البيئة

الأزمة البيئية في قلب الأزمة الاجتماعية

تعتبر الأزمة الإيكولوجية الشاملة من أعظم التهديدات المادية التي تواجه حضارة الإنسان المعاصر. هذا الأمر لم يعد مجردا بالنسبة للأغلبية الساحقة من  سكان الكوكب، بل أصبحوا يعيشونه في حياتهم اليومية (توالي مواسم الجفاف، والتقلبات المناخية الفجائية، والفيضانات، إلخ)  ويبدو أن الذين يعانون الاضطهاد الاجتماعي هم الذين يتحملون أكثر تبعات هذه الأزمة البيئية في ظل نمط انتاج رأسمالي هدفه الأسمى هو مراكمة الارباح على حساب الطبيعة و البشر.

   لم يعد تغير المناخ مشكلة تنشأ بتدرج بطيء بل هي تتسارع محدثة تغييرات لا رجعة فيها تهدد سلامة الكوكب برمته. ان ما ينتج عن الصناعات التحويلية، معظمه يأتي من حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة من اجل صناعة مواد مثل الإسمنت والحديد والصلب والإلكترونيات والبلاستيك والملابس وغيرها. ان تصنيع البضائع من أكبر المساهمين في انبعاثات غازات الدفيئة في جميع أنحاء العالم بالإضافة الى توليد الطاقة وقطع الغابات… لأجل هذا يجب فهم أبعاد أزمة الأيكولوجية الشاملة واكتشاف أسبابها الحقيقية ومن يقف ورائها وكذا بسط البدائل البيئية والاجتماعية الممكنة. هذا العمل الذي يستوجب قدرا لا بأس به من التثقيف المتجه نحو الفعل الممكن و الضروري.

لا عدالة اجتماعية بدون عدالة بيئية

   يشكل حديثنا عن العدالة البيئية حديثا عن تفكيك وإعادة تخيل هذا النظام الذي بني على هذا الأساس من اللامساواة، نظام حيث يوجد فيه المحرومون- ات بسبب أصولهم/ هن الجغرافية أو حالتهم/ هن الاجتماعية، فقراء يصبحون أكثر فقرا لأنه ليس بوسعهم/ هن أن يعيشوا بمواردهم/ن التي يعتمد عليها العالم للاستمرار. ينالهم المرض بسبب التلوث البيئي المصاحب لاستخراج هذه الموارد.

بينما يقوم ناكرو الأزمة البيئية الشاملة (والذي تم تفنيذ مزاعمهم ودحضها مرارا وتكرارا)، بتضليل الناس، لا يملك العلماء والمجمعون على واقعية الخطر المحدق بالكوكب تواصلا مع الناس بالقدر الكافي نظرا لاختلال ميزان القوى لصالح الطبقات المسيطرة التي تعتبر كل فعل يسعى إلى تفادي الأزمة خطرا مباشرا على أرباحها، فيتم تضخيم آراء ناكري التغير المناخي والأزمة البيئية الشاملة عبر تكرار عرضها في ترسانتهم الإعلامية الكبرى.

   إن السبب الحقيقي للأزمة البيئية هو طبيعة نظام الانتاج السائد الذي ينتج التفاوتات الاجتماعية ويعمق واقع البطالة والعنف ضد الشعوب. هذا النظام الاستهلاكي الحالي الذي تضمنه الشركات متعددة الجنسيات هو السبب الرئيسي في الاحتباس الحراري والمجاعة ونقص الغذاء وإعدام الغابات والتنوع الاحيائي، والتصحر واستنفاذ الماء الصالح للشرب وتسليع جميع ميادين الحياة في الأرياف والمدن.

    ترتبط التفاوتات الاجتماعية ارتباطا وثيقا مع المشكلة البيئية. لهذا فإن العدالة الاجتماعية تتضمن بالضرورةبعدا بيئيا أيضا. كما أن مناهضة الرأسمالية والنضال من أجل بديل بيئي هما نضالين يجب توحيدهما ودمجهما بحكم ارتباطهما الوثيق. فكبح تغير المناخ المسبب الرئيسي للكوارث “الطبيعية” يستدعي بالضرورة تغيير النمط الحالي للإنتاج والتوزيع والاستهلاك.

   سنكون مخطئين إن توهمنا إمكان مكافحة تغير المناخ عن طريق إحداث تغيير في السلوكيات الفردية، خاصة عندما يعاني نصف سكان العالم من نقص مزمن في الاستهلاك. انه بمثابة  در للرماد في العيون يتم الترويج له عبر الدعايات الرسمية من طرف من يتحكمون في مراكز القرار.  فكيف يمكننا أن نقارن ما تستنزفه الزراعات الرأسمالية الكبرى الموجهة  (للتصدير) مع متوسط  الاستهلاك العادي للفرد الذي لا يتجاوز650 متر مكعب سنويا في المغرب حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ، هذا فضلا عن ما يتم استهلاكه من مياه في ملاعب الكولف و المسابح الكبرى لأصحاب النفوذ و المال.

   إن التغيرات البيئية التي يشهدها العالم المعاصر اليوم بفعل أنشطة اقتصادية و ترفيهية  تمارسها أقلية محتكرة لجميع ميادين النشاط الانساني هو ظلم بيئي ينضاف الى أشكال الاضطهاد والحيف الاجتماعي الأخرى التي تعيشها الأغلبية العظمى وهي المفقرون/ات طبعا.

السيادة الشعبية من أجل  عدالة بيئية و اجتماعية

     إن الطابع الانتاجوي المفرط المهيمن على الأنشطة الإنتاجية الهادف إلى مراكمة الأرباح هو المسؤول الرئيسي عن الأزمة البيئية و الاجتماعية ، يبقى البديل الوحيد لهذا النمط من الانتاج هو النضال والمقاومة من أجل تحقيق السيادة الشعبية للسكان على الموارد الطبيعية و على أنظمت انتاج الطاقة و الغذاء و ضد انتزاع الارض و الماء. السيادة الشعبية التي تضمن لهم التملك الفعلي للقرار السياسي وتحكمهم في مصيرهم واقتناعهم بأن مواجهة الأزمة البيئية و الاجتماعية هي مواجهة نظام رأسمالي ذو منطق نيوليبرالي المسؤول الأول والأخير عن احتدام الأزمة  البيئية  في الكوكب.

   لنناضل جميعا من اجل نموذج اقتصادي واجتماعي جديد، يضمن احترام الإنسان والطبيعة و قادر على ضمان الحاجيات الأساسية للساكنة.

”دعونا نغير الرأسمالية و ليس المناخ”.

ابراهيم الحاتمي

عضو أطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى