إفريقيا للأفارقة شعار قديم ومتجدد ضد الهيمنة الاستعمارية
بقلم أكرويض الحسن
ظلت القارة الإفريقية الغنية بالثروات الطبيعية والبشرية والثقافات المتعددة تعاني من الهيمنة الاستعمارية إلى الوقت الحاضر ، ورغم جهود الوطنيين الأفارقة وحركات النضال التي عملت على التخلص من الاستعمار وتبعاته المختلفة إلا أن كل ما حصلت عليه إفريقيا بفضل تضحيات جسام لأبنائها تم تطويقه بواسطة القوى الاستعمارية وتوجيهه ليصب في مصالحها، أي أن القارة الآن تعيش مرحلة الاستعمار الجديد بأبعاده المتعددة، وكأنما لا زال الاستعمار المباشر جاثماً عليها ،وكل ذلك تم ترتيبه منذ عهود الاستعمار الأولى لتظل إفريقيا كغيرها من بقاع العالم الثالث غير قادرة على الانفكاك من براثن القوى الإمبريالية بسبب السيطرة الاقتصادية والسياسية وإعاقة التمنية و الاستقرار والتناحر بين القوميات المختلفة والديون والآثار السلبية للعولمة النيوليبرالية.
ترتيب استقلال المستعمرات الإفريقية
إن استقلال الدول الإفريقية عن المستعمرين لم يكن إلا نتيجة للشعور الوطني الذي كان متنامياً بين الأفارقة ضد المستعمرين وضرورة الخروج من الذل والدونية التي كانت تكرسها الشوفينية الاستعمارية الأوروبية لتستمر وصايتهم المباشرة على إفريقيا وعلى خيراتها ، غير أن المستعمر عندما تنبه لذلك لم تغلبه الحيلة في تكييف ما نتج عن ذلك الشعور الإفريقي ليتجه نحو هدفه ، وهو بقاء حاجة الأفارقة إليه ووضع الكثير من ترتيبات الاستقلال التي تضمن له التأثير القوي المباشر وغير المباشر مستقبلاً، أي ما يعني بناء أعمدة التبعية التي يمكن اختصارها في علاقة السيد بالعبد حسب هيغل، فقد صمم المستعمر خريطة جديدة للحدود السياسية بين الدول في أشكال هندسية وخطوط تساير الخطوط الفلكية لضمان تدخلاته في النزاعات المفتعلة (1) ، فقد لعب على الوثر القومي وحتى الطائفي بين الدول وقومياتها وإثنياتها مثل الطوارق وجنوب السودان والصومال وساحل العاج وكان ضمن الترتيبات التي اتخذها تسليم الكثير من المسؤوليات الاقتصادية لأيادي غير إفريقية مثل الهنود في كل من يوغندا وكينيا وبعض الدول والأوربيين في كل من جنوب إفريقيا وبتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق وغيرها ، ثم عمد المستعمر إلى خلق حالات شذوذ قومية بإلصاق قوميات يمكن أن تكون ذات وحدة مستقلة لأسباب حضارية مع دول أخرى مثل أوغادين وتبعيتها لإثيوبيا ووضع إرتريا ثم كذلك عدم حسم مسألة الصحراء الغربية أثناء الاستعمار لتظل بؤرة صراع.(2)
الهيمنة السياسية والاقتصادية:
من أهم ما يجسد العلاقات الأوربية الإفريقية في العصر الحاضر الهيمنة الاقتصادية والوصاية السياسية بطرق متعددة منها المباشرة وغيرها ، فبالرغم من كون القارة غنية بمواردها الطبيعية بسبب تعدد دوائر العرض فيها وهي الدالة على التنوع المناخي وما يتبعه من تعدد في الموارد السطحية والباطنية،وما تتمتع به من خصائص الموقع الأوسط وإستراتيجيته، ثم تعدد الموارد البشرية التي فيها الكثير من السلالات المختلفة ذات الخلفيات الحضارية المتباينة ، فإفريقيا تحتفظ بنحو 3% من إجمالي احتياطي البترول في العالم، وبها %5من احتياطي الغاز، ونحو ثلث احتياطي اليورانيوم، ونحو ( 70 %) من الفسفور،و ( 55 %) من الذهب، و ( 87 %) من الكروم، و ( 57 %) من المنجنيز، و ( 42 %) من الكوبالت… ناهيك عن ثراء القارة في مواردها الطبيعية الأوفر، مثل: المياه، والزراعة فإفريقيا الآن يظهر فيها التبادل التجاري مع القارات الأخرى بقدر كبير يفوق%93 من جملة تجارتها في حين أن نسبة التجارة البينية في دولها من ذلك لاتفوق 6% ، أي لا تتعامل الدول الإفريقية مع بعضها بالصورة المطلوبة ،ويصنف دخل الفرد في إفريقيا بصفة غالبة ضمن الفئة المنخفضة عالمياً ، وتعتمد أغلب الدول على القروض الخارجية التي قد تؤدي إلى رهن الإرادة السياسية ،وقد ظلت أغلب الموارد الإفريقية معطلة وكامنة لا تستطيع كثير من الدول استغلالها لأسباب أغلبها خارجة عن إرادتها (3).
