بيانات وتقارير

بيان: أزمة المياه بسوس متواصلة ولن تشكل محطة تحلية المياه بشتوكة حلا لها

تتجلى أزمة المياه بسوس في تسجيل عجز مائي متواصل منذ عقود يبلغ ملايين الأمتار المكعبة، إذ أن الزراعة التسويقية المركزة على تصدير البواكر(الطماطم) و الحوامض تستهلك سنويا كميات من المياه تفوق بكثير الاحتياطات المائية المتوفرة. و يمكن رصد معالم هذه الأزمة في ما يلي:


• استنزاف حاد للفرشة المائية الجوفية من قبل الضيعات الكبيرة(تقدر مساحتها بمئات و آلاف الهكتارات)، حيث ينخفض مستواها بمتوسط سنوي يتراوح ما بين متر و نصف إلى مترين.
• أفضت عقود من ضخ المياه بكميات تفوق الاحتياطات المتوفرة إلى اندثار أنظمة السقي التقليدية المسيرة بشكل جماعي أو فردي(الخطارات و إرغراغ) و تراجع الفلاحة المعاشية العائلية التي كانت ترتكز على إنتاج الحاجيات الغذائية الأساسية(حبوب، زيتون، خضروات، رعي).
• تسبب التراجع المستمر لمستوى الفرشة المائية في عجز الفلاحين الصغار عن اللحاق بمصدر المياه الجوفية. و ساهم ذلك في فقدانهم لجزء هام من مداخيلهم و تحول عدد كبير منهم إلى فلاحين فقراء أو عمال زراعيين لدى الضيعات الكبيرة التسويقية التصديرية التي استحوذت على جزء من أراضيهم الخاصة أو الجماعية أو الغابوية.
• يتسبب الضخ المفرط للمياه الجوفية في تقوية الميل نحو تسرب المياه المالحة البحرية نحو الأراضي الفلاحية، لاسيما تلك المحادية للشريط الساحلي، مثل المناطق الفلاحية لشتوكة و ماسة مركز الصادرات “الوطنية” لكبار مصدري البواكر الذين دأبوا منذ عقود على توجيه قسط هام من كمية المياه التي يضخونها نحو ري منتوج الطماطم.
• تهديد الموارد المائية الموجهة للماء الصالح للشرب. فبالرغم من أن المياه الصالحة للشرب الموجهة للاستهلاك البشري و الصناعي و السياحي لا تشكل غير ما يناهز 7% من مجموع الكميات المستهلكة بسوس ماسة، إلى أنها باتت مهددة بفعل الضخ المفرط للمياه من قبل النشاط الزراعي التسويقي الذي يلتهم أكثر من 93% من مجموع الموارد المائية.


هل تشكل محطة التحلية إنقادا لسهل اشتوكة من مخاطر الجفاف؟
لن تشكل محطة تحلية المياه انقادا لحوض اشتوكة من مخاطر التصحر، بل ستنجم عنها عواقب تضر بمصالح الفلاحين الصغار و بمستهلكي الماء الصالح للشرب، فضلا عن تسببها في تلويث المحيط البيئي، و نجملها في ما يلي:
• سيؤدي ارتفاع تكلفة الماء(بحوالي 4 أضعاف السعر الحالي) نتيجة استخدام الطاقة الكهربائية و البنيات التحتية للمحطة(محولات، صهاريج، مضخات، قنوات) إلى عجز صغار الفلاحين عن شراء مياه الري من الشركة المستفيدة من صفقة بناء المحطة و توزيع مياهها.


• و بجانب استفادتهم من اقتناء مياه محطة التحلية، سيواصل أرباب الضيعات الكبيرة للبواكر داخل البيوت البلاستيكية الاستغلال الكثيف للمياه الجوفية اعتمادا على عدد هائل من الآبار الأكثر عمقا و المجهزة بأحدث تقنيات و معدات الضخ. و بالإضافة لذلك سيستمرون في الاستفادة من مياه الري القادمة من سد يوسف ابن تاشفين. و هكذا لن تساهم محطة التحلية في وقف استنزاف الفرشة المائية و انهيار مستواها، بل ستكون بمثابة حافز لمزيد من توسع الاستثمارات الفلاحية بحوض اشتوكة بحيازة المزيد من الأراضي و تكثيف الإنتاج الزراعي. و سيتطلب ذلك استهلاك كميات إضافية من الاحتياطات المائية بسوس.


• ستساهم محطة تحلية المياه بسوس في المزيد من خلخلة الأنظمة البيئية المحلية، لاسيما بالسواحل البحرية، بعدد هائل من النفايات، من بينها كمية الملح الناتجة عن التصفية و عدد من المعادن الثقيلة.


• يأتي إنشاء هذه المحطة كخطوة إضافية في اتجاه خوصصة مصادر المياه. فبعدما جرى تفويت توزيع مياه سد أولوز(45 مليون متر مكعب) لصالح شركة أمانسوس التابعة لمجموعة المدي، ستستفيد شركة خاصة إسبانية من خوصصة المياه البحرية المحلاة لتحولها لمصدر لجمع أرباح طوال 27 سنة من الاستغلال.

