأكيد حقوق كونية ومتساوية في الإفادة من الممتلكات البيئية المشتركة هو ما يبرر استدلالا بمقولات دين ايكولوجي، بما هو أداة التنديد بانتهاكات سابقة وراهنة لتلك الحقوق، وأداة مطالبة من أجل أن يقوم بشكل أو بآخر المسؤولون عن تلك الانتهاكات، أو خلفاؤهم في الحكم، بالتعويض عما لا يزال قابلا للتعويض – وبالتالي أداة “مصالحة بين الشعوب” في عالم أكثر عدلا.
سيجد القارئ في هذا الكتاب حججا ومداخل متعددة لإغناء أكثر لمفهوم لا يخضع بسهولة لتعريف بسيط و أحادي، لأنه ينطوي على سجلات متباينة، منها نقد النظام القائم ، ومنها إعادة بنائه على أسس أخرى . لكن هذا ما قد يمثل أيضا قوته.
نقله الى العربية : علي سامي