إصداراتالمكتبةبيانات وتقاريركتب وكراريس

تقرير اطاك المغرب: وضع العدالة المناخية بالمغرب

يقدم موقع أطاك المغرب لكل المناضلات والمناضلين والاطارات والمهتمين بقضايا المناخ والنضال من اجل عدالة بيئية النسخة الكاملة لتقرير جمعية اطاك حول وضع العدالة المناخية بالمغرب. اطلبوا نسختكم الورقية لدى  مناضلي ومناضلات جمعية أطاك المغرب.

 تقرير اطاك المغرب: وضع العدالة المناخية بالمغرب

فهرس:

 

  • مقدمة
  • أية حصيلة لل COP ( مؤتمر الأطراف) بعد 20 سنة؟
  • الوضع البيئي بالمغرب: يزداد سوءا
  • قراءة نقدية في الموقف الرسمي
  • الفلاحة والصيد البحري: افتراس للموارد بكل ما في الكلمة من معنى
  • مشاريع التنمية الخضراء: فرص اغتناء جديدة للحاكمين بدعوى حماية البيئة
  • ثلاثة نماذج على غياب العدالة المناخية في المغرب
  • المحطة الحرارية في آسفي كارثة بيئية طور الإنجاز
  • عن أية بدائل ندافع في ظل الازمة البيئية الراهنة ؟
  • خاتمة

تقديــــــــــــــــــم

 

تقدم أطاك المغرب عضو الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث، أول تقرير لها حول : “حالة العدالة المناخية بالمغرب” ، في سياق أزمة بيئية معولمة، وتزامنا مع انعقاد ” قمة الأطراف الموقعة على الاتفاق – الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية “. إن اطاك المغرب، التي تعتبر بأن قضية التغيرات المناخية ليست شأنا خاصا بالخبراء وليست قضية مفاوضات بين حكومات، تريد أن تضع النقاش حيثما ينبغي أن يكون: نقاش بين المواطنين. إن هدفنا هو: توضيح مسؤولية الهجوم الليبرالي في تدهور واقعنا الاجتماعي والبيئي.

إن المغرب هو بلد اللامساواة على المستوى الاجتماعي والهشاشة على المستوى البيئي. ونعتبر أن فتح النقاش حول العدالة المناخية مسألة ضرورية بما لا يقاس ، باعتبار أن عواقب التغير المناخي تفاقم التفاوتات في توزيع الثروات. خاصة واننا نعرف مسبقا بأن الحلول التي تم نقاشها خلال القمة السابقة COP21 لم تزد اللاعدالة المناخية الا استفحالا.

إن مكافحة تغير المناخ هو كفاح ضد اللامساواة بالدرجة الاولى. فنحن نعلم أن الأكثر فقرا سيكونون أول ضحايا نتائجه. ليس فقط لأنهم الاكثر هشاشة في مواجهة مخاطره ، بل أيضا لأنهم أول من يوجد في مرمى النهب المنظم للموارد. فشعوب الجنوب الغني بالثروات والموارد ولكن التي تعيش الفقر ، لا يمكن أن تقبل بهذا الظلم. لقد حان الوقت اليوم، لنصرخ ضد اللاعدالة المناخية، ولنطالب  بعالم حيث يتم توزيع الثروات والمسؤوليات بشكل عادل.

بعد ان يضع رصدا  لتغير المناخ في المغرب، سيتناول هذا التقرير بشكل نقدي 20 عاما من المفاوضات التي أجريت في إطار مؤتمر الأطراف. وسيفرد حيزا خاصا لدراسة التزامات المغرب في المجال البيئي، حيث سنضع هذه الالتزامات في ميزان الواقع الاجتماعي الفعلي للبلد، ولا سيما من خلال تحليل الأضرار الناجمة عن النموذج الانتاجوي المتبع في الزراعة والصيد والسياحة. وسنركز بشكل خاص على مثال دال وذي راهنية: المحطة الحرارية التي تنجز بأسفي والتي ستشتغل بالفحم، وهي نموذج لما ينتظرنا بالمغرب من عواقب التدهور الايكولوجي. دراسة الحالات هذه  ستوظف في سياق تقديم  نقد شامل ل”الرأسمالية الخضراء” الذي يتبعها المغرب،  متوخين بذلك فتح الطريق نحو تقديم بدائل ممكنة لمواجهة التغير المناخي.

لقد استرشدنا في إعداد هذا التقرير برغبتنا في نقل أصوات ضحايا ظلم المناخ الذين يدفعهم المنطق الانتاجوي السائد نحو الصمت.

أية حصيلة لل COPمؤتمر الأطراف) بعد 20 سنة؟


مؤتمرات  الأطراف (COP= Conference Of Parties) هي اجتماعات سنوية  تعقد تحت رعاية الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCCC) التي اعتمدها مؤتمر قمة الأرض  في ريو دي جانيرو عام 1992 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1994. ليست هذه الاتفاقية خطة عمل مفصلة لمواجهة  التغيرات المناخية، بقدر ما هي إطار من المبادئ العامة والمؤسسات، ومسلسل  يسمح باحتراس دولي منظم   لمواجهة تغير المناخ . وعليه يشكل اجتماع الأطراف العنصر الأكثر أهمية.

 

تبنى مؤتمر كيوطو سنة 1997 أول بروتوكول يحدد هدفا دقيقا: التقليص على الأقل- بين سنوات 2008 و 2012 بالنظر إلى سنة 1990،بنسبة 5 %- من نسبة انبعاث 6 غازات دفيئة: غاز ثاني أوكسيد الكربون، غاز الميثان، أوكسيد النيتروز وثلاثة بدائل لمركبات كلوريد الفليور الكربوني.

ولقد تم وضع آلية لتحقيق ذلك، إنها سوق الكربون، وهي في الواقع سوق تسمح لكبار الملوثين بشراء “حقوق التلويث” من البلدان الأقل تلويثا للبيئة. مرة أخرى، لقد أثبت المنطق النيوليبرالي الذي يترك للسوق مهمة تنظيم العالم، وهنا على وجه الخصوص مهمة تدبير المناخ، لقد أثبت هذا المنطق –بما لا يدع مجالا للشك-عدم نجاعته. أمام هذا الفشل، التزم مؤتمر كوبنهاغن في عام 2009 التزاما جديدا: ألا يتجاوز ارتفاع درجة الحرارة درجتين (2º) بحلول عام 2100 مقارنة مع متوسط درجات الحرارة ما قبل العصر الصناعي أي1850 . ولكن هذا الهدف لم يرافقه أيا من الأهداف الكمية المتعلقة بالتخفيض من انبعاثات الغازات الدفيئة، ولا يوجد أي اتفاق حول هذا الموضوع. بيد أنه يتعين التخفيض من تلك الانبعاثات بنسبة 40 إلى 50 % للوصول إلى الهدف المعلن.

عوضا عن ذلك، تم اقتراح أن تعلن مختلف البلدان من تلقاء ذاتها، عن مساهمتها في مثل هذا التخفيض. على أن يتم ذلك بشكل طوعي وليس بشكل إلزامي.

و النتيجة: أعلنت منظمة الأرصاد الجوية العالمية في التاسع من شتنبر من سنة 2014، أن التركيزات العالمية للغازات الدفيئة قد بلغت أرقاما قياسية جديدة سنة 2013: كان متوسط درجة تركز ثاني أوكسيد الكربون ِ CO2 ، 396.0 جزء في المليون أي بزيادة 2،9 جزء في المليون(( ppm= parties par million عن سنة 2012 .

أمام هذا الفشل، يبدو جليا أنه لتحقيق تقدم في التحكم والسيطرة على التغيرات المناخية، لا يكفي أن نترك الأمر للسوق قصد تنظيمها، لا ثم لا  للوعود غير الملزمة التي تصدر عن مختلف البلدان.

أية مقترحات، و أية بدائل؟

يقتضي المنطق السليم اعتماد 3 مبادئ على الأقل:

– أهداف مرقمة وملزمة، قابلة للتكييف حسب الحالة الراهنة للانبعاثات ومستوى التنمية الاقتصادية و الاجتماعية والبشرية التي حققتها لهذا البلد أو ذاك؛ من الواضح أن يكون أكبر الملوثين الحاليين هم أولئك الذين يجب عليهم التخفيض أكثر من انبعاثات غازاتهم المسببة للاحتباس الحراري.

-آلية مستقلة و موثوقة للمراقبة.

-آلية لمعاقبة البلدان التي لا تلبي تلك الأهداف.

لكن في ما وراء هذه التدابير التي ينبغي اتخاذها من قبل مؤتمر الأطراف، إن كان هذا الأخير لا يريد أن يكون محط سخرية  وإذا لم يرد الاستمرار في تبذير أموال دافعي الضرائب على اجتماعات غير مجدية، من المفترض أن يتم تفضيل مصلحة مستقبل كوكبنا علي جني الأرباح وتعديل عميق لأنماط الإنتاج والاستهلاك. إعادة توطين الإنتاج بقرب المستهلكين، والتخلي عن تجارة الصناعات الزراعية، تفضيل أنظمة النقل العام والجماعي، إعادة النظر في أنماط السكن … فالبدائل موجودة وهي عديدة.

غير أننا، نعلم جيدا أن الشركات المتعددة الجنسيات وكذا الحكومات لن تتخليا بسهولة عن الأرباح التي تحققها من استخراج احتياطيات الفحم والغاز والنفط أو من الزراعة الصناعية المعولمة الجشعة أو في مجال الطاقة الأحفورية.

لهذا السبب ، تبدو لنا المبادرتان اللتان اتخذتهما  التنظيمات الاجتماعية  بمناسبة  مؤتمر الأطراف  الواحد والعشرين (ِ COP 21 (   جديرتين بالاهتمام الشديد على الخصوص:

– صياغة أهداف ملموسة بصدد مصادر الطاقة الأحفورية (النفط، الغاز، الفحم)، المسؤولة الرئيسية عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري: وقف دعم صناعة النفط وترك 80٪ من الوقود الأحفوري في الأرض. و قد تم رفع هذا المطلب على الخصوص من طرف حملة أوقفوا الجرائم المناخية! climatiques stop !)  Crimes) وبصفة خاصة من طرف أطاك فرنسا ومن طرف 350 منظمة ومثقفين أمثال : نعومي كلاين، ديزموند توتو، وفاندانا شيفا، مايك ديفس، نعوم تشومسكي، سوزان جورج و بابلو صولون…إلخ

– إدراج ملحق جديد تحت عنوان الملحق 0، وهو ملحق مدرج بالاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ.

