«توجد لحظات تاريخيّة تبدو فيها أكثر الأحلام جنوناً قابلة للتحقق، شرط أن نجرؤ على محاولة تنفيذها». [برنار فيربير]
قبل بضعة أيام فقط لم يكن أحد ليتوقع أن تحدث هذه المبادرة الشبابية GENZ212 التي بدأت ببضعة مئات على منصة Discord، صدمة سياسية واجتماعية في جميع أنحاء المغرب. لا أكثر المتفائلين، ولا أكثر المتشائمين الذين ظنوا أن الشباب قد استلبهم الاستهلاك واليأس والقدرية. ما يحدث اليوم مع حركة #GENZ212 هو ببساطة أمر غير مسبوق: جيل يستعيد صوته، ويبتكر قواعد جديدة للنضال، ويهزّ البلاد بهواتفه الذكية وإبداعه.
بفضلكم يا شباب جيل #GENZ212، أصبحت وسائل التواصل فضاءات عامة حقيقية. حيث كانت الكلمة الاحتجاجية محصورة سابقاً في دوائر ضيقة، صارت اليوم كل رسالة، كل بث مباشر، كل منشور يهز آلاف المتابعين- ات، ويحرّر كلمة صافية، عفوية، بلا أقنعة. العالم الرقمي، الذي كان أداة للترفيه وحتى التفاهة عند البعض، صار بين أيديكم وسيلة للتعبئة والوعي الجماعي.
بفضلكم- كن، تراجعت اللامبالاة وحلّت محلها جرأة الغضب المشروع. أولئك الذين اعتقدوا أن الشباب قد ضاع، محاصَر باليأس وأوهام الاستهلاك، يكتشفون اليوم أنكم- كن قادرون- ات على تحويل الغضب إلى فعل، والسخرية إلى سلاح سياسي، والمطالب إلى شعارات في الشارع. لقد حطمتم- ن عزلة النضالات الفردية والفئوية ومنحتم لكل شخص يقين أنه لم يعد وحده.
بفضلكم- كن، تنشأ تحالفات جديدة. الطالب الفقير، العامل- ة المستغَل- ة، الشابة الثائرة ضد البطريركية، المبدع- ة المقموع- ة، الصحفي- ة المستقل- ة المُلاحق- ة… كلهم- هن يجدون أنفسهم- هن في مطالبكم- كن. ما كان متفرقاً ومجزأً، يتوحد اليوم حول رفض واحد: الاحتقار، والظلم الاجتماعي، واحتكار الثروة من قِبل أقلية.
بفضلكم- كن، يعود صدى 20 فبراير. هناك من حاول طمس تلك الصفحة أو تقزيمها إلى “فشل”، لكنكم- كن تُثبتون أن شيئاً لم يضع هباءً: البذور التي زُرعت منذ أكثر من 14 سنة تجد اليوم أرضاً جديدة لتنمو. أنتم- ن ورثة تلك التجربة، لكنكم- كن أيضاً مبتكرون- ات لأشكالكم- كن الخاصة: احتجاجات إبداعية، حملات رقمية، وتنظيم أفقي يتيح للجميع الكلام.
بفضلكم- كن، يتراجع الخوف. عبر مواقفكم- كن، عبر مقاطعكم- كن النقدية، عبر شعاراتكم- كن الجريئة، تكسرون المحرّمات وتهزون “الخطوط الحمراء”. تمنحون الشجاعة للأجيال السابقة التي أنهكتها الخيبات، لتستعيد الأمل والقوة في المشاركة من جديد.
بفضلكم- كن، يستعيد مفهوم “المواطن” معناه. ترفضون أن تكونوا مجرد رعايا سلبيين- ات أو مستهلكين- ت مطيعين- ات. تطالبون بأن تكونوا فاعلين- ات كاملين- ات في الحياة السياسية، قادرين- ات على مساءلة السلطة، ومراقبة قراراتها، والمطالبة بالمحاسبة. ترفضون أن يُضحّى بطموحاتكم- ات من أجل نخبة اقتصادية وسياسية معزولة.
بفضلكم- كن، يستعيد الفن دوره المتمرّد. الأغاني، النكات، الفيديوهات المتداولة على ديسكورد، والجداريات على الجدران، كلها تصبح أدوات احتجاج مبتكرة، تتجاوز الرقابة التقليدية. هناك من كان يظن أن الإبداع المغربي لا يعيش إلا إذا هاجر، لكنكم- كن تثبتون أنه قادر أن يكون سلاحاً هنا والآن، في خدمة الشعب.
بفضلكم- كن، يدخل المغرب في حوار مع العالم. نضالاتكم- كن تلتقي مع نضالات شباب آخرين- ات يرفضون الهشاشة، والظلم الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والحكرة التفافية. برفع مطالبكم- كن عالياً، تجعلون صوت المغرب الجديد مسموعاً، صوتاً فخوراً بجذوره، لكنه كونيّ في طموحاته.
بفضلكم- كن، تعود العدالة الاجتماعية إلى الواجهة. في بلد يتسع فيه الفارق بين الأغنياء والفقراء كل يوم، تفرضون مجدداً هذه القضية في قلب النقاش العام. تذكّرون أن السكن، والصحة، والتعليم، والعمل الكريم ليست امتيازات، بل حقوق.
بفضلكم- كن، لم تعد اليوتوبيا ترفاً. تجرؤون على الحلم بمغرب تُحترم فيه كرامة الجميع، وحيث لا تُتخذ القرارات السياسية خلف الأبواب المغلقة من طرف أقلية طفيلية وظالمة وضعت يدها في أيادي مستعمرينا القدامى والجدد وحتى في يد الصهيونية. تجرؤون على القول إن هذا الحلم ليس وهماً، بل ضرورة.
وبفضلكم- كن، تُكتب صفحة جديدة في تاريخنا. صفحة ترفض النسيان والاستسلام، صفحة تتكلم لغة جيلكم- كن لكنها تنتمي إلى شعب بأكمله.
نحن في الجيل الذي كبرت معه في جمعية أطاك المغرب التي استكملت هذه السنة 25 سنة من النضال من أجل مغرب آخر، منخرطون معكم قلبا وجسدا، ومستعدون لوضع كل ما تعلمناه من تجربتنا بنجاحاتها وخاصة أخطائها في خدمة مسيرتكم وكفاحنا جميعا من اجل مغرب الحرية والكرامة و العدالة الاجتماعية.
استمروا، ولنستمر جميعاً في حلمنا، لأن هذا النَّفَس لا يجب أن ان ينطفئ حتى لا نخلف مرة أخرى موعدنا مع التاريخ.
بقلم: م.جواد مناضل اطاك المغرب