رغم كل هدا لا تزال القارة غير قادرة على استغلال تلك الموارد واستخدامها لرفاهية شعوبها بسبب فرض المستعمر العديد من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي جعلت القارة تابعاً له ومجرد مخزن للخامات والثروات والكنوز يأخذ منه حسب حاجته ويصنعه حيث شاء ثم يمنح ما يفيض عن حاجته لها فحسب تقرير البنك الأفريقي للتنمية فان القارة السمراء خسرت 1.3 تريليون دولار خلال 30 سنة جراء تهريب الأموال ، ومن أكثر الإجراءات قساوة في ذلك نزيف الديون ذات الشروط المذلة والفوائد التي تتضاعف كيفما يريد الدائن رغم كونه فقيراً في موارده الذاتية حيث تبلغ المديونية العمومية الخارجية للبلدان النامية ما يزيد عن 4076 مليار دولار) وتشير الدراسات التي قامت بها لحنة إلغاء ديون العالم الثالث ( ( CADTMأن الفقر والتهميش الدي تعانيه شعوب إفريقيا ناتج عن إثقالها بالمديونية ونهب ثرواتها من طرف اثريا وحكام تابعين لرأسمال العالمي .(4)
يتبع السيطرة الاقتصادية الهيمنة السياسية التي تبرز في حالات عديدة بمظاهر شاذة لا تشبه التاريخ الإفريقي ولا الأعراف الحضارية التي تليق بالقارة ،وهي في مضمونها لا تختلف عن العهود الاستعمارية المباشرة السابقة ، فقد حصرت أغلب الشعوب والدول الإفريقية عبر سياسات المنظمات الدولية في نطاقات سياسية ضيقة هي المصالح الوطنية للدولة بغض النظر عن محيطها الإقليمي أو القاري وهو ما يمثل حالة “فرق تسد” أي تكون الكتلة الإفريقية كلها مجزأة ومتبعثرة لا يهم كل جزء إلا شأنه المحلي ، ولحماية هذه الترتيبات الاستعمارية يتم استخدام ما يسمى بالشرعية الدولية وهي “شرعية الامبريالية الأوروبية والأمريكية” ، فلا إطار ولا نشاط ولا تحرك إلا وفق ما تسمح به تلك الشرعية المزيفة ، ومن خلال ذلك يمكن فهم حالة المستعمرات الفرنسية بشمال إفريقيا وإفريقيا الغربية.