الوضع البيئي بالمغرب : يزداد سوءا

 

تشكل الأزمة الإيكولوجية أحد أهم مظاهر أزمة الحضارة التي يعيشها النظام الرأسمالي اليوم. هذه الأزمة التي يجزم اليوم معظم المتخصصين و علماء البيئة في العالم على ارتباطها بالأنشطة الإنسانية و نمط الإنتاج، التوزيع و الاستهلاك الرأسمالي المفروض اليوم على مواطني العالم، من خلال تحكم الشركات المتعددة الجنسيات المتنامي بكل مناحي الحياة (الماء، الهواء، النبات، الإعلام، الصحة، التعليم،…). كما يجزم هؤلاء المختصين على خطورة الوضع في غياب تحرك مستعجل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعدم تجاوز ارتفاع نسبة حرارة الكوكب ل 2 درجات مئوية والتي ستدخلنا لمرحلة أسوء، مرحلة اللاعودة حيث يصعب اليوم التكهن بمداها..

كل هذه التحذيرات لم تكن كافية لتدفع كبار العالم المجتمعين من أجل الخروج ببرتوكول جديد يعوض برتوكول كيوتو بعد سنة 2012 و أكتفوا- في استهتار كبير بمسئولياتهم أمام شعوبهم و أمام الأجيال القادمة- بالخروج بنداءات يتيمة لا تتضمن أي التزامات مرقمة و واضحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ببلدانهم.

هذا لم يمنع بطبيعة الحال الليبراليين من مواصلة مضارباتهم في أسواق المناخ الجديدة التي ابتدعها برتكول كيوتو كحل سحري لانقاد الكوكب، من خلال سوق الكاربون و آليات التنمية النظيفة بالإضافة إلى المخلوق الجديد “آلية تفادي إزالة الغابات” الذي كان من المفترض الاتفاق حوله في كوبنهاكن، و النتيجة أن عدد الشركات المتعددة الجنسيات قامت بالاستحواذ على آلاف الهكتارات من الغابات من أجل المضاربة بها في السوق الجديدة دون الاكتراث بمصير السكان الأصليين الذين يقطنون هذه الغابات.

في المغرب و على غرار معلميهم العالميين و بشراكة معهم أحيانا، يحاول المتحكمون بزمام الأمور البحت عن فرص جديدة للاغتناء و مراكمة أرباح جديدة، هذه المرة بدعوى حماية البيئة و تحقيق تنمية مستدامة.

في تأثيرات التغيرات المناخية و الوضع البيئي بالمغرب

 

يقع المغرب في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط  والتي تعد من أكثر المناطق تضررا من تبعات التغيرات المناخية التي يشهدها العالم (أنظر مثلا تقرير مجموعة الخبراء العالميين IPCC  حول المناخ ل 2007). سبب هذه التغيرات النوعية على مستوى النظم المناخية لكوكبنا هي الغازات الدفيئة GHG  التي تنبعث من المصانع و وسائل النقل خاصة في الدول المتقدمة، والاستعمال المتزايد للوقود الأحفوري (الفحم، الغاز الطبيعي، البترول). كما أن سكان هذه المنطقة يعدون الأقل استعدادا للتكيف مع تبعات هذه التغيرات والتي شهد المغرب في السنوات الأخيرة عددا كبيرا من تمظهراتها، من خلال تراجع كبير في التساقطات المطرية حوالي الثلث منذ سنوات الستينيات و تواتر سنوات الجفاف إضافة إلى تسجيل عدد من الكوارث الطبيعية أو ما يصطلح عليه بالظواهر المتطرفة أو الحادة خاصة الفيضانات. وتبقى الفلاحة والموارد المائية هي الأكثر تأثرا من هذه التغيرات المناخية ببلادنا.

للأسف وفي غياب تغير جذري لنمط الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الرأسمالي السائد في عالمنا اليوم ،تؤكد معظم التقارير على تدهور خطير مرتقب لحالة كوكب الأرض في السنوات المائة المقبلة.

كما أن الارتفاع المرتقب في مستوى البحر يهدد بشكل كبير السواحل المغربية خاصة و أنها تمتد على طول 3500 كلم  كما أنها تضم العديد من المنشئات الاقتصادية و البنيات التحتية الهامة كالموانئ و شبكات الصرف الصحي و محطات ضخ مياه الشرب ومنتجعات سياحية ضخمة، إضافة إلى نظم إيكولوجية ذات قيمة بيئية عالية.

بالإضافة إلى ذلك عرف الوضع البيئي بالمغرب تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة نظرا لغياب أي حماية فعلية للمجالات الحيوية خاصة تلك التي تعرف تمركزا للأنشطة الاقتصادية كالسواحل الأطلسية التي تضم أكثر من 80 في المائة من الأنشطة الصناعية و 53 في المائة من المنشئات السياحية.

 

و من أهم مظاهر تدهور الوضع البيئي بالمغرب الناتج عن أنشطة محلية نجد:

 

– تلوث المياه السطحية والجوفية والبحرية حيث نجد أن أكثر من 90  في المائة من المياه المستعملة يتم رميها بدون معالجة منها 370  مليون م3  للمياه المستعملة الحضرية ( 48% منها تلقى في الأحواض المائية أو في الأرض والباقي يلقى في البحر) و 964 مليون م3  من المياه المستعملة الصناعية (2% منها تلقى في الأحواض المائية أو في الأرض والباقي يلقى في البحر)

بالإضافة إلى ضعف البنيات التحتية في مجال التطهير السائل و الصلب بحيث يضم المغرب 300 من المطارح العشوائية للنفايات و فقط 2 في المائة من النفايات المنزلية التي يتم تدويرها أو وضعها بمطارح مراقبة، دون الحديث عن النفايات الصناعية التي تبلغ 930 ألف طن في السنة ، 42 في المائة منها متركزة في جهة الدار البيضاء الكبرى. تساهم هذه المطارح العشوائية بشكل كبير في تلويث الفرشات المائية، بالإضافة للاستغلال المفرط للمياه و الاستعمال المكثف للأسمدة.

 

– تدهور الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي: حيث تقدر الدراسة الوطنية التي أجرتها كتابة الدولة المكلفة بالماء و البيئة حول الموضوع ،وجود حوالي 1670 نوع نباتي و 610 نوع حيواني من بينها 85 نوع من الاسماك و 98 نوع من الطيور. كما أن التقنيات المستعملة في استغلال المناجم و المقالع بمختلف أنواعها، تنتج أضرارا كبيرة بالمجالات الحيوية المجاورة (الماء، النبات، الهواء، التربة و الرمال، …)  خاصة في غياب تام لأية مراقبة.

– تلوث الهواء : تبقى مساهمة المغرب في انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة عن التغيرات المناخية ضعيفة بالمقارنة مع دول أخرى ، حيث لم تتعدى 78 مليون طن مكافئ لثاني أكسيد الكربون سنة 2005 . لكن في حالة مواصلة نفس السياسات الحالية خاصة في الميدان الطاقي، من المنتظر أن ترتفع إلى 196.4 مليون طن في أفق سنة 2030. و تبقى المدن الصناعية الكبرى هي الأكثر تضررا من تلوث الهواء الناتج عن الانبعاثات الغازية للمصانع و وسائل النقل.

و تقدر الحكومة التكلفة المالية للتدهور البيئي بالمغرب بحوالي 13 مليار درهم سنويا، أي ما يناهز 3.7 % من الناتج الداخلي الخام.

 

قراءة نقدية في الموقف الرسمي

إن نسبة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري (الغازات الدفيئة) التي يسببها المغرب ضعيفة.  وينبغي ألا تخفي التزاماته بشأن خفض الإنبعاثات، الإشكاليات الحقيقية للخروج من الأزمة المناخية ودفاعا عن البيئة وموارد البلاد.

التزامات مضللة

تطرح وثيقة «المساهمة المقررة على الصعيد الوطني للمغرب           (INDC MAROC)»  لمكافحة تغير المناخ عدة تدابير للتكيف أو التخفيف من تغير المناخ. لكن هذه الوعود تبقى أسيرة المنطق الإنتاجوي والاستهلاكي للموارد النادرة.

لا يمكن الجواب على أزمة المناخ من خلال تدابير محدودة. إن الكفاح من أجل العدالة البيئية يتطلب ردا على هيمنة الاقتصاد على مجمل الحياة الاجتماعية والسياسية، هيمنة يدفعها المنطق النيوليبرالي الى مستوياتها القصوى.

يندرج الاستغلال المفرط للمياه السطحية، والإفراط في الري، وتحلية مياه البحر، والتحويل المصطنع للمياه الجوفية الى مناطق أخرى من أجل الفلاحة التجارية agrobusiness، أو بناء 38 سدا جديدا (يندرج) في إطار هذا المنطق الانتاجوي.  ففي إطار سياق ايكولوجي هش كالذي يعرفه المغرب، يتطلب الانتقال البيئي اتخاذ تدابير جذرية قادرة على تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك. وهي جوانب لم تتناولها لا وثيقة INDC Maroc ولا مختلف الوثائق الرسمية.

لا تهدف التزامات خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلا إلى تغيير مسارها، دون رغبة حقيقية في خفضها في الواقع، ودون وضع خفض حقيقي كهدف نهائي.

نفس الملاحظة بالنسبة لمكافحة تدمير الغابات،  فالوثيقة الرسمية تكتفي بالإشارة الى  تدابير إعادة التشجير، دون اية إشارة لالتزامات واضحة إزاء تدمير  الغابات وتدهورها (أمثلة: غابات الأَرز في الأطلس المتوسط ​​والمعمورة).

في الالتزامات المغربية، أعلنت الحكومة بفخر عن مشاريع لتحويل ما يقرب من مليون هكتار من الحبوب إلى مزارع للفواكه. هذا الإجراء هو مع ذلك منتج لانبعاث الغازات الدفيئة. فتخصيص أراض أقل للحبوب يعني المزيد من واردات القمح وما يتطلبه ذلك من نقل.

في المقابل، تقترح هذه الوثيقة خفض الدعم عند الاستهلاك للنفط. وبهذا فان الحكومة تعاقب المستهلكين دون أن توفر وسائل نقل عمومية ذات جودة. إن تحقيق التوازنات الماكروإقتصادية عبر تفكيك صندوق المقاصة هو إجراء لاشعبي  ليس له منظور بيئي.

مغرب من دون غاز صخري

قدم المغرب العديد من تصاريح التنقيب عن النفط والغاز في منطقة الغرب والصحراء لعدة شركات متعددة الجنسيات. هذا النشاط المكثف يتناقض مع السياسة الطاقية المغربية التي تهدف إلى الحد من حصة الوقود الأحفوري. نحن ندافع عن مغرب من دون غاز صخري ونعارض كافة أنشطة التنقيب عن هذه الطاقة ذات العواقب الكارثية على المياه الجوفية والنظام البيئي ككل. نحن نعارض أيضا التنقيب البحري في الصحراء لما يشكله ذلك من  عظيم الخطر على الحياة البحرية والتنوع البيولوجي على ساحل المنطقة.