و بالإضافة لبيعها لمياه الري للمستثمرين الخواص بحوض اشتوكة، سيكون بإمكان الشركة بيع الماء الصالح للشرب للمستهلكين. تعد هذه الإمكانية هدية مجانية لصالح هذه الشركة الخاصة، فليس هناك ما يفرض اقتناء المياه الصالحة للشرب من محطة التحلية. إن الاحتياطات الحالية للسدود الرئيسية بسوس كافية لتعويض أي ارتفاع للكميات المستهلكة أو أي نقص للمياه الصالحة للشرب.

و لن يكلف ذلك أية نفقات إضافية، يكفي فقط مراجعة جدول الحصص السنوية لاستهلاك المياه المعبأة، و ذلك بتقليص الكميات الموجهة عادة للري و رفع الاحتياطي الموجه لتلبية الحاجيات من مياه الشرب. سيفضي الاعتماد على الشركة الإسبانية في التزود بالماء الصالح للشرب إلى رفع أسعار فواتير الماء، كما سيساهم في إضعاف دور المكتب الوطني للماء و الكهرباء و في جعل المواطنين-ات رهائن للمصالح الفردية الأنانية لشركة إسبانية، لاسيما و أن الأمر يتعلق بمادة حيوية يفترض أن لا يطالها التملك الخاص أو سيطرة الشركات الخاصة.

من المسؤول عن هذه الأزمة؟
يبلغ مجموع كمية المياه السطحية والجوفية المستهلكة سنويا بسوس ماسة 1066 مليون متر مكعب. تستهلك الفلاحة 997 مليون متر مكعب، أي 93% من المجموع، فيما توجه حوالي 70 مليون متر مكعب، أي حوالي 7%، للماء الصالح للشرب وللقطاع السياحي والصناعي.


يتشكل معظم الإنتاج الزراعي بسوس من البواكر، لاسيما الطماطم، و الحوامض و الذي يصدر معظمه نحو الأسواق الخارجية. و تستحوذ على معظم هذا الإنتاج بسوس الضيعات الكبيرة العائدة ملكيتها للاستثمارات الرأسمالية الكبيرة.
إن المسؤول المباشر والأول إذن عن أزمة المياه بسوس هي الزراعية الرأسمالية التسويقية التي تصدر مع المنتجات الفلاحية ملايين الأمتار المكعبة من المياه فيما تُفقِّر شرائح عريضة من صغار المزارعين- ات ويستحوذ كبار الملاك عن أراضيهم- هن وحقوق ولجوهم- هن إلى المياه.


ليس الجفاف إذن سبب أزمة المياه بسوس، بل التدبير الرأسمالي لمصادر المياه، خاصة الجوفية. يتعامل أرباب المزارع الكبرى مع الماء على أساس أنها مادة أولية تدخل في عملية الإنتاج من أجل مراكمة الأرباح. إن منطق الربح يتناقض كليا مع الحفاظ على مكونات البيئة، وضمنها المياه. وحين يستنزفون مياه منطقة ينطلقون لغزو مناطق أخرى. وهذا ما نشهده مؤخرا؛ إذ يتوجه أرباب المزارع الرأسمالية إلى مناطق لازال مستوى الفرشة الجوفية لم ينخفض كثيرا.
من أجل سياسة مائية عمومية لصالح صغار الفلاحين- ات والمستهلِك- ة المباشِر- ة
ندافع عن منظور مغاير كليا للتدبير الرأسمالي للثروة المائية. إن درء الأزمة المحدقة يستدعي وقفا فوريا لتزويد المزارع الرأسمالية الكبرى المصدرة بمياه السدود ووضح حد للضخ الكبير من الفرشة الباطنية، وإعادة توجيهها نحو الفلاحة المعاشية المحلية.


علينا النضال من أجل تحميل أرباب العمل ودولتهم كلفة هذا التحول من زراعات رأسمالية تصديرية إلى زراعات معاشية تعتمد على الفلاَّح- ة الصغير- ة، واتخاذ إجراءات فورية تضمن الحفاظ على دخل مئات ألاف العمال- ات الزراعيين- ات وسياسة تشغيل عمومية لاتقاء البطالة التي ستنتج عن ذلك التحول.


نناضل من أجل السيادة على ثرواتنا الطبيعية، وضمنها المياه التي تشكل ملكا جماعيا، وليست محض مدخلات إنتاج تُستثمَر من أجل مراكمة أباح كمشة من أرباب المزارع الرأسمالية. ويتظافر هذا مع النضال من أجل سيادة غذائية؛ حيث الفلاحية المحلية تنتج ما نستهلك، بدل الزراعة الرأسمالية التي تنتج ما لا نستهلك، وتضطرنا إلى استيراد معظم غذائنا من الخارج.
مجموعة أطاك إنزكان أكادير
يوم 21 فبراير 2021

زر الذهاب إلى الأعلى