إعاقة التنمية وتكريس التبعية
إن الحكومات الإفريقية تسير وفق قرارات الدوائر المالية العالمية وتساهم في التبعية عن طريق سياسات نيوليبرالية لا تسمن ولا تغني من جوع بل تزيد من حدة الفقر والمجاعة وسوء التغذية وانتشار الإمراض وإشعال الحروب مما يجعل إفريقيا بقرة حلوب لأغنياء العالم ،مما يفقدها لها سيادتها وعجزها على استغلال ثرواتها الطبيعية الهائلة ، فهي قارة فيها 54 دولة وما يفوق 500مليون نسمة وتقع في منتصف قارات العالم ، كما يقسمها خط الاستواء نصفين مما يجعلها متعددة المناخات والتضاريس والموارد ، وكذلك في الجوانب البشرية ،وكل تلك الموارد والإمكانات لا تجد الاستغلال الأمثل الذي يظهر الوضع الجغرافي الحقيقي للقارة ، وأهم العوامل التي تتسبب في ذلك هي عوامل عدم استقرار تتجسد في الحروب والأزمات وحالات المناطق العالقة التي لم يتيسر لها حتى الآن الانضمام إلى أي من الدول أو الاستقلال كدول لذاتها إضافة للفقر الذي يحد من إمكانية إيجاد الآليات التي تستغل عبرها الموارد ، ثم التنافس الدولي لقوى لا تراعي سوى مصالحها الخاصة .
فعندما تكون هناك تنمية حقيقية ذاتية يتحقق نمو وتقدم طبيعي للدولة في شتى الجوانب الحضارية الثقافية منها والتكنولوجية مما يؤدي إلى تطور طبيعي في المجتمع ويتمكن بذلك من استغلال الموارد البشرية والطبيعية التي تكمن في أرضه ويمكن الاستدلال بنموذج بوركينافسوالدي أجهضته الامبريالية الفرنسية عن طريق اغتيال زعيمها طوماس سانكارا في أواسط الثمانينات .
إن شعوب القارة السمراء تعيش في فقر مدقع وحروب متتالية وكوارث إنسانية ،نساء يموتون يوميا ،أطفال يموتون،أمراض فتاكة،انتشار الايدز والكوليرا…إن كل الشعارات التي يروج لها من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها وكل الأصوات الامبريالية التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تتغنى بشعار”نحو بناء إفريقيا جديدة”،كلها شعارات جوفاء مادمت ثروات إفريقيا بيد الشركات العملاقة الأمريكية والأوربية ،ومادامت المديونية تعيق التنمية الحقيقية،ومادامت سيادة الشعوب الإفريقية في أيادي أقلية،فلا يمكن الحديث عن تنمية ولا عن عدالة اجتماعية ولا عن السلم الاجتماعي.
استغلال العولمة:
الشعوب لها حضارات تعكس ذاتها وهي نتاج المجهود الفكري الثقافي المحلي إضافة لما يرد إلى الأمة لمعنية من الأمم الأخرى عبر الاتصال المجسد في العلاقات الخارجية ، فمن المستحيل انغلاق أمة على نفسها بمعنى بناء عولمة بديلة ، يعكس استغلال الأمم القوية أو العظمى الأمم والشعوب الضعيفة عبر المجهود الاتصالي الخارجي ، وإذا نظرنا إلى العلاقات الإفريقية الأوربية المعاصرة نجد أن إفريقيا ضمن ذلك العالم الثالث الذي تستغله أوربا عبر مكونات العولمة التي تتجسد في المجالات الإعلامية والسياسية والاقتصادية ، ففي المجالات السياسية يتم استخدام المؤسسات الدولية المكونة للأمم المتحدة وهي المنظمات المتخصصة في المجالات المختلفة ومجلس الأمن والوكالات الدولية ، ومن غرائب الأمور أن يكون في القارة الإفريقية اتحاد مستقل نظرياً لدولها وفيه مجلس أمنه الخاص به ثم يكون عملياً تابعاً وخاضعاً في كثير من أنشطته لمؤسسات هي خارج إفريقيا في غير ذلك الارتباط المؤسسي المنطقي مع الأمم المتحدة .وفي المجالات الإعلامية وهي أهم المجالات التي تبث من خلالها الثقافة لأوربية وما تريده أوربا على العالم يتم استخدام مختلف أجهزة الاتصال كالانترنت والفضائيات والدوريات ومختلف المقروءات، فرضت العولمة الثقافية على الشعوب الإفريقية مما أدى إلى هدم الثقافات الأصلية لشعوب وتهميش لغاتها بل بعضها تعرض للانقراض نتيجة فرض اللغات الأجنبية كالانجليزية والفرنسية.
أما في المجال الاقتصادي تتضح صورة التطلع الأوربي للسيطرة على موارد إفريقيا أكثر وذلك عبر أدوات العولمة الليبرالية المعروفة ، وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونظام القروض ثم الاتفاقيات الاقتصادية المختلفة والتي أهمها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة المعروفة باسم (الجات ) حيث تمخضت عنها المنظمة العالمية للتجارة( OMC)، وما ينتج عنها والاتفاقية يصب غالباً في مصلحة الرأسمال الأجنبي ، كما تعمل السياسات المفروضة من المؤسسات المالية الكبرى على جعل كل السياسات الاقتصادية والتجارية في كل الدول شأناً عالمياً وليس بالضرورة كونه داخلياً ووطنياً.(6)
تتعرض الدول التي لا تساير تلك السياسات لمقاطعات وعقوبات تضر بها كثيراً ، ومن أهم أوجه الاستغلال للعولمة من قبل الرأسمال العالمي خاصة الأوروبي الهيمنة المطلقة لشركات متعددة الجنسيات التي تقوم بدور الحاكم الفعلي في بعض البلدان الفقيرة الصغيرة ، وبصفة عامة يعتبر الاستعمار الغربي داخلاً في نطاق العولمة السلبية ، لأن مهمته كانت تقتصر على استغلال الموارد الطبيعية ، وتوفير المواد لخام لصناعاته ، والأيدي العاملة التكميلية ، وتأمين سوق مفتوحة لبضائعه ، بل أكثر من دلك التدخل العسكري المباشر فمجموعة من دول إفريقيا باسم مايسمى”الحلف الأطلسي” أو “قوات حفظ السلام” لحراسة مصالحه ، وكان منح الاستقلال للمحميات والمستعمرات بعد المواجهات الدامية وسيلة تخدم هدفاً مزدوجاً هو : إيجاد التواصل وإنشاء علاقة مستقرة ظاهرها الود والتفاهم تكريس التبعية وأساسها حراسة مصالح الرأسمال الأجنبي.كسياسة مخادعة هدفها تكريس تبعية طويلة الأمد.
إن منطق غزو أسواق إفريقيا والاستحواذ على خيراتها،واحتكار الشركات للاستثمارات وافتعال الحروب ،واستغلال يدها العاملة ،وتدمير البيئة الإفريقية ،وانتهاك حقوق المهاجرين ,.. كلها سياسات إجرامية تنفذها الرأسمالية باسم السلم والرسالة الحضارية،لدلك فشعار إفريقيا للأفارقة الدي رفعه زعماء أفارقة قدماء له رهنيته من خلال التضامن بين الشعوب المضطهدة بقارتنا .
_____________________
KI-ZERBO JOSEPH ,histoire de l’Afrique noire. Hatier ,1972 (1)
Damien Millet. L’Afrique sans dette. CADTM. Juin 2005 (2)
(3) أبو عيانة ، فتحي محمد ، جغرافية إفريقيا ، بيروت : دار النهضة العربية ، 1983
(4) للإشارة فاغلب ديون إفريقيا هي ديون الديكتاتوريات فمثلا في المغرب بلغت ديون الديكتاتور الحسن الثاني مابين (1961-1999 ) 19 مليار دولار،وديون الديكتاتور موبوتو (1997-1965) بجمهورية الكونغو الديمقراطية 10 مليار دولار،فهذا النوع من الديون هي ديون كريهة من حق الشعوب أن تطالب بإسقاطها
(5) DAMIEN MILLET, DANIEL MUNEVAR et ERIC TOUSSAINT, les chiffres de la dette 2012.(CADTM
(6) إيريك توسان،المال ضد الشعوب البورصة أو الحياة .ترجمة عماد شيحة ورندة بعث.دار الرأي لنشر والتوزيع.2006 دمشق