مغرب من دون نووي

كما الغاز الصخري، يظل المغرب غير واضح حول الخيار النووي. ففي حين تستمر الحكومة الفرنسية في الضغط لبيع محطة للطاقة النووية للمغرب، فإن موقف الحكومة المغربية في هذا الشأن يظل غامضا. ففي يوليوز 2010، وقع المغرب وفرنسا اتفاقا لتزويد المغرب بأول محطة للطاقة النووية في أفق 2022-2024. المفاعل المغربي المنتظر سيشيد ما بين آسفي والصويرة، بالقرب من المحيط الأطلسي. وبموجب شروط الاتفاق، ستقوم فرنسا بمرافقة المغرب في مجالات التكنولوجيا والتدريب والسلامة. وسيتم الحصول على اليورانيوم من الفوسفاط. وتهدف الحكومة من خلال هذا الخيار النووي إنتاج 8٪ من احتياجاتها الطاقية من الطاقة النووية بحلول عام 2025. وإذا كان هذا المشروع يعرف الكثير من التأخير، فعلينا أن نظل يقظين لمعارضة هذا المشروع. وعلاوة على ذلك، تستمر الحكومة في تطوير الآليات القانونية لتنظيم الاستخدام السلمي للطاقة النووية. على المنظمات غير الحكومية والحركات الاجتماعية معارضة هذا المشروع الذي يهدد حياتنا ويعمق تبعيتنا للتكتل الصناعي والطاقي الفرنسي.

تمويل المناخ؟

على عكس ما تروجه الحكومة، فإن المغرب غير ملتزم بخفض  32٪ من انبعاثاته في أفق 2030. إن هذا الرقم مبتور، فالالتزام الحقيقي للمغرب هو خفض قدره  14٪. فالحكومة تشترط “دعما دوليا” للوصول لسيناريو 32٪. وتقدر الحكومة هذا الدعم بـ 45 مليون دولار بين عامي 2013 و 2015. ورغم اعترافنا بمسؤولية دول الشمال في دعم بلدان الجنوب في جهودها الرامية إلى مكافحة تغير المناخ، فإننا ندين تقزيم قضايا المناخ الى مجرد مسألة تمويل. فالمفاوضات بشأن تغير المناخ تحولت الى صفقات مالية حول بقاء الكوكب. حصيلة هذه “المساعدات” التي تلقاها المغرب في الفترة 2000-2014 هي في 94٪  من حجمها عبارة عن ديون و فقط 6٪ منها فقط في شكل منح. إن المغرب هو الخاسر الأكبر في هذا السباق للحصول على تمويل لسببين؛ فماليا سيجري إثقاله بديون جديدة، واقتصاديا سيتم استخدام هذه الأموال فقط للحصول على التقنيات التي طورتها هذه الجهات المانحة (النقل، وإدارة النفايات، والبنية التحتية، والطاقة، الخ).

الفلاحة والصيد البحري: افتراس للموارد بكل ما في الكلمة من معنى

 

تمثل الزراعة 18 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي و 40٪ من فرص العمل في المناطق الحضرية و 80 ٪ في المناطق الريفية. تم توجيه هذا القطاع الاستراتيجي في اقتصاد البلد منذ الاستقلال نحو الزراعة التصديرية والمكثفة تحت إشراف ودعم مالي من البنك الدولي. سياسة الاستحواذ المتبعة أيام الاستعمار الفرنسي والإسباني مددت بعد “الاستقلال”. وتستمر منذ 60 عاما. تم الاستيلاء على اجود الأراضي الزراعية وتمت مصادرة اراضي صغار المزارعين من خلال الديون الزراعية ، الشيء الذي ساهم في افقار صغار الفلاحين وحكم على الفلاحة الصغيرة بالفناء، وتمت بلترة الفلاحين الصغار وتقديمهم لقمة سائغة لرأس المال الزراعي الكبير. مر عدد المزارعين الفقراء (الذين يمتلكون أقل من هكتار واحد) من نحو 900.000 في عام 1974 إلى حوالي 400.000 في عام 1996 ، مما يعني أن نصف مليون أسرة زراعية فقيرة اختفت خلال 22 عاما[1].وعلى المستوى البيئي، غدت هذه الزراعة الكبيرة مصدرا رئيسيا للتلوث. اما اجتماعيا، فقد كسرت هذه الخيارات أشكال التضامن السائدة وحطمت الموروث الثقافي للأجداد في العالم القروي.

 

مخطط المغرب الأخضر :تصدير للمياه وتلويث للتراب

 

تعترف الحكومة بما يلي: “على الرغم من كون المغرب يوجد تحت العتبات البيئية للكوكب (  hag 1.74) ، فإن البصمة البيئية في المغرب تتجاوز طاقتها البيولوجية؛ تخضع البيئة بالتالي لاستغلال وتلوث يتجاوزان قدرتها على إعادة انتاج نفسها. يمكن أن يهدد هذا العجز، في نهاية المطاف، توافر الموارد الطبيعية التي تحتاجها القطاعات الرئيسية مثل الزراعة “. وعلى الرغم من هذا الاستنتاج المثير للقلق على الأقل، إلا أن الحكومة تقوم بفعل العكس من خلال الارتماء في استراتيجية زراعية مربحة، على المدى القصير، لرؤوس الأموال الأجنبية والمحلية في هذا القطاع.

عزز مخطط المغرب الأخضر، الذي تم إطلاقه سنة 2008، هذه الخيارات الانتاجوية ذات العواقب الوخيمة على الموارد الطبيعية، وخاصة التربة والمياه. وهذا يتناقض مع التزامات المغرب التي عبر عنها مرارا وتكرارا من خلال وزارة البيئة وفي وثيقتها الرسمية عن حالة البيئة. في هذا التقرير نقرأ: “تشكل الزراعة، إلى حد بعيد، القطاع الذي يمارس أكبر ضغط على الموارد المائية ويشارك في الاستغلال المفرط للموارد،  مع ممارسته ضغوطا شديدة على نوعية التربة.” وعلى الرغم من ذلك، فإن مختلف الحكومات تشجع الزراعة المكثفة التي تقوم أساسا على الطاقة النفطية والمسؤولة عن 25 ٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون – و أيضا 60 ٪ من انبعاثات غاز الميثان و 80 ٪ من ثاني أكسيد النيتروجين، وهم الغازات الدفيئة الرئيسية الثلاثة[2].

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن نظام إنتاج البواكر الموجهة للتصدير، وخصوصا الطماطم ، ذو طابع كثيف وإنتاجوي و أحادي المحصول على العموم ، ويرتكز على الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة الكيماوية، والبذور “المختارة” في مختبرات الشركات متعددة الجنسيات ، والتي يتطلب العمل بها استهلاكا هائلا للمياه[3].

يمثل القطاع الزراعي المستخدم الرئيسي للمياه في المغرب، فهو يستهلك حوالي 90٪ من إجمالي حجم الموارد المائية المعبأة. يفاقم نمط الزراعة الصناعية المكثفة المتبع الاستغلال المفرط للمياه الجوفية . وفي أفق سنة 2025 ، سيكون المغرب مرشحا لنقص مزمن، في الوقت الذي لا يتجاوز الاستهلاك اليومي للفرد الواحد الان 70  لترا مقابل متوسط ​​عالمي يبلغ 140 لترا ( 250 لترا إلى 600 لترا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية )[4] . إن حماية مواردنا المائية لا تتفق مع منطق تشجيع الاستثمارات في الصناعات الزراعية التي تتطلب تصاريح حفر الآبار في المناطق التي استنفدت فيها بالفعل فرشات المياه الجوفية. يمثل سقي العديد من ملاعب الكولف الموجودة في المغرب (200.000 متر مكعب من المياه سنويا في المتوسط ​​لكل ملعب للكولف ) هو شكل آخر من أشكال إهدار هذا المورد الحيوي[5].  تسهم زيادة النشاط الزراعي على حساب المراعي الجماعية والغابات في تفاقم المشاكل من تآكل وتدهور الأراضي، وخاصة في المناطق الجبلية. “إن تهيئة الأراضي يمكن أيضا أن تسبب فقدان التنوع البيولوجي والخدمات البيئية”، كما يقول التقرير الرسمي. 93 ٪ من مساحة البلد توجد في المناطق المناخية شبه القاحلة والقاحلة أو الصحراوية . يضم المغرب 9 ملايين هكتار من النظم الإيكولوجية الغابوية وalfatiers لكن مناطق الغابات الطبيعية تحتل 5.7 مليون هكتار فقط، أي بمعدل تشجير8٪ ، وهي نسبة تمثل أقل من نصف المعدل الأمثل ( 15-20 ٪) للتوازن الايكولوجي والبيئي للبلد[6]. لا يزال الضغط الديموغرافي على الأرض، لا سيما على الأراضي الزراعية  والمراعي والغابات قويا جدا. في 50 عاما، انخفضت المساحة الزراعية لكل 000 1 نسمة من  770 هكتار إلى 295 هكتار، وبحلول عام 2025، من المتوقع أن تنخفض ​​إلى 220. وتشير التقديرات إلى أنه في الوقت الراهن معدل امتلاك الفلاحين للأرض بالمغرب هو 2.3 هكتار، بينما المتوسط ​​في بلدان البحر الأبيض المتوسط هو ​​3 هكتار ، بما في ذلك تونس ( 5.2 هكتار) ، إسبانيا (14.1 هكتار) ، فرنسا ( 22.8 هكتار) [7].

يساهم كل من الافتراس الذي يمارسه قطاع الأخشاب، والرعي الجائر، وإزالة الغابات والمراعي والمناطق الرطبة، سواء للاستخدام الزراعي أو لأغراض أخرى، في تعميق الحث والتعرية.

يزداد بشكل خطير التصحر، وتآكل التربة و ازدياد ملوحتها هي والمياه الجوفية. ف 5،5  مليون هكتار – أي 60 ٪ من SAU –  تخضع لخطر التعرية، وقد وصلت 2 مليون منها  بالفعل إلى “مرحلة متقدمة ” . يفقد المغرب سنويا حوالي 22.000 هكتار من الأراضي الأكثر ملاءمة للزراعة، بسبب زحف المدن، والاستغلال المفرط للتربة واستخدام طرق حرث غير ملائمة. بينما الغابات والمناطق الرعوية مهددة بشكل خطير. يفقد البلد أكثر من 31.000هكتار من الغابات سنويا ، ويتم اعتبار 93 ٪ من المراعي ” شديدة أو معتدلة التدهور”[8]

يتم دائما استبعاد الزراعة الصغيرة، بأنظمتها الإنتاجية التقليدية والمعاشية المرتكزة على الحبوب، من الموارد المائية التي يستفيد منها كبار المزارعين في الأراضي السقوية. هذا النوع من الزراعة معرض للتغيرات في حجم التساقطات، وهو الميل الذي يتعمق بفعل التغير المناخي.

إجمالا، فإن الكلفة السنوية للتدهور البيئي، مع التصحر وانجراف التربة والتملح، وفقدان الإنتاج الزراعي، وحرائق الغابات، وفقدان الأراضي الزراعية في المناطق شبه الحضرية، كلفة كبيرة. ووفقا لأحدث تقديرات البنك الدولي، فإن التكلفة وصلت سنة 2000 إلى ما يعادل 4.59 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الواقع، تعتبر هذه التكلفة أقل بكثير من الحقيقة لأنها لا تشمل القيمة الايكولوجية والبيوتراثية للتربة والغابات، والتأثيرات على التنوع البيولوجي، وانخفاض قيمة العقارات ، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية ، الخ[9]

يمثل الاستخدام العشوائي للأسمدة والمبيدات ممارسة تعترف الدولة بشيوعها وهي ممارسة مثيرة للقلق. يؤدي استخدام هذه المنتجات إلى تلوث المياه الجوفية، وهو ما قد يجعل مياه بعض الفرشات المائية غير صالحة للشرب. “إن أعلى المناطق عرضة للخطر هي السهول المختارة  للزراعة المكثفة”، يعترف نفس التقرير الرسمي. إن الأرقام الواردة في هذا التقرير واضحة: وبالإضافة إلى ذلك، أدى تطور الزراعة المكثفة لزيادة استخدام الأسمدة (90٪ من المحاصيل السقوية)، 70٪ منها يتم استعمالها في خمسة مناطق فقط هي: مكناس تافيلالت (16 ٪)، وسوس ماسة درعة (18٪)، ودكالة عبدة (16٪)، والغرب الشراردة بني حسن ( (10٪والشاوية ورديغة (11٪). تتركب الأسمدة الزراعية من النيتروجين والفوسفات أو البوتاس (NPK)، وهي بالتالي تمثل خطرا ملوثا حقيقيا على التربة والمياه السطحية والجوفية. وكذلك النترات، القابل للذوبان في الماء، والذي يمكن أن يشكل خطرا على الصحة (في حالة تحوله الى نتريت) وتسهيل التشبع الغذائي للمياه (إذا ارتبط بالفوسفاط). بالإضافة إلى ذلك، سيستمر تزايد استخدام الأسمدة وسوف يصل إلى ما يقرب من 1.6 مليون طن بحلول عام 2020. يقوي استخدام المبيدات اعتماد المزارعين على سوق تسيطر عليها الشركات المتعددة الجنسيات المتواجدة في المغرب: بايرو سينجينتا ومونسانتو.

لاحظت المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول الحق في الغذاء بعد زيارتها إلى المغرب في أكتوبر الماضي “الاستخدام المكثف للأسمدة”. وأوصت بما يلي: “يجب علينا التأكد من أن الزراعة المكثفة كبيرة لا تستنزف موارد المياه و لا تساهم في تدهور الأراضي”. عبرت المقررة الخاصة بالحق في الغذاء عن قلقها من أن “التصحر والجفاف بسبب تغير المناخ سيؤثران على الزراعة في السنوات القادمة.”

تمثل تربية الماشية واحدا من أكثر القطاعات المرتبطة بالزراعة تلويثا. فمع نموه الكبير في السنوات الست الماضية، لهذا النشاط بصمة بيئية معتبرة. وقد ارتفع الإنتاج من اللحوم البيضاء والبيض أيضا خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث تم تسجيل معدلات نمو سنوية تبلغ 8٪ و 6٪ على التوالي. يسبب هذا الإنتاج المكثف تلوث التربة فضلا عن العواقب الصحية الناتجة عن تطور سلاسل  “الوجبات السريعة”.

يصدر المغرب المياه منذ عقود. فهذه الزراعة الموجهة للتصدير تخضع بداية إلى أيديولوجية التجارة الحرة التي تريد تحميل البلدان النامية مثل المغرب، التكلفة الباهظة لهذه الصناعات الزراعية. يدفع المغاربة وبيئتهم ثمن اختيارات صيغت خارج أي عملية ديمقراطية.

 

مخطط  Halieutis:

 

تم تطبيق نفس الترسيمة الحالية المتعلقة بالقطاع الزراعي على قطاع الصيد البحري. يمثل مخطط Halieutis أداة لنقل الثروات البحرية المغربية إلى لوبيات هذا القطاع البعيد عن الشفافية كل البعد. فبعد سنوات من الأنشطة في ظل هيمنة الريع  والغياب الكامل للشفافية، قرر الصناعيون أصحاب البذل والنياشين تمكين انفسهم من خارطة طريق لاستغلال خيرات البحر. وعلى الجانب الآخر، تم الحكم على الصيد التقليدي والصيادين الصغار بالاندثار، أو في أحسن الأحوال، بأن يتحولون إلى عمالة رخيصة. وتتكون هذه الخطة مما يلي: جعل الموانئ خارج المدن (طنجة والدار البيضاء وأكادير قريبا)، وتحولها إلى مراسي لجذب السياحة الفاخرة على حساب السكان ذوي الجذور الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة تاريخيا بالصيد والمهن المرتبطة به (الدار البيضاء وطنجة وأكادير والحسيمة وآسفي …). وعلى المستوى البيئي، يؤكد Halieutis على الاختيارات المتبعة لسنوات: اتفاق الصيد مع الاتحاد الأوروبي، الصيد المكثف وتربية الأسماك.

لم يكن التنوع البيولوجي البحري أبدا مهددا كما هو اليوم. وتترافق هذه الاستراتيجية مع فقدان التنوع البيولوجي البحري، والصيد الكثيف، وتراجع المحاصيل، والصيد غير المشروع والتشبع الغذائي الذي ينتج عنه وفيات هائلة للأسماك كما وقع خلال عام 2011 في ملوية والصيد بالديناميت، والتلوث الصناعي لمياه البحر الناجم عن النشاط المينائي والنقل البحري. هنا أيضا تتفق الوثائق الحكومية مع هذه الاستنتاجات، لكن هذه الحكومة نفسها لا تعمل على تغيير سياستها. وبدلا من ذلك، تعمق الاستراتيجيات المتبعة في هذا القطاع الأزمة البيئية في البحر “extractivisme” ونهب ثرواته.

إن رفضنا للسياسات المتبعة من طرف الدولة في الزراعة والصيد البحري ينطلق من مرافقتنا لنضالات صغار المزارعين والعمال الزراعيين والصيادين لمدة خمسة عشر عاما. إن دورنا كحركة للتضامن مع الحركات الاجتماعية قادنا لرؤية الأضرار الاجتماعية والبيئية لهذه السياسات.

لمزيد من المعلومات، راجع الأفلام الوثائقية التي أعدتها سعاد كنون، المخرجة  وعضو أطاك المغرب:

Agrobusiness européen dans le Souss,

فيلم وثائقي تم اعداده في اكتوبر 2009 حول بلترة الفلاحين المغاربة بسبب العولمة.

www.dyade-ad.com/galerie-video-de-souad-guennoun-2/

 

La révolte de Chlihat,

انتفاضة الشليحات

يرصد الشريط نضال قرية سنة 2012 ضد شركة اسبانية للارز، تستعمل المبيدات وتستحوذ على المياه وتستغل الاراضي الجماعية للمزارعين الذين يعيشون من زراعتهم المعاشية .

www.youtube.com/watch?v=dbkD7r3s7WI

Plan Halieutus par Brahim Mounasser,

مخطط اليوتيس، عرض ابراهيم موناصير، نقابة البحارة

السياحة : التدمير البيئي الهائل

توجه قطاع السياحة المغربي نحو السياحة الجماهيرية، على طول سواحل المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط ​​، أنتج دمارا بيئيا هائلا. من مارشيكا إلى الداخلة،  فتحت الدولة ذراعيها وخزائنها لأجل تغذية نمط سياحي مستهلك للطاقة.  يتراوح معدل استهلاك قطاع السياحة للمياه بين 542 لتر لكل سرير في قرية سياحية إلى 900 لتر لكل سرير في فندق خمس نجوم. في بلاد تشهد إجهادا مائيا، يمثل الأمر فضيحة .

يدق تقرير “حالة البيئة في المغرب 2015 ” ناقوس الخطر من انتشار سياحة الكولف في منطقة مراكش -تانسيفت: “اقترنت التنمية السياحية في المنطقة بانتشار ملاعب الغولف، التي تتركز أساسا في مراكش . في نهاية المطاف ، فإن ملاعب الغولف المتعددة هذه تستهلك كميات كبيرة جدا من المياه، حيث ارتفع الطلب على المياه إلى 101,7 مليون متر مكعب ، بزيادة قدرها 100 ٪ “ الملايين من الامتار المكعبة من المياه العذبة يتم تبذيرها. وهذه فضيحة إضافية مرتبطة بالاستراتيجية السياحية المتبعة.

أرادت رؤية 2010 في المغرب استقطاب 10 مليون سائح بحلول عام 2010، دون اية مراعاة للعواقب البيئية على النظام الإيكولوجي الهش للمواقع التي تم اختيارها في إطار المخطط الأزرق. هكذا، شهدنا مذبحة بيئية في السعيدية انطلاقا من سنة 2007. وتتكرر نفس الحالة في مارشيكا قرب الناظور، كل ذلك في ظل صمت غريب. إنه  وضع كارثي ما فتئت تندد به عدة منظمات غير حكومية في المنطقة الشرقية.

لقد حاولت رؤية 2020 المتعلقة بالسياحة معالجة أوجه قصور القطاع في ما يتعلق بالبيئة. لكن، مرة أخرى، تبين لنا بأن شعار “التنمية المستدامة” هو مجرد وسيلة تسويقية لجذب السياح الغربيين الى هذه الوجهة. إن الاستراتيجية العمومية في الميدان السياحي مستمرة في عجزها عن الإجابة عن الأسئلة الحقيقية في هذا الصدد.

مطالبنا:

– إعادة النظر في كل الاستراتيجية السياحية بهدف إعطاء الأولوية لحماية الموارد.

– حظر بناء مشاريع سياحية على جميع المواقع ذات الأهمية البيولوجية (SIBE)

– تعجيل وقف صب الخرسانة في السواحل المغربية في إطار المشاريع السياحية.

– سحب الأراضي العمومية التي أعطيت لمستثمرين في السياحة لم يكملوا مشاريعهم في الآجال المحددة.

– حظر بناء ملاعب كولف جديدة وخفض عددها في مناطق الإجهاد المائي العالي (مراكش وورزازات وزاكورة، وما إلى ذلك). 

مشاريع التنمية الخضراء: فرص اغتناء جديدة للحاكمين بدعوى حماية البيئة

في المغرب وعلى غرار معلميهم العالميين وبشراكة معهم أحيانا يحاول المتحكمون بزمام الأمور البحث عن فرص جديدة للاغتناء ومراكمة أرباح جديدة، هذه المرة بدعوى حماية البيئة وتحقيق تنمية مستدامة.

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن حماية البيئة و التنمية المستدامة خاصة بعد إطلاق مشروع الميثاق الوطني للبيئة سنة 2009 و اختيار مدينة الرباط كأحد العواصم العالمية للاحتفال باليوم العالمي للأرض سنة 2010. ونتذكر أن مهمة المندوبة المكلفة بتظاهرة يوم الأرض أسندت آنذاك لمريم بنصالح شقرون الرئيسة الحالية لنقابة الباطروناCGEM  وهي كذلك مديرة شركة المياه المعدنية أولماس. للتذكير فعائلة بنصالح هي صاحبة مجموعة هولماركوم والتي راكمت ثروة كبيرة عبر استغلالها لعيون المياه المعدنية من خلال الماركات التجارية أولماس، سيدي علي وعين الأطلس .

و الملاحظ أنه في المغرب و كما هو الشأن على المستوى الدولي فإن حماية البيئة تعهد لشركات تتحمل مسؤولية كبيرة في تدهور الوضع البيئي من قبيل مجموعة “إس ن ي” خاصة عبر ذراعها المنجمي “مناجم” و الكوارث البيئية التي خلفتها في معظم أماكن الاستغلال. مجموعة أونا، وهذه المرة عبر ذراعها الأخضر شركة “ناريفا” تنصب نفسها اليوم مدافعة عن البيئة والتنمية المستدامة عبر مشاريع “خضراء” خاصة المحطات الريحية حيث تستحوذ المجموعة على حصة الأسد من تلك المشاريع وقد استفادت مؤخرا من صفقات هامة مع كل من المكتب الوطني للسكك الحديدية، شركة لفارج وخاصة المكتب الوطني للكهرباء الذي كان يرأسه مديرها الحالي.  كما يرجح المراقبون فوز شركة ناريفا بالصفقة الأخيرة للطاقة الريحية  التي من المنتظر الإعلان عن نتائجها قبل متم هذا العام و تعد هذه الصفقة الأكبر من نوعها حيث تبلغ القدرة الإنتاجية 850 ميغاوات وتهم 5 مناطق : ميدلت 150 ميغاوات ، طرفاية 300 ميغاوات، طنجة 2 – 100 ميغاوات، الصويرة 200 ميغاوات و بوجدور 100 ميغاوات.

 

لا يمكن الحديث عن تنمية بشرية مستدامة بيئيا في غياب سيادة شعبية

 

رغم فشل سياسات تحرير قطاع انتاج الطاقة بالمغرب المنتهجة منذ أواخر القرن الماضي تواصل  الدولة بل وتتباهى بإنجازاتها في هذا المجال. فالمسؤولون لا يفوتون فرصة للحديث عن النسبة المهمة التي يحتلها القطاع الخاص في هذا المجال وكذا الترسانة القانونية التي أعدت خصيصا من أجل تشجيع وضمان هامش ربح أكبر للخواص.

فالأزمة المالية الخانقة التي عانى منها المكتب الوطني للكهرباء والتي أدت إلى تحميل عبئ إضافي للمواطنين من خلال العقد البرنامج الذي و قعته الحكومة مع المكتب العام الماضي ودخل حيز التنفيذ منذ شهر يوليوز الماضي وبدأت تظهر اليوم نتائجه على جيوب المواطنين من خلال الارتفاع الكبير للفواتير وما صاحبها من احتجاجات خاصة في مدينة طنجة.

 

تشكل الطاقة الكهربائية المستهلة اليوم في المغرب والمنتجة من طرف الخواص أكثر من النصف ومن المنتظر أن يتم رفع هذه النسبة إلى 77 في المائة مع متم 2020. حيث أن جل مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية الحالية والمقبلة يتم إنجازها عبر ما يدعى شراكات القطاع العام والخاص في حين أن هذه الشراكات لا تعدو أن تكون تفويتا للقطاعات الأكثر ربحية للخواص مع ضمانات إضافية عبر عقود الشراء التي تلزم المكتب الوطني للكهرباء بشراء هذه الطاقة بسعر جد مريح (للشريك) الخاص بالإضافة إلى تحمل التقلبات المحتملة لأسعار المواد الأولية المستوردة من الأسواق العالمية .

ثلاثة نماذج على غياب العدالة المناخية في المغرب

 

تستحوذ الشركات الأجنبية  ومتعددة الرساميل على أغلب الثروات الطبيعية للقرى النائية والفقيرة في مناطق مهمشة بالمغرب،  ويشرع هذا الاضطهاد مباركة السلطة والمسؤولين على الشأن العام  والمنتخبين الذين يفترض أنهم يمثلون السكان، وفي كثير من الأحيان يكتسي ” التعدي والنهب” صبغته القانونية من طرف المؤسسات الحكومية.

سمحت الحكومة باستغلال ثروات البلاد من طرف كثير من الشركات وهي على وعي تام بخطورة تلك القرارات، والتي تهدد المناطق الفلاحية والسكان بالعطش والحرمان والجوع والتشرد، إضافة لتأثيرها على البيئة والضرر بها كما بالإنسان.

غياب العدالة المناخية في المغرب كان برهانه الكثير من المناطق التي خاضت ساكنتها معارك نضالية من أجل حقها في العيش الكريم والصحة والشغل وبيئة نظيفة رغم أنها واجهت بالقوة والقمع، ولعل ثلاثة مناطق في المغرب نأخذها كنموذج حي على غياب العدالة المناخية تكاد تكون كافية لتبرهن على جشع الرأسمال والذي ما فتئ يؤكد شعار ” أرباحنا أغلى من حياتكم ” وهو يستنزف الثروات الطبيعية ويحكم على سكان تلك المناطق بالفقر والعطش والمرض.

 

إميضر معركة تاريخية ضد جشع منجم ” الفضة ”

منذ سنة 1986 وساكنة منطقة إميضر القروية التابعة لإقليم تنغير بالجنوب الشرقي للمغرب، تخوض مسيرتها النضالية الطويلة ضد واحد من أغنى المناجم في القارة الإفريقية والذي يتواجد بمنطقة ساكنة إميضر، وينتج ازيد من 243 طن من الفضة الخالصة (%99.5) سنويا. وقد استثمرت الشركة المستغلة للمنجم والتابعة لمجموعة “مناجم” فرع  “الشركة الوطنية للاستثمار “، مؤخرا قصد الزيادة في الإنتاج ليصل إلى 300 طن سنويا حسب مصادرها.

ترى الساكنة أن هناك من يستفيد من ثروتها الطبيعية ويجني أموالا طائلة دون أن يكون لذلك الربح أيَ تأثير على وضعيتها الاجتماعية حيث يعيش شباب المنطقة بدون  شغل ولا دخل بينما المئات من الأسر تعاني الفقر والجوع، وجراء تواجد هذا المنجم فقد استنزف الثروة المائية للمنطقة فتحولت إلى قرية تعاني العطش إضافة إلى ما كانت عليه من حرمان وجوع، أما المنجم سيرتقي إلى مصاف الاوائل عالميا لإنتاج الفضة. هذا التوسيع الهائل سيصاحبه مضاعفة حادة لتلوث البيئة واستنزاف للثروة المائية وغيرها من الثروات التي تزخر بها هذه المنطقة.

وتفتقر منطقة إميضر إلى أبسط البنيات التحتية والحيوية، فجل دواوير الجماعة تعاني من العزلة وغياب الطرق المعبدة وكذا المرافق الصحية، وعدم تعميم الشبكة الكهربائية والنقل المدرسي والماء الصالح للشرب.

ورغم أن الشركة التي تسهر على المنجم غنية كفاية، لم يفرض المجلس البلدي في المنطقة والمنتخبون أيَ دفاتر تحملات تلزم الشركة بتوفير الحاجيات الضرورية في المنطقة والتي تغيب عنها.

استعمال ” غاز السيانور ” يهدد الإنسان والبيئة

يستعمل منجم إميضر واحدا من أخطر المواد التي من شأنها أن تؤثر على الفرشة المائية وتستنزفها وتقتل الإنسان بفعل تأثيره على إنزيم مهم بالجسم يسمى “سيتوكروم أوكسيديز” يعتمد عليه في نقل الأكسجين من الدم إلى الأنسجة، وبتوقف هذا الإنزيم عن القيام بوظيفته يبقى “الهيموجلوبين” المحمل بالأكسجين غير قادر على تمريره للأنسجة كما يهدد بالشلل الدائم وأمراض مزمنة قد تلاحق العاملين بالمنجم وسكان المنطقة.

والأخطر من ذلك، فإن الشركة المنجمية بإميضر تطرح سوائل هذه المواد كنفايات سائلة، غازية وصلبة بشكل عشوائي في محيط المنجم، مما يخلف تأثيرا مباشرا على البيئة (هواء، ماء، غطاء نباتي ووحيش ) دون إغفال مدى خطورة هذا التأثير على الساكنة المحلية التي تعاني من انتشار امراض خطيرة خاصة امراض الجهاز التنفسي والعصبي  ومرض السرطان.

وتتفاقم هذه الظواهر في ظل غياب “دراسة التأثير على البيئة ” وشهادة احترام البيئة (إيزو14001) لأن هذه الشركة المقدمة على الرفع من نسبة الإنتاج و التوسع لم تكن مصنفة بعد وغير مؤهلة بيئيا. إضافة إلى تراميها على الاراضي السلالية و الفلاحية للساكنة بدون اي سند قانوني من خلال تجديدها و حصولها على عقود للاستغلال المعدني من لدن الوزارة الوصية دون استشارة نواب الاراضي السلالية.

معاناة من العطش

عانى سكان جماعة إميضر من نقص حاد في الماء الشروب منذ ربيع 2011 ناتج عن استغلال مفرط للفرشة الباطنية من طرف شركة معادن إميضر(بئر تاركَيط بدون سند قانوني منذ 1986 إلى حد الساعة تحت حراسة من السلطات العمومية ــــ ثقوب تيدسى مند 2004) مما ألحق أضرارا بالفلاحة، المورد الرئيسي للساكنة، وذلك ما بينته دراسة قام بها مكتب دراسات مستقل ( إينوڨارinovar) سنة 2005 حيث اكد تراجع صبيب مياه الخطارات بإميضر بنسبة 61% في اقل من سنة من بداية استغلال أثقاب المياه. مع العلم أن هذه الموارد المائية تستغل خارج القانون 10ـــ95 المتعلق بالملك العام المائي.

البطالة في إميضر

مع أن اكبر منجم لإنتاج الفضة بإفريقيا يقع على الاراضي التابعة للجماعة السلالية لإميضر، فإن نسبة التشغيل الرسمي لأبناء الجماعة لا تتعدى %14 من العدد الإجمالي للعمال بالمنجم.

فقد عمدت الشركة إلى إقصاء ممنهج لأبناء الجماعة العاطلين والمعطلين عن العمل، من مناصب الشغل داخل المنجم عبر إتباعها لسياسة عنصرية ترتكز على تهميش اليد العاملة المحلية و سنها لبروتوكول وراثي بدأ العمل به منذ 1992 ينص على إعطاء أولية (100%)من مناصب الشغل المتوفرة بالمنجم لأبناء العمال. هذا البروتوكول الغير القانوني الذي يخالف مبدأ تكافؤ الفرص، ويمس حق المعطلين من ذوي الحقوق بإميضر في الشغل.

دوار الشليحات نزع الأراضي من مالكيها والحكم عليهم بالعطش

يقع دوار الشليحات بإقليم العرائش شمال غرب المغرب، والذي فوتت فيه السلطات المغربية آلاف الهكتارات من أراضي الجموع إلى مستثمر اجنبي من جنسية إسبانية من أجل استغلالها لزراعة الأرز وإنشاء وحدة صناعية لتصنيعه.

يخلف هذا التفويت، عواقب بيئية و صحية وخيمة تضرر منها السكان و قطعان الماشية والأراضي المحروثة بشكل مباشر. إذ تتعرض المنطقة منذ بدء المشروع لهجوم متكرر ودوري لشتى أنواع الحشرات الضارة  ناهيك عن استنزاف الفرشة المائية.

قبل توطين هذا المشروع، سعت الساكنة وبضغط إلى فرض اتفاق موقع من طرف السلطات في شخص العامل السابق لإقليم العرائش والمستثمر الأجنبي وممثلي سكان الدوار والقاضي بتشغيل 400 من أبناء الشليحات.

بينما كان الرصاص المطاطي يخترق بطون العشرات من نساء الدوار من طرف القوة العمومية التي بدأت تفرق احتجاجات السكان، كان المستثمر الأجنبي والسلطات المحلية قد تنكرت فعليا للاتفاق الموقع ولم يتم تعويض الساكنة ولا تشغيلها.

و ترتب عن التدخلات الأمنية مواجهات متكررة بين قوات الأمن المسلحة بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع والخراطيش المطاطية من جهة، و سكان الدوار العزل. ناهيك عن شتى أنواع العنف اللفظي واقتحام للبيوت وإتلافها وتهديد النساء بالاغتصاب وكما يكون الحال في مثل هذه التدخلات، نال سكان الشليحات حصة الأسد من حيث عدد الجرحى والمعطوبين (حالات كسور متعددة). بينما اصيبت الساكنة بأمراض جراء حشرات دخلت المنطقة بفضل المواد المصنعة للأرز في المصنع وتضررت الفرشة المائية في المنطقة بشكل ملحوظ.

عين بنصميم نهب ماء المنطقة من أيدي الساكنة

تعيش منطقة بن صميم وهي جماعة قروية تابعة لإقليم إفران على وقع نهب أهم مورد طبيعي بها من طرف شركة خاصة تضم عددا من المستثمرين الأجانب والمغاربة،  بعدما فوتت السلطات المحلية عين بن صميم دون أي استشارة مع ساكنة المنطقة كما يقتضي القانون عبر المنتخبين الذين يُفترض أنهم يمثلون الساكنة.

تفويت عين بن صميم إلى شركة ” أجنبية “الأورو- إفريقية للمياه”. اثار احتجاجات ساكنة المنطقة مع بدء المقاول المكلف ببناء الوحدة الصناعية لتعبئة المياه أشغال الحفر توافد السكان على الموقع. حيث قاموا بمنع عمال البناء من متابعة الأشغال، فاحتجوا و نفذوا المسيرة ضد استغلال الشركة لمائهم.

غير أن السلطات والمسؤولين يدافعون عن منطقهم بالقانون، حيث يعتبرون أن التفويت جرى في ظروف قانونية، غير أن الساكنة تتساءل عن القانون الذي يسمح لأقلية مسؤولة بالتحكم في مصير قرابة 3000 نسمة تعيش من ماء عين بن صميم . أي قانون هذا الذي يبيح لشركة، المساهمة في بوار فلاحة تقدر ب 200 هكتار جلها مسقية و بضياع 5000 رأس ماشية . رغم تأكيد المستفيدين المباشرين من الماء ( الفلاحين) أن صبيب الماء انخفض بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بفعل الجفاف. هل هناك قانون يضرب عرض الحائط كل هذا ليصادر حق الفلاحين ومكتسبهم لفائدة حق تحقيق الأرباح ؟غير قانون الرأسمالية السائد: قانون إنتزاع حقوق الأغلبية بالقوة و تفويتها لقلة من الأغنياء.

أما ساكنة بن صميم لا تنظر إلى الامر من ذلك الجانب ( توقيعات- إجراءات إدارية). فتعتبر أن الأمر برمته مرفوض. فهي لا تريد شركة بأرضها بل فقط الماء الذي تحيى منه.

القرية تعيش فقرا كبيرا للخدمات الاجتماعية الأساسية و الثانوية ، إضافة للبطالة الكثيفة. نخلص من خلال هذا أن الشركة والمجلس الجماعي لم يقدما شيئا للقرية غير الوعود منذ الخمسينات من القرن الماضي، وانتهى هذا المسلسل في المنطقة بفرض العطش عبر استنزاف الماء وجعله بالمقابل.

  • هوامش :

http://bit.ly/1TaDApo) ساكنة إميضر

http://bit.ly/21jQoQ9 ساكنة دوار الشليحات

http://bit.ly/1OkpIK2 عين بنصميم

المحطة الحرارية في آسفي كارثة بيئية طور الإنجاز

في سنة 2011، و بالضبط يوم الخميس 8 شتنبر تفجرت كارثة من العيار الثقيل في مدينة أسفي التي تبعُد عن مدينة الدار البيضاء بحوالي 200 كلم جنوبا، حيث تسربت غازات سامة من ” مركب كيماويات المغرب ” الذي يبعد عن المدينة فقط بـ7 كيلومترات نتج عن ذلك إصابات و إغماءات في صفوف عدد من المواطنين الذين نُقلوا إلى مُستشفى المدينة ولم يستطع هذا الأخير تقديم يد المٌساعدة لهم بسبب ضعف الإمكانيات وغياب الأطر الطبية.

بالنسبة للمواطنين هنا بأسفي، ليست تسربات 2011 إلا إنذارا خطيرا من مركب بات يُشكل حالة هلع ورعب في أوساط الساكنة، خلفت هذه التسربات الكثير من الاحتجاجات في المدينة وتظاهر عدد كبير من المواطنين مُطالبين بالحق في التطبيب و الاستفادة من خدمات هذا المُركب واصفين إياه بالمعمل الذي يقتل الساكنة دون أن يُخلف أي أثر ايجابي على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي، بالرغم من الثروة التي يجنيها بفضل  تصنيعه للعديد من المواد الكيماوية.

اليوم، حيث ما زال سكان مدينة أسفي يعانون من أخطار المركب الكيماوي، تفتقت ذهنية المسؤولين والمكتب الوطني للكهرباء عن إضافة طامة جديدة، وهي إنشاء ” المحطة الحرارية ” تعمل بالفحم الحجري المصنف ضمن أخطر المواد عالميا المسببة للاحتباس الحراري في الكون. و بعدما رفض هذا المشروع في مدينة أكادير،ها هو يمُرر بدعوى أنه سيخفف من حدة البطالة التي يعيش فيها شباب المدينة، أما في الواقع تشير الإحصائيات الرسمية المُتحدثة عن مشروع المحطة الحرارية، أنه لن يتجاوز تشغيل أكثر من 800 شخص و أنه سينتج أزيد من 10 مليار كيلواط من الكهرباء في السنة .

إلا أن الخسائر في حق البيئة وحياة الإنسان، ستكون أفظع وستشهد مدينة أسفي أخطر مشروع صناعي مُضر في تاريخ المغرب، حيث ستنشأ المحطة الحرارية في منطقة ” سيدي دنيال ” وهي منطقة ساحلية تقع قرب المركب الكيماوي ، وستتكلف عدة شركات متعددة الجنسيات بإنشاء المصنع وهما ” أنترناشيونال باور (المملكة المتحدة)/ناريفا هولدينغ (المغرب) و”أو دي إف أنترناشيونال (فرنسا) تشاينا دتانغ كوربورايشن  (الصين)”.

الحيوانات والنباتات معرضة للخطر

كما سبقت الإشارة، فإن مشروع المحطة الحرارية هذا، سيكون بمثابة أخطر مشروع صناعي مُضر في تاريخ المغرب، حيث من المعروف أن المشروع سيستغل 400 ألف متر مكعب من مياه البحر لتبريد الآلات التي تشتغل تحت درجة حرارة جد مرتفعة، و التي سيتم إعادة طرحها في البحر محملة بإشعاعات حرارية ملوثة، ستشكل حجابا فوق سطح البحر، فتمنع تسرب الأشعة الشمسية نحو الأعماق، فتقلص من معدل الأكسجين داخل البحر، مما سيتسبب في الاحتباس الحراري للبحر وسيؤدي إلى ترحيل الثروة السمكية، الشيء الذي أكده عددا من النشطاء في مدينة أسفي، أن اعتماد المشروع على المياه البحرية سيخلق بيئة لا هوائية تنشط فيها الميكروبات التي تعيش بعيدة عن الهواء، فتقضي على الثروة السمكية والنباتية، كما أن السموم التي تمتصها فواكه البحر داخل الوسط البحري، تهدد بانتقالها إلى الإنسان في حالة تناوله لهذه الفواكه. وباحتراق الفحم الحجري في المحطة الحرارية، ترتفع في الهواء انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون وأحادي أكسيد الكاربون، اللذين يتسببان في ارتفاع الضغط الجوي، فيؤديان إلى سقوط أمطار حمضية ناتجة عن تكاثف ثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد الكاربون بالجو، مما يتسبب في إتلاف النباتات وتعرضها للإحراق في أوراقها وأغصانها، وتشبع التربة بعناصر كيميائية سامة تمنع الإنبات. أما المواشي فتصاب بانحلال خلوي وانحطاط في النوع الحيواني، وظهور تشوهات خلقية ناتجة عن تناول أعشاب مشبعة بمواد سامة.

هذا التأثير على البيئة وحده كفيل بجعل مدينة أسفي مدينة دون مُستقبل وحياة مواطنيها جحيم، ثم إن تأثير المركب الكيماوي على البيئة، قد ظهرت نتائجه بفعل هجرة الثروة السمكية في المدينة و تراجع مرتبة ميناء أسفي بعدما كان يحتل المرتبة الأولى عالمياً في تصدير السمك وانخفض إنتاجه من 150 ألف طن سنة 1970 إلى أقل من 60 ألف طن حاليا ، وما ترتب عن ذلك من تسريح للآلاف من العاملات و العمال المشتغلين بالنشاطات الإنتاجية خاصة في قطاعي تصبير السمك و الصيد البحري وما يرتبط بهما من أشباه  الأنشطة الاقتصادية الأخرى المهمشة و غير المهيكلة ، الأمر الذي أدى إلى المزيد من تفقير الساكنة واستفحال ظاهرة البطالة وما ينجم عنها من تنام لظواهر لصيقة بها كمختلف مظاهر الإجرام، والدعارة، التشرد، السكن العشوائي و/أو غير اللائق…إلخ. ببساطة إلى المزيد من تردي جودة حياة الساكنة في ظل انعدام الإرادة لدى المسؤولين في أن يضمنوا للمواطنين أبسط أساسيات العيش الكريم من شغل و صحة و تعليم وسكن لائق وبيئة سليمة….

على سبيل المثال لا الحصر، تعرضت وستتعرض صحة المواطنين للمزيد من التدهور بفعل ما تسبب فيه المركب الكيماوي وحده  من تأثيرات سلبية وضارة على سكان المدينة ومحيطها  (هشاشة العظام ،الحساسية ، الربو، ضعف البصر و تشنج الخلايا العصبية …) تلك أهم الأمراض التي يعاني منها مُعظم السكان لحد الآن، وسيزداد الأمر استفحالاً بإنشاء هذه المحطة الحرارية، فغاز ثاني أكسيد الكاربون الذي ترتفع كثافته في الجو عن الحد المسموح  به، نتيجة الأكسدة غير الكاملة للوقود، يؤدي اختلاطه بالدم إلى انخفاض نسبة الأكسجين، ومن ثمة إلى ارتفاع نسبة الإجهاد في عضلة القلب عند الإنسان، وتعرضه لأمراض الجهاز التنفسي، تصلب الشرايين، السعال المزمن، ارتفاع ضغط الدم، هشاشة العظام، تساقط الشعر، قرحة المعدة، التهاب العين والحنجرة والأنف، الربو، الحساسية، التدهور التدريجي في حاسة السمع ،التوتر العصبي والحد من التركيز والإنتاجية. إن تركيز مثل هذه الانبعاثات في الجو يؤثر كذلك على العمران، فيؤدي إلى صدإ المعادن وتآكل حجارة المباني والمآثر التاريخية.

و الخطير فضلا عن ذلك، هو كيفية معالجة بقايا رماد الفحم (الذي يقال أنه نقي، علما أنه لا وجود لفحم نقي، يعلم الجميع أنه حتى الفحم العضوي قاتل، فما بالكم بالفحم الحجري الذي يحتوي على نسبة عالية من مادة جد سامة، الزرنيخ l’arsenic ، تفوق نسبته بما لا يقاس المعايير الدولية المتفق عليها – دونما حاجة للتشكيك في من يحدد هذه المعايير، وفي ما إذا كانت هذه الأخيرة تراعي فعلا صحة و سلامة الساكنة) و أين سيتم طمره وبأية مواصفات، المؤكد أنه سيكون لمطامر رماد الفحم تأثير جد سلبي على الساكنة و على الفرشة المائية لن تمس فقط سكان جماعة خط أزكان أو أيير، بل ستتسع بلواها لتعم كل الإقليم بل والجهة كلها.

استغلال اليد عاملة

اهتزت ساكنة مدينة آسفي مساء الأحد 22 نونبر 2015، على وقع مصرع أربعة عمال ثلاثة مغاربة وواحد من جنسية اندونيسية  في ورش بناء المحطة الحرارية ، حيث سقط العمال الأربعة من أعلى المدخنة التي ما تزال في طور البناء ويبلغ علوها 140 متر.

إضافة للأسباب التي كانت تشير من قبل إلى فاجعة قادمة لا محالة بسبب تدني شروط السلامة وجشع الشركات متعددة الجنسيات التي تشرف على المشروع.

الشركات الأجنبية تعمل على الاستفادة من يد عاملة رخيصة جدا، حيث تم جلب عمال من خارج المغرب سواء من الفلبين واندونيسية أوالمغاربة من قرى نائية ويتم منحهم أجرة شهرية مقسمة على جزئيين، بالإضافة الى حرمانهم من الراحة  وفرض ساعات عمل طويلة ودون عقد عمل يجمع العامل بالمشغل ويتم طرد العشرات من العمال وقتما شاءت الشركات.

عن أية بدائل ندافع في ظل الازمة البيئية الراهنة ؟

  • في جذور الأزمة البيئية

منذ القدم أدى تدخل الانسان إلى تدمير بعض الموارد الطبيعية و القضاء على بعض الحيوانات (قطع الغابات، تعرية التربة و صيد الحيوانات …الخ)، لكن تدخله كان ذا بعد محلي و قابل للإصلاح من طرف الطبيعة نفسها، ويتميز هذا التدخل أساسا بكونه يجيب عن حاجياته الأساسية.

ومع انتصار النظام الرأسمالي في بداية القرن الثامن عشر في بريطانيا وبعد ذلك في  اوروبا ثم باقي دول العالم، ومع التطورات اللاحقة التي عرفها، تغيرت قواعد التعامل مع الطبيعة .

إن الإنتاج الرأسمالي هو انتاج من أجل قيم تبادلية وليس من أجل قيم استعمالية كما كان عليه الامر قبل الرأسمالية، و إحدى مميزات هذا النمط الجديد في الانتاج هي  تحقيق فائض القيمة الذي يأخذ شكلا  مجردا أي على شكل نقود. ومن الواضح أن المراكمة على هذا الشكل يمكن أن تتم بلا حدود ، لذلك يتجاوز الانتاج الرأسمالي باستمرار كل الحاجيات الانسانية المتواجدة. هذه الخاصية هي مدخل للدينامية الإنتاجوية الضخمة للرأسمال.  لهذا السبب ارتبط تدمير البيئة  بالمنحى العام نحو الانتاج الفائض عن الحاجيات وهذه احدى خاصيات الازمة البيئية الراهنة.

و ما يعمق هذه الأزمة هو السعي المتواصل و  بدون توقف من اجل تثوير (révolutionner) الانتاج والاستهلاك (يتم تحفيز وتعميق الاستهلاك عن طريق الاشهار بالإضافة إلى كل وسائل التحفيز الاخرى بما في ذلك أشكال التحفيز النمطية)، إنها خاصية إضافية جديدة للازمة البيئية الراهنة.

تطرح الدينامية الرأسمالية للمراكمة  سؤال حدود هذا التطور المجنون على كوكب موارده الطبيعية محدودة، وجزء كبير منها لا يعوض بعد استنزافه، خاصة أن الرأسمال لا حدود له إلا الحدود التي يفرضها الرأسمال نفسه. و تنتشر مراكمة الرأسمال  على مستوى السوق العالمي ولا تتوقف نهائيا من تلقاء ذاتها طالما توجد ثروات للنهب ويد عاملة للاستغلال. ومادام الرأسمال أصبح معمما على المستوى العالمي، فإن استنزاف الموارد الطبيعية لم يعد ذا بعد محلي، لذلك فالأزمة البيئية لم تعد محلية ولكنها عالمية وتشكل هذه الخاصية، الخاصية الثالثة للأزمة البيئية الرأسمالية.

  • النتائج الكارثية للأزمة البيئية

ارتبطت الاشكال الأولى للتدهور البيئي لمجتمعات ما قبل الرأسمالية بسبب الممارسات الفلاحية ضعيفة الإنتاجية الناتجة عن المجاعة. و بعد ذلك و منذ القرن الثاني عشر دمر الانسان جزءا من الغابات،  لذلك انتزع الاعيان الاوربيون هذه الغابات من الملك الجماعي لحسابهم الخاص بمبرر ضمان بقائها، لكن الحقيقة هي من أجل ضمان الخشب اللازم لصناعة السفن و للاستجابة لحاجيات الصناعة الناشئة، كما قضى على العديد من الحيوانات: مثلا قضى الصيادون الروس على ما لا يقل على 250.000 كلب بحري خلال اربعين سنة في نهاية القرن الثامن عشر كما تم تقليص الكثير من أنواع الحيوانات الاخرى.

غير أن الثورة الصناعية شكلت منعطفا نحو الدخول في الازمة البيئية الحالية، فاستعمال الالة البخارية التي تشتغل بالفحم شكل مدخلا للأزمة البيئية الراهنة. وقد كانت النتائج مباشرة ومتعددة : تدمير لا رجعي للمشاهد المتواجدة في المناطق المنجمية، تلويث المياه، الارض و الجو خصوصا بواسطة المعادن الثقيلة التي يحتوي عليها الفحم(الرصاص والزئبق الذي يمكن لبخاره ان يصل إلى  كل انحاء الكوكب)، تحمض الأنظمة البيئية نتيجة لانبعاث الكبريت ويجب ان نضيف انبعاث ثاني اوكسيد الكاربون بكميات كبيرة.

وقد كان للثورة الصناعية أيضا نتائج بيئية غير مباشرة كانتشار الفلاحة الاحادية الموجهة للتصدير بالبلدان المستعمرة. ايضا تدهور الارض بسبب قطع الدورات الغذائية الناتجة عن التخلي عن اغذيتها الطبيعية واستعمال المواد الكيميائية، فالفلاحة الرأسمالية نشرت النترات على الارض إلى درجة أن الماء تشوه في مناطق عدة من العالم وتقلصت الحياة المائية بسبب النقص من الاوكسجين. و فضلا عن ذلك يؤدي عدم امتصاص النترات إلى تحوله إلى اوكسيد نتري(oxyde nitreux) وهو غاز يساهم بشكل كبير في الاحتباس الحراري .

و منذ منتصف القرن التاسع عشر، اقترح باحثون استعمال الشمس كمصدر بديل للطاقة، غير أن لوبي الفحم خنق مجهوداتهم التي كانت تهدد الأرباح الناتجة عن الهيمنة على عروق الفحم.

مع بداية القرن العشرين بدأ استعمال البترول، إنها الثورة الصناعية الثانية. و خلال بضعة عقود أنتجت الصناعة البتروكيماوية أكثر من مائة ألف جزيئة لم تكن موجودة في الطبيعة والبعض منها سام وضار بالإنسان وبالبيئة و لا يمكن للعوامل الطبيعية ان تحللها وإن حدث بالنسبة لبعضها، فبصعوبة و خلال مدة زمنية طويلة.

لقد قادت الثلاثين سنة لما بعد الحرب العالمية الثانية، الانسانية  إلى تزحزح بيئي كارثي لا رجعة فيه بسبب التعطش للربح. واليوم فالشرط الضروري لكي لا يتجاوز  سطح الارض с°2.4 مقارنة مع ما كان الامر عليه قبل المرحة ما قبل الصناعية، هو تقليص الانبعاث الغازي على مستوى الكوكب ب 50 إلى 85 % من الآن إلى 2050، على أساس أن يبدأ العمل على أبعد تقدير خلال سنة 2015. لا يمكن تحقيق مثل هذه النتائج دون القطع مع نظام الانتاجوية و إحلال مكانه نظام  يختلف جذريا في انتاجه وتوزيعه ويرتكز على هدف تلبية الحاجيات الانسانية الضرورية. ان الاحتمال الممكن اليوم، مع الأسف، هو ارتفاع حرارة سطح الارض ب с°4 في نهاية القرن الجاري، مما سيودي إلى ارتفاع كبير في مستوى المحيطات و ما سينتج عن ذلك من نتائج كارثية ستؤدي إلى إغراق أجزاء هامة من كوكبنا. ستكون الدول الفقيرة أكثر وأول من سيتأثر بالتغيرات المناخية لكونها تخضع لتأثيرات ثلاثية: أولا العالمية وثانيا لكونها لازالت تستعمل مواد طاقية تعود إلى ما قبل الثورة الصناعية كالفحم مثلا وثالثا لضعف الرقابة على المواد والأجهزة المستعملة وبذلك ستكون سباقة في التأثر بنتائج التغيرات المناخية :التصحر، الفيضانات الناتجة عن الامطار الإعصارية، صيف ساخن وشتاء بارد، تدهور خصوبة التربة …الخ

  • عن أية بدائل ندافع

يجعل البحث  المجنون عن الربح من النظام الرأسمالي، نظاما انتاجويا. وهذه الخاصية وما ينتج عنها هي السبب الرئيسي في الأزمة البيئية الحالية. للحد من هذه الأزمة لابد من تغيير نمط الانتاج والاستهلاك، لا بد من تغيير علاقتنا مع الأغذية و طرق انتاجها ومع أنواع النقل ولا بد أيضا من تغيير علاقتنا بخصوص استعمال الطاقة. كل هذا يتطلب ضمان إحداث توازن بين الركائز الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية للدفاع عن أنماط تنمية اقل استهلاكا للطاقة وأكثر عدلا.

أليس من الحماقة و الجنون ان ينتج العالم اليوم ضعف ما يحتاجه من الغذاء( يتم اليوم إنتاج ما يكفي لحوالي أربعة عشر مليار انسان) مقابل انتشار المجاعة في عدة مناطق من العالم؟ فكم يحتاج الانتاج الزائد عن الحاجة من  إنهاك للإنسان ونهب للموارد الطبيعية وتبديد للطاقة؟ لماذا نستورد منتوجات فلاحية يمكن انتاجها محليا علما أن ذلك يضيف تكاليف نحن في غنى عنها : استعمال وسائل النقل، و هذا يعني استعمال اضافي للطاقة، خنق الطرقات و تلويث البيئة؟ يمكن طبعا ان لا نستورد إلا بعض المواد التي لا نستطيع انتاجها لكن منطق الربح غير بشكل عميق علاقة الانسان بمحيطه فانتشرت الزراعات الاحادية المخصصة للتصدير و التي تساهم في تدهور التربة و خصوبتها ، و أصبحت بلدان عدة تستهلك ما لا تنتج وتصدر ما لا تستهلك. و كم هو مكلف انتاج اللحوم و غير صحي. فإنتاج الدجاج مثلا تزايد بشكل كبير و يتم في شروط غير صحية،  فكل دجاجة تتوفر على مساحة لا تزيد عن ورقة من حجمA4  ، مما يحد من حركتها و يجعلها عرضة للأمراض، و لا يتردد المنتجون في حقنها بمختلف المواد الكيميائية. أما انتاج اللحوم الحمراء التي تضاعف خمس مرات ما بين 1950 و 2000 مقابل تضاعف الساكنة العالمية،  فإنتاجها مكلف و مضر بالبيئة  : انتاج كيلوغرام واحد من اللحم يستدعي  استهلاك 7 كيلوغرامات من الحبوب وحسب منظمة الامم المتحدة للتغذية (الفاو)، فلتلبية هذا الطلب المتزايد، يجب مضاعفة الانتاج الفلاحي من هنا إلى 2050 بزيادة الاراضي المزروعة ولكن بأي ثمن؟ بالقضاء على الغابات، بتكثيف الفلاحات الاحادية، باستعمال المبيدات والكائنات المعدلة وراثيا، بتدمير الأنظمة البيئية و بفقدان التنوع البيولوجي.

هذه مجرد أمثلة، لكن على العموم تدمر الفلاحة الرأسمالية، اليوم، الانسان ومحيطه ولا تساهم إطلاقا في تغذيته الصحية. لذلك يجب التخلي عن الفلاحة الصناعية والكيميائية لحساب فلاحة بيئية.

أليس من الضروري ايضا تقليص انتاج المنتوجات الثانوية التي تعتبر سببا أساسيا في الاستهلاك الزائد و المبالغ فيه؟ فالحاجيات الانسانية الحقيقية لها حدود : التغذية، اللباس ، المسكن، العلاج…الخ  بينما الكماليات لا حدود لها والرغبة في استهلاكها غير طبيعية، لكن يتم خلقها و تحفيزها عبر وسائل مختلفة و من بينها الاشهار.

في اسطورة قديمة، نشب حريق في الغابة فهربت جميع الحيوانات إلا طائر الطنان(colibri) الذي كان يحاول إطفاء الحريق بالقطرات التي كان ينقلها بصعوبة . تعجب احد الحيوانات و قال: ” هل تعتقد إطفاء النار بهذه القطرات؟ ” فأجابه الطنان : ” أقوم بدوري”

أمام هذا الحريق المهول الذي يدمر الانسان و البيئة، فليقم كل منا بدوره و لا ننجر امام السائد، اننا نعلم أن حماية بيئتنا يمر عبر القطع مع نظام ليس همه سوى مراكمة الارباح، و لكننا لا نستطيع مع ذلك أن نشهد على التدمير الذي لم يسبق له مثيل دون فعل أي شيء . اليوم وقبل غد يمكننا ان نناضل من أجل :

على المستوى الدولي:

  • تخفيض الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري ب 40 إلى 70 في المائة في أفق 2050. التزامات تكون ملزمة لدول الشمال والدول الصاعدة (الصين والبرازيل) بدون اللجوء إلى شراء حقوق التلويث من عند دول الجنوب.
  • الاعتراف بالدين الايكولوجي لدول الشمال لصالح دول الجنوب وخلق ميكانزمات لتأديته.
  • فرض ضرائب دولية على المعاملات المالية وأرباح الشركات المتعددة الجنسيات واستهلاك الطاقة من أجل تمويل الانتقال من النموذج الاقتصادي الحالي.
  • جعل الصندوق العالمي للمناخ تحت سلطة الأمم المتحدة وحدها من دون البنك الدولي مع احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان الأمم المتحدة حول حقوق السكان الأصليين.
  • العمل على تحويل التكنولوجيا من دول الشمال للجنوب في أطار التعاون بين الشعوب بعيدا عن أليات التمويل والمديونية والتبعية.

على المستوى الوطني:

  • وضع التزامات من طرف الحكومة المغربية تكون ملزمة لها في حيز زمني محدد بخصوص التزامات تقليص الغازات الملوثة.
  • النضال من أجل نموذج اقتصادي واجتماعي يحترم الإنسان و الطبيعة و قادرة على تلبية حاجياته الضرورية  وخاصة الفئات الهشة (الفلاحين الصيادين الصغار، الرحل، سكان الواحات، الخ).
  • سن ضريبة جديدة على الصناعات الملوثة، قطاع السيارات والنقل الجوي والبحري .
  • وضع مخططات من أجل تحويل الصناعات الملوثة مع الحفاظ على كل حقوق الشغيلة.
  • التخلي عن الفلاحة الصناعية و الكيميائية لحساب فلاحة بيئية
  • تطوير فلاحة بيئية، تشجيع النماذج المعاشية المحلية وإحياء البدور الأصيلة.
  • التصدي لنمط الاستهلاك الزائد و اللامتناهي.

خاتمة:

إن المراد من تقديم هذا التقرير هو تحسيس المجتمع المدني بحالة الاستعجال الاجتماعي التي يفرضها التغير المناخي. فمن خلال مطالبنا البيئية، نود تسليط الضوء على علاقات الهيمنة السائدة بين الشمال والجنوب، غايتنا في ذلك: تقديم نقد جذري للنظام الرأسمالي الذي يسحق الطبيعة والإنسان لخدمة مصالح القوى الاقتصادية الكبرى .

أملنا أن تفتح  هذه الوثيقة آفاق الحوار بين مختلف الأطراف المناضلة، لأن إلحاح الوضع المناخي يفرض بناء جبهة مناضلة موحدة .

جميعا من أجل بناء سلطة مضادة ايكولوجية بالمغرب. ولأن عالما آخر ممكن ، فلنرفع أصواتنا لحدود أبواب COP 22 الذي سينعقد في مراكش .

 

[1] Politique agricole au Maroc : au service de l’agrobusiness, marginalisation de l’agriculture paysanne, appauvrissement de la population rurale, et dépendance alimentaire. Publication ATTAC/CADTM Maroc.

 

[2] Nourrir le monde sans pétrole.  http://www.teddygoldsmith.org/page53.html

[3] Aziki Omar. Le dilemme du modèle agro-exportateur marocain. http://cadtm.org/Le-dilemme-du-modele-agro

[4] – La Vie économique: 70 litres d’eau par habitant et par jour, USA : 600 litres ! http://lavieeco.com/news/economie/maroc-70-litres-deau-par-habitant-et-par-jour-usa-600-litres-22228.html

[5] La Vie économique. op cit.

[6] Najib Akesbi.L’agriculture marocaine à l’épreuve de la libéralisation. Ouvrage collectif, avec D. Benatya et N. El Aoufi, éd. Économie critique, Rabat, 2008. http://www.amse.ma/doc/Agriculture-Economie%20Critique%20ok.pdf

[7] – Najib Akesbi. Op cit. page 30

[8] op cit.

[9] op cit, page 31.

زر الذهاب إلى الأعلى