الأستاذات المتدربات: تسقط الدونية، تسقط المراسيم الظالمة
يجتهد النظام الرأسمالي في سحق قاعدة المجتمع الواسعة المشكلة من شرائح اجتماعية متنوعة يجمعها بدرجات متفاوتة الاستغلال والاضطهاد. وهؤلاء الموجودون في قاع المجتمع يكتوون دوما بنار الرأسمالية وسعيها المقدس لأقصى الأرباح، وهي تطحن بلا رحمة المستغلين(بفتح الغين) والمضطهدين(بفتح الغين)، أي جماهير الأجراء والأجيرات والمستخدمين/آت والموظفين/آت وعموم المنتجين والمنتجات…
وينقسم هذا المشتل العمالي العريض إلى قسمين رئيسيين من المسحوقين: في جانب هناك العمال الذكور وفي الجانب الأخر هناك النساء العاملات، والأخيرات هن الأكثر عرضة للاستغلال والاضطهاد والظلم بكل تفاصيله القاسية.
المجتمع ذكوري الطابع وذو ميول كارهة لأي تحرر نسائي، ميول معززة بقدرة الدولة والنظام المستفيد من الوضع على تغذية الفروق بين الجنسين وتحديد مهام كل فرد على حدة بناء على التقسيم النوعي أي على: الجنس
وعليه فالذكور كل شيء والنساء لا شيء. هذا ما نعنيه بالاضطهاد المزدوج للنساء.
النساء في هذا المجتمع البطريركي ليس لهن دورا آخر غير تربية الأبناء والمداومة في المطبخ، والاعتناء بالعجزة والمسنين… ليس وضع النساء مريحا ومغريا ولا مفعما بالكسل، فإطلالة دقيقة على حياتهن تكشف زيف إدعاءات الفروق البيولوجية بين الجنسين التي تقدمها الرأسمالية لتبرير دوام استغلال نصف المجتمع في صمت مطبق وحتى بتواطؤ “الذكوريين” من كل الأصناف.
دفع هذا الظلم النساء إلى احتلال مقدمة الاحتجاجات وإعلاء صوتهن وقبضتهن إلى جانب بقية المضطهدين.
لقد خرجن في مظاهرات ومسيرات منددة بأوضاع الاستغلال حتى دون أن يكن على وعي بتفاصيل الاضطهاد وجذوره، منهن النساء القرويات والنساء ضحايا القروض الصغرى والطالبات والأجيرات والمعطلات والأستاذات المتدربات… وكلهن يكافحن بالوسائل المتاحة ضد التعديات الرأسمالية على حياتهن وحياة أبنائهم وإخوانهم الذكور.
ليس للنساء منظمات مكافحة مستقلة، فالدولة عملت بجهد لا يلين على احتواء الموجود منها وتدويخه ببرامج المؤسسات العالمية: المقاربة التشاركية ومقاربة النوع وإدماج المرأة في التنمية… تنمية على شاكلة ما لحق النساء ضحايا القروض الصغرى!
ليس “للحركة” النسائية المنظمة في المغرب أي تاريخ نضالي طامح إلى تحرر النساء من ويلات الظلم والقهر، معظم تلك المنظمات هي ملحقات الأحزاب الليبرالية وذات نمط خاص في الاشتغال والتمويل.
المنظمات النسائية في المغرب ليست ذات أبعاد تحررية قائمة على مبدأ النضال والدفاع المستميت في وجه الدولة ضد مصادرة الحقوق بعد معارك و اشتباكات طاحنة في الشوارع والميادين. على العكس من ذلك فهي منظمات تستجدي التنازلات الشكلية مثل قوانين في صالح النساء والكوطة(تحسينات شكلية لا تضع جوهر الاضطهاد والاستغلال موضع تساؤل)… لكن هل تقدم الدولة أي تنازل في صالح الكادحات دون معارك ضارية؟
أمام كل هذا الوضع القاتم لمنظمات النضال النسائي، نعمل في جمعية أطاك المغرب على التشهير بأوضاع الاستغلال المدمر الذي تتعرض له النساء، كان هذا أحد أوجه عملنا ضمن متابعة وضعية النساء ضحايا القروض الصغرى…
اليوم هناك مدرسة نسائية مكافحة تسترعي انتباهنا كذلك، بطلاتها نساء مكافحات من عمق المجتمع المغربي، إنهن الأستاذات المتدربات.
الأستاذات المتدربات مدرسة كفاح ضد الرأسمالية
منذ بروز قضية الأساتذة المتدربين انخرطت الأستاذات في معمعان النضال، وتقدمن النضال في الشوارع إلى جانب بقية زملائهن، وهن حاضرات في الأشكال النضالية من وقفات ومسيرات وحتى أثناء المبيت الليلي أمام المراكز، وحضورهن بارز في تحد ايجابي لتقاليد بائدة.
طال القمع الأستاذات المتدربات وكانت الحالة الحرجة بين الجرحى للأستاذة لمياء يوم الخميس الأسود في إنزكان، انتشرت صورها وهي مدرجة في الدماء ترفع شارة النصر ومصرة على الالتحاق بصفوف النزال حين تلتئم الجراح.
كذلك تعرضن للتحرشات الجنسية والمضايقات المستفزة خلال المحطات النضالية ورغم كل هذا لازلن صامدات.
كذلك منعن من السفر وحق التنقل للمساهمة في إنجاح المسيرات الوطنية إلا أنهن قاتلن من اجل الوصول إلى الرباط فوصلن بكل إصرار. أين هي الفروق الجنسية هنا؟
الأستاذات المتدربات هن الأكثر صمودا في كل المراكز التربوية ويشكلن الأغلبية، مرد ذلك راجع إلى درجة القهر الذي يتعرضن له ومدى قسوته(رأسمالي وذكوري ). إنهن في معركة من اجل منصب شغل يضمن لهن الكرامة بعيدا عن التبعية للأسرة ووصاية الرجل أبا وأخا وزوجا…
ليست هناك منظمات نسائية مكافحة ومناصرة لهن فالجميع يخلط القضية النسائية للأستاذات المتدربات بقضية إسقاط المرسومين.
الحقيقة ليست كذلك فهن يقاتلن بقبضات عارية لكنها صلبة ضد شتى صنوف القهر: البطالة والأبوية والقمع والتقاليد والذكورية، بالإضافة إلى المرسومين… قتال شريف يصطدم بمعيقات لا حصر لها. فكيف إذا أن تكون قضيتهن مثل البقية؟ فلتسقط كل صنوف القهر مع إسقاط المرسومين.
قادت الأستاذات المتدربات المسيرات وصدحن ملئ الحناجر مع الجموع وتغلب صوتهن على صوت الذكور، وحتى الانضباط في الأشكال كانت الأستاذات منضبطات إلى ابعد الحدود(الوقت وارتداء الوزرة والالتزام والتعبئة و…)
ليس الإجحاف مقتصرا على ما ذكرناه بل له أبعاد “ثقافية” كذلك حتى اللغة العربية “متعسفة” في حقهن. فتعبير: “الأساتذة المتدربون” له نغمة ذكورية يوحي بأن المعركة تهم الأساتذة الذكور فقط.
هناك إذا جبهات قتال عدة تنتظر النساء والذكور الطامحين/آت إلى تحرر المجتمع.
ليس من السهل نيل ما تسعى النساء إلى الحصول عليه، فالنظام الرأسمالي متسلط وقادر على المواجهة باستعمال كل آليات وأساليب الاضطهاد وإثارة كل العفن الذي يزرعه في طريق التحرر(العنصرية والعائلة والمدرسة…).
لا سبيل أمام الذكور للإنعتاق من الاضطهاد الشامل غير الوقوف كتفا بكتف مع شقيقاتهم النساء في معركتهن/م ضد الرأسمالية وضد الذكورية. واستعدادا لكل هذه المعارك وغيرها نرفع في جمعيتنا أطاك المغرب شعار : الفهم من أجل المواجهة.
علي أزنــاك
أطاك المغرب
مجموعة كلميم والنواحي